مسرحية ست الدنيا: بيروت زمان ليست زمناً جميلاً

توّج مسرح مترو المدينة سنته العاشرة بمسرحية: ست الدنيا، أعادتنا عقوداً إلى بيروت القديمة نازعة عنها صفة الزمن الجميل.

  • مسرحية ست الدنيا: الممثل زياد عيتاني في شخصية أميرة
    مسرحية ست الدنيا: الممثل زياد عيتاني في شخصية أميرة

نعم نحن إزاء مادة مسرحية ثرية بنصها الجريء المتماسك والمباشر، وإخراجها البارع من دون إستعراض تقنيات أو فذلكات فارغة، وأداء وقع على عاتق الممثل زياد عيتاني الذي تخلص هنا من فلتاته الخاصة في عملية ضبط وتصويب لطاقته وموهبته خدمته كما خدمت المسرحية التي نترك لها أو لصانعيها حرية إبداء الرأي في الزمن القديم وإعتباره غير جميل، في صورة مناقضة للتوصيف المتداول: الزمن الجميل، وهذا الموقف يتم إعتماده في معظم مشاهد المسرحية التي تحمل وصف الشاعر الراحل نزار قباني لبيروت بـ : ست الدنيا، وتُختتم بعبارة لا تُعير وزناً لجمال ذلك الزمن.

المسرحية لم تُسئ لبيروت المدينة أو لأهلها عندما تُنكر على زمنها الغابر توصيف الجميل، فالعمل يورد حيثيات الحياة التي تعيشها السيدة أميرة من ذاكرتها الخصبة والقديمة جداً بدءاً من طفولتها وصولاً إلى حاضرها اليوم، عن العادات الإجتماعية التي واكبتها وأسلوب التعاطي معها كأنثى لتزويجها بعد إمتهان خصوصيتها وأخذ القرارات نيابة عنها فيما خص حياة طويلة فيها عشرة الرجل الجاهل والذي لسوء حظها  إعتقل وسجن بتهم السرقة والتهريب لتعيش وحدها دهراً من العزلة، وعندما خرج من السجن قصد بيت عائلة جارة لهم طالباً يد إبنتهم، كما يمر النص على ما تتذكره أميرة من شطارة والدها التاجر وقسوة تعامله مع الستأجرين الذين يتأخرون في دفع الإيجار الشهري، بتكليف شقيقيها برميه وعالته خارج البيت، كل هذا مع ما يتخلل الحكايات من محط كلام يهزأ من ذاك الزمن فيقول بسخرية: "الله شو كانت إيام حلللللوة"، وتكون الطامة الكبرى من نوستالجيا تلك الحقبة، الإحراج الذي تواجهه الفتاة عند زواجها وهي لا تفقه شياً لا عن الرجل ولا عن الزواج، وتكون الصورة الأدهى أن العريس من الطينة نفسها، ويسعى الأهل للإستعانة بسيدات ولاّدات (القابلات القانونيات) لوضع الزوجين في صورة ما أمكن من تفاصيل حول المطلوب منهما لحياة زوجية حقيقية.

ست الدنيا، أخرجها بنفس فني عفوي وعميق هشام جابر صاحب ومؤسس مشروع مترو المدينة الذي أثبت مع إتمامه العام العاشر أن خشبته كانت الأفضل على الساحة البيروتية في العروض، ونوعها، وفتح الباب لأشكال التجارب المسرحية لتقديم أنماط ورؤى جديدة، عرفت إقبالاً على متابعتها ثقة في خيارات إدارة المسرح. المخرج جابر أسهم في نص العمل، مع خالد صبيح، والممثل زياد عيتاني، وما أوردوه عن الزمن غير الجميل أدى إلى قرارهم بأن زمناً إتسم بما أوردوه من حيثيات وممارسات إجتماعية مع جوانب أخرى ملحقة لا يستحق صفة الجميل.