"يرحلون ونبقى" عرض فني لدعم غزة الصامدة المقاومة
ينادي محبو فلسطين كاتب التاريخ ليخلّد ملحمة الشعب الفلسطيني وصراعه من أجل البقاء لترسيخ الحقيقة الثابتة -كالشمس في رابعة النهار- أن إرادة صناع الحياة تنتصر على عشاق الموت، وأن الاحتلال راحل والفلسطيني باقٍ ما بقيت في الحياة حياة.
بالقسَم لتحرير فلسطين، رُفع الستار عن العرض الفني "يرحلون ونبقى" الذي تنوعت فصوله وتنقلت بين سرد تاريخ القضية الفلسطينية، وعروض الدبكة الشعبية الفلكلورية، والمشاهد التسجيلية. فن لا تنفصم عراه عن المقاومة بأشكالها كافة لتأكيد أن الدفاع عن فلسطين قرار وليس مجرد خيار.
على مدار 90 دقيقة، أبدعت فرقة "القدس للتراث الشعبي الفلسطيني"- على مسرح جمعية الثقافة والتعليم الأورثوذكسية في العاصمة الأردنية عمان- في تقديم عروض متعددة.
وبالرمزية، تنطق "حيفا" ابنة فلسطين مستذكرة سؤدد الماضي التليد، ويحضر الحاضر الأليم لإثبات أن نصر المقاومة آتٍ لدحر الاحتلال طالَ الزمان أم قصر.
شخصية "حيفا" جسدتها كاتبة العرض سارة سمور بصفتها الراوي الأساس، وهي قالت في حديثها إلى "الميادين نت" إنها تحكي قصة صبية افتراضية من مدينة "حيفا" تحمل مأساة أجدادها منذ نكبة 1948، وما تزال لغاية اليوم تؤمن بالمقاومة خياراً أوحد لتحرير فلسطين.
و تضيف سارة أن ثبات أهل غزة وما أبدوه من إصرار صادق للتشبث بأرضهم وعدم تكرار سيناريو التهجير- رغم التدمير والتقتيل والتجويع من أجل التركيع- لفت أنظار الإنسانية بأن زيف الأقنعة "الإسرائيلية" ومن دعمها قد كُشف، وأن صحة الرواية الفلسطينية ظهرت بذود الفلسطيني عن أرضه السليبة، وتقديم التضحيات مهما بلغ ثمنها وحجمها، لتحقيق مراده في الانعتاق من نير الاحتلال".
بالإضافة إلى ذلك، تؤكد سارة أن "الفن جزء لا يتجزأ من المقاومة عبر الحفاظ على الهوية حتى ولو كان بالكلمة والغنوة واللباس التراثي، فالفنون تحمل قصص الشعوب المناضلة التي لا يكتبها التاريخ ولا تقولها السياسة".
فرح في زمن الحزن!
"يرحلون ونبقى" حكاية صمود لا يعرف الانكسار أو الاندثار. بارقة أمل في زمن فاقت فيه وحشية "إسرائيل" كل الحدود، وأغرقت كل ذي ضمير إنساني حي في قلب الأحزان. حزن على آلام أهل غزة، وآمال وفرح بقدرة المقاومة على قهر الجيش "الإسرائيلي" الذي لا يقهر.
يقول القائمون على الفعالية: إنه تم تأجيلها أكثر من مرة بسبب حرب الإبادة الجماعية في غزة؛ لكنهم أعادوا النظر، وقرروا -في نهاية المطاف- المضي قدماً في عرضها، ليذهب قسم كبير من ريعها لدعم غزة.
خشبة المسرح تحولت إلى ساحة نضال تفرعت مضامين رسائلها وتعددت، وسلطت الضوء على جرائم "إسرائيل"؛ لكنها عادت والتقت في مربع الإيمان ببسالة الفلسطيني وحقه في المقاومة.
بالإضافة إلى ذلك، تناوبت عروض الفلكلور الشعبي، وتخللتها مداخلات للراوي واستعراض لصور فلسطين القديمة التي عبرت جسر الزمان لتشكل لوحة بهية توجت فيها فلسطين ملكة للكفاح بغض النظر عن الزمان والمكان.
تعاقب الأجيال
من أبرز أهداف العرض الفني إبقاء القضية الفلسطينية حيّة في عقول الأجيال الجديدة، وتعليمهم أبجديات فلسطين من خلال إحياء التراث والأغاني والأهازيج والدبكات الشعبية.
وفي هذا الصدد، تشير ميسون سجدي المسؤولة الإدارية لفرقة "القدس للتراث الشعبي الفلسطيني" في حديثها لـ "الميادين نت" إلى أن الفرقة تعمل على خلق جيل ينبض بحب فلسطين، عبر تعليمه تاريخها وتراثها وأسماء قراها ومدنها، وقبل ذلك وبعده غرس حب المقاومة في نفوس الأحفاد من خلال تناقل سردية الأجداد وقصص بطولاتهم في الماضي والحاضر التي تمهد لهم طريق النضال كونهم عماد المستقبل.
وتزيد ميسون سجدي قائلة: إننا نعمل على نحوٍّ دائم لدحض المقولة "الإسرائيلية" أن "الكبار يموتون والصغار ينسون" إيماناً منّا في حق العودة، ولزرع الشعور في نفوسهم بحتمية النصر.
بالتوازي، تؤكد مهى درويش رئيسة ومؤسسة "جمعية إبداع" أن تهيئة البيئة للأطفال من خلال انخراطهم منذ نعومة أظفارهم بفعاليات وطنية هو واجب لبناء الجيل الجديد؛ ليكون مفهوم المقاومة جزءاً من الوعي الجمعي. وتشير إلى أن ارتداء الزي الشعبي الفلسطيني هو فرع من معركة الحفاظ على التراث الفلسطيني الذي تسعى "إسرائيل" إلى سرقته وترويجه على مستوى العالم بأنه ملك لها.
صغار بعقول كبيرة
براعم صغيرة تكاد أن تتفتح تعج بها جنبات المسرح. أطفال بعمر الورد هجروا أماكن اللهو والترفيه وأعلوا أصواتهم: "لا لـ"إسرائيل"، ونعم لفلسطين". تتشابك أياديهم في استعراضات غنائية ورقصات تعبيرية تحاكي عز فلسطين الغابر، وتُخرج من معاناة غزة المكلومة حلم طفل بالعودة، عودة عصفور مهاجر.
بثقة كبيرة وشغف أكبر، تمايل الطفل مجد شاهين عضو "فرقة القدس للتراث الشعبي". ورسم وأقرانه استعراضات تنبض حباً لفلسطين. وفي حديثه إلى "الميادين نت" قال: "إن الدبكة هي نوع من المقاومة. وأعرب عن خيبة أمله أنه في الوقت الراهن لا يمكنه حمل السلاح، لكن يقينه أنه سيأتي يوم يكون واقفاً على ثرى فلسطين لتحريرها من الاحتلال.
وعلى المقلب الآخر، تتباهى الطفلة سلمى البدور ابنة الـ 9 أعوام بارتدائها الثوب الفلسطيني، وتؤكد أن "كل خيط من خيوطه يروي حكاية التغريبة الفلسطينية". وتتباهى أن عمر ثوبها أقدم من عمر "إسرائيل" وهو الذي ورثته عن جدتها.
ينادي محبو فلسطين كاتب التاريخ ليخلد ملحمة الشعب الفلسطيني وصراعه من أجل البقاء لترسيخ الحقيقة الثابتة -كالشمس في رابعة النهار- أن إرادة صناع الحياة تنتصر على عشاق الموت، وأن الاحتلال راحل والفلسطيني باقٍ ما بقيت في الحياة حياة.