وزير خارجية إيران يكشف عن إستراتيجية سليماني العالمية(2 - 2)
يكشف عبد اللهيان في كتابه "صبح الشام" أن السيدة فدريكا موغريني، الممثلة العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي اعترفت له في اَخر لقاء معه بالدور الهام للفريق سليماني في محاربة "داعش".
ولأن كتاب "صبح الشام" كان بوصية من الشهيد الفريق قاسم سليماني، يعطي وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان حيزاً مهماً في كتابه لشخصية القائد الأممي - كما يسمّيه - الشهيد قاسم سليماني.
يكشف عبد اللهيان في كتابه عن استراتيجية الشهيد سليماني للأمن القومي والعلاقات الدولية. ويقول إن ميزة القائد سليماني أنه "جنرال وفي الوقت عينه سياسي جيد ودبلوماسي محترف ومحاور قوي... فمن مميزات اللواء سليماني أنه كان سياسياً بارعاً... يردد الدبلوماسيون مصطلحاً فيقولون: قد يكون شخص ما دبلوماسياً جيداً إلا أنه سياسي سيئ... لكنّ سليماني كان يجمع بين البُعدين.
ويوضح عبد اللهيان كيف أن سليماني كان سياسياً بارعاً "فقد كان يدرك كيفية بناء السياسة الدولية اليوم، وكيف يفكر المجتمع الدولي". وقد كان يقول: "ما هو تكليفي في إيجاد الأمن؟ مهمة اللواء سليماني وبكلمة واحدة هي تأمين الحد الأكبر من الأمن القومي والمصالح الوطنية للجمهورية الإسلامية في المنطقة والعالم..
إقرا أيضاً: "صبح الشام": مذكرات عبد اللهيان حول الأزمة السورية (1- 2)
ويتابع: اليوم، تغيرت المفاهيم والأساليب. في وقت ما لم تكن ظاهرة الإقامة في الأبراج رائجة في طهران. كان الناس يعيشون في بيوت من طابق أو اثنين أو ثلاثة. فاذا احترق بيت في الزقاق العاشر من الشارع الذي أعيش فيه، لا يشعر سكان الزقاق الخامس عشر بأنهم مهددون بامتداد الحريق إلى بيوتهم. ولكن، إذا احترق طابق في برج مؤلف من 40 طابقاً، فعندئذ وجب إخلاء البرج بأكمله.
ويوضح عبد اللهيان: لا يمكن لشخص يسكن في الطابق الثاني أن يقول إن الحريق في الطابق الثاني عشر ولن يحصل لنا أي شيء، وهكذا هي حال القضايا الأمنية في المنطقة من حيث مشابهتها بالقضية الأمنية للبرج السكني.
إذا كان الغرب قرر إسقاط النظام السياسي في سوريا، لا يمكن القول ما علاقتنا بتغيير هذا النظام السياسي؟ ولماذا يجب أن تذهب قواتنا للقتال في سوريا؟ ولماذا يجب أن نذهب خلف جدران الأسمنت التي بناها الصهاينة؟ لماذا لا نصنع المتاريس داخل حدودنا؟ هذه الأسئلة والقضايا غير جديرة بالنقاش.
ويذكر عبد اللهيان أنه عندما كان "داعش" يحارب في سوريا والعراق ويتقدم، سمعت عشرات المرات على لسان الجنرال سليماني في جلسات قوله: اليوم، ليس هو الوقت الذي نتمكن فيه من الدفاع عن الأمن القومي لإيران خلف حدود مهران وتشذابه. فسليماني يرى أن القضايا الأمنية مرتبطة ببعضها البعض بشكل كامل؛ فأي اختلال أمني في أي جزء من المنطقة سيؤثر في أمننا القومي، كما هي حال ساكني البرج المؤلف من 40 طابقاً، لذلك يجب إدراك الصلات في الأبحاث الأمنية.
لذلك، كان سليماني يقول إنه كلما كانت المنطقة أكثر أمناً، نعِم بلدنا بالأمن أكثر. لذلك، كانت هذه الصلة الأمنية في المنطقة والأمن القومي واحدة من المهمات الكبيرة التي كان يتابعها لواء القدس والفريق سليماني.
إقرأ أيضاً: رؤية جمال حمدان لاستراتيجية التحرّر من الإستعمار
في الحقيقة، قد تبدو مسائل العراق، أفغانستان، فلسطين ولبنان وسوريا مسائل إقليمية، بيد أنها ملفات ذات أبعاد دولية جدية. فكلما سُئل سليماني عن حدث في سوريا أو لبنان كان يقدم إجابات خلافاً للكثير من المختصين... كان تحليله يعتمد على معلومات دقيقة وكان يعمم المطلب على المنطقة، ثم كان يبيّن موقع لبنان من التحوّلات الدولية الكبيرة، بناءً على تلك الرؤية الدولية.
يؤكد عبد اللهيان أنه "غير متخصص في الأمور العسكرية، لكنني على معرفة بألف باء الدبلوماسية. وانطلاقاً من هذه المعرفة، أقول بأن سليماني وفي خضم تبحّره في الأمور العسكرية كان في الحقيقة دبلوماسياً ماهراً. قد يكون الشخص أحياناً قائد جيش يشرف على قوات من قوميات مختلفة: بلوش واللور والكرد والعرب والترك.. لعل العمل في هذا الوضع لم يكن سهلاً بيد أن الجميع يدور حول محور واحد لأنهم إيرانيون.. أما أن تتمكن من العمل مع أشخاص من جنسيات وعقليات مختلفة في ساحات الحرب المعقدة ضد الغرب والصهيونية، فهذا أمر مهم للغاية.
ولهذا يرى عبد اللهيان أن الفريق سليماني كان دبلوماسياً ماهراً يعلم كيف يتحاور مع الشخص وبأي لغة. فقد يكون مخاطبه عسكرياً أو سياسياً أو دبلوماسياً.
يعطي عبد اللهيان مثلاً على ذلك فيقول " بعد أن سقط ثلثا العراق وأصبح داعش على بعد كيلو مترات قليلة من بغداد وكربلاء وحدود إيران.. وبعد أيام من سقوط الموصل، ذهبنا ضمن وفد برئاسة علي شمحاني إلى العراق، وكان القلق بادياً على وجوه المسؤولين العراقيين الذين تحدثنا معهم.
في ذاك الوقت، أصدر المرجع السيستاني فتوى وجوب الجهاد ضد الإرهاب، وفي أقل من 72 ساعة كان قد سجل ملايين المتطوعين من العراقيين أسماءهم لمواجهة "داعش".
كان كل هؤلاء بحاجة إلى التدريب والتنظيم، وكان بإمكان العراق أن يقوم بجزء من العمل، لكن الجزء الأهم يقع على عاتق إيران بإدارة سليماني.
ويتذكر عبد اللهيان أن سليماني كان يشدد على ضرورة الصبر في التعامل مع الإخوة العراقيين في سبيل إعدادهم. وهذه قضية مهمة للغاية فكان يعتقد:
أولاً: يجب الاستفادة من العراقيين أصحاب الدوافع العالية وأصحاب الاعتقاد. وثانياً: يجب عدم الملل في العمل حتى يكون جميع المشاركين في العمليات على قلب واحد، وهذا يدل على فهمه العميق وإدراكه الصحيح لوضع المجتمع العراقي وروحية أهله.
كان يتحدث سليماني مع مسؤولي الدول انطلاقاً من هذه التجارب والمعرفة التي يحملها. فلو سئل عن الروس لقدّم تعريفاً اَخر، وكان يتحدث عن الإخوة المجاهدين الأفغان بشكل إيجابي ودقيق، كما كان له حديث اَخر عن اللبنانيين والفلسطينيين.
إقرأ أيضاً: الفريق قاسم سليماني.. شهيد القدس
ويعطي عبد اللهيان مثلاً على مهارة الفريق سليماني في المحادثات حول قرار انضمام القوة الجوية الروسية إلى سوريا بقوله: كان إقناع دولة كروسيا كانت تشكل إمبراطورية في يوم من الأيام تسمى الاتحاد السوفياتي، عملاً هاماً ومعقداً، ويحمل أكثر من مستوى. يجب أن تقنع روسيا أن لها مصلحة بالتدخل العسكري لتقدم عليه. من جهة أخرى، فإن إدخال العسكر في الحرب أثناء المحادثات الرفيعة المستوى هو عمل صعب للغاية. إن إدخال روسيا في حرب سوريا يعني أن جنودها وضباطها سيقتلون، وأن عليها أن تتحمّل خسائر كبيرة، لذلك يجب أن تكون محاوراً قديراً لتتمكن من إقناع بلد بالالتحاق بحلف لمحاربة الإرهاب في سوريا، وأن ذلك يقع ضمن أمنه القومي، ويزداد الأمر صعوبة عند تعقد الظروف، حيث يصطف 81 بلداً في الجبهة المقابلة لسوريا يسخرون كل أموالهم وإمكانياتهم وإعلامهم لإسقاط النظام في سوريا، لذلك لم يكن للواء سليماني نظير في المباحثات السياسية.
إقرأ أيضاً: "قاهر أميركا" .. كتاب عن مسيرة الشهيد سليماني
كان أداء الفريق سليماني إيجابياً للغاية سواء في مرحلة الحرب المفروضة أو في مرحلة تعزيز الحدود الشرقية، أو مرحلة محاربة الكيان الصهيوني المصطنع الذي يحلم بالتوسع من النيل إلى الفرات.
يتحدث عبد اللهيان عن الدور المحوري الذي لعبه سليماني في محاربة "داعش". ففي هذه الحرب، طلب وبعد التشاور مع الرئيس الأسد، دعم القوات الجوية الروسية، فجرى الاتفاق الإستراتيجي بين طهران وسوريا وموسكو. فما حصل كان جزء منه نتيجة التعاون بين اللواء سليماني والجنرالات الروس والسوريين في غرفة العمليات المشتركة في دمشق.
لكل ذلك يرى عبد اللهيان أن الفريق سليماني لم يكن جنرالاً إيرانياً فقط، بل كان جنرالاً ذا سمة عالمية. ويقول: عندما كنت في وزارة الخارجية، أو في البرلمان، وألتقي وفداً أجنبياً، سواء كان سياسياً أو أمنياً، وعندما كنا نصل إلى اتفاق كان يقولون هل بإمكاننا رؤية الفريق سليماني عن قرب.
ويكشف عبد اللهيان في كتابه "صبح الشام" أن السيدة فدريكا موغريني، الممثلة العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي اعترفت له في اَخر لقاء معه بالدور الهام للفريق سليماني في محاربة "داعش".