هلال
اسم قديم مأخوذ من الهلال، وله معانٍ أخرى.. من هو هلال؟
سَقياً لَيَومٍ قد أنَختُ بِسَرحَةٍ
رَيّا تُلاعِبُها الرِياحُ فَتَلعبُ
واهتَزَّ عِطفُ الغُصنِ مِن طَرَبٍ بِنا
وافتَرَّ عَنْ ثَغرِ الهِلالِ المَغرِبُ
فَكأنّهُ والحُسنُ مُقتَرِنٌ بِهِ
طَوقٌ على بُردِ الغَمامَةِ مُذهَبُ
هذه الأبيات من قصيدة للشاعر الأندلسي إبراهيم بن خفاجة (1058 - 1138م) يصف فيها رَوضة غنّاء حلّ بها مع رفقة له فتيان مقبلين على اللهو والاستمتاع بجمال الطبيعة المحيطة وقت الغروب، وقد هَلّ الهلالٌ.
والهلال هو ذلك الجزء من القمر عند ظهوره في مطلع كل شهر ويبدو في الليل مثل قوس مضيء رفيع في السماء.
يبدأ الشاعر قصيدته مستذكراً ذلك اليوم الذي نزل فيه بتلك الروضة أو السَرحة الخضراء والريح تتلاعب بأغصان أشجارها وكأنها تداعبها فتلعب، أو تتمايل، ويطربها شدو الحَمام ويسقيها الغمام. مشهد يطرب له الرفقاء وهم يعاينون ظهور الهلال بكل بهائه وكأنه طَوق ذهبيّ يُزَيّن بُردَ، أي ثوبَ، الغمامة في السماء.
وكان الهلال من أبرز ظواهر الطبيعة التي تفنّن الشعراء العرب في وصفها وإبداء الإعجاب بها وذهبوا في ذلك كل مذهب. فالهلال الذي بدا لابن خفاجة كطَوق مُذهَب على بُرد الغمامة يراه عبد الله بن المعتزّ (861 - 908م) حيناً مثل القُلامة وهي ذلك الجزء المقطوع من الظُفر حيث يقول:
ولاحَ ضَوءُ هِلالٍ كادَ يَفضَحُنا
مِثلِ القُلامَةِ قد قُدَّتْ مِنَ الظُفْرِ
وحيناً يبدو الهلال لهذا الشاعر والخليفة العبّاسي ليوم وليلة، قُتل بعدها خَنقاً، كمِنجل من فِضّة في الظلام الحالك فيقول:
أنظُرْ إلى حُسنِ الهِلالِ بَدا
يَهتِكُ مِن أنوارِهِ الحِندِسا
كَمِنجَلٍ قد صِيغَ مِن فِضّةٍ
يَحصُدٌ مِن زَهرِ الدُجى نَرجِسا
والهِلال عند العرب هو أول القمر إلى سبع ليالٍ من الشهر وآخره من ليلة السادس والعشرين. والجمعُ أهِلّة.
وهلال اسم علم مذكر قديم، مأخوذ من هلال السماء وله معان أخرى. وبنو هِلال قبيلة من العرب من قَيس. قال ابن دُريد (837 - 933م) في كتابه "الاشتقاق" إنّ اسم هلال مُشتَقّ من أشياء: هلال السماء المعروف، والهِلال وهو السِنان الذي له شُعبتان يُصطاد به الوحش، والهِلال وهو الماء القليل في أسفل الركيّ أو الغدير، والهِلال وهو ضَربٌ من الحيّات.
ويرى ابن فارس (941 - 1004م) في "مُعجم مقاييس اللغة" أن هِلال السماء مشتقّ من التهليل وهو رفع الصوت. وهذا أصل المعنى. ثم يٌتوسَع فيه فيُسمّى الشيءُ الذي يُصَوّت عنده ببعض ألفاظ الهاء واللام. ثم يُشبّه بهذا المُسمّى غيرُه فَيُسمّى به. والأصلُ قولُهم أهَلّ بِالحجّ، أي رفع صوتَه بالتلبية.
واستهَلّ الصَبِيُّ صارخاً:صَوّتَ عند الولادة. ويُقال: انهَلّ المطرُ في شِدّة صَوبِه وصوته انهلالاً. وأمّا الذي يُحمَل على هذا لِلقُرب والجِوار فالهِلالُ الذي في السماء. سُمّيَ به لإهلال الناس عند نظرهم إليه مُكبّرين وداعين. يُسمّى هلالاً
أول ليلة والثانية والثالثة ثم هو قمر بعد ذلك.
يقال أهَلّ الهِلالُ واستَهَلّ. ثم قيل على معنى التشبيه: تهلّل السحابُ بِبَرقه إذا تلألأ،كأنّ البَرقَ شُبّهَ بالهِلال.
وأكثر ما جاء في أشعار القدماء بعد الإسلام يدور حول هلال شهر رمضان الذي يبدأ الصيام برؤيته. وهم منقسمون عموماً ما بين مرحّب بقدومه لبدء الصيام وطلب المَثوبة وفرح بانقضاء شهر رمضان وظهور هلال الفِطر لينصرف إلى ملذّاته. فهذا الشاعر والصوفيّ الأندلسيّ ابن الصبّاغ الجذامي (ت 1266م) يقول مرحّباً بهلال رمضان:
هذا هِلالُ الصَومِ مِن رَمَضانِ
بِالأُفقِ بانَ فلا تَكُنْ بِالواني
وافاكَ ضَيفاً فالتَزِمْ تَعظيمَهُ
واجعَلْ قِراهُ قِراءةَ القُرآنِ
وهذا ابن المعتزّ يعلن ترحيبه بهلال الفطر فيقول:
أهلاً بِفِطرٍ قد أنارَ هِلالُهُ
الآن فاغْدُ على المُدامِ وبَكّرِ
وانظُرْ إليهِ كَزَورَقٍ مِن فِضّةٍ
قد أثقَلتهُ حُمولةٌ مِن عَنبَرِ
وأخيراً يُتّخذ الهلال رمزاً للإسلام مقابل الصليب للمسيحية. وحديثاً يُطلَق الهلال الأحمر على المؤسّسات الإنسانية التي تقدّم الإسعافات والمساعدات عند حدوث الكوارث والحروب.