ميلاد المسيح وجرح غزة الغائر
اصطفّ اليوم في غزّة جميع الأنبياء وأتباع الأنبياء وكلّ المجاهدين والأحرار والمستضعفين في العالم في جبهة الحقّ، ويصطفّ في مقابلهم جميع الشياطين والطواغيت والمستكبرين وجنودهم في جبهة الباطل.
نحتفل هذه السنة بميلاد النبي عیسى، وعیوننا تدمع دماً على ما يجري في غزّة وفلسطين الحبيبة. نحتفل بميلاد نبيّ المحبّة، وأطفال غزّة المظلومون يرقُبونَ يداً تمسح دموعهم البريئة بعطفٍ ومحبّة وحنان.
نحتفل بمولد نبيّ السلام، بينما تعلو صرخات نساء غزّة المضطهدات: أين أدعياء حقوق المرأة والسلام؟
نحتفل بمولد روح الله، وبيوت الله المقدّسة تدمّر في غزّة، والمساجد والكنائس المطهّرة تنهار على رؤوس المؤمنين. نحتفل بميلاد كلمة الله الذي بأنفاسه القدسيّة، كان يَشفي المرضى ويُحيي الموتى، ومستشفيات غزّة لم تعد آمنة حتّى للمرضی والجرحى.
نحتفل بميلاده، وقلبه الحنون محزونٌ ويتألّم أمام کلّ هذه المشاهد المفجعة، ويغمره الغضب والسخط على الصهاينة المجرمين وجميع من يقف في جبهتهم. نعم، نحتفل هذه السنة بميلاد المخلّص والمنجي، والعالم بانتظار النجاة والخلاص من ظلم الصهاينة والمستكبرين أكثر من أي وقتٍ مضى.
إنّ ذكرى مولد نبيّ من الأنبياء العظام تشكّل دائماً فرصةً حقيقيّةً للتأمّل في فلسفة النُبُوّات وأهداف الأنبياء. لماذا أرسل الله الرسل؟ وما الهدف الذي يسعى الأنبياء إلى تحقيقه؟
إنّ للأنبياء هدفين مهمّين: أوّلهما صناعة الإنسان وسعادته، وتخليصه من الرذائل وتزكيته وتحليته بالخيرات والفضائل والحسنات. إنّ هبة الأنبياء جميعاً للبشرية هي السلام والأمن والأمان، وطريقتهم هي الأخوّة والمحبّة لنيل الإنسان السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة، وهذا هو الهدف الأسمى للأديان والنبوّات. ولذلك، كان الإمام المغيّب السيّد موسى الصّدر يقول: "إنّ الأديان في خدمة الإنسان".
أمّا الهدف الثاني والذي يُعَدّ مقدّمةً لتحقيق الهدف الأوّل، فهو عبارة عن بناء النظام الإلهي وإقامة الدولة الإلهية وتشكيل المجتمع التوحيدي وتأسيس حضارةٍ توحيدية وعالمٍ أفضل يعيش فيه الإنسان بعزّة وكرامة. وكلّ هذه الأمور لا يمکن تحقيقها إلا بعد إسقاط أنظمة الكفر والطاغوت والاستكبار. لأنّ سعادة الإنسان تكمن في عبودية الله، ولا يستطيع الإنسان أن يكون سعيداً ولا عبداً لله في ظلّ حاكمية الطواغيت. وهذا معنى قوله تعالى في القرآن الكريم: "ولقد بعثنا في كلّ أمّة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت". فدعوة الأنبياء إلى المحبّة في حقيقتها تعني الثورة في وجه أعداء المحبّة، وشعارهم حول السلام يعني في كُنهه إعلان الحرب ضدّ قوى الشرّ التي تريد استعباد الإنسان.
وينبغي لأتباع الأنبياء أن يصغوا إلى رسالة الأنبياء لتحرّر الإنسان من عبودية الطاغوت، وأن يلتزموا عملياً بتعاليم الأنبياء ولا يكتفوا من الدين باسمه فقط أو ببعض الطقوس، من دون الالتفات إلى جوهر الدين وهدف الأنبياء لإسقاط أنظمة الكفر والطاغوت وإرساء النظام التوحيدي والسلام العادل في أرجاء المعمورة. وبناءً عليه، يتحمّل المؤمنون الصادقون الحقيقيون برسالة الأنبياء مسؤولية إزالة الطواغيت ويحملون على أكتافهم سلاح الثورة ضدّ الشياطين، ويضحّون بأنفسهم من أجل تحرير البلاد والعباد من هيمنة المستكبرين.
وفق هذا المعيار، بمقدورنا القول: إنّ أقرب الناس إلى المسيح الیوم هم المجاهدون الفلسطينيون وسائر الأحرار الذين يقفون إلى جانب الشعب الفلسطيني الأبيّ ويدعمون مقاومتهم الشريفة قولاً وعملاً، لأنّهم أكثر الناس التزاماً بتعاليم المسيح لبسط السلام العادل والشامل في العالم ونشر المحبة المخلصة بين الناس، إذ إنّهم من خلال سعيهم ومقاومتهم وجهادهم من أجل إزالة كيان طاغوتي استكباري قائم على أساس الباطل يسعون لاقتلاع جذور غدة سرطانية هي عدوّ السلام والمحبّة والإنسانية، وتُعدّ منشأً لكلّ الحروب المختلقة والعداوات المصطنعة بين أبناء منطقتنا العربية والإسلامية.
إنّ معركة غزّة اليوم هي معركة الحقّ والباطل، ومعيار لتشخيص أهل الحقّ عن أهل الباطل. اصطفّ اليوم في غزّة جميع الأنبياء وأتباع الأنبياء وكلّ المجاهدين والأحرار والمستضعفين في العالم في جبهة الحقّ، ويصطفّ في مقابلهم جميع الشياطين والطواغيت والمستكبرين وجنودهم في جبهة الباطل، وفي معركة الحقّ والباطل هذه، لا مكان للحياد والتزام الصّمت والنأي بالنّفس. فلينظر كلّ منّا في أيّ جبهة يقف ويقاتل.
يقول سماحة الإمام الخامنئي: "لو كان السيّد المسيح حاضراً اليوم بيننا لما كان توقّف ولو للحظة واحدة عن مقارعة زعماء الظلم والاستكبار العالمي، ولما كان تحمّل جوع الشعوب وتهجير المليارات من البشر الذين استُعمروا من قبل القوى الكبرى وسيقوا إلى الحرب والفساد والنزاع".
يدعونا السيّد المسيح اليوم أن نقف في جبهة الحقّ البيّن مع أطفال غزّة الأبرياء، وأن نقاتل إلى جانب الفلسطينيين المظلومين لرفع هذا الظلم، وأن نجاهد مع المجاهدين الصابرين لإزالة هذا الكيان المؤقت المجرم، وتلك الحضارة الأميركية المزيفة التي تقف وراء كلّ هذا الخبث والإجرام. فهل سنلبّي نداء المسيح؟ "يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى بن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله، قال الحواريون نحن أنصار الله".
في عيد ميلاده المبارك، سلامنا وصلواتنا على نبيّ الله وحبيبه وآيته وكلمته وروحه سيّدنا عيسى المسيح، وعلى أمّه الطاهرة المطهرة، مريم العذراء، وسلام الله وسلام ملائكته وأنبيائه وجميع المؤمنين على الشعب الفلسطيني الصابر الصامد، وعلى الشباب المجاهدين المقاومين اللبنانيين، وعلى الشهداء على طريق القدس، الحواريين الحقيقيّين وأنصار المسيح الصديقين المخلصين في هذا الزمان.