ما الفرق بين الحرب الإلكترونية والحرب السيبرانية؟
هناك فرق جوهري بين الحرب الإلكترونية والحرب السيبرانية.. كيف نفرّق بينهما؟
في ظلّ الثورة التكنولوجية المتسارعة، أصبحت الحروب تتجاوز ساحة المعارك التقليدية، لتشمل فضاءات جديدة تعتمد على التكنولوجيا الرقمية والموجات الكهرومغناطيسية. الحرب الإلكترونية والحرب السيبرانية هما أبرز هذه الفضاءات التي برزت في العقود الأخيرة، ورغم أنّ البعض قد يستخدم المصطلحين بشكل متبادل، فإن هناك فرقاً جوهرياً بينهما، سواء من حيث الأدوات المستخدمة أو الأهداف.
في هذا المقال، سنستعرض الفرق بين الحرب الإلكترونية والحرب السيبرانية، مع تسليط الضوء على تأثيراتهما في الساحتين العسكرية والسياسية. وعليه، سنقوم بتعريف لكلّ من الحرب الإلكترونيّة والحرب السيبرانيّة مع الإشارة الى أنواع كُلّ منهما على النحو الآتي:
الحرب الإلكترونية
الحرب الإلكترونية هي استخدام الطيف الكهرومغناطيسي لتشويش أو تعطيل الاتصالات وأنظمة التحكّم والتوجيه الخاصة بالعدو، ويُعدّ هذا النوع من الحروب أداة حيوية في العمليات العسكرية الحديثة، حيث يُستخدم لتعطيل اتصالات العدو، وإرباك أنظمة الرادار، وحتى حماية القوات العسكرية من الهجمات. وهي تشمل، أي الحرب الإلكترونية، 3 مجالات رئيسية:
- التشويش الإلكتروني (Electronic Jamming): يعتمد هذا النوع على إرسال إشارات كهرومغناطيسية بهدف تشويش أو تعطيل الإشارات اللاسلكية الخاصة بالعدو، مثل الرادارات أو الاتصالات اللاسلكية.
- الاختراق الإلكتروني (Electronic Deception): ويشمل إرسال إشارات كاذبة أو مضللة، بحيث يتلقّى العدو معلومات خاطئة قد تقوده لاتخاذ قرارات غير صحيحة.
- الحماية الإلكترونية (Electronic Protection): وهي التدابير التي تتخذها الجيوش لحماية أنظمتها الخاصة من الهجمات الإلكترونية والتشويش، وذلك من خلال استخدام ترددات محمية أو أنظمة متقدمة للحماية من التشويش.
الحرب السيبرانية
تختلف الحرب السيبرانية في جوهرها عن الحرب الإلكترونية. إذ تركّز على الهجمات التي تستهدف الشبكات الحاسوبية والأنظمة الرقمية. هذه الهجمات يمكن أن تتراوح بين سرقة البيانات الحساسة وتعطيل البنية التحتية الرقمية، مثل محطات الطاقة أو شبكات الاتصالات. أما أنواعها فهي تشمل عدة أشكال من الهجمات، منها:
- الاختراقات (Hacking): حيث يقوم القراصنة (هاكرز) باختراق الأنظمة الرقمية بهدف سرقة المعلومات أو تعطيلها.
- الهجمات بالبرامج الخبيثة (Malware Attacks): مثل الفيروسات أو البرمجيات التي تصيب الأنظمة الحاسوبية وتتسبّب في تعطيلها أو السيطرة عليها.
- الهجمات الموزّعة لقطع الخدمة (Distributed Denial of Service - DDoS): وتعتمد هذه الهجمات على إغراق الشبكات الرقمية بطلبات زائفة، ما يؤدي إلى توقّف النظام عن العمل بشكل صحيح.
- التجسس السيبراني (Cyber Espionage): حيث تستخدم الدول أو الجماعات أدوات سيبرانية لجمع المعلومات الاستخبارية أو التجسس على مؤسّسات أو أفراد.
وعلى الرغم من أن الحربين تتشابهان من حيث اعتمادهما على التكنولوجيا الحديثة، فإن هناك فروقاً جوهرية بينهما. فمن حيث المجال العملياتي، فإنّ الحرب الإلكترونية تعمل ضمن الطيف الكهرومغناطيسي، مثل موجات الراديو والتردّدات اللاسلكية. وتهدف إلى التشويش أو تعطيل الاتصالات المادية التي تتمّ عبر هذه الموجات، بينما الحرب السيبرانية تركّز على الفضاء الرقمي، حيث تستهدف الشبكات الحاسوبية، قواعد البيانات، وبرمجيات الحماية. الأدوات هنا تكون فيروسات، برامج خبيثة، وهجمات على الأنظمة الرقمية.
أما من حيث الأهداف، فإنّ الحرب الإلكترونية، يكون الهدف الأساسي منها هو تعطيل أنظمة اتصالات العدو وأجهزة الرادار، ما يؤدي إلى إرباك العمليات العسكرية. بينما الحرب السيبرانية، يكون الهدف الرئيسي منها هو سرقة البيانات، والتجسس الإلكتروني، أو تعطيل البنية التحتية الرقمية مثل شبكات الطاقة أو المصارف أو أنظمة الطيران.
وكذلك من حيث الوسائل، فالأدوات في الحرب الإلكترونية تعتمد على أجهزة التشويش والتداخل الكهرومغناطيسي، مثل أجهزة التشويش الموجّهة التي تمنع العدو من التواصل. أما في الحرب السيبرانية، فتُستخدم البرمجيات المتقدّمة مثل الفيروسات والبرامج الخبيثة لتدمير الأنظمة الرقمية أو السيطرة عليها.
التأثير الاستراتيجي للحرب الإلكترونية والسيبرانية
أصبحت الحروب الإلكترونية والسيبرانية أدوات رئيسية في الصراعات الحديثة، خاصة مع التزايد المستمر في الاعتماد على التكنولوجيا الرقمية والاتصالات اللاسلكية في العمليات العسكرية والسياسية. ففي الحرب الإلكترونيّة يتمّ تعطيل القدرات العسكرية للعدو من خلال تعطيل اتصالاته وأنظمة التوجيه، فالجيوش التي تمتلك قدرات حرب إلكترونية قوية غالباً ما تتمتع بتفوّق تكنولوجي يُمكّنها من التفوّق على الخصوم في ساحات المعارك.
أما التأثيرات الاستراتيجية للحرب السيبرانية فتكمن في تعطيل البنية التحتية الحيوية حيث تؤدي الهجمات السيبرانية إلى شلل كامل في الدول المستهدفة من خلال تعطيل شبكات الطاقة، الأنظمة المصرفية، أو شبكات الاتصالات. كما أنّ الحرب السيبرانية تُستخدم بشكل واسع للتجسس على الدول الأخرى وسرقة معلومات حسّاسة قد تؤثر في الأمن القومي. بالإضافة إلى التأثير في الرأي العام من خلال هجمات على وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يمكن للحرب السيبرانية التأثير في تشكيل الرأي العام وتوجيهه في اتجاهات معيّنة.
إلا أنّه ومع استمرار تطوّر التكنولوجيا، يُتوقّع أن تشهد الحروب الإلكترونية والسيبرانية تطوّرات أكبر، ما يطرح تحديات جديدة. فمع زيادة استخدام الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء (IoT)، سيصبح من الصعب حماية الأنظمة الرقمية والبنية التحتية من الهجمات السيبرانية.
ومع تزايد الاعتماد على الشبكات الرقمية والاتصالات اللاسلكية في العمليات العسكرية، سيزداد الضغط على الجيوش لحماية أنظمتها من الهجمات الإلكترونية والسيبرانية. والأخطر من ذلك، أنّ القوانين الدولية المتعلّقة بالحروب الإلكترونية والسيبرانية لا تزال غير واضحة بشكل كافٍ، ما يزيد من احتمالات نشوب صراعات بين الدول بسبب هجمات من هذا النوع.
وعليه، فإنّ الحرب الإلكترونية والحرب السيبرانية هما جزء لا يتجزّأ من مستقبل الصراعات العالمية، وكلتاهما تمثّلان تهديدات جدية للدول والمنظّمات في العصر الحديث، ويجب أن تكون هناك استعدادات متواصلة لمواجهة هذه التحديات التكنولوجية المتطوّرة.