فيلم "يومين".. هل على السينما السورية أن تكون مصلحاً اجتماعياً؟
هل على السينما السورية أن تقوم بوظيفة المصلح الاجتماعي؟ وكيف السبيل إلى ذلك إن كانت هي أساساً بحاجة إلى إصلاح؟
شهدت صالة الدراما في دار الأوبرا السورية أمس الاثنين، إطلاق فيلم "يومين" للمخرج باسل الخطيب عن قصة لدريد لحام وسيناريو تليد الخطيب وإنتاج "المؤسسة العامة للسينما".
الفيلم شارك في بطولته إلى جانب دريد لحام كل من الراحل أسامة الروماني، رنا شميس، محسن غازي، يحيى بيازي، حازم زيدان، نجاح مختار، وائل زيدان، مؤنس مروة، رهام التزة، نور الوزير والطفلين: شهد الزلق، جاد دباغ، وتم إهداء الشريط إلى روح الروماني.
وعلى غرار الفيلمين السابقين اللذين جمعا الخطيب ولحام، فإن شخصية البطل تميل إلى كونها مصلحاً اجتماعياً، مفرطاً في مثاليته، وحكمته، وهدوئه، بحيث أن أعتى المواقف التي يتعرَّض لها لا تزيد من انفعاله، وإنما تدفعه إلى أن يصبح مُنظِّراً عن أحوال المجتمع، ضمن حالة انفصال عن الواقع الحقيقي، ولا منطقية الأحداث، وكل ذلك بغية خلق حالة من تعاطف ذي صبغة إنسانية يمكن وصفها بالساذجة وغير المبرّرة درامياً على أقل تقدير.
يحكي الفيلم عن "غيث" (دريد لحام) الذي يعمل في تصليح الأدوات الكهربائية ضمن قرية افتراضية اسمها "طرنيبة النهر"، يذهب يومياً إلى أسواق دمشق لشراء بعض الحاجيات التي يحتاجها محل البقالة الذي يشتغل فيه مع ابنته الوحيدة المدرّسة سلمى (رنا شميس) المُطلَّقة لعدم قدرتها على الإنجاب.
وفي إحدى المرات يجتمع أثناء استراحته لتناول سندويشاته في إحدى حدائق دمشق، مع الطفلين نغم وصباح الجائعين فيؤثر إعطاءهما طعامه، وقبل وصوله إلى القرية يُفاجأ بأنهما اختبأا في مؤخرة سيارته ليُكملا وجبتهما من الفواكه التي اشتراها لمحله، ويكتشف ذلك بعدما هنَّأه المجنَّد على الحاجز بسلامتهما في إثر إقناع الطفلين له بأنهما حفيدا غيث القادمين من فنزويلا.
وفي وسط النقاش بين الجندي والجدّ المزعوم عن كيفية إعادتهما إلى أهلهما، يهرب الطفلان إلى القرية ليستمرّا في صياغة مكائدهما. إذ أقنعا بطريقة فنتازية سلمى وبقية أهالي "طرنيبة النهر" بأن غيث بطل أنقذهما من عصابة للاتّجار بالأعضاء البشرية، فيستقبله سكان القرية بما يشبه العرس، بمن فيهم المختار (أسامة الروماني) الذي يستطيع إقناعه بضرورة الاستمرار بالكذبة، لأنّ مسؤولاً رفيعاً سيزور قريتهما خلال يومين بعد انتشار خبر البطولة المزعوم على "فيسبوك"، والذي قام بنشره أبو رشيد (يحيى بيازي) مُربِّي الماعز البسيط المهووس بمتابعة صفحة "علِّق بنقطة" وأخبارها.
ورغم محاولات غيث التواصل مع أهل الطفلين لكنه يفشل مراراً، لأن نغم كانت تعطيه دائماً أرقاماً خاطئة، منها رقم طوارئ الكهرباء في الحي الذي يسكنون فيه، وهي تعلم بأن أحداً لن يردّ عليه، ونكتشف خلال الأحداث أن هرب الطفلين عائد إلى تعنيف والدهما (حازم زيدان) لهما ولأمهما (نجاح مختار)، بعدما حوَّلته الحرب من صاحب ورشة إلى عامل باطون مياوم يضيِّع كلّ ما يقبضه من مال على المقامرة والسُّكر.
تتتابع الأحداث الفانتازية على مدار اليومين حيث يزور المسؤول (محسن غازي) القرية، لكنه ينهر الجميع ويعلمهم بأنه مسؤول من الدرجة العاشرة لا يحلّ ولا يربط، ورغم ذلك يفرح المختار لتنظيف القرية وتزيينها رغم عدم تلبية أي مطلب من مطالب أهلها سواء المعيشية أو الخدمية.
في موازاة ذلك، تغذي سلمى حاجتها إلى الأمومة وتسعى لإعطاء الطفلين ما يحتاجانه من عطف وحنان واهتمام، وفي النهاية ينجح غيث في الوصول إلى والدي الطفلين عن طريق "فيسبوك" بعدما نشرا على صفحة "علِّق بنقطة" صورتي نغم وصباح التائهين، وبطريقة ساذجة يتأكد أبو سلمى من محبة والدهما لهما، وعدم عودته إلى عُنفِه عبر خداعه بأنه رئيس عصابة وقادر على إعادة ولديه شريطة الحصول على كُلْوَتَي الأب، ليتم اللقاء المحتوم و"توتة توتة خلصت الحدوتة".
ساعتان من الزمن لا شيء ملفت فيهما سوى أداء الطفلة شهد الزلق بجمالها وعفويتها، في مقابل تصنُّع باهت وتقليدية مُنفِّرة أغلب الأحيان على جميع الأصعدة: السيناريو والتصوير والمونتاج (مجيد الخطيب) والموسيقى التصويرية (رضوان نصري)، أغرقت فيلم "يومين" كثيراً، خاصةً أن حمولته الفكرية عن الإصلاح الاجتماعي، وأهمية عدم تفكّك الأسرة كانت معالجة بطريقة خاطئة، تشجِّع على الكذب وتجعل منه منجاةً وطريقاً للفرح.
كلّ ذلك يدفع للتساؤل: هل على السينما السورية أن تقوم بوظيفة المصلح الاجتماعي؟ وكيف السبيل إلى ذلك إن كانت هي أساساً بحاجة إلى إصلاح؟ وهل الخطابية المباشرة والتنظير الباهت واختلاق الأحداث الفانتازية هي الأجدى في معالجة الواقع المليء بالمآسي؟ وغير ذلك مما ينبغي إعادة النظر فيه حتى لا نقع مراراً في الاختلاقات السينمائية غير الخلّاقة، وغير القادرة على دفع عجلة السينما السورية ولو بضعة سنتيمرات إلى الأمام.