في الذكرى الــ 70 لانطلاقتها.. بيننا وبين الثورة الجزائرية

مع تباين الظروف بين سوريا ولبنان، يحتل مناصرو "إسرائيل" في لبنان المشهد اليوم، وشرعت لهم الشاشات وساعات البث، تحريضاً وإخباراً عن المقاومة وبيئتها.

  • في الذكرى الــ 70 لانطلاقتها.. بيننا وبين الثورة الجزائرية

الأول من تشرين الثاني/نوفمبر يوم أغر ومقدس عند الجزائريين وأبناء المغرب العربي عموماً. يوم قرر فيه 6 رجال من نخبة الفدائيين الجزائريين إطلاق ثورة الجزائر المباركة ضد المستعمر الفرنسي، على رغم الصعوبات الكبيرة التي كانت تواجههم، والتي كانت سبباً في مواقف كثير من رفقائهم في تأجيل إطلاق الثورة، مثل الظروف العامة وتهيئة الشعب وضرورة تحضيره للثورة إلى قلة السلاح والموارد وغيرها، نظراً إلى ما كان يفعله الفرنسيون من تضييق على الشعب الجزائري، ابتداءً من خبزه، إلى محاصرته في كل مناحي حياته. 

لكن هؤلاء الأبطال الستة، وهم محمد بوضياف، والعربي بن مهيدي، وديدوش مراد، وبلقاسم كريم، ومصطفى بن بولعيد، ورابح بيطاط، قرروا بحزم وثبات تجاوز كل مبررات التأجيل وإطلاق الثورة، إلى درجة أن محمد بوضياف حسم الأمر بأن "الثورة ستنطلق حتى مع قرود شفة"، وهي جبال في ولاية البليدة.

في الذكرى الــ 70 لانطلاق الثورة الجزائرية المباركة ضد المستعمر الفرنسي، يجب أن نتذكر أنها ثورة قامت ضد أحد أهم أركان "حلف شمال الأطلسي"، وهو في عز قوته وتفوقه وصعوده في عام 1954، ولم تكن تملك، في مقابل دبابات الفرنسيين وطائراتهم وتسليحهم العالي، سوى بعض البنادق عند قلة من الجزائريين مدعومة بالسلاح الأبيض وإرادة أبناء الجزائر في التحرر من نير الاستعمار الذي جثم على صدورهم نحو 132 عاماً من القتل والتنكيل والنهب.

وإذ نستعيد عِبر هذه الثورة ودروسها التي صاغها الجزائريون الأحرار بدمهم، ونحن نواجه "إسرائيل"، أقسى عدو همجي عرفه التاريخ، عنصريةً وقتلاً وحباً للدماء، مدعوماً بكل ما وصلت إليه التكنولوجيا والتسليح، مع ما رافقها من تطور رهيب من قبل "حلف شمال الأطلسي" نفسه وعلى رأسه الولايات المتحدة، نواجه اليوم في المشرق العربي حالة شبيهة حد التطابق بين ما عاناه ثوار الجزائر وما يعانيه المقاومون في لبنان وفلسطين.

لكن الأمر في لبنان يتخطى حدود المعقول والتصور في أن شعباً يتعرض لأبشع حرب عدوانية، وتخرج مجموعات من أبنائه لتصرح بموقفها الداعم للعدو. إن حالة الوقوف بوجه المقاومة وإسناد العدو والتشفي بخسائر أبناء الشعب من المقاومين، أمر خارج حدود التصور عند أي شعب وأي أمة وفوق كل توصيف ممكن من توصيفات الخيانة واللاوطنية واللأخلاقية الإنسانية. 

وإن كان ما نعانيه اليوم أشد فظاظة ووقاحة وقبحاً مما عاناه أبناء المغرب العربي يومها وقد عالجوا هذه الحالة بالسحق، تصفية وقتلاً، إلى درجة أن وصلت الأمور في الجزائر، كما يروي بعض كتاب مذكرات الثورة، إلى القتل على مجرد الشبهة في التعاون مع المستعمر أو التهاون في الموقف منه، فإن أمر المطبلين لــ "إسرائيل" يجب ألا يمر بكل هذا الصمت والتحفظ نتيجة للتركيبة اللبنانية من جهة وحسابات وأخلاقيات المقاومة العالية، والتي لم تعرفها مقاومة أخرى في تاريخنا المعاصر.

لقد بدأ الإجهار بموقف الاصطفاف مع "إسرائيل" والدفاع عنها في بداية الحرب على سوريا، وبدأ ما يسمى "الثوار" بالإعلان صراحة عن أنهم يعولون على "إسرائيل" وعلى "حلف الناتو"، الذي دعوه لقصف سوريا واحتلالها بكل وقاحة العملاء، وصولاً إلى تنفيذ أوامر "إسرائيل" في الهجوم على مواقع الجيش السوري وتدمير قطعاته، ابتداء بقطعات الدفاع الجوي التي لم تسلم منها قطعة عسكرية واحدة في الجنوب السوري وفي محيط دمشق، إلى ما استطاعوا أن يصلوا إليه في كل الأرض السورية، وذلك تنفيذاً لأوامر الاحتلال في تدمير بنى الدفاع الجوي السوري أولاً. 

وقد وصل الأمر إلى فتح "إسرائيل" مستشفياتها لــ "الثوار" السوريين وعلاجهم فيها وزيارتهم في أسرتهم من كبار قادة الاحتلال وعلى مرأى ومسمع من العالم كله.

ورغم كل الآلة الدعائية "العربية" والغربية المناصرة لهؤلاء العملاء، ورغم النفخ بقِرب الطائفية، حسم السوريون موقفهم في أن الأمر يتلخص بإما أن تكون مع الجيش السوري والدولة السورية، وإما أن تكون مع "إسرائيل" ولا خيار لأحد بموقف ضبابي أو رمادية سياسية. ذلك أن ما يجري هو حرب صهيونية وأميركية على سوريا وبأدوات لم تقتصر على العملاء من السوريين، بل استدعى فيها الأعداء شذاذ الآفاق من عملائهم من كل جهات الأرض.

ومع اختلاف الظروف بين سوريا ولبنان، يحتل مناصرو "إسرائيل" في لبنان المشهد اليوم، وقد شرعت لهم الشاشات وساعات البث، تحريضاً وإخباراً عن المقاومة وبيئتها. وقد رأى العالم كله ما يقوم به هؤلاء من إعطاء "إحداثيات" عن كل ما يغيظهم في بيئة المقاومة من أفراد ومؤسسات وبنى، من المؤكد أن لا علاقة لها في قوة المقاومة العسكرية التي لا يعرفون عنها سوى ما تريد المقاومة الإعلان عنه. 

فلا بأس عندهم من أن تدمر "إسرائيل" الأبنية والمصالح والمؤسسات ويهجر شعب المقاومة ويقطع رزقه وخبزه وصولاً إلى حلم العملاء في إبادته والخلاص منه.

في ذكرى الثورة الجزائرية، ونحن نتغنى بإنجازاتها، كتّاباً ومثقفين وأصحاب رأي ومناصرين للمقاومة في لبنان، لا بد من خروج نخبة من أبناء الأمة، ومن غير أبناء المقاومة ونوياتها الصلبة، لتقوم بما قامت به المقاومة الجزائرية من تأديب العملاء ووضع حد لهذا الفلتان الوطني واللاأخلاقية الوطنية. 

ويقع الواجب هنا على القوى الوطنية اللبنانية التي لا يمكن حسابها على طائفة معينة، وعلى الأخص مجموعات من العقائديين منتشرين في كل الطوائف. لقد حان الوقت لنقف وقفة شجاعة مع المقاومين الأبطال، وهم يذودون عن شرفنا اليوم وعن شرف الأجيال القادمة بدمائهم الطاهرة، ونمنع انتقال هذا المرض الخبيث في التبجح بدعم الاحتلال والوقوف معه إلى الأجيال القادمة.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.