سنان
اشتقاق السِّنان من جذر لغوي هو السين والنون يدلّ على جريان الشيء واطّراده في سهولة.
ونَدعوكَ الحُسامَ وهل حُسامٌ
يعيشُ بهِ مِنَ المَوتِ القتيلُ
يَحيدُ الرُّمحُ عنكَ وفيهِ قَصدٌ
ويَقصُرُ أن يَنالَ وفيهِ طولُ
فَلو قَدَرَ السِّنانُ على لِسانٍ
لَقالَ لكَ السِّنانُ كما أقولُ
هذه الأبيات من قصيدة لأبي الطيّب المتنبي (915 - 965) يمدح بها أمير حلب سيف الدولة الحمداني (916 - 967) الذي أمضى أجمل أيامه وبلغ أوج شهرته في بلاطه. اسمه أحمد بن الحسين الكندي الكوفي. ولِد في الكوفة. نظم الشعر وهو صبي في التاسعة من عمره. أكثر شعره في الحكمة والكبرياء والشجاعة ومدح الرؤساء. لُقّب بشاعر العرب ومالئ الدنيا وشاغل الناس. لقيَ مصرعه في النعمانية بالعراق وكان في طريق عودته إلى الكوفة. هناك لقيه فاتك الأسدي خال ضبّة بن يزيد الأسدي، وهو قاطع طريق يسلب المسافرين وينهب القرى، وكان المتنبي قد هجاه أقذع هجاء قبل مدّة بقصيدة يقول فيها:
ما أنصفَ القومُ ضَبّهْ
وأُمَّه الطُّرطُبّهْ
وإنما قلتُ ما قلتُ
رحمةً لا محبّهْ
ولما لقيه فاتك الأسدي كان معه ابنه محمّد وغُلامه مُفلح فأراد الهرب لكن غلامه اعترضه قائلاً :أتهرب وأنت القائل:
الخيلُ والليلُ والبَيداءُ تعرفني
والرُّمحُ والسيفُ والقُرطاسُ والقلمُ
فردّ عليه بقوله: قتلتني، قتلك الله. وقاتل حتى قُتل ومَن معه.
في الأبيات أعلاه يخاطب المتنبي سيف الدولة فيقول: نسمّيك الحسام (السيف القاطع) وعادة الحُسام قطع الآجال وأنت حُسام يعيش به القتيل، أي مَن قتله الفقر فتحييه بكرمك. وإن الرمح يميل عنك في المعركة مع أنه يصيب غيرك إن قصده، ويقصر أن ينالك على طوله لأنه يهابك. ويخلص إلى القول: ولو قدَر السِّنانُ على الكلام لقال ما أقول أي: نعم أنا أقصر عنك وأميل لهيبتك وشرفك.
هذا السِّنان الذي من شأنه أن يضفي الصدقية على كلام المتنبي هو النصل الحادّ، أي الحديدة المسنّنة التي تركّب في رأس الرُّمح، وبه سمّت العربُ الرجل سِناناً وهو من الأسماء الحربية التي كانت تختارها للمولود الذكر. والقناة عود الرمح وقد تُطلق على الرمح كله. ويشبّه المتنبي صروف الدهر بالقناة التي يسارع الناس إلى تزويدها بالسنان لنكاية بعضهم بعضاً فيقول:
كلّما أنبتَ الزمانُ قناةً
ركّبَ المَرءُ في القناةِ سِنانا
ومُراد النفوسِ أصغرُ مِن أن
تتعادى فيهِ وأن تتفانى
غيرَ أنّ الفتى يُلاقي المَنايا
كالِحاتٍ ولا يُلاقي الهَوانا
ومما يُستَحسن قول جرير بن عطيّة (653 - 728) لأبيه:
وإنّي لَمَغرورٌ أُعلَّلُ بِالمُنى
لَيالِيَ أرجو أنّ ما لكَ ما لِيا
بِأيِّ سِنانٍ تطعنُ القَومَ بعدما
نزَعتَ سِناناً مِن قناتِكَ ماضِيا
واشتقاق السِّنان من جذر لغوي هو السين والنون يدلّ على جريان الشيء واطّراده في سهولة. قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: والأصل قولهم: سَنَنتُ الماءَ على وجهي أسنّه سنّاً إذا أرسلته إرسالاً. ثم اشتّقّ منه: رجلٌ مسنون الوجه، إذا كان اللحم قد سنّ على وجهه. ومما اشتُقّ منه السُّنّة وهي السيرة. وسُنّة رسول الله سيرته، وإنما سُمّيت بذلك لأنها تجري جرياً، ثم يحمَل على هذا: سَنَنتُ الحديدة أسنّها سَنّاً، إذا أمررتها على السِّنان، والسِنان هو المِسِنّ. وسِنان الرمح من هذا لأنه مسنون، أي مَمطول مُحدّد.
وجمع سِنان أسِنّة. قال المتنبي في بعض مديحه لكافور الإخشيدي الأقرب إلى الهجاء:
وما لكَ تختارُ الأسِنّةَ والقَنا
وجَدُّك طعّانٌ بِغَيرِ سِنانِ
ويشبّه عبد الجبّار الأخرس (1056 - 1133) الكلام الجارح بِوَخز السّنان فيقول:
كفاكَ اللهُ ألسِنةً حِداداً
لها وَخزٌ ولا وَخزُ السِّنانِ
ويشبّه ذو الرُّمة (696 - 735) ما يعانيه من ألم الحُبّ بطعنة سِنان حادّ فيقول:
أخُطُّ وأمحو الخطَّ ثمّ أُعيدهُ
بِكفّيَّ والغِربانُ في الدارِ وُقَّعُ
كأنّ سِناناً فارِسِيّاً أصابَني
على كَبِدي بل لَوعةُ الحُبِّ أوجَعُ
وعُرف باسم سِنان عدد من الشخصيات التاريخية منهم: سِنان بن سلمة الهُذلي، صحابي من قادة الفتوحات مدفون في باكستان. وسِنان بن ثابت بن قُرّة (880- 943)، عالم فيزيائي وفلكي ورياضي، طبيب المقتدر بالله العباسي وخوجة مِعمار سِنان (ت1588)، أشهر معماري عثماني وكان رئيس المعماريين خلال حكم السلاطين: سليم الأول، سليمان الأول، سليم الثاني، مُراد الثالث.