"القبر العمودي": تاريخ إيران إن حكى
بعد محاولات حثيثة ينجح رضا في الهرب إلى مقهى قنبر في طهران، بحيث يبدأ حياة جديدة وليكتشف لاحقاً أن أبويه باعاه كي لا يموت جوعاً في ذلك العام الذي عُرف بعام المجاعة.
تأخذنا رواية "القبر العمودي" للكاتب الإيراني حميد رضا شاه، بعد تعريبها على يد سمر عزت، ببراعة فائقة، في رحلة أشبه بالمغامرة الوجودية في التاريخ الإيراني الوسيط، وتحديداً إلى العهد القاجاري، وهي قصة يرويها لنا فتى اسمه مجيد، وقعت في يد أبيه مذكرات قديمة أراد أن يلصقها كخلفية للوحة تشكيلية تعود إلى العصر القاجاري، محاكياً رسوم ذلك الزمان. يقرأ مجيد هذه المذكرات التي خُطت بيد فتى يُدعى رضا قُلي ميرزا قبل نحو مئة وخمسين عاماً، يروي فيها أحداثاً غامضة عن قصر قديم يُسخر فيه الصبية للعمل في نسج السجاد تحت وطأة ظروف قاسية.
تتحدث الرواية عن دفن جثث بعض الأشخاص داخل جدران ذلك القصر، بحيث كان معتمد الدولة يأمر بوضع كل من يريد قتله مقيَّد اليدين والقدمين وسط تجاويف، وكان البائس من أولئك المدفونين داخل الأعمدة الجدارية يختنق ولا يلبث أن يسلم روحه، وفي حلكة الليل كانت تتردد منها أصوات غريبة تخترق الأسماع.
الرواية، التي تجري أحداثها عام 1301 للهجرة، تبدأ بقصة طفل اسمه رضا، ينتمي إلى أسرة فقيرة يعمل الأب الهرم أجيراً لدى الإقطاعي، ويمارس أعمالاً أخرى كجمع الشوك من الأراضي وحفر الآبار ليقيت عياله وجب ألم الجوع عن بيته. يقول: "أنظر باشتهاء إلى خبز التنور الذي تصنعه جارتنا...". يأخذ الأبوان طفلهما من قريته، سلطان آباد، من أعمال السماوة، إلى حضور حفل زفاف ابن خالته في قرية جعفر آباد، في الطريق يستبد النعاس بالطفل فيضم ركبتيه الى صدره ويغفو ليجد نفسه في أحد دهاليز قصر نويان خان المظلم، وهو أحد أفراد الأسرة القاجارية بين عدد كبير من الأطفال الذين يعملون في نسج السجاد. يدفع رضا بقسوة داخل قصر نويان خان بأجوائه المخيفة ليجد مشهد الصبية على النول الخشبي طوال النهار فلا ينزلون عن الدكة الخشبية إزاء النول الذي ينسج عليه السجاد حتى تتخدر أطرافهم اللدنة، وإذا ما صدر عن أي صبي أقل هفوة فالفلق بالعصا في انتظاره حيث يضرب الصبي المشاكس حتى تتورم قدماه في البداية، ثم تنتشر في باطنيهما البثور ثم تنفجر البثور وتشيل منها الدماء.
في تلك الليالي الباردة وفي ذلك الفضاء المظلم، يتذكر حضن أبويه الدافئ ويتساءل لماذا باعاه لذلك الاقطاعي القاجاري على رغم أنه يحبهما حباً جماً فتترقرق الدموع من عينيه، وتبتل مخدته من فيض دمعه.
تنشأ بينه وبين شكور الصبي الذي سبقه إلى المهنة علاقة متينة، وبعد أن اشتدت أواصر الصداقة بين الاثنين يتفقان على الهرب من الأسر، لكن هذه المحاولة تبوء بالفشل، ويموت شكور غرقاً في حوض الماء الذي يتوسط ذلك الفضاء المظلم. موت شكور لم يكن موتاً طبيعياً، وإنما رافقته أمور غرائبية واتصال بالأرواح". لقد رأيت عالم الموتى. لقد عدت من عالم الموتى. لقد رأيت بعيني هاتين ما لا يمكن لأحد أن يسمعه... ".
بعد موت صديقه شكور يعزم رضا مجدّداً على الهرب، وبعد محاولات حثيثة أن يجد عربة تقله إلى طهران ويتفق مع الحوذي على الأجرة. يفاجأ بأن هذا السائق سلمه إلى فروخ وكيل الإقطاعي الذي أوسعه ضرباً مبرحاً عقاباً له على تجرُّئه على أسياده ومحاولته الانفكاك عن قبضتهم الحديدية.
بعد محاولات حثيثة ينجح رضا في الهرب إلى مقهى قنبر في طهران، بحيث يبدأ حياة جديدة وليكتشف لاحقاً أن أبويه باعاه كي لا يموت جوعاً في ذلك العام الذي عُرف بعام المجاعة.
أحداث غريبة تحدث في قصر" نويان خان" تقود مجيداً إلى حي عود لاجان حيث يقع قصر نويان خان بعد الثورة وانهيار الحكم القاجاري، وتحول القصر الى مدرسة عالية علمية لدار الفنون تملكها البلدية، وتعيين رضا موظفاً فيها يقوم بأداء مهمات ترتيب الكتب الموجودة في المكتبة الفخيمة وتنظيمها ونسخها وتحريرها، ومن هناك راح يدون سيرة حياته وهي متن هذه الرواية وعمودها الفقري.
يزور مجيد القصير ويلتقط صوراً من داخله، ويستذكر أحداث القصة فتنقلب حياته هو الآخر رأساً على عقب، وتتكون لديه أفكار جديدة عن الحياة والوجود والمآل.