رملة - رميلة
الأرمل من الناس مثل المُرمِل الذي افتقر ونفد زاده. ورجل أرمل وامرأة أرملة، أي مُحتاج ومُحتاجة.
هل حَبْلُ رَمْلَةَ قَبلَ البَينِ مَوصولُ
أمْ أنتَ بِالحِلمِ بَعدَ الجَهلِ مَعذورُ
ما يَجمَعُ الشَوقُ إنْ دارٌ بِنا شَحَطَتْ
ومِثلُها في تَداني الدارِ مَهجورُ
هذان البيتان مطلع قصيدة لِكَعب بن زُهير بن أبي سُلمى (ت 644) يمدح فيها الإمام علي بن أبي طالب، وقد بدأها بالغزل على عادة الشعراء القدماء في بناء قصائدهم، قبل أن ينتقلوا إلى غرض القصيدة من مدح أو هجاء أو وصف أو فخر وغير ذلك.
وهذا الشاعر المُخضرم هو ابن زُهير بن أبي سُلمى المازني كبير الشعراء وحكيمهم في عصره اعتنى بكعب لما ظهرت موهبته فكان يخرجه إلى الصحراء فيلقي عليه بيتاً من الشعر ويطلب منه أن يُجيزه، أي يزيد عليه شعراً من نفس الوزن والقافية على سبيل التمرين. على أن زُهيراً منع كعباً من أن يُذيع شعره في حياته خشية أن يأتي بشعر ضعيف ينال من مكانة الأب الشعرية الرفيعة.
وقد اشتهر كعب بين الشعراء بعد وفاة والده وانتشر شعره في البوادي والحواضر. فلما ظهر الإسلام هجا النبي فأهدر دمه. ثم إنه اعتنق الإسلام وندم على ما كان منه فوفد على النبي متخفّيا وأنشده قصيدته اللامية المشهورة التي يمدحه فيها فعفا عنه وخلع عليه بُردتَه، وهي كِساء يلتَحف به ولذلك سمّيت قصيدة "البُردة" ومطلعها:
بانَتْ سُعادُ فَقلبي اليَومَ مَتْبولُ
مُتَيّمٌ إثرَها لم يُفدَ مَكبولُ
وما سُعادُ غَداةَ البَينِ إذ رَحلوا
إلّا أغَنُّ غَضيضُ الطَرفِ مَكحولُ
نأتي الآن إلى بيت القصيد في البيتين أعلاه وهو اسم رَملة، المرأة التي يبثها الشاعر أشواقه بمناسبة الرحيل. والرملة هي القطعة من الأرض يعلوها الرمل. والرملة أيضاً الحَبّة من الرمل. وكثيراُ ما نقع على اسم رَمْلة في قصائد القدماء باعتباره اسماً لحبيبة الشاعر أو إحدى عرائس الشعر التي يذكرها الشاعر على سبيل التغزّل بالمرأة مطلقاً وليس بامرأة معيّنة. وكانت لخالد بن يزيد بن معاوية (668 - 704) زوجة تُدعى رَملة وفيها يقول:
إذا نزَلتْ أرضاً تَحبّبَ أهلُها
إلينا وإن كانت منازِلُنا جُدبا
تجولُ خلاخيلُ النِساءِ ولا أرى
لِرَملةَ خَلخالاً يجولُ ولا قُلْبا
(القُلْبُ قطعة من الذهب تُعلّق في الرِجل كالخلخال)
واشتقاق رَملة من أصل مؤلّف من الراء والميم واللام، يدلّ على رِقّة في شيء يتضامّ (يجتمع) بعضُه على بعض. من هذا الباب الرَمْلُ وهو رقيق. ومنه المُرمِلُ وهو مَن لا زاد له، سُمّيَ بذلك لأحد شيئين: إمّا رِقّة حاله لضعفه، وإمّا لكونه لا يملك شيئاً فكأنّما هو لاصق بالرمل من فقره.
والأرمل من الناس مثل المُرمِل الذي افتقر ونفد زاده. ورجل أرمل وامرأة أرملة، أي مُحتاج ومُحتاجة. هذا هو أصل المعنى، وعلى ذلك فالمرأة التي فقدت زوجها تُدعى أرملة لافتقارها إلى الزوج، وكذلك الأرمل من الرجال لافتقاره إلى الزوجة.
والرَمَلُ نوع من المشي وهو الهَرولة. والرَمَلُ بحر من بحور الشعر، ولحن من ألحان الموسيقى. وتصغير رَملة رُمَيلَة وبها تُسمّى المرأة أيضاً. وكان من بين النساء اللواتي تغزّل بهنّ الشاعر عُمر بن أبي ربيعة (664 - 712) امرأة اسمها رُمَيلة وفيها يقول:
قالت رُمَيلةُ حينَ جِئتُ مُوَدّعاً
ظُلماً بِلا تِرَةٍ ولا ذَنْبِ
هذا الذي وَلّى فأجمعَ رِحلةً
وابتاعَ مِنّا البُعدَ بِالقُربِ
فِأجَبتُها والدَمعُ منّي مُسبِلٌ
سَكْبٌ ودَمعي دائمُ السَكْبِ
إنْ قد سَلَوتُ عَنِ النِساءِ سِواكمُ
وهَجرتُهُنّ فَحُبُّكُم طِبّي
ولما كانت منازل العرب معظمها رمال كثر حنينهم إلى تلك المواضع المسمّاة بالرملة في ديارهم، وبها سمّوا بناتهم رَمْلة ورُمَيلة ورَمْلاء. ورَمْلات العرب كثيرة منها رملة الجَرعاء ورملة عالِج ورملة بيرين.
والرملة المشهورة إلى اليوم هي بلدة الرملة في فلسطين التي وقعت قربها معركة أجنادين وانتصر فيها العرب على جيش الروم البيزنطيين، وذلك في السنة الثالثة عشرة للهجرة. وترزح الرملة تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1948، وإليها يشير الشاعر الفلسطيني محمود مُفلح (1943) حيث يقول:
القُدسُ ما زالت على حالِها
واللُّدُّ والرَملةُ والكَرمِلُ
والشعبُ ما زالَ بها صامِداً
رَغمَ العذابِ المُرِّ يَستَبسِلُ
ما زالَ فينا عُصبةٌ حُرّةٌ
في كلِّ يَومٍ حَبْلُها يُفتَلُ
تَمضي ويَمضي العجزُ في إثرِها
فيها يُرى تاريخُنا المُقبِلُ
ويخاطِب الشاعر الفلسطيني توفيق زَيّاد (1929 - 1994) المحتلين الصهاينة قائلاً:
كأنّنا عِشرونَ مُستحيلْ
في اللُّدِّ والرَملةِ والجَليلْ
هنا على صُدورِكُمْ باقونِ كالجِدارْ
وفي حُلوقِكمْ
كقِطعةِ الصُّبّارْ
وفي عُيونِكم زَوبَعةٌ من نارْ