دبلوماسية أسواق المعرفة.. السلطة الخفية لمراكز الأبحاث
يشرح الكتاب دور المراكز في إعداد الشخصيات وصقل مواهبها في دعم استراتجيات الدولة الخارجية، وكيف عملت تلك المراكز على سد الثغرة بين العالم الأكاديمي والعالم الواقعي.
لا خلاف في أننا نعيش في زمن مضطرب تندلع فيه الأزمات المتموجة بسرعة أكبر من السابق، وبشكل متلاحق، وهذا يتطلب زيادة عدد الأدوات والفاعلين في محاولة إطفاء الحرائق السياسية أو تغيير مسارات العمل التقليدية للبحث عن حلول تختفي في ثنايا واجهات المعرفة أو البحث أو السياق المؤسسي الدبلوماسي التقليدي، وخصوصاً في عصر صناعة المعرفة. يمكن تحويل هذا العصر وتغيير مسارات عمله بحسب رغبة الدول وصناع القرار فيها، كما يقول أفلاطون: (تصبح المعرفة شيئاً شريراً إذا لم يكن الهدف فاضلاً). فهل باتت مراكز المعرفة مثل بنوك التفكير (Think Tanks)، ومراكز البحوث والدراسات واجهات لتنفيذ سياسات الدول أو متلازمة لإخفاء نوايا الدول؟.
وكما هو الشائع انه في الولايات المتحدة الأميركية لا يمكن أن تعمل في السياسة والدبلوماسية والعلاقات من دون أن تمتلك علاقة مع مراكز للدراسات والأبحاث وبنوك التفكير، أو شركات العلاقات العامة. ولأجل فهم هذا الموضوع المهم، نطالع كتاب مهم صدر لعباس راضي العامري عن دار الحكمة في بغداد تحت عنوان (حرب النوايا: السلطة الخفية لمراكز التفكير في صناعة القرار). وتأتي أهمية هذا الكتاب لبحث موضوع يمثل مفاتيح أساسية في صنع القرار، فضلاً أن المؤلف يدير مركز دراسات مهماً في العراق، وهو المعهد العراقي للحوار وهي مؤسسة أكاديمية فكرية بحثية، تعنى بالدراسات والتخطيط الاستراتيجي، تأسست بعد التغيير في عام 2003، فكانت واحدة من أهم المشاريع التي تعنى بعملية صناعة القرارات وتحضير الخيارات وبدائلها من خلال المراقبة الدقيقة للأحداث الجارية وتداعياتها المحتملة عبر استشراف المستقبل لوضع المسارات اللازمة أمام صانع القرار، وكذلك بوظيفته الرسمية كونه المستشار السياسي لمجلس النواب العراقي.
يرى الكاتب أن مراكــز التفكيــر تمثل ظاهــرة متميــزة، اســتطاعت التأثيــر فــي أعلــى مراكــز القــرار، لتمــارس دور الفاعــل المؤثــر وصانــع الأفــكار الاستراتيجية، وساهمت في توليـد وتطويـر ونشـر الأفـكار وتسـويقها للنخبـة والـرأي العـام علـى حــد سـواء، بكونها أسواقاً المعرفة، حيث يعـد صانعـو السـتراتيجيات مراكـز التفكيـر أهـم ركائـز التخطيـط والإدارة لـكل دولـة، وعلـى مختلـف الصعـد، حتـى صـار تقـدم وتطـور اســتراتيجيات الــدول يقــاس بحجــم اهتمامهــا بمراكــز التفكيــر ومطابــخ القــرارات، وبعــدد تلــك المراكــز وعمقهــا وجديتهــا فــي صنــع البدائــل والخيـارات وتسـويقها لمتخـذي القـرار كما يرى العامري.
ولهذا فإن آخـر احصائيـة لجامعة بنسـلفانيا عام 2021 تشير الى الأعداد المتزايدة لمراكز البحث والتفكير في العالم التي وصلت الى 11175 مركزاً توزعـت بيـن أوروبــا (2932 مركــزاً) وأميرــكا الشــمالية (2397 مركــزاً) وآســيا (3389 مركــزاً)، وأميرـكا الوســطى و الجنوبيــة (1179 مركزاً)، بينمــا في أفريقيــا وجنــوب الصحــراء الكبــرى 679 مركزاً، وأخيـراً في الشـرق الأوسـط وشـمال أفريقيـا هناك 599 مركـزاً للتفكيـر والبحث. (ص13)
ويتناول الكتاب قضية بالغة الاهمية كأنموذج تلك القضية المتعلقة بمدى تأثيـر مراكـز التفكيـر فـي صياغــة السياســم الخارجيــة الأميركية تجــاه المملكــة العربية السعودية بعــد عــام 2011، وجماعات الضغط السعودية تجاه صانع القرار الأميركي عبر شركات العلاقات العامة، حيث يعتقد العامري أن هنالـك علاقة طرديـة بيـن المـال السـعودي من جهــة ومراكــز التفكيــر الأميركية وصنــع القــرار السياســي الخارجــي الأميركي. ومن جهـة أخـرى كلمـا دعمـت السـعودية مراكـز التفكيـر زاد في ذلك تأثيرهـا فـي عمليـة صنـع القـرار بمـا يتـواءم مـع مصالـح المملكة (ص 11).
يعرض العامري فكرة مهمة ويحاول تصويب فكرة مغلوطة عن مراكز الأبحاث فهو يقول إن هـذه المراكـز لا يقتصر عملها علـى إنتـاج الدراسـات المطولــة، بــل تســتهدف اقتنــاص الفكــرة مـن كل موضــوع، لتحولهــا الــى مشــروع وخيــار يوضــع أمـام صانــع القرار، ليتحــول فيمــا بعــد الــى إجــراء وخارطــة عمــل، ســواء علــى مســتوى الاســتراتيجية او السياسـات العامة (ص 15). لكن في سياق هذا الموضوع، ماذا إذا كان صانع القرار لا يقرأ ولا يرى أهمية لتلك المراكز كما يحصل في معظم الدول العربية؟.
الأهم أن تلك المراكز لا تشبه المؤسسـات الأكاديمية الأخـرى بكونها مراكـز للبحـث والتعليـم، التي تشـبه الجامعـات أو الكليــات، وهــي مؤسســات غيــر ربحيــة، وإن كان منتجهــا الأبحــاث والأفــكار، فهي مراكـز إنتـاج و إدارة المعرفــة. ويذهب المؤلف إلى أن مراكز التفكير هي مؤسســة أو معهــد أو جماعــة أو مركــز متخصــص للقيــام باقتنــاص الأفــكار الجديــدة في البحث والدراسات في موضوعات متعددة ســواء بهــدف نشــر الثقافة والمعرفـة، رغم أن البدايات الأولى لتأسـيس مراكـز التفكيـر، عبر تأسـيس الكراسـي العلميـة كانت لأغـراض غيـر سياسـية، وإن تـم توظيفهـا فـي السياسة لاحقاً(ص 19). ويعرض تاريخ عدد من مراكز الدراسات العالمية المهمة في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وآسيا والشرق الأوسط وفق حسابات التاريخ والتأسيس، والتي تصدرتها واشنطن، ولهذا سلّط المؤلف كتابه على دراسة الأنموذج الأمريكي، متناولاً أطر التنظيم الإداري والمالي لتلك المراكز (ص 28).
يقسم الكاتب مراكز الدراسات الأميركية الى تصنيفات عدة، منها ما يسميها جامعـات بـلا طـلاب وهـي المراكـز والمؤسسـات التـي تقـدم دراســات تخصصيــة فــي السياســة والاقتصــاد وغيرهــا، وأبرزهــا يعمـل علـى موضوعات السياسـة الخارجيـة، الـذي يقـع فـي مقدمتهـا وأهمهـا (مجلــس العلاقــات الخارجيــة). ويهتــم هــذا النــوع مـن المراكــز بدراســة ورصــد وتحليــل ما يواجــه المجتمــع الأميركي من مشاكل على المســتويين الداخلــي والخارجــي ووضــع الحلــول والبدائــل لهــا. أما النوع الثاني فهي مراكـز استشـارية تقـدم حلـولاً لمـا يعتـري عملية الإدارة الآنية، والنوع الثالث هي مراكــز الضغــط والمصالــح وهــي المؤسســات التــي توظــف البحـوث والدراسـات والفعاليـات التـي تقيمهـا من أجـل الضغـط والتأثيـر فـي صنـاع القـرار بمـا يتماشـى ومصالحهـا، مثل معهد واشنطن (ص 29 وما بعدها).
ويعلل العامري سبب تعاظم دور المراكــز فــي صياغــة السياســة الخارجيــة والداخليــة الأميركيــة، ويرجــع ذلــك إلــى طابــع اللامركزية فــي النظــام السياســي الأميركــي، وانخــراط الولايات المتحدة الأميركية كفاعــل رئيــس فــي العلاقــات الدوليــة (ص 36).
ويشرح الكتاب دور المراكز في إعداد الشخصيات وصقل مواهبها في دعم استراتجيات الدولة الخارجية، وكيف عملت تلك المراكز على سد الثغرة بين العالم الأكاديمي والعالم الواقعي عبر ما تقدمه من توصيات وسياسات، كما يرسم حديثاً علمياً دقيقاً حول سياسة الباب الدوار، متناولاً طريقة تعاطي الولايات المتحدة الأميركية مع ملفي العراق وإيران، وكمثال الباحثة زهرة بيل مسؤول ملف العراق في البيت الأبيض، وسام باركر مسؤول ملف ايران في البيت الأبيض، كيف انتقلا من مراكز البحوث الى وزارة الخارجية الأميركية (ص 46)، فضلاً عن بقية النماذج في صناعة حكومات الخبراء عبر هذه المراكز، أو استراتجيات الإدارات المختلفة مثل فكرة الفوضى الخلاقة وغيرها.
كما يظهر العامري في كتابه أهمية هذه المراكز البحثية في صناعة دبلوماسية المسار الثاني، أو الدبلوماسية الموازيــة وهي تقابل الدبلوماسية الرسمية في المناطق الذي يتعسر على المسار الأول العمل عليها أو التحرك فيها (ص 52). ثم يدخل الكتاب في شرح علمي لمفهوم صنع القرار في الولايات المتحدة الأميركية، عبر المؤسسات الرسمية وغير الرسمية وعن أدوار الرئيس ووزارة الخارجية، والبنتاغون، والمؤسسات الأمنية والاستخبارية، ثم يتوسع في شرح الصلاحيات القانونية لدور الكونغرس الأميركي في صياغة السياسة الخارجية (ص 76).
ويخلص الكاتب إلى أن مركـز عمليـة صنـع القـرار فـي الولايات المتحدة غير مستقر، ويتحول من مؤسسة الى أخرى، وحيث يتحول مركز صنع القرار بحسب شخصية الرئيس، ففي حالة ضعفه يكون بيد الكونغرس وتارة يكون بيد الرئيس، وبحسب مواصفات شخصية الرئيس وقوة حزبه ومقاعده التي يتمتع بها (ص 83). ثم يتناول العامري صنع القرار في المؤسسات غير الرسمية، مثل الشركات الكبرى كمصانع الأسلحة وشركات النفط، كما يتناول جماعات الضغط الصهيونية في الولايات المتحدة وأبرز ادوارها، ودور وسائل الإعلام، كما يتناول القضية الدينيــة فــي الولايات المتحــدة، علـى الرغـم مـن تأكيـد الدسـتور الأمريكـي بتعديلاتـه المختلفـة علـى علمانيـة الدولـة وفصـل الديـن عنهـا، إلا أن الديـن والحيـاة الدينيـة يتداخـلان بشـكل جوهـري مـع السياسـة ويؤثـران فيهـا بوضـوح كبيـر. (ص 100).
يتناول الكاتب في القسم الثاني من السياسة الخارجية الأميركية تجاه السعودية، حيث يرى المؤلف أن السـعودية تكتسب أهميـمة جيوبوليتيكيـة نظـراً لطبيعـة موقعهــا الاســتراتيجي من جهة ولطبيعــة الخصائــص الجغرافيــة التــي يتمتـع بهـا هـذا الموقـع بالنسـبة إلـى القـوى الرئيسـية فـي النظـام الدولـي وفـي مقدمتها الولايات المتحدة(ص 115)، فضلاً عن الاهمية الاقتصادية للسوق الغربية، وأهميتها الأمنية في هذا السياق في منطقة الخليج. ويؤكد الكاتب على أهمية العامل الأخير رغم أن المملكة علــى غــرار بعــض الــدول لا تنشر حجــم إنفاقهــا العســكري، ولا تقدم أية بيانـات لمكتـب نـزع السـلاح التابـع إلـى الأمم المتحـدة حـول إجمــالي الإنفــاق العســكري،(ص118).
إضافة إلى تأثير السعودية على سوق النفط، حيث أن واشنطن تنظر إلـى المملكة بمنظـور التأثيـر علـى الأسواق العالمية، فبعـد أن قامـت المملكـة بزيـادة إنتــاج النفــط، اســتجابت إلــى دعــوات منظمة أوبــك بعــد تصريحــات الرئيــس الأميركي السابق دونالــد ترامــب بشــأن خفــض الإنتــاج والدعــوة للحــوار مـع روســيا، وهـذا لـه تأثيـر كبيـر في الأسواق العالمية (ص 122).
وفي البعد الأمني، تتعامل الولايات المتحدة مع السـعودية بمنطق التعامل مع القضايا الأمنية التـي تتصـل بالمنطقة، والتــي تؤثــر فــي المصالــح الأميركية بشــكل كبيــر، وخاصــة في موضوع التعامل مع الجمهورية الاسلامية الايرانية، ومنطقة الخليج عبر ما تسميه الإدارة الأميركية بالتحالفات، برغم أن أحداث 11 أيلول / سبتمبر لعبت دوراً كبيراً في إعادة تقييم العلاقات الأميركية – السعودية. وقد أســهمت مراكــز التفكيــر المتصلــة بالحــزب الجمهــوري والنخـب السياسـية فـي دفـع الولايات المتحـدة الـى ما يعرف بالحـرب علـى الإرهـاب، بعـد ضـرب تنظيـم القاعـدة لبرجـي التجـارة فـي نيويـورك ووزارة الدفـاع فـي 11 أيلـول / سبتمبر 2001، الأمر الـذي دفـع السعودية الى الأخذ بالاستشارات التــي أشــارتها عليهــا بعــض مراكــز التفكيـر للخـروج من مأزق التـورط فـي الإرهـاب، الـى أن تكـون شـريكة في الحرب عليه بعد أن غيرت وجهتها من دعم المجاهدين الأفغان في حربهم على السوفيات بدفع أميركي منذ ثمانينات القرن العشرين (ص 136).
ثم يتناول الكتاب تحديات العلاقات السعودية – الأميركية خلال إدارة الرئيس باراك اوباما، حيث بلــغ التوجــس الســعودي أوجه بعــد 14 تمــوز / يوليو 2015، أي بعــد اعتــراف الــدول الكبــرى الخمس ببرنامج إيران النووي، علـى الرغـم من الافتراق الواضح والمعلـن فـي العلاقات الثنائية بيــن الحليفين والولايات المتحدة والسعودية لكن هناك عاملين لا يمكن اغفالهما في العلاقات التاريخية هما: المال والنفط السعوديان، والخطاب الخارجي للطرفين تجاه بعضهما البعض، وخصوصاً تدفق النفط الى الولايات المتحدة، في مقابل تعهد الأخيرة بحمايتها من أي اعتداء، برغم التشنج الإعلامي بين الطرفين(ص 143).
كما يتناول الكتاب طبيعة العلاقة الثنائية بين الطرفين في عهد ترامب، حيث حاولـت السـعودية أن تعيـد ترتيـب وضعهـا السياسـي علــى المســتوى الداخلــي والخارجــي مـن أجــل تغييــر رؤيــة ترامـب نحوهــا، إذ أن واحــدة مــن أهــم التحــولات التــي شــهدتها الســعودية بوصـول الملـك سـلمان بـن عبـد العزيـز الـى السـلطة وجناحـه السـديري هـو تخلـي المملكـة عـن سياسـتها القائمة وابتعادهـا النسـبي عـن الأزمات التـي تعـج بالمنطقة بسـبب المشـاكل الداخليـة فـي المملكـة أو المشـاكل فـي إدارة السـلطة، لكنهـا وجـدت نفسـها متورطة في تدخلات عسكرية واضحة خــارج حدودهـا. وكان لزيـارة ترامب الى السـعودية فـي أيـار / مايو 2017 حالـة من التبـدل فـي التفاعلات الجيوسياسية القائمة في الخليج، على خلاف التوقعات التي ربطت بين توجهات ترامب الانتخابية حول ضرورة الاستغلال المالي للسعودية الى عقد اتفاقات شراكة مع الرياض ودول الخليج تتزامن مع تحول الحسابات الاستراتيجية والتفاعلات الاقليمية(ص 146).
ومن خلال بنوك التفكير استطاعت الرياض إعـادة توصيـف الإرهـاب، وبـدل من أن تكـون الدولـة الأولى في دعم الإرهاب بحسب تقارير أميركية سابقة، سوّقت نفسها بأنها الدولة الأولى المهتمة بمكافحة الإرهاب والتطرف بعد انشاء المركز العالمي لمكافحة التطرف في قمة الرياض، حيث أن طبيعـة الـدور الـذي تؤديـه شـركات العلاقـات العامة ومراكـز التفكير التــي تتعامــل معهــا المملكــة العربيــة الســعودية هــو ما يمنــح الســعودية الـدور المتنامـي فـي موقعهـا فـي الاستراتجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط.
كما يتناول العامري سياسة الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن تجاه السعودية وفق بنوك التفكير ومراكز الدراسات، حيث يرى أن بايــدن حــاول أن يــوازن بيــن مســارين صاخبيــن داخـل الكونغـرس، رأي يتبنـى اسـتمرار حمايـة المملكـة مـن أية عقوبـات واســتمرار بيــع الأسلحة، وهــذا الــرأي تصــدره مراكــز التفكيــر ضمنــاً عبر جماعات الضغط المتصلـة بشـركات المجمـع الصناعـي العسـكري، ورأي يـرى ضــرورة أن يدفــع النظــام الســعودي ثمـن ما قـام بـه من قتـل الصحافـي جمال خاشـقجي والحـرب علـى اليمـن ( ص 150).
ويكشف الكتاب أنه بعـد تولـي الملـك سـلمان سـدة الحكـم في السـعودية وولي عهده محمد بن سلمان، بـدأت المملكـة تـدرك أهمية القيام بحراك في البيئة الدولية والإقليمية، وتوظيف المال في القرار السياسي الخارجي الأميركي بشكل أكبر، حيث تم تأسيس جماعــة الضغــط الســعودية والمتمثلة بلجنـة شــؤون العلاقــات العامة السعودية الأميركية (ســابراك)، فيما يعتقد أن واحـدة مـن قضايـا تأثيـر اللوبـي السـعودي فـي الولايات المتحـدة هـو الجانـب الـذي يتصـل بقانـون (جاسـتا) والـذي عـادة ما يحرج واشنطن بسـبب السياسـات التـي تتبناهـا المملكـة أو التـي تقـوم بهــا فــي تعاملهــا مـع قضايــا البيئــة الخارجيـة. ورغــم أن المملكة تعمـل بشـكل مسـتمر مـن أجـل تجـاوز هـذا الأمر عبر اللوبــي الســعودي، وتأثيــر شــركات الإعلام والعلاقات العامة(ص 172).
ثم يتناول الكتاب قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي فـي 2 تشـرين الأول / أكتوبر عام 2018 لكونها واحـدة من القضايا المؤثـرة في مكانة المملكة في السياسة الأميركية، علــى الرغــم مــن التبايــن الــذي إتســمت بــه المواقــف في هــذه الحادثــة. فخلافـاً لموقـ ترامـب، تبنى مجلـس الشـيوخ بالإجماع فـي خطـوة نـادرة انضـم فيهـا أعضـاء مجلـس الشـيوخ الجمهوريـون إلـى الديمقراطييـن قـراراً يلقي المسـؤولية كاملة علـى ولـي العهد السـعودي الأمير محمــد بــن ســلمان فــي جريمــة القتــل. وعلــى إثــر ذلــك، أقــر مجلــس الشــيوخ مشــروع قانــون ينــص علــى وجــوب توقــف الولايات المتحـدة عن دعمهـا العسـكري واللوجسـتي للسعودية في اليمن (ص 177).
وحول التأثيــر السعودي على جماعــات الضغــط فــي الولايات المتحــدة، وفي هذا الاطار وتحضيــراً لزيــارة ولــي العهــد الســعودي الــى واشنطن في آذار / مارس 2018، دعــا الســفير الســعودي الــى مقر الســفارة فــي الولايات المتحدة مجموعـة مــن اللوبيـات المؤثـرة فـي صنـع القـرار الخارجـي الأميركـي، من اجـل ترتيب الزيــارة التي تأتــي فــي خضــم جــدل عالمي ضد سياسـة إبـن ســلمان لوجــود قضيتيــن كبيرتيــن، حيث كان الكونغـرس على وشك مناقشة الحملة العسكرية فـي اليمـن وتبعاتهـا علـى الشـعب اليمنـي والتـي وصفتهـا الأمـم المتحـدة بأسـوأ كارثة إنسانية في العالم. وكان من أهــم المدعويــن نــورم كولمــان الســيناتور الســابق، ومـارك لامبكين المستشـار المخضـرم، والفريـد موتـور، المخطـط السـتراتيجي الشهير، إذ باتت مراكز البحوث بوابات السعودية الأولى إلى صنع القرار في واشنطن.