حرب روسية - أميركية على أرض أوكرانيا
يرى الباحث أن الحرب في أوكرانيا هي بين روسيا وأميركا فلا يتحدث عن أوكرانيا على أنها في حرب مع روسيا كما يظهر من عنوان الكتاب فهي عبارة عن بيدق في ساحة شطرنج بين لاعبين كبيرين.
إنها الحرب إذاً، فلا بد من الحرب لتحقيق ما لم يتم تحقيقه عبر الدبلوماسية والمفاوضات. والحديث عنها ما هو بالحديث المُرَجَّمِ، فهي مرعبة ومسببة للخسائر في الأرواح والممتلكات، ولكن، يبدو للبعض أنه لا بد منها أحياناً، لأسباب شتى، ولدوافع وأهواء قد تعرف اليوم، وقد تحتاج إلى زمن طويل لمعرفة كنهها وتفاصيلها.
في محاولة لمعرفة أسباب الحرب الدائرة في أوكرانيا ودوافعها، صدر عن دار "الوسط اليوم" للإعلام والنشر برام الله كتاب للباحث محمد موسى مناصرة عام 2023 بعنوان "أشرعة الحرب الروسية الأميركية في أوكرانيا". جاء الكتاب في (200) صفحة من القطع المتوسط، وهو يتناول الحرب الجارية منذ شباط/ فبراير 2022 حتى الآن، ويحلل أسبابها وتجلياتها وظروفها.
محمد موسى مناصرة عاش في مخيم الدهيشة قرب بيت لحم، عمل في صحف في فلسطين مثل "الطليعة" و"الاتحاد" ومجلة "صوت الوطن" في قبرص. زار الولايات المتحدة حين شارك في برنامج الزائر الدولي، والتقى هناك صحفيين وسياسيين وكتاباً وحاورهم واستمع إليهم.
استعرض الباحث في إصداره الذي احتوى على أربعة عشر موضوعاً، بدأها بالحديث عن النظام الدولي ومراحله، والحديث عن الوطنية التي ابتلعتها العولمة، والتنمر والاستعلاء والليبرالية الأميركية، والتناحر كصفة أساسية للنظام الرأسمالي، وتدخلات الولايات المتحدة في العالم، وهيمنتها على أوروبا، والتمييز العنصري، ووقائع الحرب الجارية بين روسيا الاتحادية من جهة وأميركا وأتباعها من جهة أخرى، وعرض موقفه من شعوب الدونباس واضطهادهم من جانب نظام كييف، والحديث عن منابر الإعلام الغربية ونهجها في الكذب والتضليل.
كانت منهجية الباحث المنهج الماركسي المتمثل في ظاهرتَي الصراع الطبقي والإمبريالية، فالكتاب لا يخرج عن هذين المحددين تقريباً؛ ولهذا السبب يرى الباحث أن الحرب هي بين روسيا وأميركا، أما أوكرانيا فلا يتحدث عنها على أنها في حرب مع روسيا كما يظهر من عنوان الكتاب، فهي عبارة عن بيدق في ساحة شطرنج بين لاعبين كبيرين.
قسّم الباحث التاريخ إلى ثلاث مراحل: الأولى تبدأ من نهاية الحرب الدينية في أوروبا عام 1648 حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى، والثانية من نهاية الحرب العالمية الأولى حتى انتهاء الحرب الباردة مطلع التسعينيات بانهيار الاتحاد السوفياتي، والثالثة هي ما بعد ذلك.
يتبنى الكاتب النهج الماركسي في الفعل والممارسة والبحث، ويتوقع المستقبل للماركسية إذ يقول: "إنه هناك..يقف في الأمام شارة مرور على الطريق إلى المستقبل"، لكنه ينتقد التجربة الماركسية، رغم أهمية إنجازاتها كما يقول، من حيث تغييب الحريات والديمقراطية والخيارات الحرة للإنسان، واستفحال البيروقراطية والفساد والقمع وتسخير كل الموارد لخدمة الحزب والمنتفعين منه.
من ناحية المنهج الماركسي فهو يحلل بناء على مقولات الماركسية الثلاث: عمليات التراكم الكمية تؤدي إلى تغيرات كيفية، وأن التناقض بين مكونات الأشياء يعد الأساس في حركتها، وما من شيء في الطبيعة والحياة الاجتماعية إلا ويحمل في مكوناته قدراً من التناقض ينتج صراعاً مستمراً بينها، وأن الصراع بين المكونات يؤدي باستمرار إلى ما يعرف بنفي النفي، فكل مرحلة من مراحل التطور تنفي بالضرورة المراحل السابقة، ولا يمكن أن تتعايش المراحل مع بعضها إلا لفترات مؤقتة توصف بالتناقض، ولا يمكن أن يكون بينها أي وفاق أو استقرار. من هذا المنطلق، يبدو أن الباحث رأى أن الحرب الأميركية -الروسية في أوكرانيا تقع ضمن عملية تراكم كمّي لا بد أن تنتج تغيّراً كيفياً، وأن هناك تناقضاً داخل الصف الرأسمالي وجد صداه في سعي "الناتو" للتوسع شرقاً قابله رفض روسي لذلك، وأن كل مرحلة تنفي التي قبلها؛ ولهذا قسّم الباحث التاريخ إلى ثلاث مراحل، واللافت أن الحروب هي ما يشكل فاصلاً بين مرحلة وأخرى.
تحت عنوان "الكلي الفردي الوطنية في مواجهة العالمية" يرى أن تطور الرأسمالية يشير إلى أن الرأسمالية ستبتلع الوطنية، وهذا ما يولد الحروب، وبالطبع فإن حرب أوكرانيا مثال على ذلك. وبالنسبة إلى التعددية القطبية فهو لا يرى أنها ستغرد خارج سرب الرأسمالية. وفي مظهر من مظاهر أفول نجم الوطنية مقابل العالمية يقول الباحث إن العديد من المشكلات أصبحت عالمية لا تحل إلا بجهد عالمي مشترك كالاحتباس الحراري والأمن البيئي والمائي... إلخ، وهذا ما أفرز تكتلات دولية عديدة مثل "منظمة آسيان"، "مجموعة خمسة زائد خمسة"، "منظمة الإيكو"، "منظمة شنغهاي" وغيرها.
تحت عنوان "الليبرالية الأميركية" يقول الباحث إن الليبرالية الأميركية أوجدت أزمات اقتصادية في تسعينيات القرن الماضي، وما تلا سنوات الألفية الثالثة في دول محيطة بأميركا كالمكسيك والتشيلي والبرازيل والأرجنتين والإكوادور...إلخ، مع ما رافق ذلك من مشكلات اجتماعية ومعيشية. وبخصوص الحرب في أوكرانيا، فإن الأوكرانيين مجرد أدوات لتحقيق المصالح الإمبريالية الأميركية، وهي تعبير عن الأزمة العامة العالمية للنظام الرأسمالي العالمي. هيمنة الولايات المتحدة تعززت حين أصبحت تحت تصرفها أداتان من أدوات الهيمنة، إحداهما اقتصادية هي النظام النقدي الدولي، والثانية سياسية دبلوماسية تتمثل في منظمة الأمم المتحدة التي تأسست عام 1945.
إن للولايات المتحدة دوراً تخريبياً يتضح من قيامها، كما يقول الكاتب، بتدخل علني وسري في الانتخابات بالدول الأخرى خلال الفترة (1946-2000)، ومنذ الحرب العالمية الثانية حتى اليوم، شنت الولايات المتحدة وحدها (30) عملية عسكرية كبيرة.
لا يخفى على القارئ تأييد الباحث لروسيا ليس حباً في النظام الروسي الحالي، ولكن نكاية بالغرب والولايات المتحدة، فهو يقول إن "روسيا بلد رأسمالي ذو ميول قومية وتعيد إنتاج أفكار الجيش الأبيض الذي حارب الجيش الأحمر".
ما نستشفه من الكتاب هو أن الحرب في أوكرانيا تقع ضمن المسعى الأميركي لبسط السيطرة على أوروبا كما فعلت مع الدول المحيطة بها من دول أميركا اللاتينية والشمالية، إذ كانت أوروبا على وشك الارتباط بالصين وروسيا بواسطة مكونات الطاقة.
في النهاية:
الكتاب "أشرعة الحرب الروسية الأميركية في أوكرانيا" يلقي الضوء على من يمارس البلطجة في سياسته الدولية ممثلاً في الولايات المتحدة الأميركية، ورغم أن العديد من الكتب حول العالم قد كتبت حول الهيمنة الأميركية، فإن هذا الكتاب يأخذ أوكرانيا كدراسة حالة، ويطبق عليها المنهج الماركسي في البحث والتحليل.
مع الاحترام لكل جهد يبذل في ميدان صناعة المعرفة والذي ساهم فيه الباحث محمد موسى مناصرة الكريم، فإن بعض الشوائب قد شابت عمله الذي كنا نرجو لو أنه تلافى بعض تلك الهفوات والأخطاء والتي تمثلت في الآتي:
*اعتمد الباحث بكثرة على كتاب "أميركا المستبدة" للمؤرخ ميشيل بوغنن موردانت، إذ اقتبس منه (14) مرة وكتاب "العولمة الفوقية" الذي اقتبس منه (10) مرات. لا داعي للاعتماد بكثرة على مرجع واحد؛ فموضوع الاستبداد الأميركي كتب حوله الكثير من الكتب والمراجع بالعربية مثل: "قرن آخر من الهيمنة الأميركية" لنيكولاس جويات، "الهيمنة الأميركية على الأمم المتحدة ومستقبل الصراع الدولي" لمحمد يوسف الحافي، "الهيمنة الأميركية والنظام العالمي الجديد" لعزت السيد أحمد، "الهيمنة الأميركية والمنظمات الدولية: الولايات المتحدة والمؤسسات متعددة الأطراف". هذا عدا عن الكتب التي كتبت بالإنكليزية مثل: "الهيمنة الأميركية. الأخلاق السياسية في عالم القوة العظمى الواحدة" ومؤلفته هي ليا بريلماير، "إدارة الهيمنة الأميركية: مقالات عن السلطة في زمن الهيمنة" ومؤلفته هي كوري ن. شاك"، "الهيمنة أو البقاء: سعي أميركا للهيمنة العالمية (مشروع الإمبراطورية الأميركية)» لنعوم تشومسكي وغيرها.
*أخطاء في صف وطباعة الكلمات كالخطأ في نهاية (صفحة 22) كلمة «بأنيقوده» والصحيح «بأن يقوده». «دوليتة» والصحيح دولية (صفحة 54)، كما أن رمز الدولار الأميركي $ يكتب منفصلاً عن الرقم كما في صفحة 78.
*يستعمل الباحث كلمات غير مفهومة مثل: جرائم الإبادة و«القتل الموسيقي» بحق الفلسطينيين (صفحة 100)، كما أن كلمة موسيقى يكررها في (صفحة 169) بمعنى معزوفة أو ما شابه حين يقول "فموسيقى أن روسيا تشكل خطراً أمنياً... إنما هي موسيقى هابطة...»".
*أخطأ الباحث في اسم الصحفي اليهودي الفرنسي برنار هنري ليفي Bernard-Henri Lévy، فمرة ذكره على أنه برنار ليفي (صفحة 143)، ومرة أخرى على أنه حاييم ليفي (صفحة 144).
*يذكر الباحث أنه ألقيت قنبلة نووية على هيروشيما يوم 8/8/1945 وفي اليوم التالي ألقيت على ناغازاكي، والصحيح أنه ألقيت على هيروشيما يوم 6/8/1945 وعلى ناغازاكي يوم 9/8/1945.
في النهاية، أضم صوتي إلى صوت الباحث-حتى ولو اختلفت المنطلقات-في دعوته في نهاية كتابه إلى بناء تحالفاتٍ واسعة في مختلف بقاع الأرض، كي تنسق فيما بينها في النضال المشترك، وحاجة الشعوب للخلاص من الطغاة والتحرر من الهيمنة الأميركية على العالم.