جين شارب .. منظّر "الثورات الملوَّنة"
كانت منظمة "كانفاس" وراء ثورة الورد في جورجيا، و"الثورة البرتقالية" في أوكرانيا، والثورة البنفسجية في قيرغيزستان، وما عُرِف بثورات "الربيع العربي" في تونس ومصر وسوريا ولاحقاً في لبنان والعراق.
تميَّز المسار العِلمي للمنظّر والباحث السياسي الأميركي جين شارب منذ أن كان في المرحلة الثانوية بدراسته لمُعسكرات النازية، وبدراسته خلال خمسينات القرن العشرين، للفيلسوف هنري ثورو ونظريّته "العصيان المدني"، وللمهاتما غاندي الذي تبنَّى مدرسة "ثورو" وطوَّرها إلى ما صار يُعرَف بـ"نظرية اللاعنف" التي حقَّق من خلالها الاستقلال لبلاده عن بريطانيا عام 1947.
إلا أن ثمّة مَن يعتبر بأن شارب لم يسبق معلّمَيه ثورو وغاندي وحسب، بل إن كتابه "من الديكتاتورية إلى الديمقراطية" هو الأقرب لنوعيّة كُتب: "الأمير" لميكافيللي، أو "صِراع الحضارات" لصامويل هنتغتون، أو "نهاية التاريخ" لفرانسيس فوكاياما، وجميعها شكَّلت - بغضّ النظر عن سلبيات هذه الكتب أو إيجابياتها - نقاط تحوّل مهمة في تاريخ الفكر السياسي. ولهذا أُطلق عليه لقب "ميكافيللي اللاعنف".
فكرة "العصيان المدني"
جرَّب جين شارب في بداية شبابه فكرة "العصيان المدني"، عندما رفض أن يتجنَّد في الحرب الكورية، وقد حُكَم عليه بسبب ذلك بالسجن، وقضى تسعة شهور خلف القضبان ما بين عامي 1953-1954.
وقد كتب من سجنه إلى ألبرت آينشتاين – عالِم الفيزياء الشهير – مُستفتياً عن رأيه في موقفه ذاك، فأجابه بلطفٍ مُتفِّهماً ومؤيِّداً.
كان الكتاب الأول لشارب "سياسة الحراك السلمي" عن دراسة المناهج الغاندية الذي صدر سنة 1960، وقد كتب افتتاحيته "ألبرت آينشتاين" الذي أطلق لاحقاً إسمه على معهده.
عام 1968 حاز شارب على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة أكسفورد في بريطانيا، التي خرَّجت الكثير من قادة وزعماء العالم.
ويتَّضح من مسار شارب أنه كان يطوِّر فكرته حول الثورات السلمية كما يلي:
في العام 1983، نجح شارب في بلورة البرنامج الخاص بالعقوبات اللاعنيفة في مركز الشؤون الدولية في جامعة هافارد، حيث طوَّر أبحاثاً في العلوم الاجتماعية عن إمكانية لجوء سكان غرب أوروبا إلى العصيان المدني لمواجهة الغزو المُحتَمل لجيوش "حلف وارسو".
الكولونيل روبرت هيلفي
الذي اكتشف جين شارب هو الكولونيل روبرت هيلفي، الإخصّائي في العمليات السرّية الذي كان يشغل حينها منصب عميد "كلية تكوين المُلحَقين العسكريين للسفارات"، والحائِز على تكريم من الجيش الأميركي لمُشاركته في حرب فيتنام، والذي عمل مُلحقاً عسكرياً في السفارة الأميركية في بورما (1983 – 1985)، وذلك خلال حضوره أحد الصفوف التي كان يعقد فيها شارب حلقاته الدراسية ورؤيته لمواجهة الأنظمة في جامعة هارفارد عن الثورات السلمية.
ويتذكَّر هيلفي بعد سنوات من ذلك اللقاء، كيف أنه شكّ في البداية في أن يكون شارب يسارياً "يعجّ فصله الدراسي بالهيبّيين ذوي الشعور الطويلة"، إلا أنه وبعد حضوره إحدى حلقاته الدراسية أدرك هيلفي أن هذا الرجل "ليست له علاقة مُطلقاً بالحركات اليسارية"، وإنما هو شخص مُلتزِم بدراسة الوسائل العملية غير العنيفة لتغيير الأنظمة.
تحريك احتجاجات في الصين
في العام 1987، استفادت "مؤسَّسة ألبرت آينشتاين" التي أسسها وترأسها شارب، من الإعانة المالية لـ"المؤسّسة الجمهورية الدولية "(إنترناشيونل ربابلكن إنستوتيوت)، أحد فروع "الهيئة الوطنية للديمقراطية" (ناشيونل إنداومنت فور ديموكراسي).
ويذكر تيري ميسان في كتابه "أمام عيوننا" أنه: "بعد سنوات عدَّة في عام 1989 كلّفت "السي آي أي" جين شارب بإدارة تطبيق نظريّته في الصين. كانت الولايات المتحدة تريد الإطاحة بالرئيس دينغ زياوبنغ لصالح تسو زيانغ. كانت النيّة هي تدبير انقلاب له صبغة شرعية بتنظيم احتجاجات شوارع، بالضبط مثل الطريقة التي قامت بها "السي آي أي" بتلفيق واجهة شعبية للإطاحة برئيس الوزراء الإيراني محمّد مصدق باستئجار مُتظاهرين في طهران (عملية أياكس عام 1953). الاختلاف هنا هو أن على جين شارب أن يعتمد على خليطٍ من المؤيّدين لتسو زيانغ والشباب المؤيِّد لأميركا لجعل الإنقلاب يبدو كأنه ثورة.
ويؤكّد ميسان أن حضور شارب ومساعده بريس جونكينز في أيّ مكان يقترن دائماً بوجود المصالح الأميركية فيه، لذا فإنهما حلاّ في العاصمة الصينية بكين في يونيو/ حزيران 1989، أسبوعين قبل وقوع أحداث ميدان "تيانانمن". غير أنهما لم ينعما طويلاً بإقامتهما هناك، حيث أن دينغ قام باعتقال شارب ومساعده في ميدان "تيانانمن" ثم طردهما من البلاد.
ويرى ميسان أن الإنقلاب فشل على دينغ ولكن ليس قبل أن تحرِّض "السي آي أي" جماعات الشباب لتشويه سمعة دينغ بسبب حملته التي أعقبت ذلك لفرض النظام. وقد عُزِي فشل العملية إلى مشاكل تحريك الناشطين الشباب في الاتجاه المطلوب.
بعد طرده من الصين، قرأ شارب بهدوء أسباب فشل الاحتجاجات في ميدان "تيانانمن". وخلص إلى نتيجة مفادها بأن اللاعنف التلقائيّ من دون استراتيجية مُتكامَلة، هو وصفة تامة للهزيمة أمام الأنظمة المُدجَّجة بالسلاح. ولذا أصبحت تعاليمه تتمحور حول التخطيط الإستراتيجي للإطاحة بالأنظمة وفق خطط مُتدرّجة لتنفيذ الـ198 تكتيكاً العتيدة.
"مؤسَّسة ألبرت آينشتاين"
ولهذا نظّمت مؤسَّسته "مؤسَّسة ألبرت آينشتاين" في شباط/ فبراير عام 1990، مؤتمراً حول العقوبات غير العنيفة. حضره 185 مُختصّاً من 16 بلداً.
وقد حضر المؤتمر - حسبما يؤكّد ميسان - الضابط روبرت هيلفي، والبروفسور طوماس شيلينغ الحائِز جائزة نوبل عام 2005، وصاحب كتاب "استراتيجية الصراع"، رجل الإقتصاد المعروف وأحد مُستشاري "السي آي إي"، والضابط الإسرائيلي مدير لجنة عِلم النفس داخل القوات المسلّحة الإسرائيلية روفن غال، الذي ساعد شارب في تنظيم حصص تكوينية سرّية للمُنشقّين داخل منظمة التحرير الفلسطينية، في داخل سفارة الولايات المتحدة في تل أبيب، وذلك بغرض دفع الوطنيين الفلسطينيين إلى العدول عن أنشطتهم المقاومة للاحتلال الإسرائيلي.
وقرَّر المؤتمر أن هدفه الأول والأخير هو مُكافحة الشيوعية عبر تعبئة الشعوب في إطار حركة اللاعنف.
وفي شهر تشرين الأول / أكتوبر من العام 1990، سارع شارب وفريقه إلى السويد حيث سيُعيّنان مجموعة من السياسيين الليتوانيين في تنظيم مقاومة شعبية ضد "الجيش الأحمر" السوفياتي.
وبعد أشهر من ذلك، حين اندلعت الأزمة في أيار / مايو من العام 1991، وما تلاها من نشر الزعيم السوفياتي غورباتشوف لقواته الخاصة، كان شارب يُغدِق بنصائحه على الحزب المنشقّ "ساجيدس" (مجموعة المبادرة للبريسترويكا)، وهو ما لم يشغله عن الرئيس الليتواني فيتوتاس لاندسبيرغس.
وفي حزيران / يونيو من العام 1992، نظَّم وزير دفاع ليتوانيا المستقلّة أودريوس بيتكيفيتشوس ندوة لتكريم "مؤسَّسة ألبرت آينشتاين" ومؤسّسها في سبيل تمكين دول البلطيق من نيل استقلالها.
جين شارب في بورما
وفي نفس العام عاد ضابط الاستخبارات الأميركية هليفي واستعان بشارب، الذي التحق به في بورما عام 1992 حيث كان يقدّم التوجيه للثوّار الذين كانوا يقاتلون منذ عشرين عاماً لإسقاط النظام هناك. فقد حكى هليفي للثوار عن أفكار شارب، وكان يقول "كنا في الأدغال نقرأ بعض عبارات شارب على ضوء الشموع".
وقد هُرِّب شارب بالقارب من تايلاند إلى الأدغال البورميّة، ويتذكّر شارب قائلاً: "في تلك الرحلة قابلت أحد الديمقراطيين البورميين المنفيين، الذي كان يُحرّر صحيفة يومية معارِضة في تايلاند، طلب مني هذا المُعارِض أن أكتب المزيد عن أفكاري، وبما أنني لا أعرف كثيراً عن بورما، فقد عبَّرت عن أفكاري بصورة عامة".
وقد كانت ردَّة فعل قائد المُتمرّدين البورميين الأوليّة على محاضرات شارب: "اللعنة، أين كان هذا الأميركي قبل عشرين عاماً؟".
"من الدكتاتورية إلى الديمقراطية"
ويقول شارب: "إنه ظلّ يدرس الصراع غير العنفوي منذ العام 1949"، ولهذا فإن كتابه "من الدكتاتورية إلى الديمقراطية"، الذي يحتوي على 198 فكرة مفيدة لمواجهة الدكتاتوريين من دون إراقة دماء، كانت نتيجة العمل الدؤوب الذي قام به وعُصارة دراساته وخلاصة تجاربه ومقابلاته خلال سنوات عديدة على أناس من الاتحاد السوفياتي المُنهار وأوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية، عاشوا تحت الحُكم النازي والأنظمة الشيوعية والديكتاتورية.
وقد تحوَّل كتاب شارب بفضل الاستخبارات الأميركيّة ودعم مندوبها هليفي، إلى دليل عمل "الثورات الملوَّنة"، وتمّت ترجمته إلى نحو 30 لغة، وطُبِعَت منه ملايين النسخ، ويتوافر للتحميل مجاناً على الإنترنت.
ويروي المخرج رواريد أرو الذي أعدّ فيلماً وثائقياً عنه لقناة "بي بي سي" "بأن عدم معرفة شارب بأحوال بورما أدّى إلى أن كتب دليلاً لإسقاط النظام الديكتاتوري، كان عاماً بشكل كبير. هذا الضعف تحوّل إلى مصدر قوّة للكتاب، بأن سهّل ترجمته وتطويعه لينطبق على أية دولة على اختلاف الثقافات والأديان".
فعندما كتب شارب كتابه "من الدكتاتورية إلى الديمقراطية"، فإنه كان يعني به أصدقاءه البورميين فقط، إذ طبعه باللغة الإنكليزية، ونشر منه نسخاً باللغة البورمية، ويقول شارب: "كنت أعتقد أن هذا يكفي. ثم بعد فترة جاء طالب أندونيسي إلى بورما ووجد نسخة من الكتاب أخذها معه إلى جاكرتا، حيث تم تداولها بسرعة من المُناهضين لحكومة الرئيس سوهارتو في ذلك الوقت، التي يتربَّع على قمّتها الجيش".
ويُضيف شارب: "إن النسخة بدأت بعد ذلك في الانتشار". في عام 1997 وجد أحد النُشطاء الأميركيين من أصل بولندي، يُسمّى مارك زيلازيكويزك، في أميركا نسخة من هذا الكتاب باللغة الإنكليزية، فأخذها خلال زيارة له إلى دول البلقان، ليأخذ هذا العمل طريقه في ما بعد إلى مجموعة صربية معارضة يُطلَق عليها "سيفيك إينيشياتف"، أو "المبادرة المدنية"، حيث ترجمت هذا الكتاب إلى اللغة الصربية وقامت بنشره.
معهد "كانفاس" في صربيا
وسُرعان ما أصبحت أفكار شارب مادة للجدل بين النشطاء في "أوتوبور"، وهي الحركة الصربية المعارضة التي طردت (الرئيس الصربي السابق) سلوبودان ميلوسوفيتش من السلطة عام 2000.
وقد اعترف في ما بعد سيرغي بوبوفيتش مُنسّق هذه الحركة التي باتت تُسمَّى باسم "كانفاس" (CANVAS) في بلغراد. فبعد انتخابات عام 2003 البرلمانية وحصول الحركة الصربية المُعارِضة على أقل من 2% من مجموع أصوات الناخبين، اختفى بوبوفيتش مع رفاقه لاحقاً من المشهد السياسي، وتمّ تحويلهم بإيعازٍ من الاستخبارات الأميركيّة إلى مدرّبين عالميين لثوّار تعدّهم لمهمات مستقبليّة في دول تجد الإستراتيجية الأميركية أنّه من الضروري تغيير أنظمتها عبر معهد "كانفاس"، والذي هو اختصار للإسم الأصلي "مركز المقاومة السلمي العالمي"، والذي أسَّسه ومولَّه الملياردير الصهيوني بيتر أكرمان، الذي يستلهم أفكار شارب للقرن الحادي والعشرين، ولا سيّما بعد شيوع الإنترنت.
بيتر أكرمان والثورات الملوّنة
لا بدّ من التوقّف أمام شخصية بيتر أكرمان الحائِز دكتوراه بعنوان: "كيف يمكن للشعوب المقموعة إزاحة الأنظمة الشمولية من دون خيارات عسكرية"، فهو تلميذ مُخلِص لجين شارب، ويُعادله في التأثير. وشخصيته شبيهة بالملياردير اليهودي جورج سوروس، صاحب مؤسّسة سوروس التي تموّل جمعيات المجتمع المدني التي تقود "الثورات" التي تتبنّاها الولايات المتحدة الأميركية.
وأكرمان بالإضافة إلى كونه ناشطاً مدنياً، فهو المُموِّل لكل أعمال شارب وتحويلها إلى أعمال مرئية ومسموعة ومطبوعة وقام بترجمتها الى لغات عدّة منها العربية، فقد صمَّم لعبة فيديو شهيرة تُسمَّى "قوات أكثر نفوذاً" أو "كيف تزيح ديكتاتوراً". كما قام بإنتاج فيلم تسجيلي يشرح بشكل فعّال التكتيكات الخاصة التي استخدمت لإسقاط ميلوسوفيتش.
وأخطر ما في شخصية أكرمان هو أنه عضو مجلس أمناء منظمة (فريدوم هاوس) التي مولَّت الثورات الملوَّنة و"ثورات الربيع العربي"، فما تاريخ هذه المنظمة؟
دور منظمة "فريدوم هاوس"
لقد تأسَّست منظمة (فريدوم هاوس) عام 1941 بدعم مباشر من الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، وبين أعضائها المؤسِّسين جورج بوش الأب، ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي السابق وبول ولفوفيتز مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق، وأنتوني ليك مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس بيل كلينتون، وجيمس وولزي مدير الاستخبارات الأميركية الأسبق الذي عُيِّن لاحقاً رئيساً لها من عام 1993 إلى عام 1995. ولهذا فإن كل الدلائل تشير إلى أن هذه المنظمة هي على صلة وثيقة بجهاز الاستخبارات الأميركية.
ولقد كانت منظمة "كانفاس" وراء ثورة الورد في جورجيا عن طريق حركة "كمارا" والتي تعني "يكفي" عام 2003، و"الثورة البرتقالية" في أوكرانيا، والثورة البنفسجية في قيرغيزستان 2005. وما عُرِف بثورات "الربيع العربي" في تونس ومصر وسوريا ولاحقاً في لبنان والعراق... جميعها عبرت عبر المعهد "كانفاس"، وتلقّى قادتها توجيهات مُكثّفة ودعماً مالياً ولوجستياً (منها حركة "6 إبريل" و"كفاية" في مصر، و"الثورة" في سوريا، وحراك "طلعت ريحتكم" في لبنان، والحراك الحالي في العراق).
وكانت هذه المنظمة وراء الثورات الملوَّنة التي فشلت في إسقاط الأنظمة الحاكِمة في روسيا عام 2005، ومن ثم في روسيا البيضاء عام 2006 من خلال ثورة الحنين، وفي فنزويلا عام 2007. وبعدها في "الثورة الخضراء" في إيران عام 2009.
ففي عام 2008، حذَّرت طهران وقبل فترة طويلة من اندلاع الثورة التونسية، وحتى قبل أن يمتلئ ميدان التحرير في مصر بالثوّار، مواطنيها من مجموعة "من المُتآمرين" الأجانب يعدّون العدّة للإطاحة بالحكومة الإيرانية، وحدَّدت طهران بعض الأسماء المعروفة التي ستلعب دوراً في "عمليات تخريبية"، ومن بين هؤلاء الأشخاص الملياردير والناشِط السياسي المعروف جورج سوروس، والمُرشَّح للرئاسة الأميركية في ذلك الوقت، والسيناتور جون ماكين، والمستشار الرئاسي الأميركي السابق ورئيس مجلس العلاقات الخارجية ريتشارد هاس.
جين شارب وإيران
أما الشخص الذي وصفته إيران بأنه "رأس الشؤم"، الذي يقف وراء التسلّل الأميركي إلى داخل الأراضي الإيرانية، فهو جين شارب نفسه، وهو أكاديمي سابق غير معروف لمعظم دول العالم، اتهمته إيران أنه عميل للاستخبارات الأميركية المركزية (سي.آي.إيهّ.)
وقد تمّ إنتاج فيلم وثائقي في طهران يتحدَّث عن شخصية شارب وتاَمره لقلب نظام الحُكم في إيران، من البيت الأبيض.
وفي روسيا تمّ منع طبع كتب شارب وحُرِقت المكتبات التي تبيعها بشكل غامِض.
وقد أعلن الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو شافيز، في أحد لقاءاته التلفزيونية الأسبوعية، أن جين شارب يشكّل تهديداً للأمن القومي لفنزويلا.
الثورات الملوَّنة و"الربيع العربي"
أُطلِقَت تسمية الثورات الملوَّنة على هذه الثورات لأن كل حركة منها اتّخذت شعاراً لها له علاقة بالألوان لجَذْبِ الجمهور تحت شعار واحد.
وقد ظهرت علامة القبضة المشدودة للمقاومة، والتي هي شارة "العقل المُدبِّر" لحركة "أوتبور" الصربية، و"الثورات الملوَّنة"، على شعارات ولافتات حركة "6 أبريل" في ميدان التحرير في القاهرة.
وأكَّد سيرغي بوبوفيتش مدير فرع " كانفاس، في بلغراد في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2010 أي قبل "ثورة يناير" المصرية بأقل من شهرين، أنهم عملوا مع المصريين، وأن هذا التعاون هو ثمرة جهود جين شارب الفكرية، وأفكاره المُتعلّقة بالنضال السلمي. ويُضيف بوبوفيتش: "لا يهمّ مَن أنت أسود، أبيض، مسلم، مسيحي، شاذ، مُستقيم، أو أقليّة مقهورة، يمكنك استخدامها لو درسوها أية فئة تستطيع النجاح".
يقول رواريد أرو: "إن الصرب الذين استخدموا كتابات شارب كأساسٍ نظري لنشاطهم كوَّنوا منظمة "كانفاس"، وإلى جانب المواد الخاصة بهم، قاموا بتنظيم ورَش عمل قائمة على أعمال جين شارب في العديد من الدول الأخرى". ويضيف: "أكَّد لي سيرغي بوبوفيتش أنهم عملوا مع المصريين. هذه هي قوَّة أعمال جين شارب، وأفكاره المُتعلّقة بالنضال السلمي".
وعلى الرغم من أن كتاب شارب قد احتلّ شُهرة كبيرة في العالم، لعلاقته ب"العمل الثوري السلمي ونظرية التغيير السلمي للأنظمة الدكتاتورية" والتي هي أقرب إلى نظرية "العصيان المدني". إلا أن ثمة مَن يعتبر بأن شارب لم يسبق ثورو وغاندي فحسب، بل إن كتابه هو الأقرب لنوعيّة كتب: "الأمير" لميكافيللي، أو "صراع الحضارات" لهنتغتون، أو "نهاية التاريخ" لفوكاياما، وكلها شكّلت - بغضّ النظر عن سلبيات هذه الكُتب او إيجابياتها - نقاط تحوّل هامة في تاريخ الفكر السياسي.
يقول رواريد شارحاً تأثير شارب في الثورة المصرية: "عند وصولي إلى ميدان التحرير يوم الثاني من شباط / فبراير 2011 كان بعض مَن تدرّبوا على أعمال جين شارب رَهْن الاعتقال، البعض الآخر كان تحت ملاحظة الاستخبارات، كما تمّ التحفّظ على بعض الصحافيين الذين زاروا الميدان لساعات عدّة".
وعندما قابلت أحد المُنظمين رفض الحديث عن جين شارب أمام الكاميرا، إذ كان يخشى أن يُسبِّب انتشار المعرفة بتأثير الولايات المتحدة هزّة للحركة، وأكَّد لي أن كتابات شارب قد وزِّعت بالعربية.
وينقل رواريد عن هذا الناشِط قوله: إن أحد أهم الأدوات التي استخدمناها كانت فكرة جين الخاصة بتحديد أعمدة النظام، لو تمكّنا من بناء علاقة مع الجيش، عامود التأييد الأساسي للرئيس حسني مبارك، وتمكّنا من دفعهم إلى الوقوف إلى جانبنا، عندها سنعلم أن نهايته ستكون سريعة، هذا ما قاله لي. ويستأنف رواريد قوله: تلك الليلة استقرّيت في أحد أركان ميدان التحرير لأحصل على قسطٍ من النوم، جاءني بعض المشاركين، وعرضوا عليَّ رسائل من الجيش تقول إن الجيش لن يُطلِق عليهم النار. قالوا لي "نحن نعرفهم ونعرف الآن أنهم معنا".
أحد المُحتجّين، محمود، كان قد أُعطى له نسخ منشورات تحتوي على قائمة توجد فيها الـ198 أداة، لكنه لم يكن يعلم بمصدرها الأصلي. شرح لي، بفخر، كيف أن العديد من هذه الأدوات استُخدِمت في مصر ولكنه لم يسمع عن جين شارب من قبل.
عندما ذكرت له أن هذه القائمة هي كتابات أكاديمي أميركي اعترض بشدَّة قائلاً: "هذه ثورة مصرية"، مُضيفاً: "نحن لا نتلقّى ما نفعل من الأميركيين".
وقد نشرت "مؤسّسة ألبرت آينشتاين" في بوسطن التي أسَّسها شارب، كتاب "من الدكتاتورية إلى الديمقراطية - إطار تصوّري للتحرّر". وترجمه إلى العربية خالد درار عمر، وأصدرته "الدار العربية للعلوم" في بيروت.
لقد أعطى شارب حقوق نشر كتابه "من الديكتاتوريّة إلى الديمقراطيّة" أو الاقتباس منه. وقد حمل الكثير من النُخبة هذا الكتاب في حاسوباتهم الشخصية والذي كان مصدر إلهام للثورات السلمية في مناطق كثيرة في العالم. كما أنه موجود على الإنترنت مجاناً.
صحيح أن جين شارب توفّي عام 2021 عن 90 عاماً في منزله في بوسطن بين رفوف الكتب وزهرات الأوركيد التي كان يرعاها. إلا أن كتبه وأفكاره اللاعنفية ستبقى مُلهِمة لأية "ثورة" تقوم ضد أية حكومة تريد الولايات المتحدة إسقاطها.
المراجع:
1-جين شارب، "من الدكتاتورية الى الديمقراطية"، ترجمة خالد دار عمر - مؤسسة ألبرت أينشتاين، ترجمة: خالد عمر، الدار العربية للعلوم - ناشرون - بيروت.
2-جين شارب، "سياسة الحراك السلمي"، أنظر: طارق محمد محمد خير عنتر، "جين شارب و نظرية الانقلابات الناعمة والسرية"، موقع سودانيز أونلاين.
3-جين شارب، "البدائل الحقيقية"، مؤسسة ألبرت إنشتاين.
4- رواريد أرو، "جين شارب: الرجل الذي ينسب اليه اسقاط النظام المصري"، ترجمة: مجدي محمود، نشر في موقع عرب48.
5-مصطفى عمر، "البروفيسور جين شارب : إسقاط ديكتاتوريًات القرن..و نظريًة حرب اللاعنف"، موقع الراكوبة.
6- تييري ميسان، "مؤسسة ألبرت أينشتاين: اللاعنف بمفهوم جهاز المخابرات الأمريكية " السي آي إي""، موقع فولتيرنت.
7- طه محمد والي ود. يوسف أحمد احمادي، "دور العامل الخارجي في ثورات الربيع العربي"، مجلة العلوم الإنسانية والطبيعية.
8-هيثم مزاحم، "حكاية خوان غوايدو: كيف صنعت واشنطن قائد الانقلاب في فنزويلا"، الميادين نت.
9- محمد علي فقيه، "كيف تسقط الثورات الملونة الدول الضعيفة"، الميادين نت.
10-"الصراع بين الدكتاتوريات العربية والربيع العربي لم ينته بعد"، موقع سويس إنفو.
11-آية الجاجة، "ما هو سر شعار القبضة ؟ .. هكذا تغري الأنظمة العالمية الشعوب ب الثورات"، موقع دام برس.
12- د. ماهر عربيات، نظرية الاحتجاج السلمي!!، موقع عمّون.
13_ كتاب الكفاح السلمي: 50 نقطــــة حاســمــــة، النهـج الاستراتيجــي للتكتيـك اليومــي"، إعداد: سريدجا بوبافيتش- أندريج موالفجتش - سلوبودان دينوجونفيتش، صادر عن مركز تطبيق الاستراتيجيات وعمل اللاعنف CANVAS، بلغراد 2006.