جوان - جان - حنّا

لاسم جوان قصة.. تعالوا نتعرف إليها.

رأتني كأشْلاءِ الِلجامِ وراقَها

أخو غَزَلٍ ذو لِمّةٍ ودِهانِ
ولو شَهِدتْني في ليالٍ مَضَينَ لي
لِعامَينِ مَرّا قبلَ عامِ جُوانِ
رأتنا كَريمَيْ مَعشَرٍ حُمَّ بَينَنا
هَوىً فَحَفِظناهُ بِحُسنِ صِيانِ
نَذودُ النُفوسَ الحائماتِ عَنِ الصِبا
وهُنَّ بِأعناقٍ إليهِ ثَواني

هذه الأبيات تعود إلى أوائل العصر الأُمَوِيّ وقائلها شاعر بدويّ يٌدعى ضُبارَة بن الطُفَيل الخَثعَمي، لذلك تحتاج بعض مُفرداتها إلى شرح ليفهمها القارئ في الوقت الحاضر. يقول الشاعر إن صاحبته أنكرته لمّا رأته مُشعّث الشعر جافّ البشرة مثل حدائد السُيور الذي يُلجَم به الفَرَس، فانصرفت عنه إلى فتى مُحبّ للغزل يتغاوى بشعره الكثيف الصقيل.

على أنها لو رأته قبل عامين من العام المعروف عند قومه بني خَثْعَم بعام جُوان لَرَأتهما كأنهما كريما قومٍ اتّقدت بينهما نار الهوى فحفظاها وصاناها وهما يصدّان نفسيهما عن غِواية الصِبا، فيما تميل الحِسان بأعناقهنّ إليه. 

ولعام جُوان الذي يُؤرّخ به الشاعر قصة مُفادها أن جُوان هو ابن الشاعر عُمر بن أبي رببعة، وقد عَيّنه أحد وُلاة مَكّة على صدقات قبيلة خَثعَم فحمل عليهم في الجباية حملاً شديداً فجعلت خَثعَم سنةَ جُوان هذه تاريخاً.

وكان جُوان رجلاً صالحاً. روى أبو الفرج الأصفهاني في كتابه الموسوعيّ"الأغاني" أنّ جُوان جاء يوماً إلى والي مكة آنذاك فشهد عنده بشهادة فتمثّل الوالي ببيت من الشعر قاله الشاعر المعروف بالعَرجي، وكان يسير على خُطى عُمر بن أبي رببعة في الغزل:

شَهيدي جُوانٌ على حُبّها
أليسَ بِعَدلٍ عليها جُوانُ

ثم قال الوالي لجُوان: "لقد أجزنا شهادتك" وقبله كشاهد. وقيل إنّ جُوان جاء إلى العرجي معترضاً وقال له: "يا هذا ما لي وما لك تُشهّرني في شعرك! متى أشهدتني على صاحبتك ومتى كنتُ أنا أشهد في مثل هذا؟".

والآن ماذا عن اسم جُوان؟ هو على ما يبدو لنا اسم عربي مشتقٌ من الجَون. يقول ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: "والجَون عند أهل اللغة قاطِبَة اسم يقع على الأسود والأبيض وهو باب من تسمية المتضادَّين بالاسم الواحد".

ويضيف: "زعم بعض النحويّين أن الجَون معرّب وأنه اللون الذي يقوله الفُرس "الكُونة "، أي لَون الشيء فلذلك يقال الجَون الأسود والأبيض. وهو كلام لا معنى له".

والجَونةُ الشمسُ، قيل سُمّيت بذلك لبياضها، وقيل لاسوِدادها عندما تغيب. والجَونُ الأسود من الألوان، وربّما سُمّيَ الأبيضُ جَوناً. ويُسَمّى الحِمارُ الوَحشِيُّ جَوناً.

جُوان إذن اسم عربي عندنا. ولا سيّما أن الشاعر عُمر بن أبي ربيعة سمّى به ابنه. وربما تسمّى المرأة جُوانَة. وسمّت العرب الرجل باسم جَون، وبتصغيره جُوَين. والجَونُ أبو بَطن من العرب وهو الجَون بن أنمار بن عوف.

ونجد في الفارسية كلمة جَوان وتعني الشابّ أو الشابة والفتى اليافع أو الفتاة. والجمع جَوانان. وجوانان انقلاب أي شبيبة الثورة.

ويظن بعضهم من غير المدقّقين أن جُوان اسم أجنبي مثل جون وجان وهذا خطأ. ذلك أن جون وجان وجوني وجانين وجِين وجانيت وخوان بالإسبانية وغيرها أسماء أجنبية، وتعود كلها إلى الاسم العبري يوحنّا ومعناه "يهْوَه حنون" واختصاره الشائع في بلادنا حَنّا.