جابر - جبر - جبارة - جبّور
جابر وجبر وجبارة وجبّور، أسماء مشتقة من أصل واحد.. ما هو؟ وماذا تعني؟
يا مَنْ ألوذُ بهِ فيما أُؤَمِّلُهُ
ومَنْ أعوذُ بهِ مِمّا أُحاذِرُهُ
ومَنْ تَوَهّمتُ أنّ البَحرَ راحَتُهُ
جُوداً وأنّ عَطاياهُ جَواهِرُهُ
لا يَجبُرُ الناسَ عَظماً أنتَ كاسِرُهُ
ولا يَهيضونَ عظماً أنتَ جابِرُهٌ
هذا اللائذ بمن يجد عنده ما يؤمّله هو أبو الطيّب المتنبّي (915 - 965م)، ومَن يلوذ به ويخاطبه هو أمير حلب سيف الدولة الحمداني (916 - 967م) الذي خصّه الشاعر بأجمل مدائحه، وكان ينال منه مكافأة سنوية سخيّة قدرُها 3 آلاف دينار. وهذا ما أثار الغيرة في نفوس حاسديه وأوّلهم الشاعر أبو فراس الحمداني، ابن عمّ الأمير، فكادوا له حتى ساءت العلاقة بينهما وفارقه الشاعر مستاءً.
أما بيت القصيد الذي نقصده في هذه الأبيات فهو وصف المتنبي لممدوحه بأنه جابر لكل عظم كسره غيرُه، بينما لا يستطيع أحد أن يجبر عظماً هو كاسِرُه، كناية عن قوّته وسطوته وجبروته.
وجابر اسم الفاعل من جَبَرَ العظمَ المكسور، يَجبُره جَبْراً وجِبارةً، إذا أصلحه بالجِبارة وهي ما يُشَدّ على العظم المكسور لينجبر أي ليلتئم . ومن هذا اشتُقً اسم العلم المذكر جابر. ومن الجَبْر اشتقّت العرب أسماء أخرى منها جَبْر وجَبْرة وجِبارة وجَبيرة كما سيأتي ذكره.
أما المعنى الأصلي للجذر اللغوِي المؤلّف من الجيم والباء والراء فيَدُلُّ، كما يقول ابن فارس في "معجم مقاييس اللغة"، على جِنس من العَظَمَة والعُلٌوّ والاستقامة.
فالجَبّار هو الذي طالَ وفاتَ اليدَ، ومن ذلك قولهم فَرَسٌ جَبّار ونَخلةٌ جبّارة. ويقال للخشب الذي يُضَمّ به العظمُ الكسير جِبارَة .والجمعُ جبائر. والجِبارةُ شِبهُ السِوار في المِعصَم. وعليه قول الشاعر:
وأرَتكَ كَفّاً في الخِضابِ
ومِعصَماً مَلءَ الجِبارَهْ
هذا هو أصل المعنى ثم يُستعار فيقال مثلاً: جَبَرَ عَظمَه، إذا أصلح شُؤونَه. وجبرَ الفقيرَ، إذا كفاه حاجَتَه. وجَبَرَ خاطِرَ فُلانٍ، إذا أجاب طَلبَه، وإذا واساه في مُصيبة حَلّت به، وأزال انكسارَه .
وجابِرُ هو اسمٌ الفاعل من هذا كلّه. وعليه قول البَهاء زُهَير (1168 - 1258م):
لَعَمري لقد أحسَنتَ لي وجَبَرتَني
وإنّكَ لِلقَلبِ الكسيرِ لَجابِرُ
وأولَيتَني ما لم أكُنْ أستَحِقُّهُ
وإنّي لَداعٍ ما حَيِيتُ وشاكِرُ
وجابِرُ بن حَبّة: لقبُ الخُبز، قيل لأنه يَجبر الجوع. ويُكنى الخُبزُ بِأبي جابِر أيضاً. وأُمّ جابر: الهريسة لما فيها من القمح الذي يُصنع منه الخُبز.
وجابِر بن حَيّان (721 - 815م) عالم عربي برع في الكيمياء والطبّ والفلك والهندسة، تُرجمت كتبه إلى اللغة اللاتينية واعتمد عليها علماء الغرب.
والجَبْرُ مصدرُ الفعل جَبَر. والجَبْرُ القهر والإكراه. يقال أجبره أو جبره على كذا وكذا إذا أكرهه عليه. اسم الفاعل جابر واسم المفعول مجبور. ومذهب الجَبْرِ هو الذي يرى أصحابه أنّ الناس مجبورون على أفعالهم لا اختيار لهم وهم الجَبريّة. وعلم الجبر في الرياضيات يقوم على إحلال الرموز محل الأعداد المجهولة أو المعلومة، أنشأه محمّد بن موسى الخوارزمي (ت 850 م) ويُنسب إليه. وجَبْرُ الكسرِ في الرياضيات إكمالُه إلى الواحد الصحيح.
ويقال تَجبّر العظمُ إذا انصلح. وتَجبّر الرجلُ،إذا تكبّر. ورجل جبّار: مُتَكبّر والجمع جبّارون وجبابِرَة. والجبّار من أسماء الله الحُسنى وهو العزيز الجبّار. وعبد الجبّار اسم مركّب بالإضافة.
واشتُقّت من الجَبْرِ أسماء منها: جَبْرُ، تصغيرُه جُبَير، مؤنّثه جَبْرَة، تصغيرها جُبَيرَة، وجَبيرة، وجِبارة، وجُوَيبِر تصغير جابِر. وجَبّور، على وزن فعّول، من قبيل التحبّب. وجُبران بمعنى جبر، وجبرا بقلب تاء التأنيث ألفاً.
ومن النساء اللواتي شَبّب بهنّ الشاعر عُمر بن أبي ربيعة (644 - 712م) حسناء اسمها جَبْرَة، ترخيمه جَبْر، كانت في موسم الحجّ وفيها يقول:
عوجي عَليَّ فَسلّمي جَبْرُ
فيمَ الوقوفُ وأنتمُ سَفْرُ
ما نلتقي إلّا ثَلاثَ مِنًى
حتّى يُفَرّقَ بَينَنا النّفْرُ
الحَولَ بعدَ الحَولِ يَتبَعُهُ
ما الدَهرُ إلّا الحَولُ والشَهْرُ
ويقول الأعشى (570 - 625م) في المرأة التي كان يهواها واسمُها جُبَيرَة:
أجُبَيرُ هل لأسيرِكُم مِن فادي
أم هل لِطالبِ شِقّةٍ مِن زادِ
إنْ كُنتِ لا تَشفينَ غُلَّةَ عاشِقٍ
صَبٍّ بِحُبّكِ يا جُبَيرَةُ صادي
فَانْهَيْ خَيالَكِ أن يَزورَ فَإنّهُ
في كُلِّ مَنزِلَةٍ يَعودُ وِسادي