"تخيلات جزيرة" (1-2): تخيّل الموضوعات على خط المواجهة العسكرية بين الصين وتايوان
يهتم قسم من الكتاب بالرواية التاريخية للجزيرة. وتروي الرواية العلاقة ما بين تاريخ الجزيرة والجزر المحيطة بها.
تبدأ "وي بينغ لين" بعنوان ملفت جداً لكتاب "تخيّلات جزيرة" الصادر عن دار جامعة كامبريدج سنة 2021، فيبدو وكأنه رواية عاطفية لتنتهي بالعنوان الجزئي "تخيّل الموضوعات على خط المواجهة العسكرية بين الصين وتايوان". ومن المستغرب أن تحمل كتاباً لبروفسورة في جامعة تايوان الدولية. والكتاب يحمل في عنوانه تناقضات مع اختصاص الكاتبة وهي العلوم الأنثروبولوجيا، أو علم الإنسان، في حين أن الكتاب في العنوان الجزئي يحمل طابعاً عسكرياً، فيما في العنوان الرئيسي يبدو ذا طابع عاطفي.
وي بينغ لين أستاذة الأنثروبولوجيا في جامعة تايوان الوطنية. تتعاون لين مع جامعة هارفارد- من خلال معهد ينشينغ ومركز فيربانك للدراسات الصينية في جامعة هارفرد. وهي مؤلفة كتاب "تجسيد القوة السحرية": الدين الشعبي الصيني في القرى والمدن، الذي نشر في العام 2015، من قبل مركز فيربانك في جامعة هارفارد. حائز الكتاب يومها على "Academia Sinica Scholarly" أي جائزة مونوغراف في العلوم الإنسانية والاجتماعية. كما قامت لين بتحرير كتاب "الدين الوسيط: الموسيقى والصورة والأشياء والوسائط الجديدة".
يعد كتاب "تخيّلات جزيرة" عبارة عن دراسة أنثربولوجية، أي دراسة في علم الإنسان، ولذا فهي تعنى بدراسة المجتمع في أرخبيل ماتسو الذي هو عبارة عن إحدى الجزر التابعة لتايوان ذات الإدارة المستقلة عن الصين. وقد شهدت الجزيرة صراعاً كبيراً عليها حتى بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. وبغض النظر عن الصورة، التي تحاول ان تعطيها الكاتبة حول الظلم الذي لحق بالجزيرة بسبب أنها تحولت إلى مركز عسكري تايواني بعد استقلالها مما ترتب إجراءات احترازية من قبل الجيش وخاصة بما يتعلق بالصيادين، إلا أن الجزيرة تشبه في وضعها الإقتصادي حتى ثمانينات القرن العشرين الوضع الإقتصادي في الصين قبل أن تبدأ بالنهوض والانفتاح. ولا ننسى أن الدكتورة لين درست في الغرب وتدرس في تايوان، وبذا تتحقق معها معالم الخلفية الإنفصالية. وإذا أمكن قراءة الكتاب مع هذا المفهوم فيمكننا أن نتبين الألغام التي وضعت بين طيات الدراسة، وإن لم يكن ذلك ممكناً فنحن نقع على دراسة تتناول مجموعة من الناس المستقلين في جزيرة في عرض البحر والذين تتجاذبهم أيدي الصراع الدولي ما بين الصين والولايات المتحدة للسيطرة على بحر الصين الشرقي، والمنطلق من مبدأ دعم انفصال تايوان عن الصين من قبل الغرب.
والكتاب واحد من سلسلة أطلقتها جامعة هارفارد حول تايوان، وهو يتحدث بالأخص عن جزيرة أو آرخبيل ماتسو، والذي شهد قتالاً ضارياً خلال الحرب العالمية الأولى. وفي المقدمة تحاول الكاتبة أن توضح تماماً أن الهدف من الكتاب هو تقديم صورة واضحة عن المجتمع في الأرخبيل من دون تأثيرات اللبس الذي يمكن أن تتسبب به النظرة الخارجية والتي يمكن أن تكون تخيّلية حول هذه المجتمعات وخاصة في ظل عالم تحكمه تأثيرات العالم الخارجي، في عالم بات تأثير الحدود فيه محدوداً مع تطور تكنولوجيا الإتصالات.
يحتوي الكتاب الأقسام التالية:
المقدمة: تخيّل المواضيع/ السكان
الجزء الأول: تاريخ أرخبيل ماتسو
1- بؤرة استيطانية ممنوعة
2 - أن تصبح عسكريًا في خط المواجهة
3- البقاء أم المغادرة؟
4- المقامرة مع الدولة العسكرية
الجزء الثاني: تقنيات الخيال الجديدة
5- ماتسو الرقمية
6- ذاكرة الحرب على الإنترنت
الجزء الثالث: فنتازيا المستقبل
7- النساء والعائلات في المرحلة الانتقالية
8- المجتمع يتجسد من خلال مبنى المعبد
9- الممارسات الدينية الجديدة كأعمال تخيلية
يقع أرخبيل ماتسو بين الصين وتايوان. وكان يشكل لفترة طويلة مجموعة استيطانية معزولة، قبالة جنوب شرق الصين. تحول الأرخبيل فجأة إلى جبهة عسكرية في عام 1949 بسبب الحرب الباردة والصراع الشيوعي-القومي. فاحتل الجيش التايواني الجزر، وبدأ فيها أكثر من 40 عامًا من الحكم العسكري. رفعت الأحكام العرفية في العام 1992، وابتدأ الناس بالتحضر للمضي قدمًا. وتعد الدراسة إثنية مبنية على التاريخ الاجتماعي المتعمق للجزر على كيفية قيام المواطنين الأفراد بإعادة تعريف أنفسهم وإعادة تصور مجتمعهم معتمدة على عمل ميداني طويل الأمد. توضح وي بينغ لين من خلال الدراسة كيف استخدم سكان الجزر وسائل الإعلام التقليدية والجديدة للتعامل مع الصراعات والصدمات الناجمة عن الحكم العسكري "القاسي" كما تصفه بناء على المقابلات الميدانية التي قامت بها. ثم تناقش تشكيل تخيّلات اجتماعية جديدة من خلال ظهور "الموضوعات المتخيلة"، وتستطلع تأثير الاستخدامات المتنوعة للتقنيات الحديثة أثناء سعيها للإجابة على الأسئلة الوجودية.
في عام 1949، وصل الجيش فجأة إلى ماتسو وغيّر مصير الجزر. وتحلل الكاتبة هنا كيف غيّر الحكم العسكري حياة السكان المحليين من منظور اقتحام الفضاء الشخصي. اذ أنه بمجرد أن أصبح أرخبيل ماتسو خطًا أماميًا في الحرب، انقطعت الروابط الوثيقة التي كانت موجودة سابقًا بين الجزر والبر الرئيسي. صحيح أن إدارة منطقة الحرب نفذت مشاريع بناء واسعة النطاق، ونشرت التعليم العام لتحديث الجزر، واستخدمت أيضًا وسائل الإعلام المطبوعة والعملة المحلية لإنشاء اتصالات عبر الجزيرة، ونتيجة لذلك، أصبحت "ماتسو" مجتمعًا متخيلًا حديثًا، بخيال اجتماعي جديد مثل "قلعة في مضيق تايوان" و"نقطة انطلاق لمناهضة الشيوعية". وأصبح هذا التخيّل تدريجياً هوية لشعب ماتسو الجديدة في مقابل المعاناة الفردية.
لكن لين تريد نتائج أخرى ولذلك رأت من منظور آخر وعبر التمحيص في حياة الأفراد عن كثب، أن هناك صورة مختلفة. جاءت من بعيد وتوغلت في كل جانب من جوانب الجزر على الفور وبعمق. اذ انتشرت جميع أنواع المؤسسات العسكرية (مثل قواعد الموانئ ومراكز الاستخبارت ومخازن الأرز)، واحتلت مساحات معيشة السكان المحليين. وأنشأ في التلال الواقعة فوق القرى ثكنات عسكرية سرية، وكان إشراف وسيطرة الدولة في كل مكان. كان على أي شخص يريد الدخول إلى الجزر أو مغادرتها أن يتحدى عذاب السفر عن طريق البحر. وهذا ما تبين للين أنه كان سببب مأساة أهالي الجزيرة.
يبدأ النقاش في الكتاب في محاولة عرض مفهوم "التخيّل الاجتماعي"، وهو الطريقة التي يتخيل بها أعضاء المجتمع وجودهم. وهو يشكل الفهم المشترك لكيفية تنفيذ الممارسات الجماعية التي تشكل الحياة الاجتماعية. وتبيّن لين أنه في الأزمنة المعاصرة ازدادت أهمية هذا التخيّل، أسواء في علم الإنسان أم في الدراسات الثقافية. حتى أن التخيّل يميل أحياناً إلى أخذ وزن مماثل للثقافة أو المعتقد أو المعنى، هذا إن لم يحل محله. وأما سبب حدوث ذلك فهو وسائل الوسائط الإلكترونية، والتي تمثل بداية عصر جديد: فهي تتدخل في الحياة العامة وتعيد تشكيل المجتمع بحكم انتشارها الواسع وسرعة انتقالها. لذلك عند حدوث الهجرة الجماعية أو التنقل من مكان إلى آخر، مع العلم أنهما لم يتوقفا أبداً عبر التاريخ، لكن ما تتميز به الهجرة الحديثة أنها مصحوبة بالتدفقات السريعة للرسائل الجماعية والصور والأحاسيس ويؤدي ذلك إلى نوع من التبادل الثقافي، الذي لا يمكن إبقاؤه في نطاق محدود، كما كان يحدث من قبل. وهكذا فقد اكتسب الخيال قوة جديدة في المجتمع المعاصر. ويشرح موور كيف تخلق هذه الوسائط وقتاً متجانساً فارغاً ومساحة اجتماعية قابلة للمقارنة. وتستشهد لين بكتابات موور والتي تقول بأن البشر يستخدمون الأشياء والتقنيات لتوسيع نطاق وصولهم عبر الفضاء، والوقت لخلق أشكال جديدة من الذات والعلاقات الاجتماعية والأنطولوجيا الاجتماعية. وحيث تعمل التقنيات الجديدة على تعزيز قدراتنا التخيّلية وعلاقات التواصل الاجتماعي. إنهم لا يصنعون فقط طرقاً ممكنة جديدة للرؤية، لكنها قادرة أيضاً على إنتاج مراحل جديدة من التأثير والشدة والتي بدورها تنتج أشكالاً ثقافية وقدرات جديدة.
يهتم قسم من الكتاب بالرواية التاريخية للجزيرة. وتروي الرواية العلاقة ما بين تاريخ الجزيرة والجزر المحيطة بها. إذ مرت الجزيرة بمراحل تاريخية صعبة ولم تنتهِ شدة صعوبتها حتى القرن الثامن عشر. إذ أنه حتى ذلك الوقت تم تهجير العديد من أهالي الجزيرة والجزر التي حولها، وكان الأمر متعلقاً بالأمن العسكري للدولة أو الإمبراطورية الصينية. وأهالي البلدة ينقسمون في أعمالهم ما بين الصيد والزراعة. ولكن في القرن الثاني عشر، أمر الإمبراطور الصيني بإبعاد الناس عن الساحل لمدة طويلة من الوقت لأن قسماً منهم تحولوا إلى قراصنة يهاجمون السفن التجارية. ولهذا السبب فقد منع السكان من بناء منازلهم على ساحل بحر الصين الشرقي ومن الصيد في مراحل مختلفة من التاريخ. ومن المفيد أن نلفت هنا أن هذه الرواية هي رواية الكتاب. إذ أن الكاتبة تعتبر أن بداية دخول البريطانيين كان بداية لإنتهاء الصعوبات، وبداية عودة الحكم العسكري هو عودة جديدة لها.
استضافت مراسي الجزيرة العديد من السفن، التي لجأت إليها للحماية من الأمواج العاتية. ولهذا كان أثره في جذب اهتمام الحكومة البريطانية لجزر ماتسو، فوضعت الخرائط التفصيلية لسير السفن عبر شواطئها في العام 1843. وكان لها اهتمام خاص ببسط السيادة عليها، فتاريخياً، كانت جزر ماتسو تؤوي سفنًا متجهة إلى فوتشو أثناء انتظارها للمد أو الاحتماء من الرياح، ثم أصبح دور ماتسو كملاذ آمن أكثر بروزاً عندما وصلت القوات الغربية إلى الصين في أواخر عهد تشينغ. فبعد هزيمة الصين في حرب الأفيون عام 1842، صادقت الصين على معاهدة نانكينغ مع بريطانيا، والتي تنص على فتح خمسة موانئ على طول الساحل الجنوبي الشرقي للصين. وحتى اليابان كانت دائماً تحاول السيطرة عليها لأهميتها البحرية. وبحكم بُعد الجزر عن القيادة المركزية في بكين، وبالتالي ضعف الاهتمام بها، فقد نمت هناك حركة القرصنة وبرز من بين أهالي الجزيرة قراصنة لا تزال أسماؤهم تتردد حتى اليوم.
أدى الصراع بين الحزب الشيوعي والحزب القومي في الصين، وكذلك الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، إلى تغيير كبير في مصير ماتسو. إذ تم بين عشية وضحاها عزل ماتسو عن تايوان والصين وتحولت إلى خط أمامي في استراتيجية تايوان الدفاعية ضد الصين. فحكم الجيش التايواني الأرخبيل لأكثر من أربعين عامًا (1949-1992). ومن أجل تحويل جزر الصيد الجرداء إلى قاعدة صلبة للجيش، نفذت الحكومة العسكرية خلال هذه الفترة مشاريع تحديث واسعة النطاق، بما في ذلك تحسين البنية التحتية، وبناء المدارس، وحتى تنفيذ برنامج قبول مضمون لإرسال طلاب ماتسو إلى تايوان للتعليم المتقدم. أحدث كل هذا تغييرات هائلة في الجزر المقفرة سابقًا.
وأما الجانب المظلم لهذه الصورة، أنه في مواجهة الحكم العسكري تم إخفاء الخيال الفردي إلى حد كبير وأُلغي التعبير عنه بشكل خاص. على سبيل المثال، كان صيادو ماتسو على علم بأماكن على البحر لا يمكن اكتشافها عسكريًا، وحيث يمكنهم انتزاع لحظات قصيرة من الاستمتاع خارج سيطرة الدولة للقاء أصدقاء الصيادين من الصين، لكن تلك الفواصل كانت في الغالب سرية، وهذا ما يتحدث عنه الفصل الثالث. كما طوّر سكان الجزر عاداتهم في المقامرة إلى نوع من الممارسة الخيالية التي يمكنهم من خلالها السخرية من الدولة أو التهرّب منها أو حتى التعامل معها؛ ولكن كان لا بدّ من لعب القمار سراً في أماكن بعيدة، مثل الزوايا المظلمة للمكاتب أو المخازن أو الأنفاق أو حتى المقابر، كما يوضح ذلك الفصل الرابع.
مما لا شك فيه أن القمع المنتشر شجّع العديد من الناس في ماتسو، وبخاصة الشباب الذين تم إرسالهم إلى تايوان للدراسة والذين استوعبوا أفكار الحرية هناك، للنهوض جنباً إلى جنب مع الحركة الديمقراطية التايوانية ونزلوا إلى الشوارع للمطالبة بالحرية. وبعد اظاهرتين كبيرتين واعتصامات سلمية احتجاجاً على الحكم العسكري التايواني، تم رفع قانون عام 1992، والذي تعد بموجبه أرخبيل ماتسو كتيبة عسكرية للجيش التايواني. وحصلت ماتسو أخيرًا على حريتها. أدت التحسينات اللاحقة في النقل الجوي والبحري إلى اتصال شعب ماتسو بالعالم الأوسع، وأتاح ظهور تقنيات الإنترنت إمكانيات أكثر لتطوير الخيال. عندما انتشرت وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة إلى الأرخبيل بأكمله على شكل موقع إلكتروني شهير ، Matsu Online، والذي تم إنشاؤه في عام 2001، تم منح السكان حرية أكبر في التعبير عن آرائهم بحماسة، والتواصل مع بعضهم البعض عبر العالم الافتراضي، والانخراط في القضايا العامة. اكتسب الخيال الفردي مساحة أكبر للتعبير عن نفسه والاستكشاف في عالم الإنترنت.
الرجال والنساء في فترة الحرب
يتحدث الكتاب عن فترة الحرب على الرجال والنساء في الأرخبيل وبالذات عن تأثير فترة إدارة منطقة الحرب. حيث واجه اقتصاد صيد الأسماك في ماتسو تحديات شديدة، بسبب منع الصيد. وفي السبعينات من القرن الماضي، بدأت تايوان عملية التصنيع مما تطلب ذلك قوة عاملة أكبر. فانتقل العديد من سكان ماتسو المحليين إلى هناك للعمل في المصانع. وأما أولئك الذين بقوا في الجزر فقد كان عملهم الأساسي، كما تصفه الكاتبة، تقديم الخدمات والسلع للجيش. كما قدم برنامج القبول المضمون والالتزام بالعودة إلى العمل لفئة إجتماعية جديدة من موظفي الحكومة والمدرسين إلى ماتسو، الذين كان لهم تأثير كبير على مستقبل الأرخبيل. وهذا التأثير ناقشته الكاتبة في الفصلين الثامن والعاشر.
تغير واقع المرأة في ظل إدارة منطقة الحرب، وباتت تعيش ظروفًا مختلفة تمامًا عن الماضي. ففي مجتمع صيد الأسماك، كان الرجال هم المساهمون الأساسيون في تمويل الأسرة من خلال الذهاب إلى البحر والصيد، بينما بقيت النساء في البيت وبقي وضعهن الإجتماعي أدنى من الرجل وكانت فرصهن في التعليم محدودة. فتح الاقتصاد العسكري إمكانيات جديدة للمرأة. ويعلق أحد الذين التقت بهم لين أن تغيّر دور المرأة كان جزءاً من عسكرة فترة الحرب. إذ تم حشد العمالة النسائية في ماتسو، كما كان الحال في جينمن، لتوفير السلع والخدمات للجنود. ومع ذلك، فإن التغييرات التي مرت بها نساء ماتسو اختلفت عن تلك الموجودة في جينمن، وهي مدينة في داخل البر الصيني. وتقارن الكاتبة بين أدوار النساء المختلفة هنا لتبرز تباين المرأة في ماتسو. وبالتالي فإن الدور الجديد للمرأة لم يفسد الإيديولوجية الأبوية التقليدية، كما حدث في جينمن، فلم تحاول نساء ماتسو اغتصاب مكانة أزواجهن كرأس للأسرة، ولم يبدين حماساً كبيراً لسياسة المعبد. وكان لدورهن كسيدات رئيسات وعملهن النشط مع الجيش تأثير مهم حيث منحهن إمكانيات مختلفة خارج السلطة الأبوية. ولم تتخذ نساء ماتسو وجهة نظر الأرخبيل التقليدية القائلة بأن الغناء والرقص كانا من أجل "النساء الفضفاضات"، بل رأين أن قوتهن الجماعية حضت كبار السن والقادة العسكريين داخل المجتمع الأبوي على الاعتراف بإسهاماتهن. هذه الاختلافات عن النساء في جينمن مرتبط بتاريخ الجزر المختلف: إذ لم تكن منظمات النسب في ماتسو قوية كما كانت في جينمن، والأمر متعلق بتاريخ ماتسو الطويل كمحطة توقف مؤقتة للصيادين.
وتصر الكاتبة على أن تطور نساء ماتسو كان يتماشى بشكل أكبر مع النموذج التايواني أو نموذج البر الرئيسي "كرائدة الأعمال"، اذ وفرت الرأسمالية في تايوان مساحة صغيرة للمرأة، ومزيداً من الحكم الذاتي والسلطة الاجتماعية. وغالباً ما شددت السيدات الرائدات على أن أعمالهن وفرت لهن مساحة حرة للعيش فيها، لم تمكنهن فقط من المساهمة في دخل الأسرة، بل مكّنتهن أيضاً من تجاوز حدود منازلهن وتطوير روابط جديدة مع المجتمع الأكبر. لقد تغيرت حياة نساء ماتسو خلال الحكم العسكري بطرق مهمة عن الأيام السابقة. بالطبع ليس هناك أي دليل على أن الحكم العسكري من خلال العمل على تغيير البنى التحتية وتطويرها في ماتسو لم تكن تهدف إلى تحديث المجتمع، وإنما تؤكد الكاتبة على أن العلاقة الوحيدة لهذا المستوى من التحديث مرتبط فقط بذهاب هذه المجموعات من الرجال إلى تايوان والعمل هناك. كما أن عامل خروج الرجال من الجزيرة كان له التأثير الأكبر في تغيير أدوار الرجل والمرأة في ماتسو والكاتبة لا تشير فعلياً إلى هذا التغيير إلا من خلال العلاقة مع تايوان مما يجعل عملها منقوصاً.