بين "تيك توك" و"فيسبوك".. الأخ الأكبر يراقبك
لا تبدو المسافة بين العوالم الديستوبية الأدبية وعالمنا المعاصر بعيدة.. ما هي الاتهامات الأميركية الموجهة للرئيس التنفيذي لـ"تيك توك"؟ وما هي خلفيات استماع الكونغرس إليه؟
في رواية "1984" للكاتب البريطاني جورج أورويل، ثمّة واقع يتحرّك فيه الجميع تحت أعين الأخ الأكبر، المسموح له بالتلصص على الآخرين بحجة رعايتهم، غير أنه لا يسعى إلا لبقاء هيمنته على أفراد المجتمع.
المسافة بين ديستوبيا أورويل وعالمنا المعاصر ليست بعيدة، فكل دولة تتلبّس شخصية مختلفة، ودائماً هناك دولة مقهورة وأخرى تمارس صنوف القمع عليها. وفي الوقت الذي يروِّج فيه البعض بأن "الأخ الأكبر" ما هو إلا نموذج للأنظمة الشرقية، تبدو الولايات المتحدة الأميركية مصرّة على لعب دوره منفردة، فترى في نفسها صاحبة الحق في مراقبة الجميع والاطلاع على بياناتهم، لا سيّما في عصر مواقع التواصل الاجتماعي.
يوم الخميس الماضي، شهد العالم حلقة جديدة من التخوّف الأميركي من امتلاك آخرين لبيانات مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي. كان أبطال الصراع أعضاء الكونغرس من جهة، والرئيس التنفيذي لشركة "تيك توك"، شو تشيو، من جهة أخرى. عقد الكونغرس جلسة استماع للرئيس التنفيذي للتطبيق الصيني، رداً على اتهامات لـ"تيك توك" تتعلق بالتجسس، وتزويد الحكومة الصينية ببيانات مستخدمي التطبيق.
أمام وابل من الأسئلة المتدفقة من أعضاء الكونغرس، وقف تشيو محاوِلاً تهدئة التخوف الأميركي. ارتكزت محاولاته على "مشروع تكساس"، الذي يمثل وعداً بحماية بيانات المستخدمين الأميركيين، عبر حفظها في شركات المحلية مثل "أوراكل كوربس"، التي تعد واحدة من أضخم وأهم شركات تقنية المعلومات بشكل عام وقواعد البيانات بشكل خاص، ويقع مركزها الرئيس في مدينة "ريد وود"، في ولاية سان فرانسيسكو الأميركية.
حاول تشيو كذلك، أمام لجنة الطاقة والتجارة في مجلس النواب الأميركي، إقناع الأميركيين بأن تطبيقه يحمي المستخدمين الشباب أكثر من منصات التواصل الاجتماعي المنافِسة، مصرّاً على تجنّب الحظر الأميركي أو الإجبار على البيع القسري. لكن بقي هناك تخوّف لدى إدارة بايدن، التي لا تعنيها سرية البيانات إن كانت ستؤول إليها، لكنّها تتخوّف من تسرب معلومات المستخدمين الأميركيين إلى الحكومة الصينية.
ربما كان ثمة إشارة في كلام شو تشيو إلى فضيحة "كامبريدج أناليتيكا فيسبوك"، التي بدأت شرارتها في كانون الأول/ديسمبر سنة 2015، عندما أبلغ الصحافي في جريدة "الغارديان"، هاري دافيس، عن "الجمع غير المشروع" لبيانات المستخدمين في "فيسبوك"، للمرة الأولى، من قِبل شركة "كامبريدج أناليتيكا". وذكر دافيس، في مقال استقصائي له، أنّ هذه الشركة عملت لصالحِ السيناتور الأميركي تيد كروز، من خِلال استخدام البيانات التي حصلت عليها من ملايين الحسابات على "فيسبوك" من دون موافقة أصحابها، ومن ثمّ دراستها ومحاولة التأثير فيها. وقد أثارَ المقال بعض الضجّة؛ لكنّ موقع "فيسبوك" رفضَ التعليق على القصّة وتجاهلها.
عادت الأزمة إلى السطح مرة أخرى في آذار/مارس سنة 2018، بعدما تعرّفت صحفية على موظف سابق في شركة "كامبريدج أناليتيكا"، قام بمدّها بكافّة المعلومات التي تحتاجها، لتنشر بعد ذلك 3 جرائد في وقتٍ واحد سلسلة مقالات وتحقيقات عن الشركة وعلاقتها بـ"فيسبوك"، الأمر الذي تسبب في "غضبٍ شعبيّ كبير"، نجمَ عنه سقوط القيمة السوقيّة للموقع الأزرق، فيما طالب عدد من الساسة في كلٍّ من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بإجابات من الرئيس التنفيذي لشركة "فيسبوك"، مارك زوكربيرغ، الذي اضطرّ إلى الموافقة على الإدلاء بشهادته أمام الكونغرس الأمريكي.
"تيك توك" الذي يملك حالياً 150 مليون مستخدم شهري في الولايات المتحدة وحدها، ربما يواجه صراعاً جيوسياسياً بين واشنطن وبكين، فالأولى ستظلّ قلقة دائماً طالما تحتفظ الصين بسيطرتها على التطبيق، بينما تفضّل الثانية خروجه من السوق الأميركية بدلاً من بيعه للولايات المتحدة. وعلى أي حال فإنّ التطبيق الصيني يواجه خطر حظرٍ محتملٍ في الولايات المتحدة، بسبب التهم التي واجهته سابقاً في عدد من دول أوروبا، والتي حظرته جزئياً على إثرها.
خلال جلسة الاستماع، جاهد الرئيس التنفيذي لـ"تيك توك" في إقناع أعضاء الكونغرس بأن الشركة لم تشارك أبداً هذه البيانات، إلا أنّ الضغوط الأميركية لم تهدأ حتى الآن، فعُقدة "الأخ الأكبر" جعلت الولايات المتحدة تؤمن أنّها صاحب الحق في مراقبة الجميع دون غيرها، ودفعتها إلى استباق أي فرصة تتيح لأي دولة إمكانية، أو حتى احتمالية، مشاركتها في ذلك.