المقاومة في الجولان بكلمات الشهيد مدحت الصالح
يروي الشهيد مدحت الصالح تجربته في تحويل الألغام التي زرعها العدو إلى سلاح ضده، بعد نزعها وزرعها ككمائن للاحتلال الإسرائيلي.
أطلقت مؤسسة "وثيقة وطن" في دمشق، كتاب الأسير السوري المحرر الشهيد مدحت الصالح ابن الجولان السوري المحتل في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، في ذكرى مرور سنة على استشهاده برصاص الغدر الصهيوني في منزله في عين التينة.
الكتاب هو عبارة عن سبع جلسات أي أكثر من 19 ساعة، سجلت مع الشهيد المقاوم والأسير المحرر مدحت، من خلال حوارت أجرته معه الدكتورة نيرمين النفره، تحدث خلالها عن حياته وطفولته وأعمال المقاومة في شبابه وأسره وتحريره، ونضاله من أجل تحرير الجولان ومقاومة العدو الصهيوني، إضافة إلى مقابلة مع زوجته هدية أبو زيد تتحدث فيها عن لحظة اغتيال الشهيد مدحت.
ووفق المنهج الذي وضعته مؤسسة "وثيقة وطن"، وشهادة أدلى بها الشهيد مدحت لـ"وثيقة وطن" وخبرائها، جاء الكتاب في فصول خمسة: جذوة تكبر في قلب الفتى، من الطفولة إلى الشباب، ذاك الثائر أصبح أسيراً، شمس الحرية، نار المقاومة التي لا تخمد.
قدمت للكتاب الدكتورة بثينة شعبان مؤسسة ورئيسة مجلس أمناء "وثيقة وطن" التي شددت في تقديمها على أن إحدى وثائق رصف الصف وتجديد الإيمان بالحق ونقل ومضات من المقابلات الغنية مع الشهيد الصالح، بصلابة صموده وإيمانه المطلق بقضيته وتحديه المستمر لإرادة العدو وإجراءاته.
تقول شعبان: تقدم "وثيقة وطن" سيرة الأسير الجولاني المحرر الشهيد مدحت الصالح للأجيال لتتعلم من مسيرته بعد استشهاده ولتكون نموذجاً يحتذى.
وتضيف: لم يكن استشهاده مصادفة، ولكنه كان من الذين أزعجوا الاحتلال فاعتقله، وحين أيقن المحتل أن البطل لن يتغير سواء في الأسر أم في الحرية، استهدفه ليتخلص من مقاوم ومناضل غير عادي.
وتقول شعبان عن الكتاب: إن ما يجب علينا فعله هو أن ندرك بعمق نقاط ضعف الاحتلال ونرد عليها بنقاط قوتنا، فهو يخشى تاريخنا وذاكرتنا وحضارتنا وتجذرنا في هذه الأرض، وعشقنا لترابها، ولكل ما تمثله.. من هذا المنظور المقاوم تقدم مؤسسة "وثيقة وطن" سيرة الأسير الجولاني المحرر الشهيد مدحت الصالح للأجيال لتتعلم من مسيرته.
أهمية التوثيق:
لأي كتاب أهميته، وهذا الكتاب الذي تصدت له "وثيقة وطن" أهمية مضاعفة، فنحن أمام كتاب يروي سيرة سوري مختلف: إبن الأرض المحتلة، الأسير في سجون الاحتلال، الصحافي المقاوم كلمة وقولاً، والأسير المحرر.
يقول الشهيد مدحت إنه اعتقل مرتين المرة الأولى عندما كان عمره 13 -14 سنة بعد أن دهمت قوة من جيش العدو الصهيوني منزله في الجولان المحتل. وحكم عليه بالسجن 3 أشهر أُطلق بعدها سراحه لينخرط بعدها في العمل المقاوم.
ويوضح: كنا مجموعة من الشباب أنشانا حركة مقاومة سرية بين عامي 1984 و1985 ومن دون توجيه من أحد ومن دون أجهزة أو دعم. ففي هذه الفترة أصبح لدينا وعي جيد وعرفنا كل شيئ عن عدونا وماذا فعل في الجولان. ذهبنا باتجاه الكفاح المسلح، فجاءت الفكرة بأن نفكك الألغام التي وضعها جيش الاحتلال الإسرائيلي واستشهد من خلالها 34 شهيداً و72 شهيداً ونزرعها في طريق الجيش الإسرائيلي.
ويضيف مدحت: وضعنا شعاراً "يجب أن نحاربهم بأسلحتهم "وليس هناك من يمدنا بالسلاح فكانت هذه أفضل طريقة والسلاح موجود. علينا أن نزيل هذه الألغام من المكان الذي سيقتلوننا منه ونستخدمه لنقاومهم به وكانت فكرة ناجحة.
يسرد لنا الشهيد مدحت كيف نجح مع رفاقه في زرع هذه الإلغام عبر العديد من العمليات. ويروي لنا تفاصيل العملية التي نفذها رفيقه الشهيد هايل أبو زيد وصدقي المقت والشهيد سلطان فزرعوا الألغام في معسكر للجيش الصهيوني ممتلئ بالقذائف والأسلحة فيه ما يقارب 750 قذيفة في منطقة تل العروس في الجولان المحتل ويعد مخزناً لجيش العدو في حال حدوث حرب، فنجحوا في تفخيخ المعسكر فدمر كلياً. يؤكد الشهيد مدحت أنه حتى اليوم هذا المعسكر مهجور ولم يعيدوا ترميمه.
عام 1985 انكشف أمر الشهيد مدحت فتم اعتقاله للمرة الثانية وتعرض لتحقيق قاسٍ وحكم عليه سنة لرفع العلم السوري و12 سنة لما قام به من عمليات عسكرية ضد الاحتلال.
يروي الشهيد مدحت تجربة الأسر: "كان صمود الأسرى في السجون الإسرائيلية معركة حقيقية مع العدو، ومعركة كسر إرادة. فكان العديد من الأسرى يتابعون دراساتهم الجامعية، ويخرجون ولو بعد سنوات طويلة وروح المقاومة حية فيهم، فلم يستطع الإسرائيليون كسر هذه الروح لديهم، حتى أنهم كانوا يقولون لقد حولوا سجوننا إلى جامعات للإرهابيين! (يصفون الأسرى بالإرهابيين)، وكانوا يصادرون الكتب والدفاتر والأقلام لكنهم لا يستطيعون مصادرة العقل".
ويتابع: "عندما كنا نقوم بالإضراب كانوا يدخلون ويصادرون كل ما يعثرون عليه، فكنا نخبئ الرسائل والأشياء الهامة في أماكن لا تظهر. كل غرفة كانت تخترع طريقة لإخفاء الأشياء. نحن كنا في الغرفة 27 والبناء هو بناء قديم كان يوجد فيه رفوف وعليها ستارة، فاكتشفت وجود تجويف خلف الستارة على ارتفاع عالٍ، فكنت أخبئ الرسائل هناك بعد لفها جيداً. ثم وضعنا قطعة كرتون بعد دهانها بالأبيض وألصقناها مكان التجويف فلم يعد يظهر".
ويبين الشهيد مدحت: "الإضراب هو الوسيلة الأفضل لينتزع فيها الأسير حقوقه من المحتل الإسرائيلي. فالمحتل يحاول أن ينزع كل شيء من مقومات الحياة داخل السجن بأساليب مختلفة. هناك من يقول إن الأسير يعيش متوفراً له كل شيء ضمن سجون الاحتلال، لكن هذا الكلام غير دقيق، ومن لم يراجع تاريخ الأسرى في السجون الإسرائيلية لا يعرف مدى الأساليب المرعبة التي تمارس عليهم. كنا نطالب في هذه الإضرابات بتلبية أمور المرضى من أدوية أو الذهاب إلى المشافي وغير ذلك، وتقليص عدد المساجين الكبير في الغرفة، وزيادة الطعام كما ونوعاً. كانوا يجلبون لنا ثلاث حبات زيتون للشخص، وحبة البندورة نقسمها على أربعة، وملعقة واحدة من المربى إلخ".
وبعد أن قضى حكمه أطلق سراحه عام 1997. وفي عام 1998 خرج الشهيد مدحت إلى دمشق عبر خط وقف إطلاق النار بعد قرر أن يعرف القيادة السورية على أحوال الأسرى والواقع العسكري والأمني وواقع الاحتلال في الجولان وعلى أثرها إلتقى بالرئيس بشار الأسد.
وعن هذا الخط يقول: أمضيت شهوراً كثيرة بعد خروجي من السجن أجمع معلومات عن حقول الألغام والجدار الإكتروني وكيف يعمل.
عام 2000 تم انتخاب الشهيد مدحت عضواً في البرلمان السوري بعد أن فرضت عليه ظروف الأسر والنشاط السياسي أن يبقى في دمشق وإلا تم اعتقاله مرة ثالثة من قبل جنود الاحتلال.
الدور الإسرائيلي في سوريا
يقول الشهيد مدحت: "هناك كثير ممن يتفق معي في الرأي بأن لإسرائيل يداً منذ بداية الأزمة السورية، وأن كل الذي حدث في سوريا كان مخططاً له منذ أن بدأت في تونس ومن ثم ليبيا ومصر.. فإسرائيل هي المحرك الأساسي لكل ذلك، والاعتقال الثاني لصدقي المقت كشف إدخال السلاح والغذاء والدواء، وكيف يدخل المسلحون إلى الجولان المحتل والمستوطنات، ويجتمعون مع القادة الإسرائيليين وينسقون معهم، وهذا من دون أدنى شك يدل على أن المستفيد الأساسي هو إسرائيل".
يتحدث الشهيد مدحت في بداية كتابه عن طقوس العزاء في الجولان ويقول إذا كان المتوفى شهيداً فيختلف الموقف من ناحية الخطابات ولفه بالعلم السوري فيصبح العزاء كأنه عرس وطني وإذا كان شحصية وطنية بارزة ولها مكانتها كأسير محرر فيكون موقفاً تأبينياً وكلمات كأسير محرر.
تذكر زوجته هدية أبو زيد أن اَخر زيارة قمنا بها للبيت الذي كان يبنيه في عين التينة المواجه لقريته في الجولان المحتل في 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، وقد تم اغتياله من قبل العدو الصهيوني وهو يحاول إصلاح خط الهاتف المنزلي ليتمكن من التواصل مع أهله في الجولان عبر الانترنت.
وتقول: سمعت رشاقات قوية من الرصاص فركضت باتجاه مدحت فوجدته مستشهداَ أمام حديقة المنزل.
تمت إجراءات دفن الشهيد في منطقة جرمانه قرب دمشق بحضور شخصيات وطنية وشعبية وقيادات ممثلة للرئيس الأسد.
تختم زوجته هديه بقولها: كانت قضية الجولان تشكل المحور الأساسي في حياة مدحت. ودائماً كان يقول لي سيرجع الجولان ويحلم دوماً ويتخيل أن السيد الرئيس سيزورنا في منزلنا وسنريه طبيعة جولاننا الحبيب.