الدولة أو الأمة: الإسلاموية وسياسة تركيا الخارجية
سعى الكاتبان إلى إظهار المنطق الذي انطلقت من السياسة التركية خلال "الربيع العربي" وبعده، وذلك من أجل تسليط الضوء على التغييرات التي طرأت على السياسة التركية التقليدية في المنطقة بشكل عام وعلاقتها بالأيديولوجيا الإسلاموية.
الكتاب: الدولة أو الأمة: الإسلاموية وسياسة تركيا الخارجية
المؤلفان: بيرول بيكان وعمر تاشبينار
الناشر: جامعة ولاية نيويورك - 2021 |
قد يبدو أن هناك ضعفاً في فهم اللغة العربية ومحاولة دائمة لتعريفات عجائبية من قبل مؤلفي الكتاب وهما بيرول بيكان وعمر تاشبينار. قراءة العنوان باللغة الإنكليزية تفضح ما في الداخل قليلاً ذلك، مع أن الكاتبين تركيان.
“The Nation or The Ummah”، مع أن الكلمتين تحملان نفس المعنى، إلا أنهما تحاولان إعطاء مفهوم الأمة بعداً إسلامياً.
في كل الأحوال، يحاول الكاتبان تحديد المفهوم الإسلامي لأردوغان في سياسته الخارجية، وفي تعريفه للأمة من منطلق عقائدي ديني، عوضاً عن قيادة السياسة الخارجية لتركيا من منطلق الفهم العقائدي للأمة التركية. فطابع السياسة الخارجية لأردوغان يبدو وكأنه طابع إسلامي بحت وكأنه كان يسعى لجمع الأمة الإسلامية تحت جناحيه متجاوزاً كونه تركياً أولاً، ليصبح عثمانياً أولاً.
يعتبر الكتاب من الكتب ذات الطابع العلمي او الأكاديمي. وتم طبع الكتاب بواسطة جامعة ولاية نيويورك، في ألباني، في العام 2021. وتم تقديم محتوى الكتاب في أربعة فصول إضافة إلى مقدمة وخاتمة. وهي كالتالي:
1- المقدمة
2- الفصل الأول: السياسة الخارجية الكمالية [نسبة لكمال اتاتورك مؤسس الدولة التركية العلمانية] التقليدية لتركيا
3- الفصل الثاني: العقد الأول لحزب العدالة والتنمية
4- الفصل الثالث: الربيع العربي
5- الفصل الرابع: الإسلاموية تعمل
6- الخاتمة: تأملات في ما يسمى بالنموذج التركي
في حين أن الفصل الأول كما يتضح من العنوان هو حول السياسة الخارجية التركية التقليدية التي أسس لها مؤسس تركيا العلمانية والحديثة "كمال أتاتورك"، يتحدث الفصل الثاني عن العشرية الأولى لحزب العدالة والتنمية، والذي ابتدأ بالصعود منذ منتصف التسعينات. فيما يحتل الفصل الثالث أهمية خاصة لأنه يتحدث عن سياسة أردوغان المعاصرة وخاصة في مرحلة ما سمي بـ "الربيع العربي". وأما الفصل الرابع، فهو يتحدث عن تنامي دور ما الإسلاموية ونشاطها. أي أن الكتاب يتناول المراحل الأربع الهامة لتطور عمل حزب العدالة والتنمية في تركيا، الذي حكمها الرجل الأول فيه رجب طيب أردوغان حتى اليوم لمدة تزيد عن العشرين عاماً. ولا ننسى أن أردوغان لم يصرح، ولكنه كان يحاول أن يلمح على أنه سيحتل مكان الخليفة في القرن العشرين، وهو تركي متعصب يرى في نفسه أنه سيعيد العهد الجديد للعثمانية التي أفل بريقها منذ عشرينات القرن الماضي.
العمل هو محاولة للتركيز على العامل الأيديولوجيا كدافع حصري ومحرك مستقل للسياسة. اذ يدعي الكاتبان أن هذه الأيديولوجيا، هي من دفعت نحو إتباع مسار محدد للعمل السياسي وبالتالي تبني السياسة الخارجية الحالية في تركيا. ولأجل إثبات هذا الادعاء، يُظهر الكتاب التوافق ما بين الأيديولوجيا الإسلاموية ومسار العمل المحدد للسياسة الخارجية قيد الدرس، والتي تبنت حركات "الربيع العربي". ولإضافة دعم الحجة المقدمة، يناقش الكتاب السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية ومسار العمل في حال تم اتباع سياسة خارجية تتبناه أيديولوجيا بديلة، على أن تكون معارضة للأيديولوجيا الكمالية، والتي قادت السياسة الخارجية في تركيا لزمن طويل. وبالتالي فإن هذا يفتح الفرصة للمقارنة ويمنح مادة خصبة يمكن من خلالها التفكير حول إدارة السياسة الخارجية بشكل مغاير.
الأيديولوجيا الإسلامية
يرى الكتاب أنه من نواحٍ عديدة، أن الإسلاموية، ولا سيما في الحالة التركية، هي ما يمكن أن يطلق عليه أيديولوجيا "هشة"، وهي ذات أهداف واسعة من دون مسار عمل أو مخطط تفصيلي، وتخضع هذه الأهداف الواسعة للتفسير والتقييم بشكل دائم. وهناك جنوح خلال الدراسات نحو تهميش الأيديولوجيا في التحليلات العلمية للسياسة الخارجية والسياسة الدولية، من دون سبب وجيه. فمفهوم الأيديولوجيا صعب الإدراك في هذه الدراسات، ويتم الخلط بينه وبين المعطيات الأخرى، ويخضع للتنازع ما بين الدارسين، وغالباً ما يتم استخدامه بشكل ازدرائي. وكما يقول ديفيد ماكليلان أنه قد تكون الأيديولوجيا بالفعل "المفهوم الأكثر مراوغة في مجمل العلوم الاجتماعية." ولهذا السبب فقد اهتم الكاتبان بتوضيح مفهوم الأيديولوجيا ومناقشة ما تقوله نظريات العلاقات الدولية الرئيسية عنه.
إضافة إلى أن الكتاب حول تعريف الأمة، لذا لا بد أن يدخل الكاتب الى التعريفات التي تتعلق بالأيديولوجيا التي تحكم تشكل الأمم، والتي تعتمد الفكر الجمعي في أي مجتمع أو دولة ولا تعبّر عن الفكر الفردي. آخذين بعين الإعتبار أن العقل المدبر للسياسة الخارجية ليست عبارة عن صفحة بيضاء كما يقول كل من فاليري إم هدسون وبنجامين إس داي.
ولكن وبإختصار كما يوضح الكتاب فإن الأيديولوجيا لعبت دوراً هاماً في تشكيل هذه السياسة خلال مرحلة "الربيع العربي"، مع العلم أن الكاتبين يخلصان إلى أن الإسلاموية لم تستطع تزويد "خارطة طريق" واضحة للعمل السياسي الخارجي. إذن الكتاب سيركز على الحركة الاسلامية السياسية في الوقت الحالي، والتي تقودها تركيا. ولن يتناول تاريخ الحركات الإسلامية، مما يجعله جديداً في طرحه.
وكانت تركيا حتى العام 1928 تستعمل الحرف العربي في الكتابة، ثم انتقلت إلى استخدام الحرف اللاتيني في عهد أتاتورك، الأمر الذي يشكّل علامة فارقة في تشكيل الوعي والهوية وبالتالي الأيديولوجيا التي تؤثر في السياسة التركية.
يناقش الفصل الأول الخطوط العريضة للسياسة الخارجية "التقليدية" لتركيا، والتي شكلت مقياساً خلال العقود الأولى للجمهورية والتي أدارتها المؤسسة العسكرية القوية لفترة طويلة. يوضح هذا الفصل ماذا كان سيحدث لو لم يدر الإسلاميون السياسة الخارجية وخرج حزب العدالة والتنمية من الحكم خلال "الربيع العربي". ويشير إلى أنه إذا ما اتبعت تركيا سياستها الخارجية الحذرة التقليدية، فإن ردة فعل "الربيع العربي" تجاهها لن تكون مشابهة للوضع الحالي. ولذا وجب البحث عن السبب وراء احتضان تركيا "للربيع العربي" في أيديولوجيا الحزب الحاكم الحالي في تركيا.
مع العلم، فإن حزب العدالة والتنمية لم يستطع اتباع سياسة خارجية إسلامية حتى العام 2010، بسبب السمات الخاصة للسياق المحلي الذي أوصل الحزب إلى السلطة.
ويخلص الكاتبان في الفصل إلى أنه في حين انتهى عقد التسعينيات في تركيا بنوع من الاستقرار، وأهم أسباب ذلك قدرة الجيش على ضبط تحركات الإسلاميين والانفصاليين الأكراد بشكل فعال. اذ أجبر الجيش في العام 1997، الحكومة الائتلافية لرئيس الوزراء نجم الدين أربكان على الاستقالة فيما أصبح يسمى بـ"الانقلاب الناعم". بعد فترة وجيزة من السيطرة على الإسلام السياسي، حول الجيش التركي انتباهه إلى التهديد الكردي أثناء مشاركته في العديد من العمليات عبر الحدود في شمال العراق. وفي عام 1998، هدد الجيش التركي بالمضي قدماً وبشكل علني بغزو سوريا بسبب دعمها حزب العمال الكردستاني. في تلك المرحلة اشتدت العزلة على سوريا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وشكل التعاون الاستراتيجي التركي الإسرائيلي قلقاً بالنسبة إليها، فما كان منها إلا أن "رضخت لأنقرة"، كما يعبّر الكاتبان، وبالتالي فقد أجبرت الزعيم الكردي عبد الله أوجلان على الخروج من دمشق.
بعد مغادرته سوريا تنقل أوجلان في أماكن عدة حتى ألقت الاستخبارات التركية القبض على أوجلان في العام 1999 وسجن في جزيرة نائية قبالة اسطنبول. بحلول نهاية العقد، توقفت التهديدات المزدوجة للكمالية، من كل من الإسلام السياسي والقومية الكردية، اللتين تم إضعافهما وباتتا في موقف دفاعي. لكن، هذه الحقبة كانت مصيرية في التاريخ السياسي التركي الحديث، والتي اتسمت بعدم الاستقرار السياسي، والركود الاقتصادي، والحرب مع المتمردين الأكراد، والكوارث الكبرى في السياسة الخارجية، والانقلاب العسكري الناعم. زاد من سوء الأوضاع في تركيا في العام 1999 تعرض تركيا لزلزاليين كبيرين: أولهما، الزلزال المدمر عام 1999، ومركزه بالقرب من اسطنبول. قتل الزلزال يومها ما يقرب من 20000 شخص وترك مئات الآلاف بلا مأوى.
أما الكارثة الثانية، فكانت الانهيار المالي لعام 2001، والذي يعتبر حتى هذا اليوم أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخ تركيا الحديثة. فأصبح نظام المالية العامة المثقل بالديون على شفا الانهيار حيث وصلت أسعار الفائدة لليلة واحدة إلى 800 في المائة. ويرى الكاتبان أن البلاد نجت من هذه الأزمة المالية بفضل خطة الإنقاذ الضخمة، التي وضعها صندوق النقد الدولي، والتي أرست قواعد الانضباط المالي وإجراءات التقشف. هكذا دخلت تركيا سياق القرن الحادي والعشرين في مواجهة تحديات رهيبة. ولكن في الحقيقة فإن هذه السياسة المالية هي التي أتت بحزب العدالة والتنمية إلى الحكم ممهرة بالثقة الكبيرة التي وضعها الشعب التركي بين يدي أردوغان.
التحديات أمام "العدالة والتنمية"
يناقش الفصل الثاني العقبات الداخلية التي واجهها حزب العدالة والتنمية في فترة ما قبل "الربيع العربي" ويجادل بأن السياق الداخلي الذي واجهه الحزب قد خفف من توجهاته الإسلامية. لقد أعطى حزب العدالة والتنمية الأولوية لقضايا الغذاء والحكم الرشيد والسياسة الخارجية البناءة سعياً وراء عضوية الاتحاد الأوروبي، وخاطبت الطبقات المتوسطة، التي تضررت بشدة من التدهور الاقتصادي في التسعينيات لتصبح من الطبقات الدنيا. عملت هذه الاستراتيجية السياسية بشكل جيد جيداً بحيث حقق الحزب فوزاً كبيراً في أول انتخابات له في الانتخابات البرلمانية في تشرين الثاني / نوفمبر 2002 وشكّل الحكومة بمفرده. فوضع الحزب الرؤيا الجديدة للتحول في السياسة الخارجية كان قد أعد لها حزب العدالة والتنمية في آب/ أغسطس 2001 بواسطة كل من رجب طيب أردوغان وعبد الله غول وبولنت أرينج. وجميع هؤلاء كانوا تلاميذ سابقين لنجم الدين أربكان.
العثمانية الجديدة"
يلقي هذا الفصل نظرة على السياسة الخارجية التركية في هذه الفترة، واصفًا إياها بـ"العثمانية الجديدة". ومن ثم يناقش كيف تختلف العثمانية الجديدة عن الكمالية والإسلاموية، ومع ذلك لا تزال تتشابه معهما في بعض النواحي الأخرى. بحلول العام 2010 تمكن حزب العدالة والتنمية من لجم القوى الكمالية القوية في تركيا، وأطلقت يد الحزب في توجيه السياسة الخارجية التركية. خلال تلك المرحلة تقريباً ابتدأت حركات "الربيع العربي" بالتفجر، مما سهّل التحول الإسلامي المحلي للبرنامج الأيديولوجي في السياسة الخارجية التركية.
يبدأ الفصل الثالث النقاش عبر توضيح كيف قام حزب العدالة والتنمية بتهدئة الجيش، الذي كان في يوم من الأيام معقل الكمالية في تركيا، وبالتالي فقد تمكن بذلك من السيطرة التامة على السياسة التركية. وبعد أن كانت يدا الجيش مطلقتين في حكم سياسة البلاد، جاء حزب العدالة والتنمية الآن ليغير السياسة الخارجية نحو الإتجاه الإسلامي.
وابتدأ أردوغان ببناء علاقة وطيدة مع الدول العربية. ولكن بالتأكيد كانت هناك تغيرات في قيادة السياسة الخارجية مع الدول العربية وتمدد نفوذ تركي واضح مع انطلاقة "الربيع العربي". وتستمر قراءة سياسة حزب العدالة والتنمية ولكن الكاتبين يصفان في هذا الفصل كيف كانت ردة فعل تركيا على اندلاع "الربيع العربي" حيث عرضت علاقاتها مع العالم العربي الأوسع للخطر.
وعليه، فقد أصبح نهج تركيا الإسلامي تجاه سوريا ومصر ممكنًا بفضل توطيد أردوغان للسلطة في الداخل ضد المؤسسة الكمالية. فلو كان الجيش لا يزال قادرًا على اتخاذ القرار في تركيا في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لاستطاعت تركيا اتباع سياسة خارجية أكثر حذرًا فيما يتعلق بجماعة الإخوان المسلمين في مصر والجماعات الإسلامية في سوريا. إذ أن العوامل الاستراتيجية وراء دعم حزب العدالة والتنمية لجماعة الإخوان المسلمين، يراها الكاتبان بأنها مشبعة بالمثالية والأيديولوجيا. وهذا لا يشكل مفاجأة بالنسبة لهما نظراً إلى خلفية أردوغان السياسية: ألا وهي في السياسة الإسلامية.
عندما سمح السياق المحلي والدولي باتباع هكذا سياسة، عادت الغرائز الأيديولوجية الأردوغانية لتطفو بسرعة على السطح. ومن ناحية أخرى يبيّن الكتاب أن لدى أردوغان حجج نفي منطقية للاتهامات التي سيقت له على أنه إسلامي، لأنه كان قادراً على تصوير أجندته الأيديولوجية، ولو جزئيًا، على أنها دعم للديمقراطية في المنطقة. إذ يعتقد الكاتبان أن الرجل كان لديه إيمان راسخ بأن الانتخابات الديمقراطية في الشرق الأوسط لن تؤدي إلا إلى انتصارات للإخوان المسلمين. وقد افترض أن مثل هذه الانتصارات ستؤدي إلى انتصار استراتيجي لتركيا لأن الأحزاب ذات التوجه الإخواني اعتبرت أن تركيا دولة نموذجية وأن أردوغان زعيم إقليمي.
ونتيجة لذلك، ووفقًا لحسابات أردوغان، فإن صعود الديمقراطية الانتخابية لن يؤدي إلّا إلى زيادة القوة السياسية الناعمة والاقتصادية والدبلوماسية لتركيا في العالم العربي.
تطور الإسلاموية
يبني الفصل الرابع الإطار التفسيري الإسلامي. ففي حين يُفصِّل الفصل الأول كيف فسّر أحمد داود أوغلو، الذي كان يُنظر إليه على أنه المهندس الرئيسي للسياسة الخارجية لتركيا في ظل حزب العدالة والتنمية حتى منتصف عام 2010، اي حتى بدء مرحلة "الربيع العربي"، فإن هذا الفصل يناقش بأن تفسير داود أوغلو للربيع العربي يحوم حول إطار تاريخي إسلامي لتفسير ما يحدث. ثم يتتبع الفصل أصل الإسلاموية، ويناقش جوهرها الأساسي الذي يتعلق بالعلاقات الدولية، ويبني الإطار التفسيري، الذي رافق تطور الإسلاموية من نشأتها في أواخر القرن التاسع عشر إلى أواخر القرن العشرين.
النقاش حول تطور الإسلاموية يدور من دون الأخذ بعين الاعتبار الإطار التفسيري والمثالي الأساسي للإسلاموية. فعلى سبيل النقاش من الصعب تفسير احتضان تركيا المتحمس "للربيع العربي"، مع العلم أنه لم يكن للإسلاموية تأثير على السياسة الخارجية التركية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لأنه في تلك الفترة كان لا يزال يتعين على حزب العدالة والتنمية تعزيز قبضته على السلطة في تركيا.
ويختتم الفصل بطرح السؤال حول إذا ما كان من الممكن لتركيا أن تكون نموذجًا للعالم العربي؟ ولكن النتيجة تأتي بإختصار، بأن العناصر السياسية والاقتصادية والثقافية التي تحدد النموذج التركي لا يمكن نقلها بسهولة إلى العالم العربي.
لقد سعى الكاتبان فعلاً من أجل إظهار المنطق الذي تنطلق من السياسة التركية خلال وما بعد "الربيع العربي"، وذلك من أجل تسليط الضوء على التغييرات التي طرأت على السياسة التركية التقليدية في المنطقة بشكل عام وعلاقتها بالأيديولوجيا التي يحملها حزب العدالة والتنمية. أيديولوجيا جعلت ممثليه في الحكم يأخذون المواقف التي اتخذها خلال مرحلة "الربيع العربي". ويحتل التحليل حول هذه الأيديولوجيا مكانة كبيرة في الكتاب، وهي بالتأكيد العصب الأساسي الذي يقوم عليه.
ولذلك، فإن الكتاب منذ البداية يستعرض النظريات التي تزاوج ما بين السياسة الخارجية لأية دولة وما بين عقيدتها الفكرية أو الأيديولوجية وحتى الدينية، وهذا أمر مشروع. ولكن يأخذ الكتاب الحقيقة الثابتة بأن حزب العدالة والتنمية لم يغيّر في السياسة الخارجية حتى تسنى له الإمساك بزمام الحكم والتخلص من المعارضين له وخاصة في المؤسسة العسكرية.
تطور السياسة الخارجية التركية
يعتبر الكتاب من الدراسات القليلة التي تناولت السياسة التركية الخارجية ما بعد "الربيع العربي"، وبالتالي فهو يشكل التركيز الرئيسي في تحليل الكتاب. وخلال سرد الأحداث من عام 2010 إلى عام 2013، يعتمد الكاتبان، الإضافة إلى وسائل الإعلام المطبوعة والإلكترونية، على الكتب السنوية المطبوعة للسياسة الخارجية التركية، المعروفة شعبياً باسم مركز "SETA"، وهي حسابات سنوية مفصلة لإجراءات السياسة الخارجية.
إن الكتاب بالشكل العام يركز على تطور السياسة الخارجية التركية في ظل سلطة حزب العدالة والتنمية. والتي تعتمد بناء العلاقات بشكل أوسع مع العالم الإسلامي وحتى مع اليونان. اذ يفضل الإسلاميون هذا النوع من العلاقات الخارجية، على العلاقة مع "إسرائيل" في المنطقة. وهذا ما بدا واضحاً في بداية استلام حزب العدالة والتنمية للحكم. ولكن الكلام لا ينطبق على المرحلة الحالية.