الحياة اليومية لليونانيين القدماء
ظهرت الديموقراطية للمرة الأولى، وقامت المبادئ الأساسية لحكم المجتمع في القرن الخامس قبل الميلاد، وهذه المبادئ الأساسية الأربعة التي بقيت ثابتة من دون تغيير على مر القرون يجب أن تحكم اليوم كل الأنظمة الديمقراطية.
عندما يتبادر إلى أذهاننا اسم هوميروس وملحمته العظيمة، المؤلفة من ستة عشر ألف بيت شعري، وفيثاغورث الفيلسوف وعالم الرياضيات، وتالس الفيلسوف وعالم الرياضيات، وسقراط الجد الأكبر لأرسطو، والفيلسوفة ديوتيما، والحاكم الكبير بركليز، وصولون الشاعر والسياسي المشرع والمحب لوطنه، وإنكساغورس الفيلسوف، والإسكندر المقدوني وإمبراطورتيه المترامية الأطراف، نتذكر أن كل هؤلاء العظام هم نتاج الحضارة اليونانية الكبيرة.
ولا شك في أن في أعماق انفسنا نتساءل كيف أن أصحاب كل هذا الصرح الكبير من الفكر كانت تجري حياتهم اليومية. هل هي مثل حياة أي فرد آخر، أم هنالك ما يميزها. وانطلاقاً من هذا السؤال المشروع لكل من يفكر بالإنسانية أن يتعمق في هذا السياق.
الكاتب الأمريكي روبرت غارلاند (1947-) كان من أولئك الشغوفين فكرياً وأنجز عملاً مميزاً أطلق عليه "حياة اليونانين القدماء". ينطوي الكتاب على 478 صفحة. ويحمل بين أجنحته أفاضل المعارف عن هذا الشعب. ويتألف من ثمانية فصول. الفصل الأول يبدأ بموجز تاريخي يشير الى النهضة اليونانية القديمة التي امتدت من الفترة (900-725 ق.م) وتعرف بالعهد الهندسي، وسميت كذلك لوفرة الأشغال الهندسية (الدوائر والخطوط المفتوحة – الصلبان المعقوفة – والمثلثات، وما شابه ذلك)، ويتناول الموجز أيضاً نشوء الدولة – المدنية - والحديث عن اليونان الأرخية (650-480 قبل الميلاد) المشتقة من الكلمة اليونانية ارخايوس، وتعني القديم. وكذلك يتحدث عن الحروب الفارسية واليونان الكلاسيكية التي تمتد من 480 قبل الميلاد، والحروب البيليوبونيسة التي وُصفت بأنها "أعظم اضطراب في التاريخ اليوناني".
وبالتالي الحديث عن إمبراطورية الإسكندر الكبير وانتصاراته العظيمة والعالم الهلنستي، وأثر الثقافة اليونانية في الحياة اليونانية لتلك الشعوب، عصر الظلام والنهضة اليونانية ونشوء الدولة – المدينة - اسبارطة –اليونان الكلاسيكية – عصر بركليز - صعود مقدونية.؟
يتناول الفصل الثاني المكان والزمان – مدينة أثينا – الزمن والفصول.
الفصل الثالث يتحدث عن اللغة، الأبجدية، ومعرفة القراءة والكتابة، والمكتبات.
الفصل الرابع يحكي عن الشعب بتنظيمه الاجتماعي – النساء والرجال، الآباء والبنين، الكهول، العجزة، العبيد، الغرباء، البديل الإسبارطي.
الفصل الخامس يتناول الحياة الخاصة بداية من السكن والديانة المنزلية، اللباس، الطعام، الشراب، حفلات الشراب، العوائد الجنسية، الموت، الآخرة، السحر.
الفصل السادس يتطرق إلى المجال العام بداية من الدين، الاقتصاد والتجارة، القانون والنظام، العمل، السفر والتنقل، الحرب. أما الفصل السابع فيعرج على المسرات والترفيه كالألعاب الرياضية وعبادة اللياقة البدنية، الأعياد، العروض المسرحية، الموسيقى، الفنون البصرية، الأسطورة. أما الفصل الثامن والأخير، وهو الأهم، فيتحدث عن أثر اليونان القديمة في الثقافة الحديثة، من خلال التراث الكلاسيكي المتواصل، ومهد الديمقراطية، وما يدعى جذورنا الكلاسيكية. والجدال حول أثينا السوداء.
وينتهي الكتاب بمسرد مصطلحات يونانية.
في أواسط القرن الثامن عشر انطلقت للمرة الأولى ولادة المتاحف العامة الكبرى التي غدت مخزناً للأعمال الفنية العظيمة من الماضي اليوناني والروماني، فما الذي كان اليونانيون يفعلونه بمداخيلهم، وكيف كانوا يعاملون عبيدهم، كيف كانوا يعاملون زوجاتهم، ما مدى الاستقرار الذي كانت عليه العائلة، كيف كانت تعامل الشيوخ، والعجائز. هل كان اليونانيون يخشون الموت. هل كان كانوا يشاطرون فكرتنا عن الحب الرومانسي، كيف كانوا ينظرون إلى الجنس، أو إلى أي مدى كانوا يمارسون الإجهاض. هل كانوا يمارسون القتل الرحيم، هل كان جميعهم وطنيين على النحو الذي لا يرقى اليه الشك. هل كانوا يؤمنون بالتقدم الاجتماعي او الاقتصادي. هل كانوا أرفع تهذيباً مما نحن عليه الآن؟
وما لا شك فيه أن أسلافنا اليونانيين هم أسلافنا الروحيون أو النحاتون أو الفكريون سواء راق لنا أم لم يَرُق.
في افتتاحية ظهرت في صحيفة يونانية تدعى Ethnos في صيف عام 1983: "رسخ أسس الديمقراطية في أرضنا على مر القرون، شعب صمم على تكريس حق الأكثرية في أن تدير فكرها ونشاطها بحرية. ظهرت الديموقراطية للمرة الأولى، وقامت المبادئ الأساسية لحكم المجتمع في القرن الخامس قبل الميلاد، وهذه المبادئ هي المساواة في الحقوق السياسية، والمساواة في التعبير، وحرية التعبير، وهذه المبادئ الأساسية الأربعة التي بقيت ثابتة من دون تغيير على مر القرون يجب أن تحكم اليوم كل الأنظمة الديمقراطية". انطلاقاً من هذه الافتتاحية التي تدل على عراقة اليونان في أنها كانت مهد الديمقراطية، سنقتبس بعضاً من فقرات هذا الكتاب بشأن الأفكار التي قدمنا لها في المقدمة. ولنسبر أكثر أغوار هذا العالم، سنتناول موضوعاً:
كان اليونانيون يبدون احتشاماً شديداً إزاء الجسد الأنثوي العاري، بل إزاء هذا الجسد وهو مرتد كامل ثيابه. ولهذا السبب، كان من المستحيل عملياً مدح امرأة على جمالها من دون مدح عفتها في الوقت نفسه. وتمتدح النساء لدى هوميروس على كواحلهن وأيديهن ووجناتهن لكنهن لا يمتدحن قط على سيقانهن أو صدورهن أو أردافهن. وعلى سبيل المثال، حين أبصر كهول طروادة هيلين التي تخلب الألباب تصعد إلى أعلى السور في الإلياذة، لم يعلقوا على جمالها إلا على نحو مبهم. حتى إفروديت، ربة الجنس والحب الجنسي، لا توصف بأنها "مكتنزة" وبأنها "الذهبية".
كان الأثنيون الذين يمارسون البغاء فوق عمر الـ18، يُمنعون من تسلم أي منصب تنفيذي أو ديني ومن مخاطبة الجمعية أو المجلس، مع أن القانون لم يكن يجردهم من مواطنتهم. وإذا ما انخرط صبي تحت عمر الـ 18 في البغاء، كان والده أو ولي أمره يتعرض للمحاكمة. وكعقاب إضافي للوالد، كان الصبي المعني يُحَلُّ من واجب إعالته في شيخوخته. ذلك الواجب الذي كان القانون يفرضه على الأبناء.