الاستراتيجية الإسرائيلية إزاء الجزيرة العربية
يوضح المؤلف أنّ الكتابات اليهودية تناولت الوجود اليهودي القديم في شبه الجزيرة العربية، بشكل تضليلي مسخّر لخدمة الدعاية الصهيونية، ويضرب مثالاً على ذلك.
هذا الكتاب قد أعدّه المؤلّف إبراهيم خالد عبد الكريم، الصادر عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، عام 2018، يستعرض الكتاب في ثلاثة فصول البنى والاتجاهات الرئيسية للسياسة الإسرائيلية تجاه المنطقة العربية وفقاً للمنظور "التوقّعي-المستقبلي"، والتوجّهات الصهيونية السياسية التي صنعت إزاء الجزيرة العربية، مع إيضاح أطر الحسابات الإسرائيلية المرغوبة لشكل العلاقة مع المنطقة كلها أو مع بعض دولها.
عناصر الكتاب:
أصول التوجّهات الصهيونية الإسرائيلية إزاء المنطقة العربية
يقوم المؤلّف في الفصل الأول من هذا الكتاب بعرض أصول التوجّهات الخاصة بمنطقة شبه الجزيرة العربية لدى الصهيونية و"إسرائيل"، ويناقش ثلاثة أشكال لهذا النهج الاستراتيجي وفقاً لما يلي، أولاً: التقرّب المباشر، الذي يتضمّن عدم الدخول في مواجهات حاسمة مع دول المنطقة، وتفادي الحرب أو المعركة لتوافر عوامل التوصّل إلى الهدف السياسي بوسائل متعددة من دون استخدام العنف.
يشير الكاتب في الاستراتيجية الثانية، إلى فن المبادرة المكشوفة، عن طريق القيام أحياناً بتحرّكات عسكرية على امتداد البحر الأحمر كونه الحزام الغربي لشبه الجزيرة العربية، ويرجع السبب وراء ذلك لحرمان دول المنطقة من امتلاك المزيد من عناصر القوة العسكرية.
أما الاستراتيجية الثالثة، فهي الوقوف أمام قيام أي اندماج لمنطقة شبه الجزيرة العربية في النظام العربي، إقليمياً وقومياً، وجعلها ضمن نظام شرق أوسطي ترتبط فيه مصالح المنطقة مع "إسرائيل"، وذلك بعلاقات تفاعل محدّدة في معظم المجالات.
يوضح المؤلف أنّ الكتابات اليهودية تناولت الوجود اليهودي القديم في شبه الجزيرة العربية، بشكل تضليلي مسخّر لخدمة الدعاية الصهيونية، ويضرب المؤلف مثالاً على ذلك، أن تلك الكتابات زعمت بعضها أنّ اليهود الذين عاشوا في يثرب هم من أوّل من أطلقوا عليها اسم "المدينة"، وتبيّن للمؤلف عند الرجوع إلى "قاموس الكتاب المقدّس" أن استخدام الأسماء العبرية ليس لمجرد التعبير عن مناطق أغيار في الرواية اليهودية، وإنما أيضاً للتأكيد المضلّل على وجود ارتباط ذهني ومعرفي بين الجغرافيا السياسية واليهود.
محاور الأداء الاستراتيجي الإسرائيلي حيال شبه الجزيرة العربية
يقدّم المؤلف في هذا الفصل ثلاثة خطوط متلازمة شكّلت أسس العمل الإسرائيلي حيال شبه الجزيرة العربية وهي كما يلي، أولاً: بناء القدرات الذاتية وتشمل (الموارد والوسائل والجاهزية الداخلية والقيادة العامة والإدارة) بشكل متناسب أو متوازن مع الغايات العليا للدولة. ثانياً: التحرّك في الساحتين الإقليمية والدولية لمنع الجهود العربية من التكامل والتضافر الفعّال. ثالثاً: الضغط في اتجاه الاختراق السلمي لإعادة تنظيم المنطقة العربية، لإيجاد أشكال جديدة للأوضاع والعلاقات الإقليمية تتسبّب في إثارة الشقاق ضمن الصف العربي.
إقرأ أيضاً: شلومو ساند يفكك أسطورة الشعب اليهودي
يؤكد المؤلف أن "إسرائيل" قد أدخلت منطقة شبه الجزيرة العربية في مداها الأمني، استناداً إلى فهم خاص للأوضاع الجيوسياسية لهذه المنطقة. وأعادت إنتاج مفهوم "المجال الحيوي" الناري الذي يتعامل مع الجوار "المحيط العربي" على أنه حيّز مفتوح تبيح "إسرائيل" لنفسها اقتحامه أو التدخّل في شؤونه، تلبية لاحتياجات ذاتية على حساب محيطها.
يضرب المؤلف مثالين حول هذه الخطوط العريضة للتحرّك الإسرائيلي تجاه شبه الجزيرة العربية، وهو تأكيد بن غوريون (أول رئيس حكومة لإسرائيل) أنّ على "إسرائيل" أن تتفوّق على الدول العربية مجتمعة من ناحية القوة القتالية حتى يتثنى لها تنفيذ آليتها تجاه دول المنطقة، وكذلك تأكيد وزير الخارجية الأسبق "أبا إيبان" عام 1965، تبنّي "إسرائيل" المشروع الأصعب والأبعد مدى، لتكريس تجزئة الدول العربية، وتفكيك تحالفاتها الهشّة.
التصوّرات الإسرائيلية للسلام والتعاون مع شبه الجزيرة العربية
يحلّل المؤلف في هذا الفصل الآليات الإسرائيلية للتطبيع مع دول المنطقة، ويشير إلى أن الدوائر الصهيونية-الإسرائيلية قد حدّدت في توجّهاتها الاستراتيجية هدف تحويل العلاقات مع العرب من الصراع إلى السلام والتعاون، وبالتالي الاندماج في المنطقة بمواصفات وشروط خاصة.
وفي هذا الصدد أوضح المؤلف أن هناك عدة استراتيجيات لذلك، أوّلها: الاعتراف بـ "إسرائيل" كمدخل للتعاون الفعّال، ثانيها؛ طرح الأفكار الإسرائيلية للسلام، وذلك عن طريق دمج "إسرائيل" في المنطقة لدورها في توظيف الطاقة البشرية، والثروات العربية بمشاركة التقنية الإسرائيلي. وثالثها؛ طرح أفكار ومشروعات إسرائيلية جديدة. وبخصوص ذلك يشير الكاتب إلى كتاب "الشرق الأوسط الجديد" الذي وضعه رئيس وزراء "إسرائيل" الأسبق شمعون بيريز، والذي أبرز فيه الأطر النظرية التي حدّدها المسؤولون الإسرائيليون للعلاقة بين العرب و"إسرائيل"، والذي يعتمد على الجوانب الاقتصادية أساساً لحلّ المشكلات.
إقرأ ايضاً: سموتريتش... تغريب الأصيل وتأصيل الغريب
يشير المؤلف إلى أهم الاستراتيجيات في هذا الصدد، وهي نفط الخليج والغاز ودمجه في خطط السلام الإسرائيلية، حيث أعطت "إسرائيل" نفط الخليج مكانة متميّزة في الخطط الإسرائيلية القديمة والجديدة للسلام الاقتصادي مع العرب، ليس بغرض تلبية احتياجات الاستهلاك الإسرائيلي وحسب، وإنما أيضاً لتصديره عبر الموانئ الإسرائيلية أو لتصنيعه وتصدير منتجاته لحساب "إسرائيل".
الاستنتاجات
يستنتج المؤلف أنّ الاستراتيجية الصهيونية و"إسرائيل" إزاء شبه الجزيرة العربية تستند إلى التحديات التي تواجه الأمن الإقليمي لهذه المنطقة والأمن القومي العربي إجمالاً، ومن المسلّم به أنّ محتوى تلك الاستراتيجية ينبغي أن يظلّ موجوداً في الحسابات العربية، ليس فقط من قبيل المراقبة، وإنما لأمر أهمّ يخصّ اتخاذ المواقف وإيجاد الردود المناسبة.