الأبارتيد الصهيوني آخر أشكال الاستعمار
ترحيل العرب فكرة ثابتة في الفكر الصهيوني، وتستند إلى حق إلهي مزعوم وإلى التفوق العرقي اليهودي، وهذا من أساسيات الفكر الاستعماري.
عرّف الكاتب حمد سعيد الموعد في كتابه "الأبارتيد الصهيوني"، الصادر عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق، أن الأبارتيد هو منطلقات عنصرية تعطي للعنصري "الأبيض أو المتعالي لميزة ما" حق استغلال الآخرين وإنكار حقوقهم كونه شعب الله المختار، واعتبار الأقاليم التي سعى الأوربيون لإقامة نظم الاستعمار الاستيطاني عليها مناطق خالية من السكان مع حماية الأنظمة والتشريعات والقوانين في تلك الدول. لذلك، فالأبارتيد ليس فقط مجموعة من القوانين والتشريعات التي تشرعن التمييز ضد الآخرين، بل إنه نظام سياسي واقتصادي واجتماعي، وهو جزء لا يتجزأ من تشكيلة اجتماعية اقتصادية محددة الملامح تسود فيها علاقات إنتاج محددة، يتشابه فيها الاستعمار الاستيطاني في الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا "روديسا" سابقاً، لكن يُعَدّ الأبارتيد الصهيوني آخر تلك المشاريع ولكن أكثرها تعقيداً وخداعاً، وما مشروع الإدارة الذاتية إلا إعادة إنتاج الاحتلال بطريقة أقل تكلفة لها.
تجليات الأبارتيد الصهيوني:
1- اللاجئون: عدّت الصهيونية الترحيل (الترانسفير) هو الحل الوحيد لإشكالية السكان الأصليين.
2- الفلسطينيون بعد عام 1948: تضخم أجهزة المخابرات والجيش الموجهة ضد الفلسطينيين المقيمين.
3- المجازر المستمرة، وفي مجزرة كفر قاسم عام 1956 حاولت الصهيونية تقديم وجه مزيف للعدالة بتقديم الجناة للتحقيق وتغريمهم بمبلغ معين لكل فلسطيني قُتل فيها، كما استخدمت كل أساليب الإكراه للحصول والتوسع في الاراضي وتحويل التجمعات الفلسطينية إلى معازل ووضع عراقيل كبيرة أمام أي عملية البناء.
4- خضوع السكان المحتلة أراضيهم عام 1967 في الضفة الغربية وقطاع غزة لمشيئة الحاكم العسكري وإطلاق تعبير "الاراضي المدارة" وقيام الاحتلال بفصل القدس عن الضفة الغربية.
ويستمر الاستيطان في مناطق غزة والضفة الغربية خلافاً لاتفاقية جنيف الرابعة عام 1949، والتي تمنع نقل السكان إلى الأراضي المحتلة، حيث تتقابل شريحتان من البشر، واحدة تتمتع بكل الحقوق والثانية لا حقوق لها.
الترانسفير ونفي الآخر:
منذ البداية اعتمدت مخططات الحركة الصهيونية على فكرة ترحيل الفلسطينيين واستقدام اليهود من كل أنحاء العالم لإقامة وطن يهودي خالٍ من السكان الأصليين، وهذا حجر الزاوية لكل الأحزاب الصهيونية على اختلاف تلاوينها وتوجهاتها بالأسلوب والطريقة اللذين تسوغ فيهما هذا الأمر، فمنهم من يطرحه مباشرة بلا رتوش، مثل الحاخام كاهانا زعيم حركة كاخ وحركة كتحيا، ومنهم من يطرحه مقنّعاً.
وترحيل العرب فكرة ثابتة في الفكر الصهيوني، وتستند إلى حق إلهي مزعوم وإلى التفوق العرقي اليهودي، وهذا من أساسيات الفكر الاستعماري. وهذا يفسر المجازر البشعة التي ارتكبتها العصابات الصهيونية بحق الفلسطينيين، مثل مجازر دير ياسين والطنطورة والصفصاف. وقسم الترحيل إلى شكلين:
ترحيل بعيد إلى سوريا وبلاد ما بين النهرين أو الأردن، وترحيل صغير من منطقة إلى أخرى ضمن الأراضي الفلسطينية.
تاريخية الترحيل في الفكر الصهيوني:
رفعت الصهيونية شعار "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، لكنها تدرك مخالفة هذا الشعار للحقيقة، لأن البعثات الاستكشافية التي جاءت إلى المنطقة أقرت بوجود شعب في فلسطين، وهناك وثائق يهودية تحدثت عن مقاومة الفلسطينيين للاستيطان اليهودي، وليس صحيحاً ادعاء قادة الحركة الصهيونية وتوقعهم أن يعيش اليهود القادمون جنباً إلى جنب مع إخوانهم العرب، لأن ما جرى يؤكد مقولتهم "التدمير لأجل التعمير" أي ترحيل العرب لأجل توطين اليهود مكانهم.
وقدم ذكر الكاتب عشرات تصريحات لمفكرين وكتاب صهاينة ينظّرون لأهمية ترحيل العرب عن فلسطين درءاً للمشاكل التي قد تعترض قيام الدولة اليهودية وأهمية استقدام اليهود من أنحاء العالم لإحداث تغيير ديموغرافي في بنية التوزع السكاني.
ذكر الصهيوني ابراهيم شارون شدرون في كتابه "الإمبريالية العربية" أن النزاع يمكن أن يحل فقط على أساس نقل معظم الشعب أو أجزاء منه إلى دولة أخرى أي إخراج العرب من فلسطين وهجرة اليهود إلى فلسطين، وأطلق على هذا المشروع الجلاء المزدوج.
وعُدّت حرب 1948 حرب ترحيل، أي وضع المخطط الصهيوني قيد التنفيذ، إذ قال بن غوريون إن الترانسفير أسهل من الإبادة، وبعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، وإزاء تزايد المقاومة الوطنية للاحتلال ومصادرة الأراضي لبناء المستوطنات الصهيونية عليها، استمرت مخططات ترحيل العرب عبر مخطط إزالة المخيمات في قطاع غزة في الفترة 1969-1970 أو من خلال تقديم كل ما يلزم إلى المستوطنين لتحويل حياة السكان العرب إلى جحيم لا يطاق.
وشرح رحبعام زئيفي أسلوبه في ترحيل الفلسطينيين في مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت"، عام 1988: "علينا خنق مصادر العيش والرزق لسكان المناطق وإطلاق الرصاص على قاذفي الحجارة وطرد عائلاتهم".
الترحيل في التطبيق العملي: اتباع أسلوب النقل التدريجي من خلال السيطرة على الأراضي والعمل لمواجهة الرأي العام العالمي وخداعه، وبعدها ساعدت القوات البريطانية على ترحيل القسم الآخر بقوة السلاح ومصادرة ممتلكاتهم على رغم مقاومة السكان الأصليين. ويحكى أن النساء تمددن أمام السيارات لمنعها من التقدم فمشت السيارات فوق أجسادهن بكل وحشية. وكانت مذبحة دير ياسين ومجزرة قرية الصفصاف وقرية سعسع والخالصة ومجزرة طيرة حيفا – مجزرة قرية ناصر الدين – ومجزرة الطنطورة لإرهاب العرب وإجبارهم على الهرب من جحافل الموت التي تتقدم في اتجاههم.
وهذا الترحيل بدأ قبل قيام الكيان الصهيوني وبعده، أي هو سياسة مستمرة لتعقيم الارض من سكانها الأصليين
الترحيل بعد عدوان 5 حزيران:
قام الاحتلال بمزيد من عمليات التهجير، وسعى لترحيل أكبر عدد ممكن من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان.
وتم هدم منازل حي المغاربة في القدس وفي منطقة اللطرون، كما أجبر سكان أربع قرى فلسطينية على مغادرة قراهم والسير على الأقدام إلى منطقة رام الله، بينما بدأت قوات الاحتلال بنسف المنازل وطرد سكانها، وكذلك منطقة طولكرم، أو اتباع الخيار الأردني بقبول الأردن استقبال اللاجئين وتوطينهم في مقابل مساعدات مالية.
ودأبت الصهيونية على خلق حالة الفزع لدى اليهود من الشعوب في أغلبية البلدان عبر بث الاشاعات بأنهم معرضون للذبح والمجازر وخلق ظروف حياتية سيئة في البلدان التي يعيشون فيها، ولا حل لهم إلا الهجرة إلى فلسطين لا الاندماج في مجتمعاتهم. وهذا يفسر العلاقة الجيدة بين قادة الصهيونية وزعماء تلك الدول.
لذلك، يحاول الصهاينة خلق جيل ناضح بكراهية البشر عندما يربون أطفالهم في المدارس على شيطنة العرب وعدّهم همجاً وقتلة وعنصريين تجب إبادتهم.
التمييز العنصري في القوانين والتشريعات اليهودية:
القوانين والتشريعات في كل بلد هي المعبر الحقيقي عن المصالح الأساسية للفئات المسيطرة في تلك الدولة، والكيان الصهيوني، بصفته تجسيداً للمزاعم الصهيونية ونظرتها العنصرية إلى العرب ومخططاتها العدوانية وأطماعها التوسعية، سيكون جزءاً من وظيفتها عبر وسائل الإكراه أن تكون أداة قمع لأبناء شعبنا العربي الفلسطيني في الوطن المحتل، والقانون هو التفسير الحقوقي والغطاء الشرعي المستخدم لتبرير ممارساتها، وهو يجسد نظرية الحق في مفهومها الصهيوني والذي يرى أن يهود العالم يشكلون شعباً واحداً أًو أمة واحدة، وهي الشرعية التي وعد بها كل يهودي في المنفى. والأمر الثاني هو الرغبة الصهيونية في استملاك الأراضي والتخلص من السكان العرب. وهنا تقوم الدولة بضمان حماية القانون وفرضه، مستخدمة كل وسائل الإكراه المتوافرة لديها، مثل الجيش، حرس الحدود، الاستخبارات، السجون، عصابات المستوطنين، أجهزة الإعلام التي تقوم بترويج هذه القوانين والدفاع عنها ونشرها وتفسيرها وتبريرها وشرح أساسها الأيديولوجي.
وبين أبرز القوانين التي صدرت لتحقيق تلك الأهداف، قانون الجنسية، قانون العودة، قوانين استملاك الأراضي أوقات الطوارئ، قانون أملاك الغائب، قوانين الطوارئ، قوانين الحكم العسكري. هذه القوانين تدحض ادعاء توفير المساواة التامة للمواطنين أمام القانون الذي يتضمن المساواة التامة في الحقوق، والتي وردت في الوثيقة المعروفة باسم "بيان تأسيس الدولة" عام 1948، والتي جاء فيها ضمان الحرية اجتماعياً وسياسياً لكل السكان بغض النظر عن الدين والعرق والجنس، ومنها حرية الأديان وحرية التعبير وحرية التعليم والثقافة.
فقانون العودة: لتشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ويتضمن حق الهجرة لكل يهودي في العالم ومنحه تأشيرة.
قانون الجنسية: بحيث يكتسب الجنسية الاسرائيلية كل يهودي لمجرد وصوله إلى فلسطين.
واشترط القانون على العرب الفلسطينيين، حتى يحصلوا على الجنسية، أن يكون أمضى فيها 3 أعوام أو أكثر، أو استقرّ، أو ينوي الاستقرار، وأن يتخلى عن جنسيته السابقة، ويؤدي يمين الولاء لـ"دولة" الاحتلال.
وتلك القوانين مخالفة صريحة للقانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة، وفضح عدد من الكتاب اليهود زيف هذه الإجراءات والقوانين.
سمات قانون الطوارئ:
1- عدم وجود أيّ إمكانات للاستئناف ضد قرارات القائد العسكري، ولا يوجد أي إمكان للتوجه إلى محكمة العدل العليا.
2- حرية الحاكم العسكري في نفي أي شخص، نفياً داخلياً أًو خارجياً، في أي لحظة.
3ـ حرية الحاكم العسكري في اعتقال أي شخص مدةً تتجدد تلقائياً، بحسب رغبته، سواء الاعتقال في السجن أو تحت الإقامة الجبرية.
وهناك مجموعة من القوانين التي وجدت خصيصاً لمصادرة الأراضي العربية لبناء المستوطنات فيها، كقانون الغائبين، بمن فيهم المسجونون أو المهجرون غصباً عن منازلهم.
الاستيطان يكرس الأبارتيد:
التجسيد العملي للمشروع الصهيوني في فلسطين هو الاستيطان والهجرة من خلال تكريس إحساس اليهودي القادم بافتقاده الأمن واستحضار الهولوكوست في ذاكرته على الدوام. كما أن الاستيطان والعمل العسكري هما حجر الزاوية بهذا المشروع وفق تعبير بن غوريون، وواحدهما يكمل الاخر. وتُعَدّ المستوطنات خط دفاع أمامياً له، إذ تقسم المستوطنة إلى حلقتين: حلقة خارجية تكون على شكل مزارع صغيرة، وحلقة داخلية تضم البيوتات الجماعية المسؤولة عن تنفيذ الأهداف الكبرى وإضفاء الطابع العسكري عليها.
كما أن للمستوطنات دوراً في العمليات الحربية عند الهجوم بصفتها قواعد للعمليات العسكرية، وكذلك في حالة الدفاع تكون مستوطنات متقاربة كخط دفاعي أول، ونسق ثانٍ من المستوطنات يشكل خطاً دفاعياً ثانيا.ً وتضمّ قوات ودبابات رديفة وجاهزة للنجدة، وبعدها مناطق الدفاع الخلفية المجهزة بالمعدات والآليات الحربية، فالمستوطنات تُعَدّ المخفر الامامي في العمليات الاستطلاعية.
خلق المعازل "الأبارتيد":
بدأت سياسة خلق المعازل على ثلاث فترات:
1- بداية الاستيطان الصهيوني في فلسطين حتى عام 1948، وكانت بمحاذاة الطرق وحول المدن العربية الكبيرة، واستهدفت احتلال الأماكن الاستراتيجية والسيطرة على المرتفعات والطرق وحصار المناطق العربية.
2- الفترة الثانية من 1948 حتى 1967.
3- الفترة الثالثة ما بعد حرب 1967.
كما تم العمل على تعاظم التطرف والفاشية عند المستوطنين ومحاولتهم تكريس ادعاءات دينية واردة في التوراة على أنها حقائق تاريخية وطمس التاريخ الفلسطيني وتاريخ شعوب المنطقة وادعاء الملكية التاريخية لليهود في بعض المناطق لتحقيق الهدف الأهم للمستوطنات، وهو عزل المناطق العربية، بعضها عن بعض، من كل الجهات.
اتهامات العداء للسامية:
يطلق مصطلحا السامية والساميين على الشعوب التي يعتقد أنها انحدرت من صلب سام بن نوح، ودعاية اللاسامية ابتدعتها الصهيونية لوصم أي جهة تعارض مخططاتها وسياساتها. ولذلك، عملت على عزل اليهود وعدم اختلاطهم مع سائر الأمم واستغلت الإعلام والمؤسسات التعليمية والدينية والجيش لترسيخ الفكر العنصري. فالصفة العنصرية هي ما يميز "دولة" الاحتلال على رغم الشكل البراق للديمقراطية المزعومة. فهي بالإضافة إلى اضطهادها المستمر وعمليات التهجير والحرمان من الحقوق للفلسطينيين، فإنها تمارس تمييزاً بين يهود الفلاشا ويهود الأشكناز، أي اليهود الشرقيين ويهود الغرب، فهي ليست عاجزة عن إقامة السلام مع العرب وإنما مع المجتمع اليهودي ذاته. ويوضح الكاتب أن "إسرائيل" هي الحصن الاخير للاستعمار العنصري الذي يبرر قتل الآخرين وسرقة ارضهم وثرواتهم، كونهم ليسوا بشراً.
فعندما تقول النازية إن العرق الآري يتفوق جينياً على سائر البشر، وتقوم الصهيونية بادعاء تفوق اليهود وتميزهم من سائر الشعوب، فإن كل هذا يتفق مع مفهوم العنصرية، التي تعني أنها "نظام يضفي تفوقاً لجنس من الأجناس، أو سلالة من السلالات البشرية، على سائر الأجناس والسلالات. وبصورة عامة، فإن العنصرية تتميز بتشبع فئة من الناس بفكرة أن تفوقها على غيرها من الأجناس سببه النقاوة في سلالتها وعدم اختلاطها بأجناس أو سلالات أخرى". وهذا الأمر بعيد عن التصديق لأن من الصعب في الزمن الحديث عن سلالة نقية خالصة، والأهم من الناحية الأخلاقية أنها معادية لمبادئ الإنسانية والعدالة والأخوة والرأفة والمساواة ولكرامة الإنسان واحترامه. واحتمال استخدام اللاسامية ضد اليهود أنفسهم، وخلق مجتمع يقدس القوة ويعبدها، القوة ذاتها التي قد تكون سبباً في تدميره، كما كان مصير الفاشية والنازية. ولنا أن نتأمل ونعمل على قدوم ذلك اليوم، الذي تتشكل فيه جبهة عالمية لمواجهة الفاشية الصهيونية، ومن أجل رجوع الحق إلى أهله.