"إيغ نوبل": للحمقى جائزتهم السنوية أيضاً
في مقابل جائزة "نوبل" الشهيرة المخصصة للمبدعين في عدة مجالات، هناك جائزة أخرى تُعطى لمن قدّموا أبحاثاً سخيفة أو غير مفيدة. ماذا تعرفون عن جائزة "إيغ نوبل"؟
في كلِّ عامٍ، بالتزامن مع إعلان جوائز "نوبل" بفروعها كافة، نجلس أنا وأصدقائي الحمقى نتحسّر على هذا العالم غير العادل، الذي يمنح جوائزه لبشرٍ أذكياء، وُلِدوا بمواهب حباهم الله إياها، سيبقون بفضلها أحياء في ذاكرة الإنسانية بعد موتهم. أما نحن، عديمو المواهب والقدرات المميزة، الذين لم نخترع شيئاً ولم نُضِف إلى الإنسانية مثقال ذرة، لن يذكرنا أحدٌ ونحن أحياء، فكيف يحفظ لنا التاريخ أي ذكرى بعد موتنا؟
كانت تلك رؤيتي قبل أن أكتشف وجود من صنع لنا جائزة تحتفي بنا، هي "إيغ نوبل"، أو جائزة "نوبل للجهلاء"، أو جائزة "نوبل للحماقة"، التي تُمنح كلَّ عامٍ إلى أبحاث سخيفة وعديمة الفائدة.
لجنة تحكيم متخصصة واحتفال مهيب
دشّنت مجلة علمية أميركية جائزة "إيغ نوبل" في العام 1991، بوصفها محاكاةً ساخرةً لجائزة "نوبل" العالمية الشهيرة، على أن تُمنح في حفلٍ مهيبٍ يُذاع على الهواء مباشرةً ، يُقام على مسرح "هارفرد ساندرس"، في حضور حوالى 1200 مدعو.
أما عن تحكيم الأبحاث المقدَّمة لنيل "جائزة التفاهة"، فتتولاها لجنةٌ من العلماء ممّن لهم إسهام بحثي كبير، يرأسهم البروفسور أبراهامز، عالم الرياضيّات السابق ورئيس تحرير مجلة "سجلّات الأبحاث المستبعدة" (غير المحتملة)، التي تمنح الجوائز كلَّ عامٍ، وتصدر عن جامعة "كامبردج" البريطانية.
تُمنح جائزة "إيغ نوبل" في 10 فئات مختلفة، لأبحاثٍ تُرتَّب من الأسوأ إلى الأكثر سوءاً، ضمن كلِّ مجالٍ من المجالات. فعلى سبيل المثال، فاز في مجال "الطب" بحثٌ يدرس تأثير صوت المصعد على الجهاز المناعي للإنسان، وآخر أثبت أن البيتزا قد تحمي من الأمراض إذا صُنِعت وأُكِلت في إيطاليا.
أما في "علوم الأحياء"، فقد ذهبت الجائزة الأولى إلى بحثٍ يدرس تأثير طعم العلكة على موجات المخ، وذهبت أخرى إلى عالمتين من النرويج قامتا بدراسة تأثير الثّوم والبيرة والقشدة الحامضة على شهية الديدان الطّفيلية. أما صاحب البحث الذي دعا إلى اعتماد صوت الدجاج كمقياسٍ لسرعة الإعصار، فقد نالها في مجال "علم الأرصاد الجوية".
تُمنح جائزة "إيغ نوبل" في 10 فئات مختلفة، لأبحاثٍ تُرتَّب من الأسوأ إلى الأكثر سوءاً، ضمن كلِّ مجالٍ من المجالات. فعلى سبيل المثال، فاز في مجال "الطب" بحثٌ يدرس تأثير صوت المصعد على الجهاز المناعي للإنسان، وآخر أثبت أن البيتزا قد تحمي من الأمراض إذا صُنِعت وأُكِلت في إيطاليا.
تُمنح "إيغ نوبل" في إحدى فئاتها عن "السلام"، كما في جائزة "نوبل" التي تمنحها الأكاديمية السويدية، لكنّها لا تشترط عقد معاهدةٍ مع الاحتلال الإسرائيلي، فالأمر أتفه من ذلك، إذ نالها فريقٌ من علماء الولايات المتحدة الأميركية، لأنّهم أثبتوا أنَّ اللحية عند الرجال يمكنها أن تحمي من الضربات الموجّهة إلى الوجه.
كما مُنحت "إيغ نوبل" في مجال "السلام" أيضاً إلى حكومتَي الهند وباكستان، لأنَّ الدبلوماسيين فيهما قرعوا أجراس السفارات خلسةً في منتصف الليل، ثم هربوا قبل أن تُتاح الفرصة لأيّ شخص لفتح الباب.
وفي الوقت الذي يُثار فيه الجدل سنوياً حول أحقّية الكُتّاب العرب في نيل جائزة "نوبل للأدب"، تأتي "إيغ نوبل" لتعطينا الأمل في نيلها، لا سيّما وقد فاز بها محررون في مجلّة "النص الاجتماعي"، لنشرهم بحثاً بلا معنى، ادّعى مؤلفه أنَّ الواقع ليس موجوداً، عنونه على الشكل التالي: "الورق كان ينتهك الحدود: نحو تحوّل هيرمينيتاكيسي لخطورة الكم".
ولا تشترط "إيغ نوبل" عملاً فردياً تافهاً فقط، بل إنّها تحتفي بالتفاهة الجماعية أيضاً، فقد فاز بها فريقٌ كاملٌ درس تأثير الحكّة على السعادة، وأثبت أنَّ حكّ الكاحل والظهر يحقِّقان السعادة عند البشر.
كما فاز بها، في شهر أيلول/سبتمبر الماضي، فريق بحث ياباني بقيادة الجنرال ماتسوزاكي، الأستاذ في معهد "تشيبا للتكنولوجيا"، عن نتائجه حول عدد الأصابع التي يستخدمها الناس للف الأشياء الأسطوانية، مثل مقبض الباب.
عالم فيزياء يفوز بـ"إيغ نوبل" وبعدها بـ"نوبل"
على الرغم من أنَّ جائزة "إيغ نوبل" خُصِّصت لأبحاث التافهين، إلا أنّها كانت فألاً حسناً على بعض العباقرة، من بينهم عالم الفيزياء الهولندي أندريه غييم، الذي حصد جائزة "نوبل" في الفيزياء سنة 2010، مناصفةً مع كونستانتين نوفوسيلوف، لتجاربهما الرائدة على مادة "الغرافين"، التي قالت عنها لجنة "نوبل" إنّها "ملائمة لإنتاج شاشات شفافة تعمل باللمس، ولوحات ضوئية، وربّما خلايا شمسية أيضاً".
قبل 10 أعوام من فوزه بـ"نوبل"، حصد غييم جائزة "إيغ نوبل"، لأنّه استطاع رفع ضفدعٍ بوساطة مغناطيس، ليكون بذلك الشخص الوحيد الذي جمع بين الجائزتين.
وفي العام 2020، طال "إيغ نوبل" ما طال العالم من ويلاتٍ جرّاء جائحة "كوفيد-19"، فبدلاً من تنظيمها في شكلها التقليدي في جامعة "هارفارد"، أقيمت دروتها الـ30 عبر الإنترنت، وفاز بالجائزة باحثين اكتشفوا طريقةً جديدةً للكشف عن الأشخاص النرجسيين وذلك من خلال حواجبهم.
قبل 10 أعوام من فوزه بـ"نوبل"، حصد غييم جائزة "إيغ نوبل"، لأنّه استطاع رفع ضفدعٍ بوساطة مغناطيس، ليكون بذلك الشخص الوحيد الذي جمع بين الجائزتين.
وكان من بين الفائزين بجوائز العام 2020، علماء من النمسا والسويد واليابان والولايات المتحدة وسويسرا، وذلك عن دراسة أجروها حول تمساح صيني وضعوه داخل غرفة محكمة الإغلاق، مليئة بالهواء المخصّب بالهيليوم، وحثّوه على إصدار صوت صاخب، وقد فازت هذه الدراسة بجائزة "الصوتيات".
حضرت السياسة في تلك الدورة من الجائزة أيضاً، حيث لم يَفُت منظموها أن يمنحوها إلى قادة بعض الدول، وذلك في فئة "التعليم الطبي"، بسبب "استخدامهم جائحة كوفيد لإبلاغ العالم أن السياسيين يمكن أن يكون لهم تأثير مباشر على الحياة والموت، أكثر من العلماء والأطباء".
طبيب مصري يفوز بـ"إيغ نوبل" بعد بحث عن الفئران
مثلما هي قليلةٌ الأسماء العربية التي فازت بجائزة "نوبل"، كذلك هي الحال مع جائزة "إيغ نوبل"، على الرغم من توافر أعمال واكتشافات غير مفيدة في عالمنا العربي، حيث لم يفُز بها سوى الطبيب المصري أحمد شفيق في العام 2016، عن ورقته البحثية التي توصّل فيها إلى أنَّ الفئران التي ترتدي سراويل مصنوعة من البوليستر الخام أو المخلوط بالقطن، أقل نشاطاً من الناحية الجنسية من تلك التي ترتدي سراويل من القطن أو الصوف، وذلك لأنَّ "الحقول الكهروستاتيكية" التي تنشأ عن سراويل البوليستر يمكن أن تلعب دوراً في العجز الجنسي.
ونقلت وكالة "رويترز" عن البروفسور مارك أبراهامز، رئيس لجنة منح الجائزة، قوله: "إننا لم نسمع مطلقاً عن أيِّ شخصٍ آخر قضى وقتاً يدرس بعناية ما يحدث جنسياً للفئران إذا ألبستها سراويل".
توصّل الطبيب أحمد شفيق في بحثه الفائز بالجائزة إلى أنَّ الفئران التي ترتدي سراويل مصنوعة من البوليستر الخام أو المخلوط بالقطن، أقل نشاطاً من الناحية الجنسية من تلك التي ترتدي سراويل من القطن أو الصوف.
قد يبدو أنَّ هناك معرفة تختبئ خلف الاكتشاف غير المجدي للدكتور أحمد شفيق، المتوفي في 1 تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2007، الذي كان جرّاحاً شهيراً، اختير رئيساً للأكاديمية العالمية لجرّاحي الجهاز الهضمي في الولايات المتحدة، وأشرف على أكثر من 100 رسالة دكتوراه في مجال الجراحة، ونُشِرت باسمه أبحاثٌ علمية في مختلف الدوريات المصرية والعربية والعالمية.
كما سُمِّيت باسم "شفيق" عددٌ من العمليات الجراحية، في "الموسوعة الطبية العالمية"، وسُجِّلَ اسمه في "الموسوعة المصرية للشخصيات البارزة"، ورُشِّحَ كذلك لنيل جائزة "نوبل" في الطب سنة 1981، وحصل على الكثير من الجوائز والأوسمة، إلا أنَّ تفرّده الأكبر يبقى في كونه العربي الوحيد الذي حاز جائزة "إيغ نوبل" للتفاهة.