"33 استراتيجية للحرب":استراتيجيات الدبلوماسية والدعاية والإرهاب (3-3)

أعظم ميزة في الحرب هي عنصر المفاجأة، أي ضرب العدو باستراتيجيات جديدة، وخارج نطاق خبرته، وغير تقليدية بتاتاً.

  • "33 استراتيجية للحرب" للباحث الأميركي روبرت غرين.

كتاب "33 استراتيجية للحرب" للباحث الأميركي روبرت غرين هو محاولة لبناء قاعدة انطلاق ومنهج متكامل للمخططين العسكريين والقادة الإستراتيجيين منذ الحروب البدائية حتى عصرنا الحالي. وفي ما يلي الجزء الثالث من مراجعة الكتاب:

فاوض أثناء التقدم .. استراتيجية الحرب الدبلوماسية

سيحاول الناس دائماً أن يأخذوا منك بالمفاوضات ما عجزوا عن أخذه بالحرب أو المواجهة المباشرة. سيلجأون حتى إلى مبادئ العدل والأخلاق كغطاء يمنحهم موقعاً متقدماً. لا تنخدع بهذا: إن التفاوض ليس إلا مناورة لحيازة السلطة أو الموقع، وعليك أن تضع نفسك دائماً في موقع قوي لا يتيح للطرف الآخر الحصول على أي مكاسب خلال التفاوض. قبل وخلال أي مفاوضات عليك أن تستمر بالتقدم، وخلق ضغط دائم يجبر الطرف الآخر على الموافقة على تسوية بشروطك أنت. كلما أخذت أكثر يمكنك أن تعطي في المقابل بتتابع لا معنى له. أنشئ لنفسك سمعة بأنك رجل صلب وغير مساوم، بحيث يكون الناس مستنفرين حتى قبل التقائك. 

اعرف كيف تنهي المسائل .. استراتيجية الخروج

يتم الحكم عليك في هذه العالم عبر الطريقة التي تنهي فيها المسائل. إن النهاية غير المكتملة أو الفوضوية يظل يتردد صداها لسنوات، وتساهم في تدمير سمعتك. يقوم فن إنهاء المسائل على معرفة متى تتوقف، وألا تتمادی كثيراً بحيث تنهك نفسك أو تخلق أعداء مريرين يزجونك في نزاعات مستقبلية. كما يتضمن هذا الفن إنهاء المسائل بطريقة بارعة ومقتدرة. فالمسألة ليست ببساطة مسألة الانتصار في الحرب، بل طريقة تحقيق هذا الانتصار، وكيف تمهد من خلاله للجولة القادمة. إن ذروة الحكمة الاستراتيجية هي أن تتجنب جميع النزاعات التي لا مخارج واقعية لها. 

الحرب غير التقليدية أو القذرة

يجب أن يبحث الجنرال الذي يخوض حرباً عن ميزة تجعله يتفوق على عدوه. وأعظم ميزة هي عنصر المفاجأة، أي ضرب العدو باستراتيجيات جديدة، وخارج نطاق خبرته، وغير تقليدية بتاتاً. بيد أنه من طبيعة الحرب أن أي استراتيجية محتملة التطبيق تخضع للتجربة والاختبار، بحيث أن البحث عن الجديد وغير التقليدي. حيث أن القوانين الأخلاقية التي حكمت الحرب لقرون قد تضاءلت تدريجياً. وهذان الأمران شکلا ما نعرفه اليوم باسم «الحرب القذرة»، حيث كل شيء مباح، بما في ذلك قتل آلاف المواطنين الأبرياء. الحرب القذرة هي حرب سياسية وتضليلية مخادعة إلى أقصى حد. غالباً ما تكون هذه الحرب الملاذ الأخير لليائس والضعيف، ويستعمل فيها كل الوسائل المتاحة لتدمير الميدان.

اصنع خليطاً متيناً من الواقع والخيال .. استراتيجيات التصورات الخاطئة

يشير المؤلف الى أن جميع الكائنات لا تستطيع الاستمرار والنجاة من دون القدرة على رؤية ما يجري حولها أو الإحساس به، فعليك أن تصعّب على أعدائك معرفة ما يجري من حولهم، بما في ذلك ما الذي تفعله أنت. أقلق تركيزهم فتضعف قواهم الاستراتيجية. إن مدارك الناس تمرّ بعواطفهم، وهم ميالون إلى تفسير العالم بحسب ما يحبون رؤيته. فقم بتغذية توقعاتهم، وأوهام تلبّي رغباتهم، وسيخدعون أنفسهم بأنفسهم. إن أفضل طرق الخداع تعتمد على الغموض وعلى خلط الواقع بالخيال بحيث يصعب تمييز واحدهما عن الآخر. سيطر على تصورات الناس عن الواقع فتسيطر عليهم. 

اسلك الطريق غير المتوقع .. استراتيجية «الاعتيادي - الاستثنائي»

يتوقع الآخرون أن تكون تصرفاتك متطابقة مع أنماط وأعراف معروفة . إن مهمتك كاستراتيجي هي أن تزعزع  توقعاتهم. فحين تفاجئهم على هذا النحو ستدخل الفوضى وانعدام القدرة على التكهن - وهما أمران يسعون إلى النأي عنهما- إلى عالمهم، وفي ظل الاضطراب الذهني الناشئ عن هذا، ستنهار دفاعاتهم ويصبحون هامشيين. أولاً، إفعل شيئاً اعتيادياً وتقليدياً لکي تثبّت صورتهم عنك، ثم اضربهم بتصرف استثنائي. فتحدث فيهم رعب أكبر. لا تعتمد على طريقة غير تقليدية نجحت معك في السابق، فهي تصبح تقليدية عند استعمالك لها للمرة الثانية. أحياناً يكون الاعتيادي استثنائياً لأنه لم يكن متوقعاً. 

سيطر على التفوق الأخلاقي .. استراتيجية زعم الحق

في عالم سیاسي، ينبغي أن تبدو قضيتك أكثر عدالة من قضية العدو. فكّر في هذا بوصفه ميداناً أخلاقياً تتنازع عليه مع الطرف الآخر؛ عبر التشكيك بدوافع أعدائك وإظهارهم بمظهر الأشرار، تضيق قاعدة دعمهم وقدرتهم على المناورة. صوّب نحو أماكن الضعف في صورتهم العامة، وافضح أي نفاق يبدر منهم. لا تفترض أبداً أن عدالة قضيتك تبرهن ذاتها بذاتها، بل عليك بالإعلان والترويج لها. وحين تتعرّض أنت نفسك لهجوم أخلاقي من عدو ذكي، لا تغضب أو تنتحب، بل رد على النار بالنار. وإذا ما استطعت فضع نفسك موضع المسكين والضحية والشهید. تعلم كيف تصيب عدوك بالذنب كنوع من السلاح الأخلاقي.

إحرمهم من الأهداف .. استراتيجية الفراغ

إن الإحساس بالفراغ - الصمت، العزلة، الإقصاء عن الحركة - لا يحتمل بالنسبة إلى معظم الناس. وكضعف بشري يشكل الخوف من الفراغ أرضاً خصبة لاستراتيجية قوية: لا تمنح أعداءك أي هدف يهاجمونه، کن خطراً إنما خطر متملص وخفي، وانظر إليهم وهم يتبعونك إلى الفراغ. هذا هو جوهر حرب العصابات. بدلاً من المعارك المباشرة، قم بهجمات جانبية وقرصات خفيفة مستفزة إنما مؤذية. وحين يصاب أعداؤك بالإحباط لعدم قدرتهم على استعمال قوتهم ضد حملتك الضبابية، فإنهم ينهكون ويفقدون حسهم العقلاني. إجعل حرب العصابات التي تخوضها جزءاً من قضية سياسية عظمی - حرب الشعب - تصل ذروتها في ثورة لا تقاوم.

اظهر بمظهر من يعمل من أجل مصالح الآخرين .. بينما تعزّز مصالحك استراتيجية التحالف

الطريقة المثلى لكي تتقدم بأقل جهد ممكن، وأقل سفك للدماء، هو أن تخلق شبكة متنقلة من الحلفاء، جاعلاً الآخرين يعوّضون عن النواقص التي لديك، والقيام بأعمالك القذرة، وخوض حروبك بدلاً منك، وبذل طاقتهم لدفعك قدماً. یکمن هذا الفن في اختيار الحلفاء الذين يناسبون احتياجاتك الراهنة ويملأون ثغراتك. قدّم لهم الهدايا واعرض عليهم الصداقة وساعدهم في وقت الحاجة، وكل هذا لكي تعميهم عن الواقع وتجعلهم ملزمین سراً تجاهك. وفي الوقت نفسه اعمل على زرع الشقاق في تحالفات العدو وإضعافه عبر عزله. وبينما تشكّل التحالفات المناسبة تجنّب العلاقات السلبية. 

قدم لأعدائك حبلاً كافياً لكي يشنقوا أنفسهم بأنفسهم .. استراتيجية التفوق على الآخر

غالباً لا تأتي أعظم مخاطر الحياة من الأعداء الخارجيين، بل من المنافسين المفترضين أو الأصدقاء، الذين يزعمون العمل من أجل قضية مشتركة بينما يخططون لتدميرنا ويسرقون أفكارنا لتحقيق مكاسبهم الذاتية. على الرغم من ضرورة أن تحافظ، في المجال الذي تعمل فيه، على مظاهر المدنية واحترام مشاعر الآخرين، فعليك أن تتعلم كيف تهزم هؤلاء الأشخاص. إعمل على بث الشكوك والاضطراب فيهم، وادفعهم إلى التفكير كثيراً والتصرف بطريقة دفاعية. انصب لهم الشرك عبر تحديات خفية تؤثّر فيهم، وتجعلهم يبالغون في ردود أفعالهم، والقيام بأخطاء محرجة. النصر الذي تسعى إليه بعد ذلك هو أن تعزلهم. أن تدفعهم إلى أن يشنقوا أنفسهم بأنفسهم عبر نوازعهم التدميرية، مما يرفع عنك الملامة ويبقيك نظيفاً.

خذ قضمات صغيرة .. استراتيجية الأمر الواقع

إذا بدوت شديد الطموح فإنك تثير استياء الآخرين، فالنهوض السريع إلى القوة خطير، ويولّد الحسد، وعدم الثقة والريبة. الحل الأفضل غالباً هو أن تصل عبر قضمات صغيرة، أن تبتلع مناطق صغيرة، وتلعب على قلة انتباه الناس. إذا ما بقيت تحت الرادار فإنهم لن يروا تحركاتك، وإذا رأووها حقاً فحينها يكون قد فات الأوان، أي بعد أن تكون قد استوليت على المنطقة، كتحصيل حاصل أو كأمر لا يمكن رده. يمكنك الزعم دائماً أنك تصرفت دفاعاً عن النفس. وقبل أن يدرك الآخرون ذلك تكون قد راكمت إمبراطورية كاملة. 

اخترق عقولهم .. استراتيجية التواصل

الاتصال أو التواصل هو نوع من الحرب، ساحة المعركة فيها  هي العقول المقاومة والمدافعة للناس الذين تريد التأثير بهم. الهدف هو أن تتقدم، وأن تخترق دفاعاتهم وتهيمن على عقولهم، تعلّم أن تتسلّل بأفكارك إلى ما وراء خطوط العدو، مرسلاً الرسائل عبر التفاصيل الصغيرة، مستدرجاً للوصول إلى الاستنتاج الذي تريده، وهم يعتقدون أنهم وصلوا إليه بأنفسهم. بعضهم يمكنك التحايل عليهم عبر إخفاء أفكارك الاستثنائية في أشكال اعتيادية؛ آخرون أكثر مقاومة وبلادة، ينبغي إيقاظهم بلغة قوية وجديدة. إجعل كلماتك شرارة للفعل، لا تأملاً سلبياً في الأمور.

دمّر من الداخل .. استراتيجية الجبهة الداخلية

لا يمكن خوض الحرب إلا ضد عدو يكشف عن نفسه. حين تتسلل إلى خطوط عدوك وتعمل من الداخل على إسقاطه فإنك تحرمه من التفاعل، وهذه ميزة مطلقة. من الداخل أيضاً، تستطيع أن تكشف نقاط ضعفه وأن تتبين الاحتمالات التي يمكنك من خلالها زرع بذور الفتنة الداخلية. لذا أخفِ نواياك العدوانية . لكي تأخذ شيئاً تريده لا تقاتل أولئك الذين يملكونه، بل انضم إليهم، ثم حاول الحصول عليه تدريجياً أو انتظر اللحظة المناسبة لتعد لانقلاب. ليس من بنية تستطيع الصمود طويلاً حين تتعفن من الداخل.

إن أكثر أشكال الدفاع المألوفة في الحرب الكلاسيكية هي أن تحيط المدينة بالأسوار والجدران، وقد انشغل القادة الاستراتيجيون قروناً من الزمن بكيفية القيام بذلك. كان الحصن يشكّل مشكلة بسيطة: فهو صُمّم بحيث يستحيل اختراقه، وبحيث يتطلب جهداً هائلاً لإسقاطه بحيث أنه ما لم يكن بالغ الأهمية من الناحية الاستراتيجية فإن الجيش كان يتجاوزه. كانت الاستراتيجية التقليدية ضد الحصن تقوم على محاولة اختراق جدرانه، وكان هذا يعني غالباً محاصرة الحصن بما يعرف باسم «خطوط المتاريس والخنادق».

سيطر بينما تظهر بمظهر الخاضع .. استراتيجية العدوانية المستكينة (السلبية)

إن أي محاولة لإخضاع الناس لإرادتك هي نوع من العدوانية. وفي عالم تهيمن عليه الاعتبارات السياسية، فإن الشكل الأكثر تأثيراً من العدوانية هي تلك المخفية: العدوانية الكامنة وراء ظاهر مذعن وحتی محب. حين تطبق استراتيجية العدوانية السلبية فإنك تبدو متماشياً مع الناس، ولا تظهر أي مقاومة، لكنك عملياً تهيمن على الوضع. لكن هذا يعني فقط أن كل شيء يدور حولك. قد يحس بعضهم بما تحاول القيام به. لا تقلق - فقط احرص على إخفاء عدوانيتك جيداً بحيث يمكنك إنكار وجودها. طبق هذه الاستراتيجية بطريقة صحيحة وسيشعر المشككين بالذنب لأنهم اتهموك. إن العدوانية السلبية استراتيجية شعبية، عليك أن تتعلم كيف تدافع عن نفسك ضد الأعداد الغفيرة من المقاتلين وفقاً لهذه الاستراتيجية الذين سينقضون عليك في حياتك اليومية. 

إزرع بذور القلق والذعر عبر أعمال إرهابية .. استراتيجية رد الفعل المتسلسل

يمثل الإرهاب الطريقة القصوى لشل إرادة الناس للمقاومة ولتدمير قدرتهم على التخطيط لرد استراتيجي. وقوّة كهذه يمكن تحقيقها عبر ممارسة العنف بشكل متسلسل يولّد إحساساً دائماً بالتهديد، وذكراً ينتشر ويمتد بين الناس. الهدف من حملة إرهابية ليس تحقيق النصر في ساحة المعركة بل التسبب بأقصى قدر من الفوضى واستفزاز الطرف الآخر للقيام بردة فعل يائسة، ويوصل أفعاله عبر وسائل الإعلام الى الجماهير، فإنه يخلق الوهم بأنه موجود في كل مكان وأنه أقوى بكثير مما هو عليه في الواقع. إنها حرب أعصاب. ينبغي ألا يستسلم ضحايا الإرهاب للخوف أو حتى الغضب، ولكي يضعوا أفضل استراتيجية مضادة عليهم أن يحافظوا على توازنهم. في وجه حملة إرهابية، فإن عقلانية المرء هي خط دفاعه الأخير. 

كتاب "33 استراتيجية للحرب" هو كتاب لكل الأزمنة وهو عصارة وتجارب كبار قادة الجيوش والاستراتيجيين عبر العصور. 

إقرأ الجزء الأول من مراجعة الكتاب.

إقرأ الجزء الثاني من مراجعة الكتاب.