"تركيا القرن الجديد": عن سياسة تركيا وأحزابها
"معهد الدراسات المستقبلية" في بيروت، يصدر كتاب "تركيا القرن الجديد النظام السياسي والأحزاب وجماعات الضغط"، ويشمل قراءة في النظام السياسي التركي، وأحزاب السلطة والمعارضة، وأحزاب الطريق الثالث، وجماعات الضغط.
صدر حديثاً عن "معهد الدراسات المستقبلية" في بيروت، كتاب "تركيا القرن الجديد النظام السياسي والأحزاب وجماعات الضغط"، قدَم له البروفيسور أمر الله أشلر، نائب رئيس مجلس الوزراء التركي السابق.
وقسّم الكتاب إلى مقدمة و5 فصول، شارك في كل فصل مجموعة من الكتاب والباحثين الأتراك والعرب في المجالات التي تضمنتها محاور الكتاب التي تشمل النظام السياسي التركي، والأحزاب في السلطة، والأحزاب في المعارضة، وأحزاب الطريق الثالث، وجماعات الضغط السياسي الدينية والعائلية والاقتصادية.
وتميزت الطروحات التي قدمها الكتاب بالموضوعية، حيث نجد أنَ كل دراسة أعدت على نحو علمي موثق.
في تقديمه للكتاب، يشير إشلر إلى جذور العلاقات التركية - العربية، ودور المستشرقين في خلق انقسام عربي تركي، وتأثير توجه تركيا نحو الغرب في زيادة الانقسام. ويعرض مرحلة "حزب العدالة والتنمية" بزعامة رجب طيب إردوغان منذ العام 2000.
ويعتبر إشلر أنَ تركيا " تعيش تحولات متسارعة على جميع الأصعدة مما يطرح التساؤلات التالية: كيف سيكون شكل تركيا في مئويتها الثانية؟ وأين سيكون موقعها في العالم خلالها؟ وهل ستنجح في تحقيق أهدافها التي شغلتها طوال 100 عام الماضية؟". ويرى أن انتخابات العام 2023 مصيرية وتعبر عن خيارات الشعب التركي ورؤيته لمستقبل بلاده.
الفصل الأول وعنوانه "النظام السياسي"، تضمن محورين، الأول "الصراع على إعادة تشكيل النظام الرئاسي في مواجهة أطروحة البرلماني المعزز"، وأعده جلال سلمي حول النظام الرئاسي المعتمد عام 2017 والمطبق عام 2018. ويفصل الكاتب في هذا الفصل للمواد الدستورية وموقف أحزاب المعارضة من النظام الرئاسي، وتبلورها ضمن "الطاولة السداسية" التي ضمت حزب الشعب الجمهوري والجيد، والمستقبل، والسعادة، والديمقراطية، والتقدم،والديمقراطي.
أما المحور الثاني بعنوان "النظام الانتخابي في تركيا: المنافسة وقواعدها"، فيبدؤه أنس اوغلي بمقاربة دور الهيئة العليا للانتخابات التركية التي تأسست عام 1950، والتي تتولى العملية الانتخابية من بدايتها حتى نهايتها ودور هذه الهيئة المطلق.
وشمل الفصل الثاني 3 محاور. الأول عن "حزب العدالة والتنمية" بعنوان "حزب العدالة والتنمية: إعادة تشكيل تركيا"، للكاتب أياد جبر حيث يوضح ظروف نشأة هذا الحزب، ومرحلة الاستفتاءات وانتخابات 2010-2011، ومرحلة ما بعد العام 2013 (حماية الانجازات). ومن ثم التحديات الراهنة داخلياً وخارجياً وكيفية توزع أصوات الحزب على 37 % في القرى ونحو 24 % في المدن، ونحو 32 % في الولايات الكبرى.
ويشير جبر إلى التنوع الطبقي والايديولوجي في حزب العدالة والتنمية الذي يعتمد على الكتلة المحافظة التركية والكردية الوازنة والاسلاميين. ويشرح جبر كذلك تأثير شخصية إردوغان الكبيرة على تجربة هذا الحزب.
أما المحور الثاني من هذا الفصل فكتبه إسماعيل نعمان تلجي، وعنوانه "حزب الحركة القومية: شريك معسكر السلطة الأهم"، يعرض فيه لتجربة الحزب ودوره في الحياة السياسية التركية، فهو يتبنى الفكر القومي المثالي الذي يجمع بين القومية والإسلام، وهو من أقوى وأرسخ الحركات السياسية في التاريخ التركي. ناهض هذا الحزب كل من الرأسمالية والشيوعية ودعم انقلاب عام 1971. ثم عام 1980 أغلق ورفعت ضده دعاوى قضائية. عاد للعمل خلال التسعينيات وتميز بخطاب العداء للاكراد. مؤيدوه ما بين 10 الى 20 % يتركزون في وسط وغرب الاناضول، وغرب البحر الأسود، وشرق الأناضول. يدعو للشفافية والديمقراطية، ويدعم الحكم الرئاسي، ويعتبر قضية اللاجئين في البلاد تهديداً للأمن القومي. كما يدعو للتعاون مع العالم التركي في آسيا الوسطى والقوقاز، ويدعم التدخلات التركية في الخارج، والعلاقات الجيدة مع العالم العربي، وتوازن العلاقة مع الصين وروسيا وكيفية مساهمة هذا الحزب في فوز إردوغان الأخير.
ثم المحور الثالث في هذا الفصل الذي أعده زاهر البيك وخليل مبروك بعنوان "الرفاه الجديد: الحزب المحافظ الصاعد"، ويقارب فيه الباحثان تجربة حزب الرفاه، وهو حزب يميني بخلفية دينية بزعامة محمد فاتح أربكان، نجل نجم الدين أربكان. ويناقش هذا الفصل مسألة تحديث التعليم وتطوير بنية المجتمع، بالنسبة لحزب الرفاه، ومعارضته الاتفاقيات التي تتعامل مع المثلية الجنسية.
ويوضح الباحثان في هذا المحور، إيمان حزب الرفاه بالسياسة الاسلامية التركية، والتحالف بين الدول الاسلامية، وتبنيه القضية الفلسطينية، وإيمانه بالدور الأممي للحزب، وموقفه سلبي من الغرب الأوروبي والولايات المتحدة، واعتباره واشنطن المدبر لانقلاب عام 1997 الذي أطاح بأربكان الأب.
أما الفصل الثالث في الكتاب فينقسم إلى خمسة محاور تتناول واقع الأحزاب في المعارضة التركية.
هكذا يرصد المحور الأول الذي أعدَه نور الدين العايدي، تجربة "حزب الشعب الجمهوري"، أقدم حزب في تركيا، والذي أسسه أتاتورك عام 1923، وحكم خلال الاعوام (1923-1945)، وعرف بحارس النظام. وهو ثاني أكبر حزب بعد "العدالة والتنمية" من حيث الثقل الشعبي في المدن الكبرى، في انقرة واسطنبول وأزمير، وسواحل بحر إيجه وتراكيا ومناطق العلويين وسط الأناضول.
ويضم الحزب 3 تيارات هي: الكمالي الايديولوجي، والطبقة الوسطى المدينية العلمانية، والطائفة العلوية، ويطرح حالياً خطاب طلب المسامحة والمصالحة الاجتماعية. لم يحقق هذا الحزب النجاح في الانتخابات الرئاسية الاخيرة، لكنه حصل على ما يقارب من 48 %من الاصوات.
وفي المحور الثاني من هذا الفصل يعالج عماد أبو الروس تجربة "الحزب الجيد بين الصعود والركود"، كونه أحد أكبر الأحزاب السياسية. نشأ عام 2017 وشعاره" تركيا ستكون بخير"، ويرتكز إلى القوميين والمحافظين الرافضين للنظام الرئاسي.
ويدعو "الحزب الجيد" إلى حماية الأمن القومي التركي وتحقيق السلام، وحسن الجوار، كما ويؤيد العلاقة المتينة مع أوروبا، والعمليات العسكرية في الخارج، ويعتبر قبرص مسألة أمن قومي تركي. ويتبنى أيضاً سياسة إعادة اللاجئين، مرن تجاه الاكراد، مع نظام برلماني، وحصل على نحو 10 % من الاصوات عام 2023.
ثم "حزب السعادة" في المحور الثالث الذي أعده صادق الشيخ عيد تحت عنوان "حزب السعادة: وريث الحركة الاسلامية في قلب المعارضة".
تأسس هذا الحزب عام 2001، وهو إسلامي التوجه، ووريث "الفضيلة" (1970). فاز بــ 81 بلدية عام 2008. يتمسك بالتعاليم الدينية، ويتواجد وسط الاناضول والمحافظات الشرقية والمدن الكبيرة وسواحل البحر الأسود. فاعل إعلامياً وشبابياً.
ينادي "حزب السعادة" بتحسين الاوضاع المعيشية، والاقتصاد، وتطوير التعليم، وتحقيق العدالة الاجتماعية، كما ينظر للجوء من باب إنساني وديني، يناصر الحجاب، ويرفض اتفاقية اسطنبول لمكافحة العنف ضد المرأة، ويدعم الحل السياسي للمسألة الكردية. يؤيد الحزب أيضاً التعاون الاسلامي وينتقد الانضمام لحلف شمال الأطلسي والعلاقة مع واشنطن ويعارض محاصرة ايران.
أما المحور الرابع في هذا الفصل فيتعلق بكل من "حزب المستقبل"، و"حزب الديمقراطية والتحكم"، وأعده نور الدين العايدي تحت عنوان: "حزبا المستقبل والديمقراطية والتقدم: مستقبل على المحك".
أسس "حزب المستقبل" عام 2019، أحمد داود أوغلو، يعارض النظام الرئاسي، ويسعى للاصلاح الاقتصادي والقضائي، مع الاقليات، بعيد عن الشعبوية، وإسلامي محافظ.
أما "حزب الديمقراطية والتقدم" فتأسس عام 2020، وهو ثاني حزب منشق عن "العدالة والتنمية"، ليبرالي وسطي تكنوقراطي يحاكي القيم الأوروبية.
وفي المحور الخامس والأخير في هذا الفصل قراءة في "الحزب الديمقراطي"، حاضره ومستقبله. وهو حزب يميني قومي علماني ليبرالي يدعم النظام البرلماني، مناهض لسياسة "العدالة والتنمية"، وضد أي حركة انفصالية. مع إعادة اللاجئين السوريين، ويؤيد التوجه غرباً والابتعاد عن إيران والعرب.
أما الفصل الرابع فتضمَن 4 محاور تناول الأول منها "حزب الشعب الديمقراطي" ومعركة البقاء في السياسة التركية". في هذا المحور الذي أعده عبد العزيز محمود أبو عليان، قراءة في الحزب الكردي الذي تأسس عام 2012 ويحمل توجهاً يسارياً، ويسعى لتمثيل "كافة المضطهدين والمهمشين". يركز الحزب على النسوية وحقوق المثليين والمساواة والتشاركية الديمقراطية والشباب، كما يسعى إلى تغيير نظام "العدالة والتنمية" ويعتبره غير ديمقراطي.
يتركز الثقل الشعبي لهذا الحزب في جنوب وشرق الأناضول، والمدن الكردية، يجمع بين القومية والمحافظة واليسارية الكردية ويواجه دعوى بتهمة الارهاب. يسعى الحزب المذكور إلى تفعيل الادارات المحلية، واعتماد اللغة الكردية رسمياً إلى جانب اللغة العربية. لا يعادي اللاجئين السوريين ويرفض التدخل العسكري التركي الخارجي.
المحور الثاني من هذا الفصل كتبه محمد رقيب أوغلو بعنوان "حزب البلد: لاعب جديد على الساحة السياسية".
الحزب الذي تأسس عام 2021، كمالي يناهض وجود السوريين، ويدعم حملة الصناعات الدفاعية الوطنية، وكذلك العمليات العسكرية ضد الأكراد، يرفض التدخل في سوريا، ويطالب بحياد تركيا في الحرب الاوكرانية. يرفض مركزية التعاون مع واشنطن وترشح رئيسه عام 2023 لانتخابات الرئاسة في الجولة الأولى وفشل.
"حزب النصر: العداء للاجئين في السياسة التركية"، للكاتب أحمد جميل الأسمر، هو عنوان المحور الثالث من هذا الفصل. الحزب عنصري، وضد الوجود الأجنبي السوري والعربي، ويسعى إلى "الحفاظ على تركيا وهويتها الثقافية وحمايتها من مواجهة هجوم الثقافات". وقد عبر رئيس الحزب عن هذا المسار بطرح تعبير استراتيجية "قلعة الأناضول".
أما المحور الرابع من هذا الفصل فجاء بعنوان "حزب الوطن: صوت الأوراسية الصادح"، وكتبه أنصار كفراك. يُعتبر هذا الحزب جزءاً من الفكر اليساري التركي، وهو امتداد للحزب الاشتراكي التركي (1988)، مع حل الحزب الشيوعي (1992) تأسس "حزب العمال" الذي تحول لاحقاً إلى "حزب الوطن".
يدعم "حزب الوطن" المؤسسة العسكرية ومعاد لحزب "العدالة والتنمية". يعتمد الاشتراكية والكمالية. ويدعو للتعاون مع دول غرب آسيا، من سوريا وصولاً إلى أفغانستان، وتحييد النفوذ الأميركي، ويؤكد على العلاقات الجيدة مع الصين وتنمية العلاقات مع روسيا.
أما الفصل الأخير من الكتاب فعنوانه: "جماعات الضغط السياسي"، ويأتي ضمن 3 محاور. المحور الأول بعنوان "الجماعات الدينية في تركيا: المواقف والأدوار"، كتبه يوسف باهدر كسكين، ويقسم الجماعات الدينية ضمن 3 حقبات: الأولى من العام 1923 حتى العام 1950، وهي مرحلة الأتاتوركية وإلغاء المظاهر الدينية. توسعت هذه الجماعات اجتماعياً بعد العام 1950، واعطتهم حكومة نجم الدين اربكان حيزاً أكبر وكانت علاقته بهم أحد أسباب الانقلاب عليه.
ثم فترة حكم "العدالة والتنمية"، التي كانت الأفضل بالنسبة لهذه الجماعات. فهناك نحو 10 آلاف مؤسسة تعليمية خاصة قانونية ثلثها يرتبط بجماعات دينية. وغالبية هذه الجماعات تؤيد وتدعم "العدالة والتنمية".
ثم المحور الثاني حول دور العائلات التركية البارزة وعلاقتها بالاقتصاد والسياسة. في هذا المحور يعرض جوكهان اريلي تجربة بعض العائلات الفاعلة وخاصة الشركات العائلية الفاعلة. والعلاقة بين حزب "العدالة والتنمية" الذي دعمته العديد من العائلات، ويشير حزب "الشعب الجمهوري" إلى "عصابة الخمسة" في تعبير عن 5 شركات عائلية كبرى تدعم "العدالة والتنمية".
أما في المحور الثالث والأخير من هذا الفصل فكتبه نور الدلو تحت عنوان "توسياد" و"موسياد": عالم الاعمال في خنادق السياسة.
و"توسياد" تأسست عام 1971 وتعمل في داخل وخارج تركيا. توظف نحو 50% من القوى العاملة في تركيا باستثناء الزراعة والقطاع العام، وتمثل 80 % من عائدات ضريبة الشركات.
أما "موسياد" فتأسست عام 1990، وتمثل نحو 60 ألف شركة تركية توظف نحو مليوني تركي، ولها فروع في 95 دولة.
تلعب المؤسستان دوراً أساسياً في تسويق تركيا عالمياً، وكان لهما دور مؤثر في مسار السياسة التركية. تعارض "توسياد" سياسات إردوغان الأخيرة وتنتقده، وبالتالي يسود علاقتهما بحزب "العدالة والتنمية" نوع من الحذر.
في المحصلة، يقدم كتاب "تركيا القرن الجديد النظام السياسي والأحزاب وجماعات الضغط"، المشهد السياسي التركي على مستوى القوى الفاعلة في تشكيل النظام، ويعرض لواقع النشأة والتجربة والدور ومدى التأثير، في محاولة لتقديم المشهد السياسي التركي من الداخل للقارئ، حتى يتمكن من فهم تركيا بصورتها الحقيقية والعوامل المؤثرة في مسار تجربتها.