حاتم الطائي.. شاعر الجاهلية الذي مدحه نبي الإسلام
أشهر العرب بالكرم والجود، حائم الطائي، الذي تناقل العرب قصص سخائه، ولكن الكثيرين لا يعرفون أنه كان شاعراً وفارساً أيضاً.
معلومات عن حاتم الطائي
حاتم الطائي، واسمه الكامل حاتم بن عبدالله بن سعد الطائي ويُكنّى أبا سفانة وأبا عدي. وُلد في جبال طيء في حائل في نجد وتوفي سنة 605 ميلادي/46 قبل الهجرة. هو شاعر عربي عاش في فترة ما قبل الإسلام وكان أمير قبيلة طيء اليمانية. اشتهر بالشهامة والكرم الشديد حتى لُقّب ب "أكرم العرب".
ديانته
اعتنق حاتم الطائي الديانة المسيحية، بينما دخل أولاده عدي وسفانة الإسلام.
عائلته
سخاؤه وكرمه ورثه عن أمه عتبة بنت عفيف بن عمرو بن أخزم، التي كانت معروفة بالسخاء الشديد حتى قام أولادها بحجز أموالها خوفاً من التبذير.
أما زوجة حاتم الطائي، فقد تزوج من 3: ماوية الغسانية، النوار بنت ثرملة، العالية العنزية، وعُرفت زوجاته الثلاث بالجمال والذكاء.
أنجب 4 أبناء: شبيب، عدي، سفانة وعبدالله.
صفاته
تميّز حاتم الطائي بالعديد من الصفات، وما زال يُذكر حتى الآن ويتمثل به البعض. من صفاته: إذا قاتل غلب، سريع العدو، سخاء العطاء، حسن الضيافة، الجود والأصالة، يهب السائلين.
وفاته
توفي حاتم الطائي سنة 605 ميلادي/46 ق.ه في منطقة عوارض، وهي عبارة عن جبل في بلاد طيء اليمانية، ودُفن في منطقة توارن في حائل. وصحيح أنه كان من أشهر شعراء الجاهلية. كانت وفاة حاتم قبل الإسلام، إلا أن أولاده حرصوا على إيصال أعماله وحُسن أخلاقه إلى رسول الله (ص).
اقرأ أيضاً: كتامة.. صانعة الإمبراطورية الفاطمية؟
قصص حاتم الطائي
قصة نحر حاتم فرسه
روت هذه القصة نوارة، زوجة حاتم الطائي، عندما سُئلت أن تحكي عنه شيئاً، ونقلها الرواة عن لسانها:
مرّت على البيداء سنة من القحط الشديد، وضاقت الحال بالناس ولم يعد لديهم ما يقتاتون به، حتى بكى صغار القوم من الجوع. في إحدى الليالي، وإذا بامرأة ترفع طرف الخيمة، فقال حاتم: من هذا؟ فردّت: جارةٌ لك يا أبا عدي، جئتك من عند صبية جياع لا يكفّون عن البكاء من شدة الجوع.
فقال لها: "إئتِ بهم". فقالت امرأته: "لقد نام أطفالك وهم يبكون من الجوع وما وجدت ما تطعمهم به! فكيف بهذا؟"، فكان رده: "والله لأشبعنّكم".
وقام إلى فرسه فنحرها، ثم طبخها وأشبع قومه.
قصة حاتم الطائي وقيصر الروم
وصل كرم الطائي إلى قيصر الروم واستغرب الأخير من شدة هذا الكرم. وكان قد سمع أن للطائي فرساً أصيلة، فأرسل إليه رسولاً يطلب الفرس.
استقبل حاتم الطائي الرسول، لكنه لم يكن يملك أغناماً، ولم يتمكن من الحصول على شيء يكرم به الضيف. فقام الطائي بنحر الفرس وجهّز له الطعام.
فلمّا حدّث الضيف وعرف أنه رسول القيصر جاء لأجل الفرس، قال له حاتم: "ليتك أعلمتني، فقد نحرت الفرس لك". فقال له الرسول: "والله لقد رأينا منك أكثر مما سمعنا".
قصة حاتم مع ابنته سفانة
ورثت سفانة عن والدها وجدتها الكرم والسخاء، فكانت لا تدخر شيئاً من المال وتجود بجميعه على الناس. فقال لها والدها يوماً: "يا سفانة، إن القرينين إذا اجتمعا معاً في المال أتلفاه، عليك أن تختاري بين اثنتين، إما أن أعطي وتمسكي، أو أن أمسِكَ فتعطي".
رفضت حديثه وقالت: "أنا سفانة ابنة حاتم الطائي، أجود وأكرم رجال العرب، لا أمسك ولا أقبض يدي في وجه سائل". واقترحت أن حلّ ذلك يكون بالفراق، وأن يقيم كل منهما بعيداً عن الآخر، فكان أن قاسمها حاتم الطائي ماله وافترقا.
قصة الطائي والغلام
سُئل حاتم الطائي يوماً: "هل تغلّب عليك أحدٌ في الكرم؟"، فقال: غلبني صبيّ يتيم، نزلت عنده وما كان يملك سوى عشرة أغنام، فما كان منه إلا أن ذبح أحدهها، وطبخ لحمها، وقدم الطعام لي وفيه "دماغ الشاة"، تناولته واستحسنته.
فخرج وذبح شاةً أخرى وقدم لي دماغها، وكنت أستطيبه، واستمر يفعل ذلك حتى كان قد ذبح أغنامه كلها وأنا لا أعلم.
فسألته عن سبب فعلته تلك. فقال: "أتستطيب شيئاً أملكه وأبخل عليك به؟". فقال حاتم أنه عوّضه 300 ناقة و500 رأس من الأغنام. فقيل: "ذلك يعني أنك أكرم منه"، فردّ "بل هو أكرم، لأنه جاد بكل ما يملك، وأنا جدت بقليل من كثير".
ماذا قال الرسول عن حاتم الطائي؟
حياة حاتم الطائي كانت في فترة ما قبل الإسلام، لكن أولاده سعوا إلى نقل أعماله إلى الرسول محمد (ص). وجاء عن ذكر عدي بن حاتم: "قلت لرسول الله إن أبي كان يصل الرحم، ويفعل ويفعل، فهل له في ذلك؟" أي: هل من أجر؟ قال الرسول (ص): "إن أباك طلب شيئاً فأصابه". أي الشهرة والذِّكر.
الرسول وسفانة ابنة حاتم
برزت قصة في التاريخ النبوي بين الرسول (ص) وسفانة ابنة الطائي.
قيل في الرواية، أنه بعد أن قُدّمت سفانة أسيرة، قالت بين يدي الرسول: "يامحمد إن رأيت أن تُخلي عني فلا تشمت بي أحياء العرب فإني ابنة سيد قومي، وإن أبي كان يفك العاني ويحمي الذمار ويقري الضيف ويشبع الجائع ويفرج عن المكروب، ويفشي السلام ويطعم الطعام، فارحموا عزيز قوم ذل".
فأجابها الرسول (ص): "يافتاة هذه صفة المؤمن حقاً، لو كان أبوك مسلماً لترحمنا عليه. خلوا سبيلها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق، والله يحب مكارم الأخلاق".
اقرأ أيضاً: شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام
منزل حاتم الطائي
عاش حاتم الطائي وقبيلته في بلاد الجبلين ،أجا وسلمى، والتي تسمى الآن "حائل" في السعودية، وتحديداً في بلدة توارن التي تقع على مسافة 50 كم من حائل.
اشتهرت توارن باحتضانها قصر حاتم الطائي وقبره. تقع هذه القرية وسط وادٍ يعتبر ملتقى عدة أودية من أشهرها وادي عاجزة، كما يحيط بها جبال أجا من جميع الأطراف.
كما تضم قصوراً بُنيت من الطين والحجر وقد بقي منها القليل بسبب الهدم الذي تعرضت له من قبل.
تضم توارن في وسطها قصر حاتم الطائي المصنوع من الطين، وبالقرب منه مقبرة صغيرة تحتوي على قبرين يُعتقد حسب الروايات، أن أحدهما هو قبر حاتم الطائي.
قبر حاتم الطائي
ما يلفت الإنتباه عند النظر إلى قبر حاتم الطائي هو طول القبر الذي يتجاوز الأمتار. اختلفت الروايات حول سبب طول القبر إلى هذه الدرجة، واتفقت جميعها على أن قبور ما قبل الإسلام كانت تُقاس بمكانة الشخص الإجتماعية وماقام به من إنجازات في حياته، خاصةً على صعيد الكرم والشهامة والأصالة. وقد تميّز قبر الطائي وعنترة بن شداد بطول مساحة القبر.
اقرأ أيضاً: الحب عند العُذريّين: الموت أسهل من فِراق الحبيب
صُنع البيت من الطين والحجر في منطقة واسعة محاطة بالجبال، تنتشر فيها الأشجار والنخيل والتوازن بين الجبال والتلال والطرق الجميلة والعناصر الطبيعية الأخرى.
تُعتبر منازل حاتم الطائي من أكثر المناطق المقصودة سياحياً من السعوديين والعرب والأجانب، إذ يُقام دائماً رحلات سياحية إلى منطقة حائل.
موقد حاتم الطائي
يقع موقد حاتم الطائي في أعلى قمة في جبل السمراء في مدينة حائل ويُعرف المكان بـ "موقدة حاتم الطائي". تقول الروايات أن الطائي كان يشعل النار كل ليلة فوق الجبل ليهتدي إليه عابر سبيل في المنطقة.
لكن، رغم القيمة التاريخية لهذا الموقع إلا أنه يتعرض للإهمال. فبعد أن كان رمزاً للجود والكرم في الحجاز، أصبح مليئاً بالنفايات المرمية والشعارات العشوائية المكتوبة والصدأ.
أعمال حاتم الطائي
له العديد من القصائد التي اشتهر بها في عصره. ونشر كتاب عغن شعره سُمّي "ديوان حاتم الطائي" يضم جميع قصائده وعددها 52 قصيدة.
من أشعاره:
إلا أخلقت منك المواعد
إذا أنتَ أعطيت الغني، ثم تجدْ … بفضل الغنى، ألفيتَ مالك حامدُ
وماذا يُعَدّي المالُ عَنكَ وجَمعُهُ … إذا كانَ ميراثاً، وواراكَ لاحِدُ
أبلغ بني لأم بأن خيولهم
أبلغ بَني لَأمٍ بِأَنَّ خُيولَهُم ... عقرى وأنً مِجادهم لَم يَمجُدِ
ها إِنَّما مُطِرَت سَماؤُكُمُ دَماً ... ورفعتَ رَأسَكَ مِثلَ رَأسِ الأصيدِ
ليكونَ جِيراني أُكالاً بَينَكُم ... بُخلاً لِكِندِيٍّ وَسَبيٍ مُزنِدِ
وابنِ النُجودِ وَإِن غَدا مُتَلاطِماً ... وابنِ العذَّور ذي العِجانِ الأزبدِ
نعما محل الضيف لو تعلمينه
نِعمّا مَحَلُّ الضَيفِ لَو تَعلَمينَهُ ... بليلٍ إذا ما استشرفته النوابحُ
تقصّى إِلَيَّ الحَيُّ إِمّا دَلالَةً ... عليًّ وَإِمّا قادَهُ لِيَ ناصحُ
وعاذلة هبت بليل تلومني
تلومُ عَلى إِعطائِيَ المالَ ضِلةً ... إذا ضَنَّ بِالمالِ البَخيلُ وصرّدا
تقول أَلا أَمسِك عَلَيكَ فَإِنَّني ... أرى المالَ عِندَ المُمسِكينَ مُعبّدا
ذريني وَحالي إِنَّ مالَكِ وافِرٌ ... وكلُّ اِمرِئٍ جارٍ عَلى ما تَعَوَّدا
أبى طول ليلك إلا سهودا
أبى طولُ لَيلِكَ إِلّا سهودا ... فما إن تبيّن لِصُبحٍ عَمودا
أبيتُ كَئيباً أُراعي النُجومَ ... وأوجعُ مِن ساعِدَيَّ الحَديدا
ذكر حاتم الطائي
كان الطائي شخصية معروفة ومشهورة ليس فقط منطقة الطائي (حائل حالياً)، ولكن اشتهر أيضاً وعُرف في شبه القارة الهندية. وقد ظهرت شخصيته في العديد من الأعمال الأدبية والفنية في لغات مختلفة منها العربية والهندية والفارسية ولغات أرى.
أفلام ومسلسلات أحيت ذكراه
أفلام هندية مثل: حاتم الطائي (1956) وحاتم تاي (1990). ومسلسلات هندية مثل: حاتم ومغامرات حاتم.
هو أكرم العرب، حاتم الطائي، الذي يتمثل ويتغنى به العرب حتى الآن ولكنهم قلّة. ليت الشعوب العربية تعود قليلاً إلى تاريخها وتقدر أدباءها وشعراءها، حتى الأدباء الأجانب عرفوا قيمة الشعراء العرب. على أمل أن تعطي الأمم والدول العربية الجهد والوقت لإبقاء الأماكن التاريخية بقيمتها والمحافظة عليها ونشر ثقافة تاريخها بين شعوبها.ا