هالة
يقال إنه من أصل يوناني.. ماذا يعني اسم هالة؟
أأجْمَعَ صُحبَتي السَحَرَ ارتِحالا
ولم أشعُرْ بِبَينٍ مِنكِ هالا
ولم أرَ مِثلَ هالَةَ في مَعَدٍّ
أُشَبّهُ حُسنَها إلّا الهِلالا
هذان البيتان من قصيدة للشاعر الجاهلي عَمرو بن كُلثوم (526 - 584م) أحد أصحاب المعلّقات وجُلُّ شعره في الفخر والاعتداد بقومه بني تَغلِب وكان من سادتهم. وما كان الغزل عنده، ولا وصف مجالس الشراب، سوى مدخل إلى موضوع القصيدة الذي غالباُ ما يكون سرداً لأمجاد قومه أو أفعاله البطولية.
يُقال إنه قتل عَمْرو بن هِند ملك الحِيرة بالعراق ثأراً لكرامة أُمّه ليلى التي طلبت منها هِند أُمُّ الملك أن تناولها طبقاً وهي في ضيافتها لتذلّها فأبت، ولمّا ألحّت عليها هند صاحت "وا ذُلّاه" فسمعها عمرو بن كلثوم ابنها وكان جالساً مع ابن هند في سُرادِق، أي خيمة كبيرة تُنصب للاحتفال، فوثب إلى سيف كان معلّقاً هناك وهوى به على رأس الملك فقتله. وهو يشير إلى ذلك في معلّقته ومطلعها:
ألا هُبّي بصَحنِكِ فاصبَحينا
مُشَعشعةً خمورَ الأندرينا
وفيها يقول:
مَلأنا البَرَّ حتّى ضاقَ عَنّا
وظَهرُ البَحرِ نَملأهُ سَفينا
ويبلغ ذروة الفخر حيث يقول:
إذا ما المَلكُ سامَ الناسَ خَسفاً
أبَينا أن نُقِرَّ الذُلَّ فينا
إذا بلغَ الفِطامَ لنا صَبِيٌّ
تَخِرُّ له الجَبابِرُ ساجِدينا
نعود إلى ما عبّر الشاعر البدوي وسيد قبيلة تَغلِب من عاطفة رقيقة حيال صاحبته هالَة وقد أزمع على الرحيل مع أصحابه وقت السحَر، أي في آخر الليل قُبيل الفجر، وكان عليه أن يفارق الحبيبة التي لم يرَ أنه يفارقها حقاً لتعلّق فؤاده بها، هي الجميلة التي لا مثيل لها بين نساء بني مَعَدّ، وهو مَعَدّ بن عَدنان الجدّ الأعلى لبني تغلب وسائر القبائل العدنانية، والتي لا يجد ما يُشبّهه بها إلا الهِلال وهو القمر في أولى لياليه حيث يبدو مثل قوس منير في السماء.
وبيت القصيد الذي نقصده في هذه المقالة هو اسم صاحبة عَمْرو بن كُلثوم الذي يذكره مرّة مُرخّماً بحذف التاء من آخره ومدّ اللام لضرورة الوزن والقافية (هالا) ومرّة بكامل حروفه (هالَة). وهو اسم للمرأة أحبّه العرب وشاعت التسمية به في الجاهلية وفي الإسلام، عُرفت به هالة بنت وهيب بن عبد مَناف أُمّ حَمزَة بن عبد المطّلب عمّ الرسول.
وهالة بنت خُوَيلِد الأسدية أخت السيّدة خديجة بنت خُوَيلد أُمّ المؤمنين. ولا يزال هذا الاسم شائعاً ومُحبّباً في أيامنا لخفّته وجمال معناه. وهو مأخوذ من الهالة وهي الدائرة النورانية الساطعة التي تٌرى حول قمر السماء ويقال لها دارة القمر، وكذلك حول الشمس ويقال لها طُفاوة، كما يقال لها دارة القمرين كِناية عن الشمس والقمر.
هالة إذن اسم علم مؤنث عربي قديم. إلا أنه لم يُذكر من أي مادة لغوية اشُتُقّ وإن كان أقرب إلى أن يكون مشتقاً من الهاء واللام وهو الأصل الذي اشتُقّ منه اسم الهِلال، أحد أطوار قمر السماء، على ما يؤتى على ذكره في الكلام على اسم العلم المذكر هلال.
ويُقال إن الهالة كلمة من أصل يوناني هو alos (ألوس) وهي الدائرة المضيئة التي تحيط بالشمس أي الهالة كما يقال لها بالعربية. ومنها الهالة أو الدائرة المنيرة التي يحيط بها الرسّامون رؤوس القِدّيسين.
واستعملت الهالة للدلالة على مجموعة من الظواهر الضوئية في شكل حلقات أو أقواس أو بُقع ساطعة تنتج عن انكسار أو انعكاس الضوء بواسطة بَلّورات الجليد المعلّقة في الغلاف الجوّي. وهذه الهالة من حيث الاشتقاق مأخوذة من كلمة ora (أورا) في اللغة الإغريقية القديمة وتعني الرياح أو الأنفاس وكانت تعني في اللغة الإنكليزية الوسيطة النسيم العليل.
ومن هذا أيضاً ما يُسمّى بالهالة البشرية وتتكوّن من موجات وذبذبات من الطاقة تحيط بالجسم الفيزيائي وتُسمّى أيضاً الطاقة البشرية. وهذه وفق بعض معتقدات ما وراء الطبيعة فَيضٌ نوراني ملوّن يُعتقد أنه يُغلّف جسم الإنسان أو أي كائن حيّ أو جماد.
وبعيداً من كل هذه التأويلات والمصطلحات يبقى اسم هالة من أجمل أسماء البنات لخفة وقعه ولما ينطوي عليه معناه الأصلي بوصفه هالة النور التي تحيط بالقمر أو الشمس أو الأجرام السماوية الأخرى، فهو يبعث في النفس الشعور بفيض النور والجمال والتفاؤل.
وختاماً هذه الأبيات التي وقعت عليها ولم أعرف قائلها في مَن تُسمّى هالة:
ياهالةً فُتِنَ الجَمالُ بِسِحرِها
والزهرُ يَذبُلُ والشُموسُ تَغيبُ
والبَدرُ مِن خَجلٍ يُداري حُسنَها
والوَردُ في كَفِّ الجَمالِ يَذوبُ
كوني لنا كالشَمسِ عِندَ شُروقِها
كالنُورِ كالإصباحِ حينَ يَؤوبُ