مويورزوري مارتينز: حداثة بأبعاد أفريقية
بعنوان: "الآن يعرفون" يقيم النيجيري مويوزوري مارتينز معرضه في بيروت، وهو فنان وسائط متعددة يستخدم فنه بصورة إجمالية ليعبر عن طبيعته الروحية.
يقدم غاليري "تانيت" في بيروت وجهاً فنياً أفريقياً له بصمات خاصة في عالم الفن الحديث، هو النيجيري مويوزوري مارتينز في معرض بعنوان: "الآن يعرفون".
ومارتينز (1986) فنان وسائط متعددة درس الفن على نفسه، يستخدم فنه بصورة إجمالية ليعبر عن طبيعته الروحية، والتائقة للمعرفة. نشأ في لاغوس بنيجيريا، من أب برازيلي وأم أفريقية نيجيرية.
بدأ فنه منذ صغره مستخدماً قلم الرصاص حيناً، وفرشاة الرسم حيناً آخر. يدمج جذوره التقليدية الثقافية المعروفة بــ (Yoruba) بالفن المعاصر ليخلق أسلوباً يدمج المجازي بالتجريد، والعناصر الروائية المستمدة من تجربته الحياتية الفريدة، خصوصاً رحلاته بين نيجيريا ونيويورك حيث اتّخذ لنفسة محترفاً فنياً.
مجموعة من اللوحات بحجم كبير، وألوان فاتحة، متداخلة تشبه إلى حدٍّ بعيد ألوان القماش الأفريقية الزاهية، والمعروفة، وعليها تعابير وأشكال تكاد أحياناً أن تكون متكرّرة، مثلما يظهر في عدة لوحات تتضمن أشكال أسنان، لكنها متغيّرة قليلاً بين لوحة وأخرى.
ويعكس فنه الرمزيّ العميق ثقافةً، وتجربة أيقونوغرافية - شخصية انعكاساً لتجربته الحياتية الخاصة. كثيرون من النقاد والفنانين يرون في رسوماته بنية فنيّة قوية، ويستخدم فيها ضربات ريشة سميكة، وألوان زيت كثيف، ويضمِّنها رسومات وخربشات ومواد لاصقة (كولاج) ونصوصاً. لوحاته البرّاقة، ذات الطبقات السميكة، تتضمن عادة عناصر روحية من بيئته وشخصيته، ورغبات منها المحقّق، ومنها المُبتغى.
باستخدامه الدائم للوسائط المتعددة، يخلق مارتينز فنّاً ثلاثي الأبعاد ويعتمد على أشياء بمتناول اليد، عادية، ويدخلها في تآليف إلى جانب الوسائط الفنية التقليدية كالزيت.
في أحاديثه على المستوى العام، يقول إن أعماله الفنيّة واضحة، ويحب أن يستخدم مواد مختلفة، لها حروف حادة على اللوحة.
ويوضح أيضاً أنّ اللوحات غنيّة بالخربشات والتخدّشات والألوان التي تحاكي الطين، وكذلك الفخار والبلاستيك السائل، وملصقات زيتية، وطبقات زيتية سميكة، ويقول: "أضع أولاً الخلفيّة، ثم أفكّكها، فتعطي إيحاءً بالتفكك والتفتت على اللوحات"، وبذلك يعلن اندراجه في تيارات المعاصَرة التي اعتمدت التفكيك إن في الأدب، أم الفكر، أم الفلسفة، أم الفن، مُدرِِجاً أعماله في أساليب ما بعد الحداثة، ومنها التعبيرية الجديدة.
ويمكن أن تتجلى في أعماله حياته الشخصية، بحسب تأكيداته، فكل لوحة هي رحلة عميقة في معركته الداخلية، وكل ضربة ريشة تصبح ضربة جريئة، وكل خدشة تحتوي جرحاً، فقط من أجل إعادة بناء شيء جديد.
ويعلّق أحد النقاد على أسلوب عمله بأن "الذي يقهر نفسه هو أقوى محارب بحسب (المفكّر الصيني) كونفوشيوس، وبهذا المعنى، فالرحلة التي تعتبر الأكثر ثراءً، وغنى، هي التي تغوص في النفس، والفن الأعظم هو عادة نتاج لمعركة داخلية".
يذكر أن الفنانين العالميين المشهورين مثل سيزان، وبيكاسو، وباسكيات (Basquiat - فن الشارع) من بين أعظم الرسامين الذين كان فنهم نتاج عملية "التفكك الخلاق"، كما يصف العبارة متبنّو الأسلوب، ويمكن أن يوضع مارتينز بمستوى هؤلاء لولا فارق العصر.
وليست لوحات مارتينز متشابهة لأن كل واحدة تتكون من عناصر رمزية مختلفة، ورسائل مشفّرة، مختبئة فيها عن سابق تصميم.
ويتحدث عن أسلوبه أنه أحياناً يمزج المرئي بالمعطى، وعن العالم الجديد الذي يعيشه حالياً، ويستخدم كلمة "لماذا" (why) التي تظهر في العديد من الأعمال بخط قلم رفيع، غالباً عند الجهة اليسرى أعلى اللوحة، فتترك المشاهد يطرح الأسئلة عينها.
عبارات مفردة أخرى ينشرها مارتينز إما يمين اللوحة، أو يسارها، مثل كلمة "Time”، التي تظهر بلون داكن، وغالباً متكرِّرة عدة مرات، وربما متدرِّجة في الإضاءة. كما يستخدم طريقة من هذا القبيل في توقيع اسمه الذي غالباً ما يستخدمه ك "Moyo”، ببساطة تتناقض مع ضجيج ألوان، وأشكال لوحاته.
يترك مارتينز بعض الفراغات في لوحاته رغم ازدحامها بالأشكال الرمزية، والتعابير الفنية، كأنه يترك مساحة للمتلقي أن يملأ الفراغ بما يرتأي، وقصده من ذلك الإيحاء أن لا أحد يملك الحقيقة المطلقة، ولابد للانسان أن يعترف بحق الاختلاف في الرأي.
اعتاد مارتينز أن يصف نفسه بأنه وحيد، وكثيراً ما يمارس عمله الفني في الظلام، وذلك في محترفه النيويوركي المجهّز بتقنيات إضاءة، وأشياء فنية، وتسجيلات جاز، وعناصر أخرى يمكن أن تفتح له آفاقاً في المؤثرات، والمتخيّلات الثقافية التي يواجه.
يمكن لمارتينز أن يصبح المحفِّز الأهم لعمليات المزاد على المستوى الفني العالمي، بنظر نقاد فنيين في مجلة "فوربس" (Forbes)، وعُرِضت شهاداته، وأعماله، في مراكز مبيعات عالمية إلى جانب أندي وارهول (له نصوب من بقايا قذائف وأسلحة في أعالي أحراج مدينة عاليه اللبنانية)، وسالمون تور، وألكس كاتز، وجورج كوندو، وسواهم الكثر من المعروفين في عالم الفن في الغرب.
في ريعانه، منعه والده من التوجه نحو الفن الذي كان ميّالاً إليه منذ صغره، فأمضى مارتينز سنواته الدراسيّة في غانا، وشاطىء العاج المجاور لدراسة علوم الكومبيوتر، وبعد الانتهاء، هاجر إلى نيويورك سنة 2015 ، ليتابع تحقيق طموحاته الفنية.