معرض جوزيف حرب: الفن خلاصنا الوحيد
بعنوان "هنا والآن"، يقيم التشكيلي اللبناني جوزيف حرب معرضه الجديد في بيروت، والذي يأتي بمنزلة صرخة ضد الوحشيّة التي تعيشها الإنسانيّة والأزمة الوجوديّة التي يواجهها البشر.
"هنا والآن"، عنوانُ معرضٍ نحتيٍّ تشكيليٍّ للفنان اللبناني جوزيف حرب، يُقيمه في صالة "غاليري جانين ربيز" في بيروت، وهو بمثابة صرخةٍ ضد الوحشيّة التي تعيشها الإنسانيّة، والأزمة الوجوديّة التي يواجهها البشر في مختلف مراحل حياتهم.
فاضت الأزمة الإنسانية العميقة عن محتواها الزمني، وتفاقمت في واقعٍ مأزومٍ بصورةٍ دائمةٍ في لبنان، فلم يعد الفنان يقوى على ضبط انفعالاته، ولا الحفاظ على غشاوةٍ مصطنعةٍ لعينينه أمام المجزرة المستمرة.
يعكس المعرض مشهد المجزرة في الواقع اللبناني. لم تعد المجزرة روايةً محكيّةً، ولا مؤلّفاً خياليّاً. صارت واقعاً لبنانيّاً دائماً، تُوِّجَتْ بانفجار المرفأ، وتجسّدت في كثيرٍ من الأحداث السابقة، وهي تتجلى كذلك في الأبعاد الاجتماعيّة والاقتصاديّة والإنسانيّة عامّةً، كتعبيرٍ عمّا آلت إليه الأمور وأحوال الناس في لبنان.
أشلاء بشرية وأجساد متلوّية
وتمثيلاً لهذه المجزرة، تنتشر أشكالُ أشلاءٍ بشريّةٍ في المعرض: جمجمة، أو رأس، ووجه ملتوٍ، أو يد مبتورة، أو قدم منفصلة عن الرجل... أجسادٌ تتلوّى ألماً لمعاناةٍ أو إحساسٍ مباشرٍ بالوجع. النصوب مصنوعة من الطين والجفصين، واللوحات مرسومة بأكريليك على القماش.
يقوم موضوع المعرض بحسب حرب، في حديثٍ لـ "الميادين الثقافية"، على التفكيك، ويقول: "اشتغلتُ على تفكيك الجسد عبر الأجزاء المبتورة، كما أنني فكّكت النصّ الذي هو نصٌّ تشكيليّ".
حرب: أنا موجوع، وأنقل وجعي ووجع الناس من ضمن ذلك، فنحن أكثر الشعوب عُرضةً للألم، والأوقات الحلوة عندنا قليلةٌ جداً.
ويضيف: "إذا ربطنا الفكرة بالحالة الاجتماعية المُعاشة، فعندنا أسباب التأزيم الاجتماعيّة، وهي أسبابٌ تخرق النفس كما تخرق الجسد بعدّة اتجاهات".
يستخدم حرب الجزء تعبيراً عن الكلّ، حيث إننا "عندما نرى جزءاً من الجسد، فإن ذلك يشير إلى إنسان، كاليد أو الإصبع أو القدم، والقدم المبتورة تذكّر بانفجار، أو بحالة مأساوية متعلقة بالجسد، وهذا يعني تهشيم الجسد وتفكيكه في الوقت عينه"، ويؤكّد حرب أنّه "يمكن لعضوٍ مبتورٍ أن يخبرك قصَّةً كبيرةً".
كما يرى الرسّام والنحّات اللبناني أنَّ "تفكيك الجسد له علاقةٌ بالحالة الاجتماعية التي نعيشها، وهي الحروب المستمرة التي تهدّد وجودنا بصورةٍ دائمةٍ"، وذلك مع الأخذ بالاعتبار ما يحيط اللبنانيين من هواجس.
بهذه الرؤية والمنطق والإحساس قدّم الفنان معرضه، وعلّق على مضمونه بالقول: "أنا موجوع، وأنقل وجعي ووجع الناس من ضمن ذلك، فنحن أكثر الشعوب عُرضةً للألم، والأوقات الحلوة عندنا قليلةٌ جداً".
البشاعة في الواقع لا في الفن الذي يصوّره
وعن استخدام أشكالٍ ومشاهدَ بشعةٍ، وتأثير ذلك على المُشاهد، يقرّ حرب بأنَّ "المشهد يرتدُّ بشكلٍ سلبيٍّ على المشاهد، لكني عندما أعمل لا أفكّر بالمُشاهد وكيف يمكن أن يتأثر".
ويوضح أنَّ "المُشاهد يتلقّى ما يحدث معه أو يواجهه كل يوم، لذلك ألمس التوتر على وجوه الناس وأجسادهم حيثما كنت. إنّه توترٌ من دون وعي، لكنه نتيجة ما يتعرضون له كل يوم من تهديد لوجودهم كبشرٍ في كل لحظة".
ويؤمن حرب بأنَّ "التأثير السلبيّ هو في الواقع، أي خارج المعرض، لا داخل قطعةٍ فنيّةٍ تؤسس للألم، وأنا شخصياً أتأثّر بالواقع، وينعكس ذلك على عملي".
لا يتردّد حرب في رسم الأشياء المفترض أنها بشعة، لأنها في الواقع أكثر بشاعةً مما هي عند العرض. وفي نظره فإنَّ "المُشاهد لا يتأثّر بشكلٍ سلبيٍّ بالأشياء، فهو دائماً ينقل الجماليات، ومنها ما هو موجود في المظاهر البشعة".
وهو يرى أنَّ "في الأشياء المبتورة جماليّات، ونحن نشتغل بالشكل والنحت واللّون والخطوط، وحتى لو كان هناك تأثيرٌ سلبيٌّ للمعرض فهذه السلبية ليست مؤذيةً بالقدر الذي نعيشه كلَّ يومٍ، وعناصر المعرض تخفّف بصناعتها الجماليّة وطأة الشعور بالخطر على وجودنا". ومن هنا يرى حرب أنَّ "الفن هو خلاصنا الوحيد".
تشكّل لوحات متواصلة عن الثور بأشكال متنوعة ما يشبه الجداريّة. يرى حرب في الثور "رمزاً للقوة، ويمكن أن يشكّل خطّ دفاعٍ بشراسته"، مضيفاً أنه "يعطيني شعوراً بالقوة لي، وللناس من خلال شكله"، ويوضح أنّه كان "بحاجةٍ لهكذا عنصر يمكن أن يكسر مشهد الضعف البشري الملموس في المعرض، والشعور بالجفاف التعبيري في مشهديّة المعرض، فكان الثور دعامةً في مكانٍ ما، وتعبيراً عن القوة والدفاع عن النفس".
كما يتكرر مع الأعمال مشهد ساعة الوقت، يفسّر حرب ذلك بأنَّ "الوقت هو عنصرٌ مضافٌ على نصّي التشكيلي الذي يغني المشهدية".
بطاقة تعريف
جوزيف حرب هو فنان لبناني، وُلِدَ سنة 1964، يحمل إجازةً من معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية، وحصل عام 1996 على منحة لدراسة الفن في فرنسا، بالتعاون بين "الألبا" والمعهد الثقافي الفرنسي.
وهو عضو في "الجمعية اللبنانية للرسم والنحت"، وفي "صالون الخريف" في متحف سرسق في بيروت. يُدرّس الفنون في الجامعة اللبنانية، والألبا، وجامعة الكسليك.
شارك في عدّة معارض جمعيّة في لبنان، وفي دبي وأبو ظبي وباريس ومدن أوروبية أخرى، وله 6 معارض فردية.