معرض "الخيال والواقع": ثنائية فنية حول الطبيعة
الطبيعة والتحديات المعاصرة التي تواجهها، محور معرض "مساحات العقل: الخيال والواقع"، الذي يقدّم فيه فنانة من لبنان وآخر من هنغاريا رؤيتيهما المختلفتين حوله.
الطبيعة، البيئة، الصخور، الأشجار، المياه، وسواها من عناصر الطبيعة، مع ما تتعرض له من انتهاكات، هي مادة المعرض الثنائي للفنانة اللبنانية تمارا حداد، والهنغاري زيلارد هوزانك، اللذان تحتل أعمالهما مساحات العرض في غاليري "تانيت" في بيروت، تحت عنوان "مساحات العقل: الخيال والواقع".
يطرح المعرض هاجس الطبيعة والبيئة، من منطلق خطورته المقلقة والمستفحلة، ويُقدّم وجهتي نظر مختلفتي الأداء لموضوع واحد، يحمل مقاصد مشتركة في لوحاتٍ رُسِمت بنهجين مختلفين، لكن اختلافهما من النوع الذي يجعل أحدهما مكمّلاً للآخر.
فرض النهجان المختلفان ثنائية شكلية طاغية في المعرض: الجمال والدمار، الواقعية والخيال، التصوير والتجريد، الموروث وغير التقليدي.
لوحات تمارا حداد: إيحاءات مشهدية طبيعية
أعمال تمارا حداد لوحات يجتمع فيها التجريدي والانطباعي، فالمُشاهِد ليس أمام مشهد معيّن، بقدر ما هو أمام إيحاءات مشهديّة مستمدّة من الطبيعة بتجليات متعدّدة، كالصخور والوديان وشلالات المياه والحرائق والمناجم، وغيرها، التي تقدّمها بشكل تجريدي يلامس مشهديّات الأعمال الانطباعية، ولا يغوص فيها.
إلا أن الفنانة آثرت أن تجمع في لوحاتها عدداً من المتعارضات، شكلًا ومضموناً، مستخدمة في ذلك ألواناً زاهية، متناغمة، تحافظ على جمال الطبيعة، حتى لو تناولت مشاكلها وتشوهاتها وما طاولها من تجريح، وتنجح في التعبير عن إصرارها على جمال الطبيعة، وهذا ما يُلاحظ في اللوحات التي عبّرت عن الحرائق والمناجم والمياه المتدفقة.
في حديثٍ لها مع "الميادين الثقافية"، أوضحت الفنانة تمارا حداد أنها تشتغل على مشاكل البيئة والطبيعة، وقالت: "في الوقت عينه أُركّز على جمال الطبيعة، ونحن نعرف مدى التشوهات التي لحقت بالأرض جرّاء استغلال الإنسان لها، واستهلاك مواردها، مثل الفحم والنحاس والرخام، والمياه وسواها من مواد".
وأضافت: "يلفتني بحسرة كيف تُحفر الأرض لإنشاء مناجم الفحم والرخام والنحاس والحديد، ومختلف المواد التي يأخذها الإنسان ويفرغها من الأرض، وفوق ذلك يلوّث البيئة، ويقطع الأشجار، ويحرق الغابات... إننا نسيء للبيئة جدّاً من دون أن نشعر بذلك".
وعلى الرغم ممّا تعرّضت له الأرض من تشوهات، فإنها "لا تزال تحتوي على جمال كبير، فيما تحتويه من صخور وبحور وألوان متنوّعة، لا نزال نراها في الطبيعة، ونقدّرها في الوقت عينه، بحسب حداد.
تستخدم حدّاد في عملها وتقنياتها مواد من الأرض والطبيعة، كالرمل وقشور الشجر والحصى والقش والقضبان والأغصان مع الزيت.
وُلِدت الفنانة تمارا حداد في بيروت سنة 1982. تخرجت من جامعة "الألبا" في العاصمة اللبنانية، ونالت درجة الماستر سنة 2005 في مجال الإعلان. بدأت تمارس الرسم كهواية ابتداء من العام 2004، إلى أن هجرت العمل الإعلاني وتفرّغت للرسم منذ العام 2011.
بدأت المشاركة في معارض جماعية ابتداء من العام 2007، داخل لبنان وخارجه، وحازت على الجائزة الثانية لأفضل عمل فني في الرسم في غاليري "ماغازين" في العام الماضي. كما أقامت عدة معارض فردية، منها معرضها في المركز الثقافي الفرنسي في بيروت (2013)، وآخر في غاليري "تانيت" (2021)، وفي العاصمة القطرية الدوحة في وقتٍ سابقٍ من هذا العام. تحضر البيئة والطبيعة بشكل دائم في أعمالها.
لوحات زيلارد هوزانك: كولاج للمناظر الطبيعية
يستخدم زيلارد هوزانك تقنية الطبقات لتشكيل مساحاته الحرجية وتكوينها، والتي يشير إليها باسم "كولاج للمناظر الطبيعية".
تقصّد هوزانك تجميع المناظر الطبيعية بطريقة خاصة جداً، بحيث تستعرض اللوحات تساؤلاته، وتحجبها في اللوحات الأخرى، بمجموعة زيتيات على كانفا.
كما يستعير هوزانك عناصر مألوفة من الطبيعة، مثل الفروع أو الأشجار أو الأوراق أو الجبال، ويجعلها مبهمة عبر استخدام الألوان الزاهية فيها، تاركاً المشاهد في حالة التباس، وعدم قدرة على استيعاب الصورة الكاملة.
ومن خلال هذه الألوان النابضة بالحياة، وغير الطبيعية في آن واحد، تُحوّل تصويرات هوزانك المناظر الطبيعية إلى حدائق ساحرة خيالية، كطبيعة بِكر لم يمسها أحد، وهو واقع بعيد جداً عن عالمنا الحضري، وعن مسارات الحياة البشرية الواقعية.
الفنان الهنغاري زيلارد هوزانك مولود سنة 1980. يعمل حالياً في ألمانيا. درس الفن في جامعة بودابست للفنون الجميلة، وفي المعهد العالي للفنون في مرسيليا، وأكاديمية الفنون في نورمبورغ بألمانيا.
تتأرجح أعماله بين التجريد والرمزية، وتتسم تلك التي يطغى عليها المنظر الطبيعي الشجري بحيوية وألوان متماوجة براقة، نابضة بالحياة، بالإضافة إلى إشارات مائية متتالية.
حاز على جائزة الفينيق للفن سنة 2016، وأقام العديد من المعارض بين هنغاريا وألمانيا، بين عامَي 2009 و2023. شكّلت أعماله مادة لـ5 مؤلفات بين 2014 و2022، أصدرتها دار "كيبر" (Keber).