معرض استعادي يحتفي بمؤسسي المدرسة الحديثة في الفن اللبناني

معرض "الرواد" يحتفي بالتشكيليين اللبنانيين الذي أسسوا الحداثة الفنية في بلادهم، ويعرض لوحات من مجموعاتهم الخاصة، وذلك في الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت.

  • ضمّ المعرض أعمالاً لروّاد النهضة الفنية اللبنانية التي بدأت أواخر القرن الـ19
    ضمّ المعرض أعمالاً لروّاد النهضة الفنية اللبنانية التي بدأت أواخر القرن الـ19

أحيا معرض "الرواد"، الذي أقيم في الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت، ذاكرة الفن التأسيسي للحداثة الفنية في لبنان، مركِّزاً على فنون شهدها مطلع القرن الـ20 وامتدت عقوداً من الزمن، ثم تطوّرت في حقول تجريب واختبار، وتنوّعت وصولاً لما نشهده اليوم من فنون تشكيلية.

ضمّ المعرض أعمالاً لروّاد النهضة الفنية اللبنانية، التي تُعرف بـ"المدرسة الانطباعية اللبنانية"، التي بدأها داود قرم أواخر القرن الـ19، وبرز من مؤسّسيها الأوائل حبيب سرور، واشتهرت منها أسماء عديدة، اختير 4 منها للمعرض الحالي، هم عمر الأنسي، مصطفى فروخ، قيصر الجميل، وصليبا الدويهي.

ساهم هؤلاء الروّاد، كلٌّ بطريقته، بتأسيس الحداثة الفنية التشكيلية اللبنانية، وحاول كل منهم إدخال عنصر جديد إلى الفن، وبناء تجربة خاصّة، لكنهم جميعاً اطّلعوا على المدارس الفنية الأوروبية، ونهلوا من تياراتها المختلفة.

ولا يمكن إغفال الدور الذي لعبه هؤلاء الفنانون في ترويج الثقافة الأوروبية، التي أطلق عليها اسم "الحداثة"، ومحاولة كسر التقليد.

نظّم المعرض الدكتور طوني كرم، مع مجموعة من المتعاونين، في جُهْدٍ مميز، حيث جُمِعت الأعمال الحيّة للفنانين من مجموعات خاصة ليست بمتناول الراغبين من المهتمين بالفنون.

وللمعرض أهمية في استعادته للفنانين الروّاد مجدداً، للتذكير بهم وبما قدموه، وتعريف الأجيال الجديدة على أعمالهم ومنجزاتهم.

مصطفى فروخ

  • لوحة
    لوحة "الحاج يعقوب" لمصطفى فروخ

من الفنانين المشاركة أعمالهم في المعرض مصطفى فروخ، وهو من مواليد بيروت سنة 1901. ترعرع فروخ في بيت متواضع في حي البسطة، تدرّب  في استوديو حبيب سرور، ثمّ توجّه نحو التخصص الأكاديمي في أكاديمية "ريجيا" (Regia) للفنون الجميلة في إيطاليا، وتخرج منها سنة 1927، ثم انتقل إلى باريس لينغمس في تيارات الفنون المنتشرة على يد بول أميل شاباس، وجان لويس فوران، وأمثالهما. وخلال وجوده في أوروبا، عرض فروخ أعماله في صالونات باريس، كما سافر إلى إسبانيا ليكتشف شغفه في فن العمارة الأندلسي.

أطلق فروخ في العام 1929 أول معرض فردي يشهده لبنان، وذلك في الجامعة الأميركية في بيروت. وقد أسس محترفه بعد عودته إلى بيروت سنة 1932.

  • لوحة
    لوحة "قهوة تركية" لمصطفى فروخ

في مرحلة الانتداب الفرنسي، أدخل فروخ الحداثة وفق ما اختبرها وفهمها، إلى المشهد التشكيلي اللبناني. 

شملت مواضيع أعماله العمل والجسد البشري والتأمل، وذلك كلّهربمحتوى إنساني. وعلى الرغم من أنه من خلفية مدينية، لكنّه ركز اهتمامه على الطبيعة، على غرار الانطباعية الأوروبية، فكانت طبيعة بلاده الغنية مادّة غزيرة ترفد أعماله بالأفكار والمشاهد العديدة.

كما رسم البيئة المبنيّة، بما فيها ساحات القرى، وهندسة بيروت المعمارية، وتراكيب فردية في مختلف المناطق كدير القمر وعين سعادة والعبادية. 

وكثيراً ما أنتج فروخ، الذي رحل في العام 1957، نسختين من المشهد ذاته، واحدة زيتية وأخرى مائية، مثل العرزال في ضهور الشوير سنة 1934. 

عمر الأنسي

  • منظر طبيعي لعمر الأنسي
    منظر طبيعي لعمر الأنسي

ومن الأسماء الشهيرة كذلك في "المدرسة الانطباعية اللبنانية" عمر الأنسي، المولود في بيروت سنة 1901. ساعد الأنسي على خلق الرسم الأيقوني اللبناني، ومناظره الريفية معروفة، وتأثر بوالده الثري الصيدلاني المنخرط بفن الرسم، وبانتماء والدته لبيت سياسي، فمزج في فنه سعة إطلاع وثقافة عالمية.

أول أستاذ للأنسي كان خليل الصليبي (1870-1928). وقد ساعده انضمامه لـ"الكشاف المسلم"، واختياره موقعاً جبلياً ريفياً لقضاء الصيف، للوصول إلى المناظر الطبيعية التي رسم الكثير منها على الطريقة الانطباعية، لكن بلمسات لون وضوء لبنانية خاصة.

بين عامَي 1923 و1927، عمل الأنسي في الديوان الملكي الأردني كمدرس للأمير عبدالله بن طلال، واهتم بشعوب المنطقة وثقافتها،  متنقّلاً بين سهل الحولة في فلسطين، ومنطقة السويداء في سوريا، والسكان البدو القاطنين في بيروت. ورفض تيارات حداثية كالسورياليّة والتعبيريّة والتجريد، ووصفها بـ"الذاتية والنرجسية".

سافر الأنسي إلى باريس في العام 1927، حيث تلقى دراسات لـ3 سنوات في أكاديميات متخصصة، منها Académie de la Grande Chaumière، وAcadémie Colarossi.

بعودته إلى بيروت سنة 1930، تعرّف إلى فناني عصره وتفاعل معهم، مثل يوسف الحويّك وجبران خليل جبران، كما أنّه درّس الفن.

نشر الأنسي وجهة نظره الفنية في الصحافة المحلية، وكان مؤسِّساً شريكاً لـ"جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت" سنة 1957، وعين عضواً في مجلس إدارة "متحف سرسق".

تابع أنسي سفراته الدولية في أربعينات وخمسينات القرن الماضي، وعرضت أعماله في ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا ومصر.

توفي الفنان عمر الأنسي سنة 1969 بعد معاناة مع المرض.

صليبا الدويهي

  • لوحة
    لوحة "دكان في الضيعة" لصليبا الدويهي

من فناني تلك المرحلة أيضاً صليبا الدويهي (1915-1994)، وهو مواليد إهدن شمالي لبنان. تدرّب على الرسم في محترف حبيب سرور، حين كان في الـ14 من عمره. وفي سن الـ17، التحق بالمدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة في باريس، وتخرّج بامتياز بعد أن فاز بجائزة المدرسة الأولى، وعرض أعماله في "صالون الفنانين الفرنسيين" (Salon des Artistes Français). 

عاد الدويهي إلى لبنان سنة 1963، وتابع عمله الفني. عُيِّن أستاذاً في "معهد الحكمة"، وبدأ بتفكيك الأشكال الهندسية للمناظر الطبيعية وإعادة رسم المحيط بأسلوب تكعيبي، اعتباراً من النصف الثاني من الأربعينات.

فس العام 1950، سافر الدويهي إلى نيويورك لتوسيع آفاقه في الفن العالمي، وتعرف في نيويورك على الكثير من الفنانين، أمثال Rothko, Hans Hofmann, and Reinhardt، من دون أن يلتحق بأية مجموعة أو حركة فنية، لكنه تأثر بعدة تيارات، فبدأ يكتشف التعبيرية التجريدية.

  • لوحة
    لوحة "بيت في إهدن" لصليبا الدويهي

أحب الدويهي الرسم على الزجاج، حيث كان يرى بأن الألوان على الزجاج هي أكثر توهُّجاً منها على "الكانفا"، ورسم 65 لوحة على الزجاج لكنيسة "سيدة لبنان" في ولاية ماساتشوستس سنة 1978.

ومع ابتعاده عن النمط اللبناني التقليدي في الرسم، بدأ الغوص في عالم التبسيط، فاستخدم ألواناً زرقاء وحمراء وصفراء مشبعة، وخلق أشكالاً بسيطة لعرض الجبال والوديان والقرى والأبنية ومشاهد طبيعية، اشتهر منها "وادي قاديشا".

شكلت نيويورك نقطة تحوّل لأسلوب الدويهي، لكنه ظل ملتصقاً بالمشهد الطبيعي اللبناني رغم تحولاته. 

أمضى الكثير من وقته بين باريس ولندن، قبل رحيله سنة 1994 في نيويورك.

قيصر الجميل

  • "منظر لبناني" لقيصر الجميّل

هو من قرية عين التفاحة. ولد سنة 1898، ومن الجيل الثاني للفنانين اللبنانيين الحديثين، المتميّز برسم المناظر الطبيعية والحياة الساكنة، باستخدام الزيت أو الماء أو الباستيل.وقد تأثّر بالانطباعية الأوروبية التقليدية.

درس الصيدلة في الجامعة الأميركية في بيروت، وفي الوقت ذاته تدرب في محترف الفنان اللبناني خليل الصليبي. سنة 1927، سافر إلى باريس لـ3 سنوات لمتابعة تطويره الفني الذاتي.

عاد الجميل إلى بيروت سنة 1930 متفرغاً لفنه. وبالإضافة إلى خصب إنتاجه على الورق، يعود له الفضل في تأسيس البنية التحتية للفنون البصرية، كعضو مؤسِّس في "لجنة الصداقة للمتاحف والمواقع الأثرية" سنة 1923، ومن خلال تدريسه في الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة (الألبا) سنة 1937.

  • لوحة
    لوحة "كرنفال" لقيصر الجميل

عرض الجميل أعمالاً فاتنة، وكان من اهتمامه رسم العري، كموضوع هام في التدريب الأكاديمي الأوروبي الذي كان سائداً في حينه.

عرض الجميل لوحاته داخل لبنان وخارجه، ونال جائزة أولى في "معرض كولونيال" في باريس سنة 1930. توفي في العام 1958.