مصر - حصاد الثقافة 2022: ترجمات بالعامية وأغلفة تثير الجدل
كيف مرّ عام 2022 على عالم الثقافة والمثقفين في مصر؟
مع نهاية عام 2022، تُوُفّي الناقد المصري، صلاح فضل. ربما رأى البعض في وفاته الخبر الأهم، لكن المتأمل في هذا العام تحديداً سيجده عاماً مليئاً بالأحداث الثقافية الساخنة والمفارقات التي ربما لن ننساها بسهولة، إذ لم يمر عام 2022 على الوسطين الإبداعي والثقافي في مصر من دون أن يترك علاماته التي لن ينساها كل متابع للمشهد.
بين "أغلفة موازية" وأغلفة نجيب محفوظ
بين "ترندات" السوشيال ميديا، ذات الطابع الثقافي، وبين قضايا حرية الرأي والجدليات الأبدية، عاش المثقفون سنة دسمة في عام 2022.
مع بدايات العام الجديد، اقترح المترجم المصري، محمد الفولي، فكرة بسيطة سمّاها "أغلفة موازية"، نفّذها على طريقة الكوميكس. وهي الطريقة الأشهر، والتي تساعد على ترويج منشورات مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصاً "فايسبوك".
الفكرة لقيت رواجاً كبيراً لم يتصوّره صاحبها، في أي حال، حتى إنه ظل "ترنداً" لمدة أسبوعين تقريباً، وهو ما لا يتحقق لكثير من "الترندات" في السوشال ميديا، في المواضيع السطحية والأكثر انتشاراً، فما بالك بأمر يخصّ المثقفين كجمهور نوعي له تركيبته الخاصة!
شارك في الفكرة كثير من الكتّاب المعروفين، بل ظل بعضهم ينشر في هذا الشأن بوتيرة يومية. ومنهم، على سبيل المثال، أحمد مراد وبلال فضل وآخرون. وانتشر "الترند" بقوة، حتى اقترن بصور من أفلام أو مسرحيات شهيرة وغيرها، مع دمجها باسم كتاب أو رواية يعبّر عنها، فيكون الأمر طريفاً بعض الشيء.
وإذا كان المثقّفون اتفقوا على "ترند" أغلفة موازية، ورأوه محتوى مميزاً وملائماً للمنصة التي تُنشَر فيه، فإنهم، في المقابل، لم يتفقوا على الأغلفة الجديدة لأعمال نجيب محفوظ في الدفعة التي أصدرتها "دار ديوان"،ـ في تموز/يوليو 2022.
كان اسم نجيب محفوظ في الأغلفة مكتوباً بطريقة غريبة، إلى درجة أن كثيراً من المثقفين كان يقرأه "بخيت محفوظ". وكذلك، جاءت لوحات الأغلفة مباشرة إلى درجة السطحية من وجهة نظر بعض الكتّاب، وقبيحة من وجهة نظر آخرين.
في المقابل، فإن البعض اختار الدفاع عن تجربة "دار ديوان" بصفتها تجربة جديدة، بكل ما في التجربة الجديدة من عيوب ومميزات، وأن من حقهم التعبير عن رؤيتهم تجربة محفوظ بالكامل.
أزمة ترجمة رواية "الغريب" لألبير كامو بالعامية المصرية
لم تغب العامية المصرية عن سطح الحدث الثقافي في مصر، حتى صارت العامية والفصحى جزءاً لا يتجزّأ من النقاش الثقافي الكلاسيكي المصري وأحد أسئلته.
كان الجميع يستعدّ لـــ"معرض القاهرة الدولي للكتاب" بالترويج لكتابه/روايته، بينما كان الكاتب هيكتور فهمي يتلقى هجوماً حاداً ودعماً غير محدود بعد اختياره ترجمة رواية "الغريب"، للفرنسي ألبير كامو، إلى العامية المصرية.
وقتها حاورنا هيكتور في "الميادين الثقافية"، وناقشناه في اختياره الذي لم يكن جديداً، بحيث سبقه في ذلك المترجم المصري عبد الرحيم يوسف، الذي نقل مسرحية شكسبير "حلم في ليلة نص الصيف" إلى العامية المصرية. لكن الجديد في أزمته كان اختياره تسميتها "اللغة المصرية"، مؤكداً أن هناك ما يسمى "اللغة المصرية"، التي تتكون من عدة طبقات، منها الهيروغليفي والقبطي والعربي، بحسب زعمه.
وفاة سيد القمني وعزاؤه من دون قرآن
اعتاد الوسط الثقافي بعض المعارك التي كان يخوضها المثقف المصري المثير للجدل سيد القمني، حتى صارت حلقات مناظراته مع عبد الله رشدي وغيره من شيوخ الأزهر من الأكثر رواجاً في المشهد الإعلامي المصري.
في عام 2009، فاز القمني بجائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية، وهو ما أثار حفيظة الإسلاميين. ومنذ ذلك الحين، لم يتوقف الطرفان عن الاستفادة من الأمر.
اللافت للنظر في وفاة سيد القمني لم يكن فقط معركة الترحم عليه من عدمه، بل امتدت إلى عزائه، بحيث أعلنت ابنته أنه طلب إليها ألّا تشغّل أي جهاز تنطلق منه آيات القرآن الكريم.
يُذكر أن القمني له عدد من المؤلفات، من بينها "أهل الدين والديمقراطية"، "الجماعات الإسلامية: رؤية من الداخل"، "قصة الخلق"، "الأسطورة والتراث"، وغيرها.
السرقات الأدبية والفنية تهيمن على العام
في تموز/يوليو، الساخن للغاية في مصر، كان المناخ مهيَّأً لاستقبال أكثر القضايا سخونة عادة، وهي قضايا السرقات الإبداعية.
بدأت الحكايات، التي لم تتوقف قبل وقت قصير، بالقطع الباتّ بشأن سرقة غادة والي تصاميم إحدى محطات المترو في القاهرة (كلية البنات)، حين كتب الفنان التشكيلي الروسي، غيورغي كوراسوف، عبر صفحته في "فيسبوك"، قائلاً: "استُخدِمت لوحاتي في مترو أنفاق القاهرة من دون إذني، وحتى من ذكر اسمي. أنتظر ردّاً رسميّاً بشأن هذا الأمر".
كانت الأمور انطلقت من اتهام الكاتب والباحث السوري، هوشنك أوسي، للروائي المصري طارق إمام، في روايته "ماكيت القاهرة"، بأنه اقتبس بعض الأفكار بالكامل من أعمال أخرى. وذكر من ذلك عدة أمثلة في الرواية، في الصفحات الـ2، الـ30، الـ31، الـ388، الـ389. وأشار إلى أنه اقتبسها، عبر أكثر من طريقة، ومن أكثر من مصدر.
وقتها تولى كثيرون الردّ والدفاع عن رواية طارق إمام، كما قام طارق ذاته بالرد على أوسي عبر وسائل متعدد، في "فيسبوك".
في الوقت ذاته، كان الشاعر عادل صابر يستعد ليتلقف راية "الترند"، حين اتهم الفنان أكرم حسني بسرقة كلمات أغنية "للي" من مربعات الواو الصعيدي، التي يكتبها صابر.
بدأ الأمر بمنشور من القاصّ أحمد أبو دياب، الذي أشار إلى سرقة أكرم حسني كلمات عادل صابر، الذي أوضح وقتها، في أكثر من برنامج، أن ما فعله أكرم حسني يُعَدّ سرقة أدبية قولاً واحداً. فالكوبليه الأول، وفق منظوره، هو في سرقة بطريقة اسمها نحت، "يعني الشخص يشيل حاجات لكن يرجع لنفس القافية والمربع لكن يغير في الكلمات... أنا كاتب صنف الطحين يتعرف من رده، وإن كان سؤالك قبيح هيبان من رده، كل البلايا لازم يكون لها أسباب، واللي فتح باب خراب واجب عليه رده، فطبعاً هم نحتوا حتى دخلوا الغصن الأخير زي ما هو".
الحرية لعلاء فرغلي وخالد لطفي وأمينة عبد الله و"عصير الكتب"
دخل الوسط الثقافي المصري، في عام 2022، بقرار منع دار نشر "عصير الكتب" من المشاركة في معرض القاهرة الدولي للكتاب، بعد أن كتب الصحافي، سامح فايز، في أكثر من موقع إخباري، بشأن نشر "عصير الكتب" مؤلفات الإخوان المسلمين. وظهر وقتها في مداخلة هاتفية مع برنامج «حقائق وأسرار» عبر قناة "صدى البلد"، وذكر الكلام ذاته.
حينها، قرر قطاع عريض من جمهور الدار من الشبان أن يقاطع "معرض القاهرة الدولي للكتاب"، وخصوصاً بعد أن قررت "عصير الكتب" أن تقيم وقتها معارض بديلة للكتاب في عدة محافظات مصرية.
أُسدل الستار على هذه الأزمة عبر إعلان الكاتب والمحامي أدهم العبودي فوز مكتبه بإعادة حق دار "عصير الكتب" وكاتبها أحمد خيري العمري ضد الصحافي سامح فايز، بالإضافة إلى غرامة 10 آلاف جنيه على الصحافي المصري المتخصص بشؤون الجماعات الدينية، بعد أن حكمت المحكمة بأن ما وقع يُعَدّ إساءات واتّهامات مُرسلة من جانب الثّالث، تُعَدّ من جرائم السبّ والقذف والتشهير.
لم يفق الوسط الثقافي من ذلك حتى صدر قرار منع رواية ممر بهلر، والذي أعلنه مؤلف الرواية علاء فرغلي في صفحته عبر "فيسبوك"، حين كتب إن ثمة "خبراً سيئاً ومؤلماً وحزيناً، أنا مضطر إلى إعلانه. روايتي ممر بهلر ممنوعة من التداول في مصر منذ صدورها في يوم 24 (كانون الثاني/)يناير حتى الآن".
وقتها، لم يعرف فرغلي متى يمكن أن تنتهي هذه الأزمة، وربما سلم وقتها بأن الرواية لن ترى النور مرة أخرى، لكن حدث ما لم يتوقعه،ب حيث تم تداول الرواية في "معرض الرياض الدولي للكتاب". وبالفعل، تم تداول الرواية بين عدد من أصدقائه الكتّاب والمعنيين بالشأن الثقافي، الذين شاركوا في المعرض.
بعد انتهاء أزمة رواية "ممر بهلر" بنحو شهر، انفكّت عقدة الأزمة الأشهر خلال السنوات السابقة والمتعلقة بحبس الناشر خالد لطفي، صاحب "دار ومكتبة تنمية".
كان حكماً بالحبس 5 أعوام صدر ضد لطفي في تشرين الأول/أكتوبر 2018، وفي شباط/فبراير 2019 تم تأييد الحكم. وفي 24 كانون الأول/ديسمبر صدر الحكم القاضي برفض النقض وتأييد الحكم. وقتها، انطلقت عدة دعوات كتبها الصحافيون المعنيون بالشأن الثقافي، مثل سيد محمود وخلف جابر وإيهاب الحضري وغيرهم، مطالبين بضرورة الإفراج عن خالد لطفي.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2022 أفرجت الجهات الرسمية عن خالد لطفي، المحبوس على خلفية نشره ترجمة عربية للكتاب الإسرائيلي "الملاك: أشرف مروان"، وذلك عن طريق لجنة العفو الرئاسي في مصر، وبالتنسيق مع الجهات المعنية بالدولة.
لكن، في الوقت الذي كان يستعد الكاتب خالد لطفي للخروج من محبسه، كانت الشاعرة أمينة عبد الله تَمْثُل أمام النيابة العامة بتهمة ازدراء الأديان، كأنها حلقة مستمرة لا تكاد تنتهي.
تغيير قيادات ثقافية رسمية
قبل انتهاء عام 2022، وصلت وزيرة الثقافة الجديدة، الدكتورة نيفين الكيلاني، إلى مكتبها في مقر الديوان العام للوزارة، لتباشر عملها بصفتها وزيرة للثقافة خلفاً للفنانة إيناس عبد الدايم.
لم يكن هذا التغيير هو الوحيد في مستوى القيادات، بحيث صاحبه تكليف أحمد بهي الدين أعمالَ رئيس "الهيئة العامة المصرية للكتاب"، وكذلك أُعفي شوكت المصري، الأستاذ في المعهد العالي للفنون، من مهمته مديراً عاماً للنشاط الثقافي لــ "معرض القاهرة الدولي للكتاب".