ما سرّ غياب المنطقة الشرقية عن الدراما السورية؟
نجوم ومخرجون وكتّاب سيناريو ينحدرون من المنطقة الشرقية في سوريا، لكن رغم ذلك تبقى هذه المنطقة شبه غائبة عن الخارطة الدرامية السورية.. ما السرّ؟
منذ أن خرجت الدراما السورية من الاستديوهات الداخلية في مبنى الإذاعة والتلفزيون، وانتقلت إلى الأماكن العامة مستفيدة من الطبيعة السورية ببحرها وسهولها وصحرائها، حجزت مكانة متقدمة في الدراما العربية، وتصدرتها لسنوات عديدة، قبل أن تتراجع بفعل الحرب السورية ثم تعود إلى الواجهة مؤخراً.
أنتجت الدراما السورية خلال أكثر من 70 عاماً أعمالاً درامية وسينمائية تركت بصمة مهمة، لنقلها للبيئة السورية، وخاصة باللهجة الشامية المحببة والمفهومة لدى غالبية الدول العربية، ما أعطاها أفضلية على دراما البلدان الأخرى، وجعلها تتصدر المشهد الدرامي العربي لسنوات طويلة.
وعندما خرجت هذه الدراما عن البيئة الشامية، باتجاه بيئة أهل الساحل، كما حصل في مسلسل " ضيعة ضايعة" بجزئيه الأول والثاني، إضافة إلى بيئة المحافظات الجنوبية، من خلال مسلسل " الخربة"، وحتى في البيئة الحلبية كمسلسلات "خان الحرير"، و"باب الحديد" وغيرهما، استطاعت هذه الأعمال أن تحجز مكانتها في موسم عرضها الأول على الأقل.
لكن في مراجعة بسيطة لغالبية المسلسلات والأفلام السينمائية التي عرضت خلال 50 سنة، نلحظ غياب أي أعمال درامية تجسّد بيئة المنطقة الشرقية بمحافظاتها الثلاث: الحسكة، ودير الزور، والرقة، إلا بعض المحاولات عبر أعمال كانت في غالبيتها قصيرة كمسلسل "البيادر" و"الوسيط" بطولة الفنان الراحل فؤاد الراشد، و"الحيار" للكاتب لؤي عيادة، وجميعها مُثّل في دمشق.
هكذا بقيت المنطقة المذكورة غائبة عن الشاشة رغم وجود فنانين مهمين ينحدرون من المنطقة الشرقية، مثل: الراحل عبد الرحمن آل رشي، واسكندر عزيز، وميلاد يوسف، ورامز عطا لله، وعادل علي، وعبود الأحمد، ومحمد آل رشي، ويزن السيد، وزامل الزامل، فضلاً عن كتّاب سيناريو نذكر منهم هوزان عكو (من أعماله "الهيبة"، "أسعد الوراق")، وإسماعيل خلف (من أعماله "أحلام الفتى يقظان") وعدنان العودة (من أعماله "فنجان الدم"، "يا مال الشام")، وصولاً إلى مخرجين كغزوان بيريجان ومحمد عبد العزيز وآخرين.
حول هذا الغياب، يرى الكاتب والمخرج إسماعيل خلف في حديث مع "الميادين الثقافية" أن: "السبب الرئيسي لغياب بيئة المنطقة الشرقية في أي عمل درامي متكامل أو جزء من عمل درامي، هو عدم جرأة المنتجين على تبنّي هذه البيئة وتجسيدها في أعمال درامية، مع غياب السيناريوهات المناسبة رغم وجود كتّاب"، مشيراً إلى أن "محافظات المنطقة الشرقية وخاصة الرقة كجغرافيا، كانت مكاناً لتصوير العديد من المسلسلات التاريخية، ولكننا لم نرَ حتى الآن عملاً خاصة بهذه المنطقة الشرقية ويصوّر فيها، باستثناء عمل قصير حمل اسم النهر سلطان".
ويبيّن خلف أنه "غالباً ما يعبّر عن ابن هذه المنطقة باللهجة البدوية، باستثناء مسلسل خريف العشاق للكاتبة ديانا جبور الذي جسّد إحدى الشخصيات باللهجة الديرية".
ورأى خلف أنه "في سنوات الحرب الأخيرة، باتت هذه المنطقة الشرقية خصبة درامياً، من خلال وجود العديد من القصص والحكايا نتيجة تعرّضها للإرهاب كما حصل في احتلال داعش للرقة وهجماته على الحسكة وحصاره لدير الزور"، معتبراً أن "محاولة المؤسسة العامة للسينما بتجسيد حصار الفرقة 17 في فيلم الرحلة 17، كان لفتة مهمة لوجود الكثير من القصص والحكايا الغنية درامياً في هذه المنطقة وتستحق الإضاءة عليها".
وتعد المنطقة الشرقية ضعيفة نسبياً بالممثلين التلفزيونين، نظراً لكون غالبية فناني المنطقة ابتعدوا عنها جغرافياً، واختاروا الإقامة في دمشق واندمجوا في بيئتها، مع ارتباطهم العائلي أو التاريخي بمسقط رأسهم وهو ما يعد عاملاً إضافياً لغياب هذه المنطقة عن الأعمال التلفزيونية.
من جانبه، يؤكد الفنان عبود الأحمد (جسّد شخصية المتصرف في مسلسل العربجي)،أن "المنطقة الشرقية بعيدة عن الدراما رغم وجود ممثلين ونجوم، لكن من دون اعتراف صناع الدراما بذلك".
وأشار إلى أنه ناقش العديد من المنتجين والمخرجين والكتّاب حول أسباب هذا الغياب، موضحاً أن "غالبية الآراء اتفقت بأن غياب الجهة المموّلة وعدم وجود شركات إنتاج مهتمة، وغياب النص المناسب، تعد من الأساسيات في تبرير هذا الغياب".
واعتبر صاحب دور العميد سيف في مسلسل "كسر عضم"، أن "ما يعيب الدراما السورية اختزالها بدمشق وحاراتها ورفض الخروج باتجاه بيئة المحافظات الأخرى"، لافتاً إلى أن "أنجح الأعمال الدرامية المصرية تلك التي خرجت من أسوار القاهرة والإسكندرية باتجاه الصعيد وباقي المحافظات".
ورأى الأحمد أن "التحوّل باتجاه بقية المحافظات السورية سيكون عامل تجديد وإغناء للدراما وإخراجها من النمط الذي تكرّر في السنوات الأخيرة".