كيف نهضت اليابان صناعياً واقتصادياً؟
كان حافز النهوض باليابان هو الشعور القومي لدى اليابانيين ورفعهم لشعار "بلد غني وجيش قوي".
يقدم لنا الكاتب كيئنيتشي أونو كتابه الذي حمل عنوان "التنمية الاقتصادية في اليابان"، وهو عبارة عن مجموعة من المحاضرات التي قام الكاتب بإلقائها في المعهد العالي للسياسات القومية في طوكيو في الفترة بين عامي 1990 و2004، أمام مجموعة من الطلبة القادمين من الدول النامية.
نقل الكتاب إلى العربية د. خليل درويش ونشرته دار الشروق.
يشرح الكتاب الطريق الذي قطعته اليابان كدولة نامية في ثلاثة عشر فصلاً.
التحديث للدول الوافدة الجديدة
في هذا الفصل يشير الكاتب إلى أنَّ التحول العظيم لليابان حدث بسبب الصدمة الخارجية (مواجهة الغرب ـ تقليد الغرب)، لكن ما ساعد اليابان على ذلك مرونة الشعب الياباني، وامتصاصه العديد من العناصر التي تحوي على تناقضات مختلفة واستخدامها بحسب الظروف، بالإضافة إلى قرب اليابان من الحضارات العظمى وقدرته على امتصاص الإنجازات الثقافية لهذه الحضارات ومزجها مع الثقافة الداخلية من دون أن تلغي خصوصيتها، غير أن اليابان هي الدولة الوحيدة غير الأوروبية التي انتقلت إلى التصنيع بشكل كامل مثل الغرب، وتخلفت عن المملكة المتحدة بين عامي 1639 و1854 بسبب العزلة عن العالم الخارجي.
حدثت عملية التطور في اليابان نتيجة التفاعل الديناميكي بين النظم الداخلية والخارجية، أي سلكت اليابان طريقة التصنيع نتيجة استجابة العديد من الفعاليات الداخلية بمن في ذلك الحكومة والمجموعات والأفراد للصدمات والتأثيرات الوافدة من الخارج.
عصر ايدو والشروط المسبقة للتصنيع
تناول هذا الفصل الظروف الواقعية السائدة في اليابان خلال عصر ايدو عامي (1603 و1876) التي مكّنت البلاد من تحقيق التحول السريع في نهاية القرن التاسع عشر وخلال القرن العشرين.
بدأت قصة التطور الاقتصادي لليابان في عهد ايدو بسبب الكثير من الظروف المؤدية لعملية التصنيع والتحديث اللاحقين في هذا العصر وهي:
- التوحيد السياسي والاستقرار.
- التنمية الزراعية: حيث تطور القطاع الزراعي كماً وكيفاً.
- تنمية قطاع المواصلات وظهور الأسواق القومية الموحدة، وتطور النقل، وافتتاح الشواطئ البحرية الأساسية.
- ازدهار التجارة والتمويل وظهور الطبقة الثرية.
- ظهور الصناعات السابقة على التحديث، مثل الصناعات اليدوية والغذائية.
- ارتفاع مستوى التعليم، وهو ما يشار إليه على أنه السبب في التصنيع السريع في الفترات اللاحقة حيث شملت حمى التعليم البلاد بأكملها.
استيراد واستيعاب التكنولوجيا
عندما تم إنهاء العزلة التي فرضت على اليابان بين عامي 1639 و1854 وفتحت الموانئ فوجئ اليابانيون بتقدم الغرب الصناعي وتخلفهم كدولة زراعية، فاهتز اعتزازهم بنفسهم حيث كان شعارهم القومي (دولة غنية وجيش قوي). ولتحديث اليابان وضعت حكومة ميجي أمامها ثلاث أهداف:
1-التصنيع
2-إنشاء دستور وطني
3-التوسع الخارجي (التحديث العسكري).
وفي هذا الإطار أرسلت اليابان بعثة إلى الولايات المتحدة الأميركية بين عامي 1871 و1873، هذه البعثة فشلت في تعديل المعاهدات غير المتكافئة مع الغرب، ونجحت جزئياً في دراسة التكنولوجيا والنظم الغربية. وقد كان أحد أعضائها توشيميتشي أوكوبو الذي كان متأثراً بالتكنولوجيا الغربية وشغل منصب وزير للمالية، وشملت سياساته تشجيع المستشارين الأجانب، وإقامة المعارض الصناعية الداخلية، وبناء الطرق وإقامة السكك الحديدية، ومراكز البحوث الزراعية. إضافة إلى إقامة العديد من المصانع المملوكة للدولة وذلك في الصناعات الحربية، ومصانع الغزل وصناعة الحرير وبناء السفن والتعدين.
ورغم اغتياله عام 1878 استمر مؤيدوه في اتباع سياسته.
شهد عهد ميجي ولادة العديد من جماعات الأعمال والمشروعات التي بقيت وامتدت حتى الفترة الراهنة.
نهج ميجي في التصنيع
نجح القطاع الخاص في عهد ميجي باستيعاب التكنولوجيا على مستوى واسع بدعم حكومي، كما نجح الإحلال محل الواردات في صناعة القطن بالإضافة إلى تنمية متوازنة للقطاعين الحديث والتقليدي، إذ كانت اليابان مصدراً للمواد الأولية (غزل الحرير-الشاي-الحبوب-الفحم-المعادن-المنتجات البحرية).
أما الواردات فقد كانت السلع تامة الصنع (الملابس)، ثم أصبحت نتيجة الإحلال(خيوط القطن) ثم القطن الخام.
وعملت حكومة ميجي على نقل التكنولوجيا الغربية إلى اليابان من خلال المستشارين الأجانب وتدريب المهندسين اليابانيين ونقل التكنولوجيا وتهجينها (مزج التكنولوجيا المستوردة من الغرب مع التكنولوجيا التقليدية) بأسلوب مناسب على مستوى واسع بدعم حكومي.
وبشكل عام فإن ما ميّز عصر ميجي هو:
1- تطور صناعة القطن ونجاح اليابان في غزل القطن بدل من استيراده.
2- ظهور شركات التصنيع (تصنيع السفن-عربات النقل-الأسلحة البحرية-والصناعات الكهربائية وغيرها...).
3- ظهور شركات إنتاج قاطرات السكك الحديدية وتأميمها من قبل الحكومة.
تطور الصناعات الرئيسية في اليابان
يورد الكاتب أهم الصناعات التي كانت قائمة في عهد ميجي، ومسار تطورها كما يلي:
1-صناعة الحرير: كانت صناعة الحرير تقليدية، ومع انتشار التجارة الخارجية في منتصف القرن التاسع عشر، شهدت انتعاشاً كبيراً حيث استبدلت العمالة اليدوية بآلات الغزل، وبعد أن كان إنتاج الحرير عملاً جانبياً يقوم به المزارع أصبح يعتمد على الآلات الحديثة في المصانع.
كان الحرير السلعة التصديرية الأولى طوال قرن من الزمن، وكانت صادرات الحرير مصدراً ثابتاً للعملات الأجنبية الأمر الذي ساعد في عملية التصنيع.
2-صناعة القطن التقليدية: اعتمدت على الأنوال الخشبية والعمالة المنزلية، وكانت أقل كفاءة بكثير مقارنة بالتكنولوجيا الغربية. وكان الأسلوب يعتمد عادةً على التسليم النهائي (عقد بين التاجر ومصنع منزلي). وقد استمر هذا الأسلوب رغم تدفق الواردات البريطانية والتكنولوجيا الحديثة لأسباب عدة، منها:
1- ازدياد الطلب على المنتجات القطنية.
2- الاختلاف بين المنتجات القطنية البريطانية واليابانية.
وبنهاية عهد ميجي بدأت الآلات في الدخول على القطاع التقليدي بسبب الحاجة إلى تحسين الكفاءة في مواجهة الأجور المتزايدة، وتدهور معدلات التبادل وتحديداً فيما يتعلق بتناقص ثمن المنتج بالنسبة للمدخل.
3-صناعة القطن الحديثة: استوردت الحكومة اليابانية كميات كبيرة من غزل القطن وأنشأت شركات حكومية لكنها لم تنجح تجارياً بسبب نقص رأس المال وصغر الحجم واستخدام الطاقة المائية وقلة الخبرة. إلا أن نجاح هذه الصناعة تمثل بنجاح شركة "أوسكا للغزل" وكانت شركة مساهمة مشتركة ضمت كبار التجار وحصلت على القروض من البنك الوطني لتأمين رأس المال. واستخدمت القاطرات التي تعمل بالبخار، وجذبت العمالة بسهولة بسبب موقع الشركة في منطقة حضرية.
وظهرت بعدها العديد من مصانع الغزل التي استفادت من شركة أوساكا متخذة بعين الاعتبار أن القدرة التنافسية تتوقف على اختيار التكنولوجيا الملائمة والتي تشمل الموقع والحجم ونمط التشغيل.
وقد واجهت صناعة القطن الحديثة مشكلتين:
1-الركود الذي وصل إلى قمته عام 1900.
2-تعارض المصالح بين الملكية والإدارة فالملكية للأثرياء الذين أرادوا الحصول على عائدات سريعة والإداريون من المهندسين الذين يعرفون التكنولوجيا وظروف السوق.
4-عربات وقاطرات السكك الحديدية: كانت نسبة 25% من العربات مستوردة، والباقي ينتج محلياً.
أما بالنسبة للقاطرات فقد كانت جميعها مستوردة، وفي عام 1900 اُختبرت أول قاطرة نتجت عن التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص، ودعمت الحكومة الشركات الخاصة بالتكنولوجيا ومدخلات الإنتاج والإدارة الإنتاجية والتدريب، مما أدى إلى تقدم هذه الصناعة.
5 –صناعة الآلات: هيمنت شركة الصناعات العسكرية المملوكة للدولة على صناعة الآلات، ومع نمو القطاع الخاص أصبحت مصانع السن وعربات السكك الحديدية هي الأكبر بين الشركات الخاصة. أما الصناعات متوسطة الحجم فشملت الأدوات الكهربائية.
6-بناء السفن: كان حوالى نصف السفن التي يتم بناؤها محلياً يقوم بشرائها مستهلكون محليون، أما الباقي فيتم إنتاجه للبحرية أو يصدر إلى الصين أو تايلاند ودول أخرى، ولم يكن إنتاج السفن للقوات البحرية مربحاً.
7-الآلات الكهربائية: هيمنت المولدات والمحولات على السوق اليابانية.
عهد ميجي.. الموازنة المالية والاقتصاد الكلي
شعرت اليابان بضرورة خلق منطقة نفوذ حول أراضيها لحماية مصالحها في مواجهة الغرب، وأشار رئيس وزراء اليابان في خطابه الشهير أمام أول برلمان ياباني إلى مسارين:
الأول حماية أسس السيادة والثاني حماية حدود المصلحة، وهو ما أدى إلى الحرب اليابانية-الصينية التي انتصرت فيها اليابان، ورغم ذلك شعرت اليابان بأنها أقل قوة من الصين.
وبقيت كوريا وشرق الصين تحت سيطرة روسيا، فاشتعلت الحرب اليابانية الروسية (1904-1905) وانتصرت اليابان وقامت بضم كوريا.
خلال هاتين الحربين تزايد الإنفاق على الجيش واتبعت الحكومة سياسة تنشيط الانفاق المالي، أما في فترة ما بعد الحربين فقد استمر الانفاق على الجيش وخاصة السفن الحربية والتوسع في بناء السكك الحديدية ودمج أعمال الصلب في ياهاتا، والاهتمام بأعمال البنية التحتية، بالإضافة الى بناء شركة قومية للتلفونات وإدارة تايوان والاستثمار فيها، وكذلك استمر الانفاق على التعليم الذي كانت تتعهد به الحكومات المحلية.
أما بشأن سياسة الصرف، فقد اعتمدت اليابان على الغطاء الفضي وبتراجع الفضة أمام الذهب أصر وزير المالية على ضرورة اتباع غطاء الذهب برغم المعارضة وتم تأمين الاحتياطات الأولية من خلال التعويضات المدفوعة من جانب الصين بعد الحرب اليابانية-الصينية، وبذلك أصبح الين ثابتاً أمام العملات الرئيسية.
كما تضمن عهد ميجي ترسيخ جذور النظام المصرفي مع تأسيس أول بنك مركزي لليابان (1882) الذي أصبح الجهة الوحيدة لإصدار العملات الوطنية، بالإضافة الى البنوك التجارية تم إنشاء بنوك متخصصة لتمويل المشاريع الاستثمارية.
وكانت مصادر تمويل صناعة ميجي ما قبل الحرب العالمية الثانية الشركات نفسها ومدخرات العائلات، والإقطاعيين، والمدخرات الأجنبية.
لم تكن حكومة ميجي تُرحب بالاستثمار الأجنبي المباشر أو الاقتراض لتمويل الصناعة، ولكن بعد الحرب اليابانية-الصينية ومع وضع معدل ثابت للتبادل واستخدام الغطاء الذهبي تغير الموقف وأصبح من السهل على اليابان إصدار صكوك أجنبية.
ولتجنب الكوارث المالية وعجز الإنفاق، طالبت مجموعة من رجال الأعمال الاقتراض من الخارج، وخلال السبع سنوات التي تلت الحرب اليابانية-الصينية أصدرت الحكومة صكوكاً بالنقد الأجنبي بلغ مجموعها 190 مليون ين، وبعد الحرب اليابانية-الروسية أصدرت الحكومة مرة أخرى صكوكاً بلغت قيمتها ممليون ين لمواجهة نفقات الحرب.
الحرب العالمية الأولى: الانتعاش وحالة الكساد
1-آثار الحرب العالمية الأولى: توقفت صادرات الدول الأوربية إلى العالم، وواجهت اليابان نقصاً حاداً في الآلات عالية المستوى ومدخلات التصنيع بسبب تزايد الطلب الداخلي، لكن التصاعد المفاجئ في الطلب العالمي على المنتجات اليابانية أحدث انتعاشاً للاقتصاد الياباني، إلا أن ذلك كان مؤقتاً واستمر طيلة سنوات الحرب الأربع فقط.
2-انهيار الفقاعة: ظل الاقتصاد جيداً حتى بداية الكساد عام 1920.
3-تطور الصناعات الثقيلة والكيمائية: بالرغم من الظروف الاقتصادية السيئة، ازدهرت الصناعات الثقيلة والكيمائية وكانت تنمو بقوة برغم الضعف النسبي للطلب الكلي. وتوسعت صناعة الصلب والكيمائيات والآلات الكهربائية والآلات المخصصة للاستخدام العام وآلات الحرير الصناعي، ومع حلول الثلاثينات من القرن العشرين أصبحت اليابان قادرة على إنتاج أغلبية الآلات كلياً.
4- تقلبات أسعار الصرف: بدأ تعويم الين الياباني عام 1917 وفكرت اليابان بالعودة الى نظام الذهب خلال أعوام 1919-1923-1927 لكنها فشلت.
5- دبلوماسية شيديهارا في العشرينات: كان وزير الخارجية الياباني شيديهار مقتنعاً بضرورة وجود علاقات حسنة مع الولايات المتحدة الأميركية، لكن هذه العلاقات قد تأثرت بسبب المهاجرين اليابانيين على شواطئ الولايات المتحدة، وانتُقدت سياساته لعدم التدخل العسكري في الصين. وفي عام 1931 حدثت واقعة منشوريا وبدأ الجيش الياباني في غزو شمال الصين من دون الرجوع إلى طوكيو.
أزمة شووا المالية عام 1927
1- مشكلة البنوك المؤسسية: تم إنشاء هذه البنوك لخدمة عدد قليل من منظمات الأعمال ولكن مع بطء النمو الاقتصادي بعد الحرب العالمية الأولى عانت هذه البنوك من مشكلة الديون المعدومة.
2- زلزال كانتو العظيم ومشكلة الأوراق المالية: في أيلول / سبتمبر 1923 حدث زلزال كانتو فأصاب الدمار مدينتي طوكيو ويوكوهاما بدرجة كبيرة، فقام بنك اليابان بمنح نوع خاص من قروض الطوارئ إلى البنوك التي تأثرت في تلك المنطقة وهذا الإجراء ساهم في حماية سوق المال اليابانية إلا أن هذه البنوك استغلت هذه السياسة في استبدال الديون المعدومة غير الناتجة عن آثار الزلازل بأموال سائلة.
3- شركة سوزوكي التجارية وبنك تايوان: بعد الحرب العالمية الأولى واجهت شركة سوزوكي التجارية مشكلة ديون مشكوك في تحصيلها، وطلبت من بنك تايوان الذي تتعامل معه منحها قروضاً لتتمكن من تجاوز الأزمة، لكن بعد التصعيد التراكمي لمشكلة الديون رفض بنك تايوان أي عمليات إقراض لسوزوكي.
3- بنك اليابان يطلب ضمان الحكومة: أُرغمت الحكومة على إصدار قانون خاص لمتطلبات بنك اليابان بعد رفضه أن يلعب دور المقرض، شمل ما يلي:
1- منح قروض لبنك تايوان من دون ضمانات حتى 1928.
2- تعويض الحكومة بنك اليابان عن الخسائر المرتبطة بهذه القروض بحدود 200 مليون ين، لكن المجلس الاستشاري رفض بشكل غير متوقع هذا المرسوم مما أرغم بنك تايوان على الإغلاق في 18 نيسان / أبريل 1927. وفي اليوم نفسه أُغلق بنك أومي المتخصص في مجال أعمال القطن، مما أدى إلى سلسلة من ردود الأفعال في صورة إعلان عن إفلاس بنوك أخرى في اليابان، فأمرت الحكومة البنوك بالإغلاق الطوعي وتعليق كل الالتزامات المالية لثلاثة أسابيع وعادت الأمور إلى مجرياتها الطبيعية بعد انتهاء فترة تعليق النشاط
3- تبعات أزمة البنوك: عملت الحكومة على دمج البنوك الصغيرة وغير الفعالة لتحديث القطاع المصرفي الياباني.
الثلاثينات واقتصاد الحرب
1-كساد عهد شووا (1930-1932): شهدت اليابان أشد حالات الانكماش الاقتصادي خلال هذه الفترة وذلك لعاملين أساسيين هما: خارجياً، انهيار بورصة وول ستريت أو ما أطلق عليه الخميس الأسود، وداخلياً سياسة الحكومة الانكماشية (حكومة حزب مينسيه) للتخلص من البنوك والكيانات الاقتصادية غير الفعالة.
2-عدم الاستقرار الاجتماعي وظهور الفاشية:
جرى التوافق بين تسييس الجيش وسيطرة المجموعات والأجنحة اليمينية لوضع أسس النظام الشمولي والتوسع العسكري بغاية الدفاع عن مصالح اليابان في منشوريا ومنغوليا.
3-حزب سيوكاي مقابل حزب مينسيه: هما الحزبان الرئيسيان في فترة ما قبل الحرب. فقد حزب مينسيه دعم مبدأ السوق الحر والتخلص من الوحدات غير الفعالة. أما حزب سيوكاي فقد دعم فكرة تفعيل السياسة النقدية والاستثمار العام في الصناعة.
4-الإرهاب السياسي وغزو الصين
في عام1937 بدأت الحرب اليابانية-الصينية والتي استمرت حتى عام 1945 وتحول الاقتصاد كلياً إلى خدمة أغراض الحرب وتم إقرار قانون التعبئة القومي، وتم تبني قانون الشركات الداعمة للمجهود الحربي.
واعتبرت اليابان أن الموارد القادمة من كوريا وتايوان ومنشوريا غير كافية فبدأ الجيش بغزو فيتنام مما أغضب الولايات المتحدة التي حظرت تصدير البترول لليابان وجمدت أرصدتها. وبعد الهدوم الياباني على بيرل هاربور، ألقت الولايات المتحدة قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما وناغاساكي ودخل الاتحاد السوفياتي الحرب ضد اليابان وبعد أيام قليلة استسلمت اليابان.
اقتصاد ما بعد الحرب (1945-1949)
1-الآثار المدمرة للحرب: بعد خضوع اليابان للاحتلال غير المباشر من قبل الولايات المتحدة، قدمت اليابان تقريراً عن الخسائر المادية النسبية خلال الحرب، حيث نجا ثلثا مخزون الآلات ومع ذلك توقفت المصانع الحيوية والسكك الحديدية. والسبب الرئيسي هو نقص المدخلات الصناعية وليس نقص الطاقة الإنتاجية.
2-نقص الإمدادات والتضخم: إن الاقتصاد الياباني بين عامي 1946 و1950 استطاع البقاء بسبب الدعم الحكومي والمعونة الأميركية. فقد عانت اليابان من التدهور في الإنتاج، وارتفاع البطالة وتفاقم عجز الإمدادات وانحدرت المعيشة إلى أدنى مستوياتها وتم توفير السلع الأساسية بالبطاقات.
3-المشكلات الرئيسية لعام 1946: قدمت ما تعرف باللجنة الخاصة للبحوث بوزارة الخارجية تقريراً بعنوان (المشاكل الأساسية في إعادة بناء اقتصاد اليابان) تضمن جزئين:
الأول: يقدم تحليلاً للواقع العالمي الجديد والوضع التاريخي والجغرافي لليابان.
والثاني: يتضمن التركيز على الصناعات والتصدير في قطاع تلو الآخر.
وأوصى التقرير بأن إعادة البناء يجب أن تعتمد على التصنيع والتطور التكنولوجي وعلى اليابان أن تتجه إلى الصناعات التي تعتمد على تكثيف العمالة الماهرة.
4-كيفية الحد من التضخم: فشلت محاولة وضع أسقف على المسحوبات من البنوك عام 1946 وبعدها تم اعتماد مداخل مختلفة منها:
1- قبول التضخم.
2- مدخل الصدمة (استقرار الأسعار بتعافي الناتج).
3- السياسة التدرجية (كبح التضخم بالاقتراض الحكومي والمساعدات الأميركية).
4- الصدمة المشروطة (زيادة الناتج باعتماد خطة توازي 60% من مستوى ناتج ما قبل الحرب).
5-نظام أولويات الإنتاج (1947-1948): اعتمد على تركيز المواد الخام النادرة في عدد من الصناعات الاستراتيجية لتعافي الاقتصاد.
واعتمدت اليابان على استيراد مواد محددة (الصلب-فحم الانثراكيت -الزيت الثقيل -المطاط والحافلات). وكان الفحم هو المصدر الطاقة والوحيد الذي يمكن توافره محلياً من حقول الفحم وأصبح شعار ضخ 30 مليون طن من الفحم نوعاً من أنواع الحملات القومية.
6-سياسة الولايات المتحدة في اليابان: كان هدف الولايات المتحدة من اليابان إنهاء عسكرة اليابان وإفقادها القدرة على إنتاج معدات حربية، ولم يكن مسموحاً ببناء الصناعات الثقيلة. ومع هذا فإن هذه السياسة لم يتم تطبيقها فقد قامت القيادة العليا لقوات التحالف بإدخال "الديمقراطية" من خلال:
1- حل جماعات زايباتسو (الشركات التي تسيطر عليها العائلات القومية).
2- قوانين جديدة للعمل.
3- إصلاح الأراضي الزراعية.
7-خطة دودج للتثبيت الاقتصادي: أرسلت الولايات المتحدة المصرفي جورج دودج إلى اليابان عام 1949 وكان لديه إيمان بالاقتصاد الحر وأطلق على حزمة سياساته (خطة دودج) تمثلت في:
1- وقف قروض الإنعاش.
2- إلغاء كل أوجه الدعم وزيادة الرسوم المحصلة على المرافق.
3- الوصول إلى موازنة صفرية شديدة الاتزان.
4- توحيد المستويات المتعددة لتبادل العملة على أساس 360 يناً للدولار الأميركي.
وقد نجح دودج في وقف التضخم ورغم ذلك حدث ركود اقتصادي، ومع بداية انكماش الاقتصاد الياباني اندلعت الحرب الكورية وكان تأثيرها إيجابياً. فقد استخدمت القوات الأميركية اليابان كقاعدة للإمدادات وإنتاج العديد من السلع العسكرية والمدنية.
وبذلك انتهى الركود سريعاً وبدأ اقتصاد اليابان في النمو وكان لجوزيف دودج الفضل في إنهاء التضخم وتثبيت أركان الاقتصاد.
عصر النمو الاقتصادي السريع
في بداية سبعينات القرن العشرين، كان متوسط نمو الاقتصاد الحقيقي 10% وأصبحت اليابان ثاني أكبر اقتصاد في العالم الرأسمالي واستعادت اليابان استقلالها السياسي بعد معاهدة سان فرانسيسكو للسلام عام 1951.
واتبعت اليابان سياسة الترشيد (تحسين الإنتاجية من خلال الاستثمار في التكنولوجيا الجديدة والآلات وإعادة تنظيم الإنتاج وأساليب الدارة الجديدة) إضافة الى استحداث بنك التنمية الياباني وبنوك أخرى.
ويعتبر عام 1960 عاماً حاسماً في تاريخ اليابان فقد استقالت الحكومة.
أما الحكومة الجديدة للحزب الليبرالي الديمقراطي فقد قادها هاياتوايكيدا.
2- إدارة الاقتصاد الكلي: في مجال الاقتصاد الكلي استخدمت سياسة تقييد النقد كوسيلة لمعالج الاختلال في ميزان المدفوعات. وفي عام 1952 انضمت اليابان إلى البنك الدولي وبدأت الاقتراض منه وأصبحت ثاني أكبر مقترض بعد الهند.
3-وزارة التجارة الدولية والصناعة وسياساتها الصناعية: تشكلت هذه الوزارة من خلال دمج وزارة التجارة والصناعة ووكالة الفحم ووكالة التجارة الدولية وكانت سياسة هذه الوزارة تعتمد على تشجيع الصناعات التي تتمتع بطلب عالمي متزايد.
4-إعادة الاندماج في الاقتصاد العالمي: مرّ الاندماج بعدة مراحل هي: نهاية الاحتلال الأميركي واستعادة الاستقلال السياسي 1951-عضوية صندوق النقد الدولي والبنك الدولي 1952- الالتحاق بGATI عام 1955- الانضمام الى منظمة الأمم المتحدة 1956- الانضمام الى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD عام 1964- خفض التعرفة الجمركية والانتقال الى نطام اكثر ليبرالية في التجارة.
النضوج الاقتصادي وتباطؤ معدلات النمو
مع بداية حقبة السبعينات، توقف النمو المرتفع للاقتصاد الياباني وانخفض المعدل السنوي للنمو ليصل الى ما يقارب الصفر خلال تسعينات القرن الماشي وهو ما أطلقت عليه الحكومة (النمو المستقر) بسبب:
1- نهاية مرحلة اللحاق بالدول المقدمة: لحق الاقتصاد الياباني باقتصاديات الولايات المتحدة وأوروبا وأصبح ناضجاً، أي جزء من العالم المتقدم ولم يعد هناك ما يحاكيه بل عليه أن يخلق أشياء جديدة ليستمر بالنمو. ومن الطبيعي أنه عندما تقوم بخلق المسار الخاص بك فإن ذلك سيكون أصعب وأبطأ من محاولة اللحاق بالآخرين.
2- صدمتان من أزمة البترول في فترة (1972-1974) وفترة (1979-1980): كلا الأزمتان بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط، الأزمة الأولى بسبب حرب 1973 حيث ارتفع سعر البترول وأسهم في ارتفاع الرقم القياسي لأسعار المستهلك، وعمل المواطنون على تخزين السلع وظهر ما يعرف بظاهرة (الأسعار الجنونية). وتخلت اليابان عن خطة تاتاكا (إعادة بناء الأرخبيل الياباني) والتي دعت إلى التوسع الكبير في الاستثمارات لبناء الطرق الرئيسية والسكك الحديدية لربط المناطق الريفية والحضرية ببعضها.
الصدمة الثانية كانت كرد فعل للثورة الإسلامية في إيران عام 1979 وهي ذات آثار أقل نسبياً على الاقتصاد.
3-السبب أم النتيجة: أثارت صدمات البترول جدلاً بين الاقتصادين وكانت هناك وجهتا نظر في هذا المجال:
الأولى صدمة العرض وقد تبناها كل من جيفري ساكس وميشيل برونو وباري بوسورث. وكانت نتيجة القوة السياسية لمنظمة الدول المصدرة للبترول.
وجهة النظر الثانية متعلقة بالنقود وتبناه كل من (هانز جنجرج والكسندر سوبودا ورونالدوماكتنون والتي تقول إن ارتفاع معدلات التضخم حدث بسبب التوسع النقدي العالمي والذي أدى إلى انهيار نظام الثبات في أسعار الصرف. وبذلك ارتفع عرض النقود في جميع الدول وأدى الفائض في السيولة العالمية الى إشعال أسعار السلع الاستهلاكية من قبل أن تحدث صدمة البترول الأولى. فالصدمة كانت نتيجة وليست سبباً للتضخم المرتفع، بحسب الكاتب.
4- تعويم العملات الرئيسية: اعتمد نظام بريتون رودز بصفة أساسية على الدولار، وحقق هذا النظام استقراراً في الأسعار العالمية للعملات، ومع ظهور التضخم العالمي في أواخر ستينات القرن العشرين، أعلن الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون أن الدولار لم يعد يرتبط بالذهب. ومع هذا الإعلان بدأ تعويم الدولار، وحاول العالم إعادة تثبيت العملات الرئيسية على أساس المعدلات الجديدة ولكنه فشل ودخل العالم مرحلة تعويم العملات الرئيسة منذ أوائل 1973.
5- الإصلاح المؤجل للنظام: ركزت الحكومة على معالجة الارتفاع الهائل بأسعار البترول وتعويم العملات الرئيسية بدلاً من التركيز على إصلاح النظام.
6- الاحتكاك التجاري مع الولايات المتحدة: سجلت اليابان في الثمانينات أكبر فائض تجاري فيما حققت الولايات المتحدة أكبر عجز تجاري عاماً بعد عام، فاستُخدمت مدخرات اليابانيين لتمويل الإنفاق الأميركي المتزايد. وقد شكل ذلك أكبر تدفق رأسمالي في الاقتصاد العالمي، ولكن من منتصف حقبة التسعينات كان الاقتصاد الأميركي في صعود فيما كان الاقتصاد الياباني في ركود، فاستمر الطلب الأميركي المعتاد لفتح الأسواق اليابانية وزيادة قيمة الين.
7- التوسع المالي والانكماش والتوسع مرة أخرى: منذ منتصف السبعينات وحتى نهايتها تم اتباع سياسة مالية توسعية عن طريق طرح سندات حكومية جديدة، وفي الثمانينات تبنت وزارة المالية اليابانية سياسة تقييد التوسع المالي من خلال تقييد الموازنة وإجراء استقطاعات كبيرة في النفقات، وعادت السياسة المالية إلى التوسع مرة أخرى لتشجيع الطلب المحلي، وفي أواخر الثمانينات بدأ التوازن المالي في التحسن.
ظهور فقاعة الأصول
منذ عام 1980، بدأ مؤشر الأسهم اليابانية بالارتفاع. ومع عام 1990، بدأت فترات الهبوط وكان هناك وجهتا نظر كل منهما أدى الى ارتفاع وانخفاض فقاعة الأصول: الأولى نتجت هيكلياً بسبب إجراءات تخفيف القيود على البنوك. والثانية تمثلت في التفسير النقودي لظاهرة الفقاعة.
1-الكساد والانكماش على امتداد العقد: ظل الاقتصاد الياباني ضعيفاً لفترة طويلة بعد انهيار الفقاعة (الازدهار) وفسر ذلك بمتغيرات منها:
-الطبيعة الدورية البحتة.
-الديون المتعثرة التي احتفظت بها البنوك.
-التحولات طويلة المدى في المجمع الياباني.
-ظهور الصين كمصنع للعالم ونزوح الصناعات اليابانية إلى الدول الأخرى.
2- الأزمة المالية والسياسة النقدية: في أوائل التسعينات عندما انهارت فقاعة الأصول دخلت البنوك اليابانية (التي تقرض المشروعات الصغيرة والمتوسطة والأصول العقارية) في مشكلات عدة وواجهت صعوبة في استجابتها لمتطلبات بنك التسوية المالية الدولية لكفاية رأس المال الذي يجب أن يشكل 80%من مخاطر الأصول. ومع أواخر عام1997 حاولت البنوك تحسين معدلات متطلبات كفاية رأس المال بتقليل الأصول ذات المخاطر المرتفعة لتجنب عدم القدرة على الالتزام.
واستجاب بنك اليابان للأزمة من خلال التوسع في السيولة النقدية بتبنيه سياسة الصفر لسعر الفائدة باستثناء رسم قليل جداً لعمولة فنية. ومع ذلك ظلت هناك ضغوطات على السلطات المالية للقيام بدور أكبر لحفز الاقتصاد، ومن أمثلة هذه الضغوط:
-زيادة عرض النقود وبشكل قوي وبأي وسيلة.
-استهداف التضخم باعتباره ضروريا ًلتغيير توقعات الناس.
-تخفيض سعر الين (وصلت احتياطات اليابان إلى 845 مليون دولار وكان أكبر احتياطي دولي في العالم).
3-السياسات المالية: اتجهت حكومة اليابان إلى التوسع كنتيجة للموقف الاقتصادي المتردي رغم الضغوط السياسية القوية للأخذ بسياسة التحفيز المالي. ويرى المعارضون للسياسة النقدية النشطة أن اليابان جربت عدة مرات ولكن الاقتصاد لم يتعافَ، كما أن الإنفاق التقليدي سيبقي الدين القومي متجمداً.
وتمت المطالبة بزوال النظام السياسي المعتمد على الحزب الليبرالي الديمقراطي وتأمين الأصوات من خلال الإنفاق النقدي نحو المؤيدين في الأرياف.
وفي ظل المشروطية التقليدية لصندوق النقد الدولي التي تتطلب الأحكام الشديدة من اليابان للموازنة، لم تكن اليابان بحاجة للاقتراض من صندوق النقد الدولي (بصفتها أكبر مقرض في العالم) وليست مضطرة لسماع نصائحه.
وفي نفس الوقت فإن الآلية السياسية الداخلية لن ينتج عنها أي بدائل سياسية لتغطية تحقيق الأهداف على المدى القصير وهذا أصل المشكلة التي تعاني منها اليابان في الوقت الحالي.
الخاتمة
سلكت اليابان طريق التنمية الاقتصادية مستفيدةً من التكنولوجيا المستوردة من الغرب، ومعتمدةً على مواردها، وقدرة الشعب الياباني على الاستجابة للمؤثرات الخارجية في مجال الصناعة والتكنولوجيا بطريقة ديناميكية لم تلغِ ثقافته وأصوله. وكان الحافز للنهوض باليابان هو الشعور القومي لدى اليابانيين ورفعهم لشعار(بلد غني وجيش قوي)، وفي كل مرحلة مصيرية من تاريخها كانت تستجيب بطريقة مناسبة للمتغيرات المحلية والدولية، مع الأخذ بعين الاعتبار الإمكانات والأهداف. يطرح هذا الكتاب أفكاراً غنيةً وقيمةً وتعد الخطط الاقتصادية التي طرحها نموذجاً يحتذى لحل كثير من أزمات الدول النامية.
يشار إلى أنكينئيتشي أونو هو أستاذ ياباني بارز في اقتصاديات التنمية والتمويل الدولي. حصل على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة ستانفورد الأميركية. فاز بجائزتين هما من أرفع الجوائز وأكثرها تميزاً في اليابان عن كتابه «عولمة الدول النامية» عام 2000.