كوميديا دعاة التيار الإسلامي.. هل نضحك لمن نحب أم للأخف ظلاً؟

من الشيخ كشك إلى وجدي غنيم وأيمن عبد الرحيم. ما قصة كوميديا الدعاة؟ ولماذا نضحك على نكاتهم؟

هل نضحك لمن نحب أم للأخف ظلاً بغض النظر عمن هو؟ هذا السؤال نريده أن ينسحب الآن على من هم، بحكم موقعهم، خارج دائرة الكوميديا وصناعتها. ونقصد هنا الضحك الذي يقابل به الناس، خاصة المصريين، "إفيهات" الشيخ المصري عبد الحميد كشك، ونكات الداعية المصري وجدي غنيم. 

ولا يحصل هذا مع عامة المصريين فحسب، بل يطال أيضاً طلاب الدروس الدينية. إذ نجد أن بعضهم لا يتذكّرون من درس الشريعة سوى نكتة ألقاها الداعية على مسامعهم، كما هي الحال مع طلاب أيمن عبد الرحيم مثلاً وهو واحد من دعاة التيارات الإسلامية.

يبدو الأمر عجيباً بعض الشيء، لأن الناس لم يعتادوا أن يكون الداعية أو رجل الدين شخصاً فكهاً يمكنه استخدام سلاح الكوميديا لتطويع فكرة أو جعلها أقرب إلى الناس، وصولاً إلى النّيْل من فنانين كوميديين أو من مسرحيات كوميدية كما في أداء كشك وغنيم. فهل نحن أمام حالات خاصة ونادرة؟ وهل من تعارض بين حسّ الفكاهة وبين الصورة المعتادة عن رجال الدين؟ 

وجدي غنيم يقدّم كوميديا تفوق مسرح مصر

يرى الباحث والكاتب والصحافي المصري، محمد الزلباني، أن الكوميديا أولاً وأخيراً فن، وأن النكتة الجيدة تنتَزَع انتزاعاً، حتى لو قالها ألد الأعداء. لكن تظل مشكلة الأشخاص المتدينين بشكل عام والمنتمين لتيار أيديولوجي إسلامي بشكل خاص، هي أنهم - في غالب الأمر- لا يملكون حساً فكاهياً يؤهلهم لإطلاق نكات أو "إفيهات" تُضحك الناس. 

ويضيف أن "أكبر مثال على ذلك النجم الكروي الشهير بالتديّن محمد أبو تريكة، ما إن تسمعه يلقي نكتة فإنك تتحسّس مسدسك، فيما، في المقابل، نجد براعة لدى زميله محمد بركات في التقاط السياق الكوميدي ويجيد إطلاق النكات".

ويرى الزلباني أن هناك "سبباً ثانياً لضحالة الكوميديا عند الإسلاميين، وهي الحدود التي تربوا عليها، الأمر الذي يعيق الكوميديا في مجتمع لديه شبه إجماع على أن "كتم الإيفيه الحلو حرام"، والأخوة الإسلاميون يكتمون كل شيء ما بالك بنكتة تتضمن إيحاءات"، علماً أن "الشُحّ الكوميدي عند الإسلاميين، يعود إلى أن معظمهم يتحدرون من أرياف مصر، وهذه إشكالية كبيرة. ذلك أنّ الكوميديا في الريف -غالباً- مبنية على التنمّر والتلاعب اللفظي، وهما أمران ليس بهما ذرة إبداع". 

ويشرح الصحافي المصري هذا الأمر بالقول: "لو أردت تعضيد وجهة نظري بمثال من قلب الدعاة أنفسهم، سأعقد مقارنة بين "إفيهات" عبد الحميد كشك، وبين "إفيهات" وجدي غنيم. الأول "إفيهاته" ريفية حيث تراه يتنمّر على سن "أم كلثوم" حين يقول: "امرأة في السبعين من عمرها وتقول خدني في حنانك خدني"، هذا تنمّر. أما حين يكمل فيقول "خدك المولى" فهذا تلاعب لفظي قشري غير عميق".

أما وجدي غنيم "فيقدّم كوميديا تفوق ما يقدّمه ممثلو "مسرح مصر". غنيم قادر على الارتجال من دون أن يضيع منه السياق ولو لحظة. كما أنه قادر على تطبيق أدبيات إلقاء "الإيفيه" حتى لو لم يدرسها، فتجده مثلاً، يمهّد "للإيفيه" مدة، ثم في لحظة الذروة يلقيه في وجه مستمعه".

ومن جملة النكات التي يتذكّرها الزلباني لوجدي غنيم في واحد من مقاطع الفيديو المنتشرة له على مواقع التواصل تلك التي يتحدث فيها عن الأغاني، متناولاً أغنية ""قولوا له الحقيقة. قولوا له بحبه ومدوبني حبه" لعبد الحليم حافظ. 

ويضيف "تظن أن غنيم سيلقي "الإيفيه" عن سذاجة المعنى أو حرمانيته، لكنه يفاجئك بطريق بعيد جداً للإيفيه، فيقول: "عبد الحليم يزرع فينا السلبية، فكيف يطلب منا أن نخبر حبيبه بما يريد، الأولى أن يذهب بنفسه"، ناهيك بالطبع عن غزارة المعلومات، وهو أمر هام وقت الارتجال".

الضحك أيضاً أصلي.. وتقليد! 

من جهته، يرى الشاعر المصري، عمرو الشيخ، أن فكرة (الأصلي والتقليد) هي الأساس وأنها تؤدي دوراً كبيراً متنوعاً رغم أنفنا في مختلف مجالات حياتنا.

والغريب أننا في أحيان كثيرة "نتعاطف مع التقليد، فندّعي أن هناك في ثمانينيات القرن الماضي مارادونا النيل- طاهر أبو زيد- بل نسعى أحياناً إلى انتظار النسخة التقليد، وكأنها يجب أن تظهر! كنجيب محفوظ الجيل، أم كلثوم الجديدة... إلخ. بل أحياناً نمتدح التقليد كأب بسيط يقنع أولاده بروعة منتج ما وأنه لا يفرق بشيء عن الأصلي، وطبعاً جيبه هو صاحب الحجج والبراهين!"

ويضيف "نتسامح مع التقليد في أشياء كثيرة إلا الضحكة. لا نقبل فيها إلا الأصلية، تلك التي تذوّقناها ولا ننخدع في طعمها مهما كانت الظروف والمناسبات". 

ويتعجّب الشيخ من أننا "كلما كبرنا في الحياة اكتشفنا أن هناك ضحكاً تعددت أسبابه ورغم ذلك فهو قلة أدب؛ كالضحك في حضور السلطة بكافة تجلياتها بدءاً من الأب والأم مروراً بمواقف العزاء والعمل والدراسة، والسلطة الدينية بالطبع". 

"إيفيهات" خالية من الروح

أما الروائي المصري، مختار شحاتة، فيرى أن "الضحك ارتبط معنا بالبشاشة، وهؤلاء (المتزمّتون) كانوا دائماً متجهمين لذلك كان يأتي إحساس لي بأن ضحكهم كله اصطناع ولم ينفذ إلى القلب". 

ويتعجب شحاته مما يسميه "ماهية قلوب لا تعرف معنى الفرح فكيف لها أن تعرف ديناً كل ما فيه يدعو إلى السلام والطمأنينة، إذ لا يُعقل أن يضحك المرء وهو غير مطمئن. لذلك فإن كل "إيفيهات" التيار الإسلامي بالنسبة له ممجوجة وخالية من الروح، وهو ما أعطى لي انطباعاً بأنهم أنفسهم كذلك"، متذكّراً قول أحد الصيادين الكبار في قريته بأن "الضحك اللي ما يرجش جدار البيت والبني آدم، دا ضحك ماسخ زي صاحبه".

ويتساءل لصالح من لا يجوز لنا الضحك؟ ولصالح من يبقى التجهم طريقاً وأسلوباً في الحياة؟ قبل أن يجيب "في الموروث الديني ثمة ما يدعو إلى حالة الانبساط، مثل "تبسمك في وجه أخيك صدقة"، والابتسام طريق نحو الضحك، وفي الأثر أن الرب بكل سلطانه يبتسم، في الحديث المتسلسل بالضحك أو الابتسام، فهل يُعقل أن يمنع الضحك من يمارسه أو يحض عليه؟".

ويضيف شحاته "تربيتُ في مجتمع للصيادين، يتخذ من الضحك استراتيجية شديدة الذكاء للتغلب على التعب بل والظلم أحياناً. ففي حلقات الصيد ليلاً كان الضحك والصخب أنيساً لنا – نحن الصيادين الصغار – حتى يسري الدفء في أجسادنا، وحتى ننسى تعب وإرهاق العمل الشاق، بل يكون أحياناً لمقاومة الظلم بالتندّر على ما يفعله قائد مجموعة الصيادين "الريس" بنا نحن الشغيلة في عز البرد أو الحر بين السماء والماء، وهو ما اعتمدته في حياتي كلها، إلى درجة أنني في كتاباتي الإبداعية أضبط نفسي متلبّساً بالوصف (انفجر ضاحكاً)، وكأنني أستخدمه إعلاناً لما تربيت عليه من أن الضحك والابتسام يمكن أن يكونا سلاحاً في وجه البعض والكراهية والظلم والتعب، وهو ما أظنه يتشاركه معي عموم المصريين ممن يضحكون ويسخرون من كل شيء، حتى لو من أحوالهم في زمن أحواله وضيعة".

ويختم الروائي المصري حديثه بالتساؤل: "هل كان هؤلاء الدعاة مدركين أنهم يدعون الناس إلى الدين كما يرون بالفن الذي يحرّمونه إجمالاً؟ وهل كان هؤلاء الدعاة يدركون هذا التناقض ويتعاملون مع الأمر ببراغماتية أم أنهم لا يدركون أبعاد المسألة بالأساس؟".