شاهد على تاريخ روسيا.. كيف بدأ مسرح البولشوي؟
استقبل أهم العروض المسرحية الموسيقية العالمية، أي دور لمسرح البولشوي في الحياة الثقافية الروسية؟
يُعتبر مسرح البولشوي في موسكو ثاني أكبر مسرح في أوروبا، وأحد أكبر المواقع رمزية في العاصمة الروسية، فهو يتوسّط المدينة ويشهد على مراحل عديدة من تاريخ روسيا والاتحاد السوفييتي، كما يشكّل أحد أهم معالم الجذب للسياح، ومحبي التاريخ والتأريخ من الروس والأجانب. يعود تأسيس المسرح بشكله الحالي إلى العام 1824، وقد وضع تصميمه المهندس المعماري الشهير أوسيب بوفيه، برونق يشعّ بالفرادة والنسج الفني، بعد احتراق مبناه القديم عام 1805.
في 28 آذار/مارس سنة 1776، قرّرت الأمبراطورة يكاترينا الثانية منح الأمير بيوتر أوروسوف حق امتياز تنظيم الاحتفالات والمهرجانات وغيرها من الكرنفالات الوطنية والشعبية، لمدة 10 سنوات متتالية، فابتدأت مشروعها ببناء أول مبنى لـ"البولشوي نيغلينكا"، مطلاً على شارع "بيتروفكا"، تحت اسم "بيتروفسكي تياتر"، فأسست أول فرقة لمسرح البولشوي عام 1776، تختص بفنون الأوبرا ورقص الباليه، تحت إشراف بيوتر أوروسوف وميخائيل مدوكس.
بعد أوروسوف انتقلت سلطة المسرح إلى الكنيسة، قبل أن تنتقل إدارته إلى يوري غريغوروفيتش، الذي أخذ المسرح بحنكته الفنية إلى المقدمة بين مسارح الباليه العالمية.
تعرّض المبنى الأول لمسرح "بتروفسكي" للحريق فأعيد ترميمه، كما تعرّض مسرح البولشوي الحالي في موسكو للحريق مرتين، وللقصف بقنبلتين خلال الحرب العالمية الثانية. كما تعرّض للخراب والسرقة في زمن الاتحاد السوفييتي فأصبح مهجوراً.
وضع بوفيه في مسرح البولشوي تمثالاً لأبولو ومركبته، و4 شرفات كلاسيكية مبهرة. أصبح المبنى الذي ما زال قائماً حتى اليوم جاهزاً في العام 1856، وذلك قبل انتهاء مراسم اعتلاء الأمبراطور ألكسندر الثاني للعرش، وفي تلك المناسبة افتتح أبوابه أمام الجمهور، الذي احتفل بمشاهدة عرض لأوبرا "فينتشينزو بيليني أي بوريتاني".
استقبل مسرح البولشوي على خشبته أهم العروض المسرحية الموسيقية العالمية، كإبداعات الموسيقي الروسي بيوتر تشايكوفسكي، ومنها "الأميرة النائمة" و"بحيرة البجع"، وعروض بروكوفينيف وروسيني وفيردي وبوتشيني.
في العام 1935، وُضِعت ستائر جديدة للمسرح من رسم فيودور فيودوروفسكي، كما طُرِّزت التواريخ الثورية عليها لأعوام 1871 و1905 و1917، ونُصِبت ستائر السوفييت الذهبية مكان الستائر المسرحية الأمبراطورية. كما أنّ ستالين كان يدخل إلى هذا المسرح عبر ممر سري تحت الأرض، كما يُشاع، ليجلس في مقصورته إلى يمين المسرح، إذ كان من عشاق الفن عامة، والبولشوي على وجه التحديد.
في القرن الـ20 غدا المسرح من أهم الرموز والشواهد على الأحداث المفصلية التي لحقت بموسكو، ومن خشبته تمّ الإعلان عن تشكيل الاتحاد السوفييتي، بعد الحرب الأهلية التي دارت بين الحرسَين الأبيض والأحمر، عقب الثورة البلشفية.
خضع المسرح لعملية ترميم كاملة في العام 2005، تضمّنت إعادة تصميم ثريات كريستالية تحمل طابع القرن الـ19، وطلاء جميع الشرفات بما يقارب 10 كيلو غرام من أوراق الذهب، وأصبحت قياسات الخشبة الرئيسية فيه 21×21 متراً، وهو يتألف من 4 خشبات هي الخشبتان الرئيسية والخلفية، والجيبان الأيسر والأيمن وهما عبارة عن خشبتين متحركتين، وصارت القاعة تتسع لـ3000 متفرج. وقد تمّ افتتاحه في الـ28 من شهر تشرين الأول/أكتوبر 2011، من خلال حفل باهر حضره رؤساء دول وشخصيات عالمية كبرى.
تتبع لمسرح البولشوي أقدم فرقة بالية في العالم، وهي مكونة من 200 راقص. ويعتبر الانضمام إلى هذه الفرقة حلماً صعب المنال لكل راقص أو راقصة باليه. وعلى الرغم كل الكوارث التي حلت بالمبنى على مر السنوات، إلا أنّه بقي رمزاً للفن في العالم، كما أنّ صورته مطبوعة على ورقة الـ100 روبل.
جلس العديد من مشاهير العالم على المقاعد الأولى في مسرح البولشوي، من بينهم الأميرة الراحلة ديانا، التي سرق حضورها الأضواء من العرض الذي قَدِمت لمشاهدته. كما استقبل المسرح القائد الثوري الكوبي فيديل كاسترو، والرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون، الذي تجوّل في زواياه في أشد أيام الحرب الباردة.
ويعتبر مسرح "مالي" المجاور للبولشوي منافساً قوياً له. وتشغل المنطقة بين المسرحين عدة معالم ثقافية وأثرية، كتمثال كارل ماركس، و"متحف الدولة التاريخي"، ومجلس "الدوما"، بالإضافة إلى مجموعة من أهم الفنادق العالمية كـ"ريتزكارلتون" و"فورسيزنس" و"حياة أرارات".
لكي تضمن لنفسك حضور إحدى عروض مسرح البولشوي عليك أن تشتري تذكرتك قبل العرض بعدة أشهر، وحينها ستتمكن من مشاهدة إحدى روائع الأوبرا الروسية والعالمية، كـ"يفغيني أونيغين" لبيوتر تشايكوفسكي، أو "زواج فيغارو" لفولفغانغ أماديوس موزارت، أو "سادكو" لنيكولاي ريميسكي كورساكوف، أو "كارمن" لجورج بيزيه.