ثنائيات غنائية في أوبرا دمشق.. "حاجة غريبة"
شكّل الفضول نقطة جذب مهمة، خاصةً أن معظم الثنائيات والحواريات الغنائية العربية المهمة لها موقع مميّز في الوجدان، ومرتبطة بأصوات وألحان أضافت للمكتبة الموسيقية الكثير.
إن مجرّد مشاركة 13 مغنياً ومغنية ضمن أمسية ثنائيات غنائية في أوبرا دمشق يعتبر حدثاً مميّزاً، ارتقب فيه الجمهور ما سيتضمّنه الحفل من أغنيات، واستعدّوا لإجراء مقارنات بين الأصوات الجديدة التي يسمعون بعضها للمرة الأولى، وبين أصوات المغنين الأساسيين لتلك الثنائيات، فضلاً عن رغبتهم بمعرفة ما إن كان هناك توزيع موسيقي، أو إعداد جديد ستؤديه الفرقة الوطنية السورية للموسيقى العربية بقيادة المايسترو عدنان فتح الله.
هذا الفضول شكَّل نقطة جذب مهمة، خاصةً أن معظم الثنائيات والحواريات الغنائية العربية المهمة لها موقع مميّز في الوجدان، ومرتبطة بأصوات وألحان أضافت للمكتبة الموسيقية الكثير، فضلاً عن أن المنتمية منها إلى الزمن الجميل ارتبطت بمعظمها بأفلام أو مسرحيات ما زالت أحداثها ماثلة في الذاكرة.
بدأت الأمسية بمقطوعة سماعي آفاق للمؤلف السوري الراحل عدنان أيلوش وتوزيع مهدي المهدي، كانت بمثابة مدخل موسيقي زاخر بالجماليات، ولا سيما مع الأداء الراقي للعازفين، والانسجام بين أصوات معظم الآلات، بحيث أن الفرقة الوطنية السورية تثبت مرة بعد أخرى أنها حارس أمين على الموسيقى العربية بقوالبها المختلفة.
أولى الثنائيات كانت للموشح الأندلسي "بروحي تلك الأرض" الذي أداه كل من رماح شلغين ومايا زين الدين، وهنا كان الاختبار صعباً، ولا سيما عند المقارنة بينهما وبين صوتي وديع الصافي وفيروز، بمكانتهما الرفيعة، لكن مساحات صوتي المغنيين الشابين واندغامهما مع روح اللحن ونقاء أدائهما، مكَّنتهما من اجتياز اختبار الجمهور، ولا سيما في الطبقات العالية.
"حاجة غريبة" لعبد الحليم حافظ وشادية بصوتي ديانا سعيد وعبد الملك إسماعيل، أعاد للمستمعين ذكرياتهم عن هذا الديو الذي تضمّنه فيلم معبودة الجماهير، والشغف الذي لفَّ بطليه، واستطاع المغنيان الشابان أن يُعايشا دوريهما بجمالية عالية، لنكتشف السبب في نهاية الحفل، عندما تقدَّم عبد الملك بطلب يد ديانا أمام جمهور دار الأوبرا، وليحظى بمباركة الجميع بمن فيهم وزيرة الثقافة.
المطربة سناء بركات برفقة قتيبة عليوي قدّما بحيوية سكيتش "وك يا جدي" الذي جمع فيروز ونصري شمس الدين ضمن مسرحية "يعيش يعيش"، وبرز في صوتيهما درامية الحدث بين الجد الذي يكذب كثيراً وحفيدته التي تحاول إعادته إلى جادة الصواب، مما جعلنا نعايش من جديد تلك الحوارية التي برع الرحبانيان في كتابتها وتلحينها.
تلت ذلك مقطوعة "عزيزة" لمحمد عبد الوهاب بتوزيع جديد لعدنان فتح الله، لتعود الثنائيات الغنائية مع سيلفي سليمان وبلال الجندي في حوارية "يا دي النعيم" لليلى مراد ومحمد عبد الوهاب من فيلم "يحيا الحب"، أظهرت عمق الشجن والعتاب من خلال صوتين قديرين تمكَّنا من نقل روح الكلمات واللحن والحالة الشعورية المرافقة لهما.
واستمراراً في الدرامية استمعنا من فادي زرقا وسيلفانا دياب إلى ديالوغ "يا سلام على حبي وحبك" الذي أداه فريد الأطرش وشادية ضمن فيلم "أنت حبيبي"، وبرزت فيه حيوية صوتيهما وقدرتهما على التلوين والتلاعب بالمعنى من خلال الأداء وفهم عمق الحوارية، وما تتضمنه من روح مرحة تبدأ بالانتقام وتنتهي بالحب.
أما من الثنائيات المعاصرة فقدّمت هبة فاهمة ومجدي أبو عصفور ديو المحكمة لكاظم الساهر وأسماء المنور، وبرزت فيه قدرات المغنيين الشابين الصوتية، ولا سيما مع الطبقات العالية والانتقال من الجواب إلى القرار، لينتهي الحفل بحوارية "بلغي كل مواعيدي" لملحم بركات وجورجيت صايغ، وجاء بصوتي روجيه لحام وسناء بركات المتمكِّنَين، إذ شكَّلا حسن الختام لما يمتلكانه من قدرات صوتية وعُرَب مميّزة.
وفي حديث خاص مع "الميادين الثقافية" أوضح عدنان فتح الله سبب اختيار فكرة هذه الأمسية بالقول إن: "الثنائيات الغنائية أو الديالوغ أو الدويتو هو قالب أو نمط من أنماط الغناء العربي، لكن هذا القالب لم تُقدَّم فيه أعمال مهمة وذات قيمة منذ فترة طويلة، لذا كفرقة وطنية سورية عمدنا إلى إعادة تذكير الناس بهذا النمط الغنائي المهم، وهو ما يصب بأهداف فرقتنا، ومنها إبراز الصوت السوري خصوصاً والعربي عموماً".
وعن كيفية انتقاء الأصوات لأداء تلك الثنائيات ألمح فتح الله إلى أن الأمسية جمعت بين طلاب المعهد العالي للموسيقى قسم الغناء وبين خريجين، واختيارهم كان من خلال مقاربة بين صوت المغني الأساسي وصوت المغني الحالي، أما برنامج الحفل فكان من أشهر ما غني بهذا القالب بغية الوصول إلى هدف الأمسية بشكل سلس ومن خلال أغانٍ يحبّها الجمهور.
وأضاف أنه بالنسبة للموسيقى الآلية فكانت سماعي آفاق لموسيقيّ سوري راحل هو عدنان أيلوش، ومؤلَّف عزيزة لمحمد عبد الوهاب وتوزيعي، وهذا مرتبط بهوية فرقتنا المعنية بتقديم الموسيقى العربية الآلية، فضلاً عن كون هاتين القطعتين قريبتين من ماهية الأغاني التي تقدّمت. أمّا بقية أغاني الثنائيات فتم فيها نوع من الإعداد الموسيقي البسيط، اشتغل عليه الأستاذان سيف درويش وجورج موسى، أما ديو المحكمة فكان من تدوين وإعداد مهدي المهدي.
وقال المايسترو عدنان فتح الله: "بالتأكيد كان هناك بعض الهفوات خلال الحفل، وهذا وضع ليس غريباً أو مستهجناً، لكن علينا أن نضع بعين الاعتبار أن من بين المغنين طلاباً ما زالوا يدرسون وخبرتهم على المسرح قليلة مقارنةً ببعض الخريجين، لكن بالمجمل لم يكن هناك شيء سيّئ بالمطلق. اشتغلنا كفريق واحد وأخذت الأمسية منا تحضيراً طويلاً مع المغنين أولاً ثم مع الأوركسترا. وعلى مستوى آخر فإن الحفلة حقّقت هدفاً مهماً وهو الدمج بين الخريجين والطلاب، وهي حالة نكاد لا نشهدها في سوريا".