تستخدمه ضد كشمير.. كيف تستفيد الهند من "الأبارتهايد" الإسرائيلي؟
علاوة على تدريب الضباط الهنود في "تل أبيب"، كيف استلهمت الهند نظام الفصل العنصري الإسرائيلي لتطبيقه ضد مسلمي كشمير؟
في كتابه "مختبر فلسطين: كيف تصدّر إسرائيل تكنولوجيا الاحتلال إلى العالم؟"، الصادر باللغة الإنكليزية منتصف العام 2023، يبني الباحث الأسترالي أنتوني لوينشتاين، اليهودي المناهض للصهيونية والعنصرية كما يعرّف عن نفسه، فرضية كتابه بأن "إسرائيل" اكتسبت مكانتها كعاشر أكبر دولة في صناعة الأسلحة - وهي درجة كبيرة مقارنة بمساحتها وعدد سكانها - بفعل تجريبها الأسلحة والتكنولوجيات العسكرية على الفلسطينيين أولاً، والتسويق لها كونها تقنيات عسكرية قد أثبتت فعاليتها ضدهم.
هذه الأسلحة استخدمت في الكثير من جرائم الإبادة الجماعية في العالم، كرواندا وضد المسلمين الروهينغا في ميانمار، وضد المسلمين في إقليم كشمير من قبل الهند في العهد القريب، وكذلك في غواتيمالا وغيرها من الدول في منتصف القرن العشرين، حتى أن "إسرائيل" سلّحت ودرّبت عصابات المخدرات في كولومبيا والمكسيك.
هذه الفرضية مدعمة بشهادات ميدانية فلسطينية وإسرائيلية حصل عليها لوينشتاين منذ العام 2005، حيث بدأ بزيارة الأراضي المحتلة وغزة والضفة بشكل دوري، ويقوم بالتغطية الصحفية كل 3 أو 4 سنوات. كما عاش في ما يسمى بــ "القدس الشرقية" بين عامي 2016 و2020.
لكن الفرضية الأهم، أن "إسرائيل" مثلت نموذجاً شديد الجاذبية، وينظر إليه بإعجاب من قبل حركات اليمين المتطرف العالمي، والنازيين الجدد والمتعصبين للهوية العرقية القومية وأنظمة الفصل العنصري، لأن "إسرائيل" أيضاً أثبتت فعاليتها في تثبيت نظام فصل عنصري.
بحسب ملاحظة لوينشتاين، فإن العلم الإسرائيلي غالباً ما يرفرف في تجمعات وتظاهرات اليمين المتطرف حول العالم في أستراليا والولايات المتحدة ودول أوروبية، وبعضها مجموعة يمينية ونازية تقليدية، أي أنهم يحتقرون اليهود، ولكنهم في الوقت نفسه يبدون إعجاباً عميقاً بــ "إسرائيل"، لأنهم معجبون بالتركيبة القومية العرقية هناك، خاصة بعد أن صادق الكنيست عام 2018، على قانون يجعل "إسرائيل" دولة قومية لليهود.
ويريد اليمين المتطرف العالمي في الغرب، الشيء نفسه، بهدف خلق واقع لقومية عرقية مسيحية في دولهم، ويرون أن "إسرائيل" تقدم لهم مثالاً فريداً، فإذا كانت استطاعت فعل ذلك فهم أيضاً يستطيعون.
يبدي زعيم اليمين البديل في الولايات المتحدة، ريتشارد سبنسر، وهو المتطرف والمحسوب على النازية الجديدة، رغم كرهه كمتطرف يميني تقليدي لليهود، يبدي إعجاباً مفرطاً بــ "إسرائيل". وصرح في العام 2018 قائلاً إن: "اليهود، مرة أخرى، في الطليعة، ويعيدون التفكير في السياسة والسيادة من أجل المستقبل، ويظهرون طريقاً إلى الأمام للأوروبيين". سبنسر أطلق على نفسه اسم "الصهيوني الأبيض".
لم تكن العلاقة بين "إسرائيل" وجنوب أفريقيا قبل انتهاء دولة الفصل العنصري، مجرد علاقة دفاعية فقط، بل كانت اصطفافاً أيديولوجياً، بشكل يجعلها علاقة مركزية.
أصبحت العلاقة وثيقة للغاية بحلول منتصف السبعينيات من القرن الماضي، لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين، دعا رئيس وزراء جنوب أفريقيا جون فورستر إلى زيارة الأراضي المحتلة، بما في ذلك القيام بجولة في ياد فاشيم، حيث النصب التذكاري للمحرقة في القدس.
وكان فورستر من المتعاطفين مع النازية وعضواً في المجموعة الفاشية الأفريكانية Ossewabrandwag خلال الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك، عندما وصل إلى "إسرائيل" عام 1976، استقبله رابين في حفل عشاء رسمي. وشرب الأخير نخب "المثل المشتركة بين إسرائيل وجنوب أفريقيا: الآمال في العدالة والتعايش السلمي".
كل دولة كانت معجبة بتصرفات الأخرى، وكلتاهما يستلهمان من بعضهما البعض، بالتفكير نفسه تقريباً. كالادعاء أنهما حصلتا عبر "الحق المقدس"، اليهودي والمسيحي، على أرض بلا شعب، وأن ذلك الشعب إن وجد فسيكون خط دفاع عن الحضارة الأوروبية ضد "الهمجية". ولا يختلف ذلك عن المفهوم الذي أطلقه جورج بوش الابن في حربه على الإرهاب، الذي قسم العالم إلى محورين، محور الخير والحضارة الذي تمثله أميركا وحلفاؤها، ومحور الشر والهمجية الذي يضع فيه بقية العالم.
الأمر ذاته يتكرر مع الهند الآن، في عهد رئيس الوزراء ناريندرا مودي وحزبه القومي الهندوسي "بهاراتيا جاناتا"، الذي ذهب في تحالف الهند مع "إسرائيل" إلى حالة الاصطفاف الأيديولوجي نفسها، وهو ما كشفته أحداث 7 أكتوبر. إذ قدم رئيس مودي دعماً وتعاطفاً غير مشروط لــ "إسرائيل"، وسارع في اتهام "حماس" بأنها "جماعة إرهابية"، من دون وضع اعتبار لأي توازنات.
في أعقاب تصريحات مودي، بدأ مدققو الحقائق على الإنترنت في الهند في ملاحظة طوفان المعلومات المضللة التي تستهدف فلسطين، والتي نشرتها جماعات متطرفة على وسائل التواصل الاجتماعي في الهند.
وتضمنت هذه المعلومات قصصاً مزيفة عن "الفظائع" التي ارتكبتها "حماس"، وشُورِكَت ملايين المرات، والهدف من ذلك الاستفادة مما يجري في فلسطين المحتلة لدفع الخطاب المعادي للإسلام، الذي استخدم بانتظام لتشويه صورة السكان المسلمين في الهند منذ وصول "بهاراتيا جاناتا" إلى السلطة.
هكذا بدأت مجموعات مرتبطة بالحزب على "فيسبوك" نشر رسالة مفادها أن "حماس"، تمثل "التهديد الإسلامي" نفسه الذي يواجه الهند في منطقة كشمير ذات الأغلبية المسلمة، وأن الفلسطينيين يوصفون على نطاق واسع بأنهم "جهاديون".
تاريخياً، كان دعم الهند للحقوق الفلسطينية جزءاً لا يتجزأ من نضالها من أجل الاستقلال، وهو ما يجعل ميلها الأخير نحو "إسرائيل" أكثر وضوحاً. في عام 1947، صوتت الهند ضد خطة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين على أسس دينية إلى جانب الدول العربية، مفضلة دولة فيدرالية عوضاً عن ذلك مع وضع خاص للقدس، مؤكدة التزامها بالقضية الفلسطينية.
واستمر دعم الهند للدولة الفلسطينية على مر العقود، مع اعترافها بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في العام 1974. وكان التضامن مع فلسطين حجر الزاوية في السياسة الخارجية الهندية، التي تضرب بجذورها في مناهضة الاستعمار ونضالها عبر سياسة عدم الانحياز، مع تطلعها الواسع للدول العربية وتوجهها الثابت المؤيد للفلسطينيين.
لكن الآن، ومع صعود الهندوسية الأصولية، فإن الهند ترى أن ما فعلته "إسرائيل" في الضفة الغربية نموذجاً يمكن تكراره في إقليم كشمير.
في العام 2019، ألغت حكومة مودي المادة 370 من الدستور الهندي، وعلقت دستور كشمير لمنح الهند سيطرة شبه كاملة على المنطقة المتنازع عليها بعد 70 عاماً من الحكم الذاتي المحدود. وتحرك مودي بسرعة لتنفيذ خطة تتسم بأوجه تشابه مع ما جرى في فلسطين.
في هذا الإطار، يقول الكاتب الكشميري عارف أياز، عن المشترك بين فلسطين وكشمير: "في فلسطين، يتجلى ذلك في شكل فقدان الأرض، ما سيؤدي في النهاية إلى فقدان الهوية، وفي كشمير فإن فقدان الهوية، قد يترجم يوماً ما إلى فقدان الأرض. إن الآليات القسرية في البلدين يوحدها هذا الواقع".
ومثل الإسرائيليين تفضل حكومة مودي، بحسب باري "أن يتوقف الكشميريون عن الوجود، حتى يتمكنوا من الحصول على أرض فارغة ليملأوها بأوهامهم عن الجنة".
ولا يحاول المسؤولون الهنود إخفاء إعجابهم بالاحتلال الإسرائيلي. إذ قال القنصل العام للهند في نيويورك، سانديب تشاكرافورتي، في مناسبة خاصة للهندوس الكشميريين في نيويورك في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، إنه يعتقد أن "الوضع الأمني سيتحسن، لأن لدينا بالفعل نموذجاً في العالم، لا أعلم لماذا لا نتبعه، لقد حدث ذلك في الشرق الأوسط. إذا كان الشعب الإسرائيلي يستطيع أن يفعل ذلك، فيمكننا أن نفعله أيضاً".
وكان الخوف في عهد مودي يتلخص في إمكانية تحويل الهند بالكامل إلى نسخة هندوسية من "إسرائيل"، وهي قومية هندوسية يمينية متطرفة لا تتسامح سوى مع القليل من المعارضة وعدد قليل من المسلمين.
مُثِّلَت العلاقات المتنامية بين "إسرائيل" والهند من الناحية المالية بين عامي 2015 و2020، كانت الهند سوق تصدير الأسلحة الرائد لــ "إسرائيل"، حيث بلغت حصتها 43% من إجمالي المبيعات، وفي عام 2020، كانت الهند أكبر مشتر للأسلحة من "إسرائيل". وفي عام 2019، تم تصنيف "إسرائيل" على أنها ثامن أكبر تاجر أسلحة في العالم. وتحلق طائرات "هيرون" الإسرائيلية من دون طيار فوق كشمير، كما تحلق فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة.
لم تكن المودة المتنامية بين "إسرائيل" والهند مجرد أيديولوجية، بل عبارة عن احتضان متبادل للقومية العرقية - فقد ساعد تبادل المعدات الدفاعية في تعزيزها.
في العام 2022، هدمت السلطات في ولاية أوتار براديش منازل المسلمين المتهمين بصلاتهم بالاحتجاجات الدينية التي تحولت إلى أعمال عنف. وكان مشهد الجرافات وهي تدمر المنازل، يذكر بشكل مخيف بالإجراءات الإسرائيلية ضد المباني الفلسطينية في "القدس الشرقية" والضفة الغربية. ومثل "إسرائيل"، ادعت الهند أن المنازل بنيت على نحو غير قانوني.
في مقال مؤيد للصهيونية في مجلة "تابلت" فإن "إسرائيل": "تمتلك التكنولوجيا والرغبة والقدرة على التصرف بحرية وثقة في مواجهة التهديدات".
ويقول كاتب المقال إن "الهند ترغب في حرية مماثلة"، ونقلاً عن تانفي مادان، مدير مشروع الهند في معهد "بروكينغز"، الذي صرح أن النخب الهندية لديها حسد تجاه "إسرائيل"، سببه "الإحباط الحقيقي لدى الهند على مدى العقدين الماضيين من أن باكستان استخدمت هذه" الجماعات الإرهابية" بشكل فعال، من دون أن تملك الهند القدرة على الرد؛ بسبب امتلاك باكستان للأسلحة النووية.
وأضاف أن "الإسرائيليين ليسوا حليفاً متطلباً، وتاريخياً لم تضع إسرائيل أي شروط سياسية أو اقتصادية على مبيعات الأسلحة إلى دلهي، ولم تطالب الهند أبداً بالاعتراف بالعلاقة الدفاعية أو الاستخبارية بأي شكل من الأشكال".
ويقول مادان عن علاقات "إسرائيل" مع الهند: "إنهم لا يطرحون الأسئلة. إنهم يعتبرون موثوقين".
منذ انتخاب مودي في عام 2014، عانى المسلمون الهنود من موجة متفاقمة من عمليات الإعدام خارج نطاق القانون، والعنف، والتهديدات بالتطهير العرقي، وخطاب الكراهية. وتلقي السلطات جثث الكشميريين المقتولين بعيداً عن عائلة الضحية، أو ببساطة لا تُعَاد في الوقت الملائم، في تكتيك يذكرنا بأساليب "جيش" الاحتلال الإسرائيلي. وغالباً ما تُجبر العائلات الحزينة على الحداد أمام القبور الفارغة. وتكون أي امرأة مسلمة ترتدي الحجاب عرضة للهجوم، وتحرم الفتيات المسلمات في بعض الولايات من التعليم؛ لأنهن يرتدين غطاء الرأس.
كان شعار "الحرب على الإرهاب" في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر مناسباً لكل من الهند و"إسرائيل" في خططهما للتخلص من السكان غير المرغوب فيهم، ولتحقيق هذه الغاية، دربت "إسرائيل" القوات الهندية على مكافحة "التمرد".
في أعقاب اتفاق عام 2014 بين "إسرائيل" والهند، الذي تعهد بالتعاون في مجال "الأمن العام والأمن الداخلي"، زار عدد لا يحصى من الضباط الهنود والقوات الخاصة والطيارين والقوات الخاصة الأراضي المحتلة للتدريب.
وفي العام 2020، رفضت "إسرائيل" فحص ضباط الشرطة الهندية لتحديد ما إذا كانوا قد ارتكبوا أي انتهاكات في الهند.
وقدم المدافع الإسرائيلي عن حقوق الإنسان إيتاي ماك ومجموعة من الناشطين الآخرين التماساً إلى المحكمة العليا الإسرائيلية في العام 2020 للمطالبة بالتوقف عن تدريب ضباط الشرطة الهنود الذين "يقتلون ويغتصبون ويعذبون ويخفون المدنيين في كشمير".
لكن المحكمة حينها رفضت الطلب "من دون الانتقاص من أهمية قضية انتهاكات حقوق الإنسان في كشمير"، على حد قضاة المحكمة.