بأكثر من 400 لوحة: مصطفى عبيد يقاتل بالقلم والريشة

زاد عدد اللوحات عن 400 لوحة منذ 7 أكتوبر، حيث لم ينقطع عبيد يوماً عن وضع لوحة مستوحاة من تطوّرات الأحداث اليومية.

  •  لوحة سفن المجهول
    لوحة سفن المجهول

القصف الإسرائيلي المُرَكَّز ضد المدنيين في غزة ولبنان، ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ الحروب في العالم. وإذا لم يكن غريباً أن تطاول الأعمال الحربية، في جانب ثانوي منها، المدنيين خلال قتال العساكر، والجيوش، لكنّ غير المسبوق أن تقتصر الحروب على قصف المدنيين، وإلحاق المجازر بهم، من دون رادع، وفي ظل صمت عالمي مطبق. 

المشهد مذهل، لا يستوعبه عقل، ولا تتحمّله مخيّلة، خصوصاً متى ترافق مع صمت تامّ على مستوى الدول، وحيث تُتْرك المقاومة في غزة ولبنان لوحدها تجابه أعتى آلة عسكرية في العصر الحديث، وتستباح مآوي المدنيين، والمنشآت السكنية، ومراكز الإيواء، والمستشفيات، والمدنيون هم أكثر من دفع ثمن الحرب بينما هم في العراء، أو في مقارّ مدنيّة. 

إزاء هول ما يجري منذ "طوفان الأقصى"، حتى اليوم، من دون هوادة، عبّر كل عاقل عن تفاعله مع المأساة بطريقة من الطرق. أما الفنان اللبناني مصطفى عبيد، الذي هاله المشهد منذ البداية، ولم يعد يحتمل العجز عن ردع القاتل، راح يعبّر عن نفسه بلوحة فنية يوميّة، يصبّ فيها معاناته، ويرفدها بتعابير الرفض لما يجري: المجزرة والسكوت عنها.

عبيد يعود من عمله كأستاذ للفن، ويتّخذ فرصة لنفسه، كأنها ملجأه من مفاعيل المأساة، ويبدأ رسم معاناته بالترافق مع الحدث اليومي، ويستغرقه العمل من الساعة وأكثر، لتتجمّع لديه بعدها مجموعة من الأعمال من أحجام مختلفة، يطغى عليها صغير الحجم.

زاد عدد اللوحات عن 400 لوحة منذ 7 أكتوبر، حيث لم ينقطع يوماً عن وضع لوحة مستوحاة من تطورات الأحداث اليومية. ثم ينقلها بكاميرا هاتفه ويعلّق عليها بعبارات الرفض للمأساة، والتضامن مع المقاومين وجمهورهم، ويرسلها صباحاً لأصدقائه.   

يشرح عبيد لـــ"الميادين الثقافية" مبادرته العفوية، كما وصفها، ويقول إنه: "ابتداء من ثاني يوم من  عملية "طوفان الأقصى"، أي منذ الثامن من تشرين الأول/أكتوبر 2023، وأنا أعمل على تنفيذ يومي لعمل فني تعبيري من وحي المناسبة، ونحن نعيش تطورات يوميّة، وكل يوم كان يقع حدث جديد يقوم به العدو الصهيوني ضد أبناء غزة، إضافة الى الأعمال البطولية للمجاهدين الأبطال ضد العدو المحتل".

يخفّف الألم تشاركه مع الآخرين، وكأنّ الشكوى تريح صاحبها مما يعانيه، لذلك يفيد عبيد أنّ "الأعمال أرسلها إلى مجموعة من الأصدقاء (كصبحيّة)، أريد مشاركتهم بها لعلّ في المشاركة تخفيف من وطأة الحدث، وذهولنا إزاءه".

اقتصرت أعمال عبيد على الحدث "الغزيّ" بدايةً، حيث لم تكن الجبهة مع لبنان قد بدأت استباحتها من قبل العدو، لكن عندما بدأت الأحداث تتفاقم على الجبهة الجنوبية، وسّع عبيد اهتمامه الفني، و"ابتداء من 19 أيلول/سبتمبر أضفت إلى الأعمال الحرب على لبنان، وما يقوم به الإجرام الصهيوني من قتل وتدمير وتهجير ممنهج"، يقول عبيد.

يستخدم عبيد في لوحاته مختلف التقنيّات منها مادة الأكريليك، وأقلام الكوبك (copic)، والألوان المائية الشفّافة، والوسائط المتعدّدة (mixed-media)، والحبر الصيني. 

وعبيد (1957) فنان مخضرم، كان من أوائل طلاب الفنون في معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية، طوّر أعماله، وصاغ لنفسه أسلوباً تعبيرياً خاصاً من الفن الحديث. أقام العديد من المعارض الخاصة، وشارك بالكثير من المعارض الجامعة، لذلك اتّسمت لوحاته بالحرفيّة، والجمال التعبيري، ملتزمة مبادئ وقوانين الفن الأكاديمية، مترافقة مع خبرات طويلة في الفن.

  •  الفنان مصطفى عبيد بين أعماله
    الفنان مصطفى عبيد بين أعماله

من آخر أعماله، لوحة فيها العديد من السفن في بحر هائج، مضمونها متسائل عن أي مصير ينتظرنا في هذه العاصفة المجهولة المصير.

من اللوحات ما تضمّن عبارة غزة رمز العزة، وعبارات المقاومة، والكرامة، والتنديد بالمجزرة في غزة ولبنان، والتعاطف مع المقاومة، والأهالي - ضحايا المجزرة.

وورد في آخر أعماله: "إن العدو الصهيوني المجرم يسابق الزمن في محارقه للشعبين اللبناني والفلسطيني من دون أي تدخّل من المجتمع الدولي والعربي لردعه".

وفي لوحة سابقة تعبّر عن موجة تسونامي، يقول: "تسونامي الإجرام الصهيوني مستمر في لبنان وغزة والمجتمع الدولي إما في صمت مطبق أو متآمر يطبّق أجندة العدو الإسرائيلي". 

وتعبيراً عن الإبادة، من دون تسمية للوحة، يقول: "وتستمر الإبادة الجماعية للشعبين اللبناني والفلسطيني على يد الإجرام الصهيوني. حسبنا الله ونعم الوكيل”، وتختلج في اللوحة معاني الطوفان، والمدافن الجماعية.

وفي سؤال له إن كان سيستمرّ برسم لوحة كل يوم، قال: "نعم وهذا أقل ما يمكن فعله، ومشاركة مني تقديمه لنصرة أخوتنا في فلسطين ولبنان". 

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.