اليمن وحكايات البحر الفدائي
غزة شقيقة صنعاء وصعدة والحديدة، تنهض من ركام الحرب ولا تتوقف عن الحلم والحنين، وأهلها يعانقون البحر بمواجهة خذلان الصحارى والقصف المتواصل.
ذكريات وحكايات كثيرة في فلسطين عن اليمن وطباع أهل اليمن وشهامتهم، وما يشكله اليمن اليوم من حالة وفاء وإسناد لفلسطين وغزة، التي يتطلع أهلها بثقة عالية إلى الشعب اليمني وقيادته الحكيمة والشجاعة التي جسدت الأقوال بالأفعال.
وانطلاقاً من أهمية سلاح البحرية منذ الحرب العالمية الثانية، استخدمت القوات المسلحة اليمنية أحد أهم الأسلحة الإستراتيجية المتوفرة لديها، وهو سلاح الممرات البحرية، لمنع السفن الإسرائيلية أو السفن المتجهة إلى موانئ كيان الإحتلال، من عبور البحر الأحمر ومضيق باب المندب حتى وقف العدوان على قطاع غزة، ورفع الحصار وإدخال المساعدات.
ومن حسن حظ الجغرافيا الفلسطينية أنها تطل على 3 مسطحات مائية، هي البحر الأبيض المتوسط من الغرب، والبحر الميت من الشرق، والبحر الأحمر من الجنوب، وللفلسطينيين كما إخوتهم اليمنيين تاريخ وباع طويل في ركوب البحر والملاحة فيه تجارياً وعسكرياً وثقافياً.
وهذا ما سيستفيد منه بحر غزة الممتد على طول مساحة قطاع غزة بمسافة تزيد عن 42 كلم، و هو البحر الهادر بالحياة والمقاومة، وله في الماضي والحاضر دور كبير في العمل الفدائي البحري الذي لم يقتصر سابقاً على الفلسطينيين وحدهم، بل شارك فيه فدائيون من لبنان وسوريا والعراق واليمن الذي تقوم قواته المسلحة اليوم بإسناد غزة عبر البحر، وبالمسيرات التي تلحق الضرر الكبير بالإسرائيليين واقتصادهم ومعنوياتهم وتشتت قدراتهم العسكرية و الأمنية.
وعبر تاريخ الصراع مع الاحتلال ركب الفدائيون الفلسطينيون خيول الأزرق، وساروا على كتف الموج، وصارعوا التيه وأهوال البحر، شاهرين الريح رصاصاً وبنادق من أجل العودة والخلاص من الإحتلال.
وغزة شقيقة صنعاء وصعدة والحديدة، تنهض من ركام الحرب ولا تتوقف عن الحلم والحنين، وأهلها يعانقون البحر بمواجهة خذلان الصحارى والقصف المتواصل، ويدخلون البحر ليواجهوا فيه الخطر الكبير وليحصلوا منه على الخير الوفير، مع قناعتهم بسهولة النجاة منه أكثر من إمكانية النجاة من خطر الإحتلال، والحرب التي أصبحت الآن تخاف منهم أكثر مما يخافون منها.
ويذهب أهل غزة إلى البحر كلما استطاعوا، بعيداً من حالة الإختناق التي تسببها الخيام ومراكز الإيواء ويطلبون منه أن يتحول إلى ملاذ آمن وأن يعدهم بأحلام مستقرة وبأيام أقل قسوة لا يتساوى فيها الموت والحياة.
ورغم الحرب وبشاعتها ما زال البحر في غزة واليمن يشبه صورة من نحب ورائحة نوافذ البيوت ومصدراً للإلهام والتفكير، ويحتفظ بعمقه واتساعه بالكثير من الحكايات عن الفدائيين، وأمواجه شاهدة على الكثير من الضحكات والبكاء والغضب والصبر وكتابة الشعر والأغنيات ومنها أغنية (سنرجع يوماً إلى حيّنا) التي كتبها على شواطئ بحر غزة الشاعر هارون هاشم رشيد ولحنت في بيروت، وغنتها السيدة فيروز بصوتها الملائكي الساحر.
وما زال بحر غزة رغم الدمار والغبار يحصي أنفاس الأمل والضوء العائد من جهة اليمن، ليعود الفدائي المؤمن بأن (لا بر إلا ساعداه) ولا خيار له سوى الصمود والمقاومة ليؤدي دوره في الدفاع والهجوم، ويقوم بإطلاق زخات من الفرح والمطر والرصاص والاناشيد كلما حلقت في أجواء فلسطين المسيّرة "يافا"، التي تؤكد بأن غزة ليست لوحدها ولن يستطيع أحد رميها في البحر والصحراء، وستبقى صامدة تقدم دروساً في الصبر والإنتصار على الاحتلال الذي لا يعرف بأن للبحر طرقاً وذكريات وأمل بلقاءات ستأتي وتصنع المعجزات في غزة التي ستعود حتماً كزنبقة تشم رائحة البحر لأول مرة.