باراج خانَا.. القوة لآسيا؟
الباحث الهندي باراج خانَا يحلل التحوّل في موقع القوة العالمية من الغرب إلى آسيا، ويعلّق على الهوية المشتركة المتنامية بين دولها الجماعية.
تتطلّع آسيا اليوم إلى أفق أكثر شمولاً واستقراراً وتعيد إحياء الثقة في قيمها، بعد أن بلغ اتجاه العولمة ذروته في آسيا التي تجاوزت العتبة من التعلّم إلى التطبيق، وولدت الابتكارات التي تتمّ مشاركتها في جميع أنحاء العالم، وتسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتيّ في الموارد الطبيعيّة والزراعة والصناعات التِّكنولوجية من خلال اندماج الاقتصاديّات الآسيويّة المتنوِّعة كحلقة متصلة لتشير بشكل لافت إلى صعود متنامٍ للنموذج الآسيوي.
يبدأ الباحث الهندي باراج خانَا كتابه "المستقبل آسيويّ: التجارة والصراع والثقافة في القرن الحادي والعشرين" من ترجمة ونشر دار "جروس بروس" في بيروت، بتحلّيل التحوّل في موقع القوة العالمية من الغرب إلى قارة آسيا، ويعلّق على الهوية المشتركة المتنامية بين دولها الجماعية، ويدرس ظهور النظام الآسيوي بعد نهاية الاستعمار والحرب الباردة، وكيف أن صعود آسيا الجماعي تحوّل بعيداً عن الهيمنة الأميركية ويؤثّر على الجغرافيا السياسية والاقتصاد والثقافة في المنطقة.
عودة آسيا الكبرى
بدا المؤلّف متفائلاً من خطوات تقارب الدول الآسيوية نحو عملية التكامل المُسماة "بأسينة آسيا" بشكل لم يسبق له مثيل من خلال خرائط تفصيلية وبيانات وتحليلات لجميع الأسواق الرئيسية في آسيا وتأثيرها المشترك على الاقتصاد العالمي. ويقول إنّها عودة نمو جماعية وإنّ الدّول الآسيويّة أصبحت أكثر أهميَّة. حيث إن الشّركات العالميّة تبيع للصين وتوظِّف مهندسين هنوداً، ويمضي النّاس عطلاتهم في اليابان وإندونيسيا. علاوة على ذلك، أصبحت المنطقة ككلّ أكثر ترابطاً.
كما استشهد المُؤلف بدراسة سنويّة لسلطة جواز السّفر من قبل شركة الاستشارات البريطانيّة Henley & Partners ليخبرنا أنّ اليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبيّة تحتل مرتبة أعلى من الدّول الغربيّة من حيث الوصول من دون تأشيرة إلى البلدان الأخرى، ممّا يتيح لمواطنيها السَّفر حول العالم بحريّة أكبر سواء للعمل أو السّياحة. والأهم من ذلك أن المنطقة تأخذ مساراً واحداً هو أن جميع القوى الاقتصادية الآسيوية تنحني نحو ثقل مشترك، وتعمل على تخفيف اعتمادها على الغرب كمصدر للاستثمار ووجهة للصادرات.
إقرا ايضاً: المستقبل آسيوي": عن صعود آسيا في القرن الحادي والعشرين
ويضيف أن القوة الاقتصادية والسياسية والثقافية في العالم تتجه أيضاً نحو آسيا لبناء علاقات استراتيجية مستقبلية، وذلك من خلال أكبر مبادرة استثمار منسّقة في تاريخ العالم حزام واحد-طريق واحد، لنسج العديد من طرق الحرير القوية والجديدة عبر اليابسة الأوروبية الآسيوية، من خلال مشروع البنية التحتية المدفوع من الصين التي تمتلك غالبية احتياطات ومدخرات النقد الأجنبي في العالم، إضافة إلى قدرتها الشرائية التي تجعلها من أهم الأسواق الاستهلاكية الجديدة للاقتصاد العالمي.
دول الخليج وغرب آسيا
كان نهوض جنوب وشرق آسيا قد أجبر غرب آسيا على اكتشاف جغرافيّتها الآسيويّة، وربطت دورة الطاقة الفائقة ثروات الخليج بسرعة مع آسيا أكثر من الغرب، فكانت خطوة لزيادة فرص العلاقات الاقتصادية المتنامية والحصول على المزيد من الاستثمار. ومن المتوقّع أن يتضاعف استهلاك الطاقة الآسيوي إلى الضعف في الفترة ما بين 2015-2030 وبدعم إضافي كبير من الخليج.
كما أن سعة الاستثمارات الحديثة على امتداد طريق الحرير البحري الجديد الممتد من مضيق هرمز وصولاً إلى مضيق ملقا الذي يعدُّ أهم ممرات الطاقة في العالم هي دليل آخر على جذب الآسيويين لجميع أركان المنطقة سوياً. ويدفع نمو الاستثمار عبر آسيا خططاً للفصل بين النفط والدولار، ويتوقّع العديد من الخبراء تثبيتاً وشيكاً لأسعار النفط وفق تسعيرة منطقة الرنمينبي.
فاقتصادات الخليج لا تستطيع تحقيق أهدافها في التنوّع الاقتصادي من دون دعم من شرق آسيا. ففي العام 2015 اشترى صندوق الاستثمارات العامة السعودي 38 في المئة من حصة شركة بوسكو الكورية للهندسة والبناء، بعدما تحوّلت شركة أرامكو السعودية إلى هيونداي الكورية لإنشاء أكبر ورشة لبناء وتصليح السفن في الخليج.
أما البحرين وسلطنة عمان فتحوّلتا إلى مصارف شرق آسيا للتمويل التجاري والاستثمارات المشتركة، وكان لليابان وكوريا الجنوبية دورٌ مهمٌ بتقديم أفضل الأماكن الصناعيّة والإلكترونيّة الضروريّة التي تلبّي طموح دول الخليج في التحوّل الاقتصادي.
أما الهند فقد رسّخت نفسها في شرق آسيا في عهد مودي وشرّعت إحياءً جدياً لسياستها "انظر شرقاً" لإيجاد أسواق جديدة لاقتصادها المتنامي، إذ تُصدّر دول مجلس التعاون الخليجي النفط والذهب إلى الهند وتستورد المجوهرات والمنسوجات بما يبلغ تقريباً 200 مليار دولار سنوياً.
كما عملت صناديق الثروة السياديّة في آسيا والتكتلات المالية مع دول آسيا النامية في مشاريع البنى التحتية المهمة لتصبح أكثر ترابطاً مما يخلق فرصاً ومسارات متعددة.
دول آسيا الوسطى
ذكر المؤلف أن المناطق الجغرافية الأساسية والمجتمعات الكبيرة مثل إيران وباكستان وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا والتي كانت يوماً من الأيام معزولة عن المشاركة الكاملة في القصة الآسيوية الكبرى أصبحت الآن ركائز لها.
فمنذ تسعينيات القرن الماضي اجتاحت موجات متعاقبة من استثمارات البنية التحتية الصينية دول الاتحاد السوفياتي السابق وقامت الصين بتسوية النزاعات الحدودية، وأبرمت اتفاقيات جمركية، وأكملت العديد من خطوط أنابيب النفط والغاز من بحر قزوين عبر كازاخستان وتركمانستان.
وكان حضور الصين في بلد مثل باكستان سعت لتبنّي آسيويّتها بالكامل بعد أن سئمت من أميركا يُعد محرّكاً رئيسياً لتلاقي النظم الفرعية الشرقية والغربية والشمالية والجنوبية في آسيا معاً.
فإن الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني الذي سيوفّر أقصر طريق للبضائع الصينية المتجهة إلى الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأفريقيا يُعد أهم مبادرة مشتركة بين البلدين.
يبدو أن دول المنطقة تسعى للارتباط بالصين، ولعل بنك التنمية التحتية والاستثمار الآسيوي (AIIB) الذي تقوده الصين يعد من الأمثلة التي توضح أن الصين ليست جزيرة عملاقة تطفو فوق آسيا، الصين لديها جيران أكثر من أي دولة أخرى وهي متأصّلة بعمق في النظام الاقتصادي الآسيوي.
الانتقال إلى اليابان مركز الابتكار الرائد في آسيا
فمنذ العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية حقّقت اليابان نمواً مذهلاً، تموّل الشركات اليابانية جنوب شرق آسيا وتحل محل الصين كأرضية مصنع جديد من تصنيع تويوتا في تايلاند وإندونيسيا إلى بناء موانئ في ميانمار.
وفي عام 2017 وافقت على توقيع أكبر اتفاقية تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي مما يخلق أكبر منطقة تجارية في العالم ويزيد من حافز اليابان لإلقاء ثقلها في مبادرة الحزام والطريق.
ونشرت إبداعها التكنولوجي وشعبيتها الثقافية عبر آسيا فأصبحت سلسلة Books Kinokuniya سلسلة المكتبات اليابانية الألفية معلماً بارزاً في المدن الآسيوية الكبرى من دبي إلى سنغافورة.
وأصبح سوفت بنك "Soft Bank" مثال اليابان البارز للجسر بين اليابان وآسيا والعالم. ويمتلك حصصاً في التجارة الإلكترونية في الهند وحصة ما يقارب 30% من شركة علي بابا Alibaba"" الصينية.
وتعد شراكة سوفت بنك وعلي بابا للاستحواذ على سوق التجارة الإلكترونية في الهند مثالاً قوياً على المثلث التجاري الناشئ بين الصين واليابان والهند.
ويعتبر صندوق سوفت بنك فيجن Visions Soft bankأكبر محفظة تكنولوجية في العالم، وتعد فيها المملكة العربية السعودية أكبر مستثمر، تليها الإمارات العربية تقوم باستثمارات قوية في أشباه المواصلات والأقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي حول العالم.
ونظراً للتقدّم في العمر بالتركيبة السكانية تعد اليابان في طليعة بناء حضارة الإنسان الآلي الهجينة. كما تعتبر كلّ من سييؤل وتايبيه وسنغافورة وشنغهاي وشنتشن مثل طوكيو من بين أكثر مدن العالم عالية التقنية ولكل منها أنظمة إيكولوجية مبتكرة وأنظمة تعليمية مشهورة عالمياً خاصة بها.
وبالتالي تتمتع كل دولة من هذه الدول بميزة تنافسية في مجالات عديدة مثل التصنيع المتقدّم والروبوتات وأشباه المواصلات والرقائق الدقيقة والطاقة الشمسية وما إلى ذلك.
آسيوية روسيا
كتب المؤلف أن روسيا هي جزء من نصف الكرة الأرضية في شمال آسيا ويبلغ عدد سكانها 140 مليون نسمة، أقل من 20% ينتشرون في آسيا والبقية يعيشون في الأجزاء الأوروبية، ونظر الاستراتيجيون الغربيون إلى روسيا منذ انهيار الاتحاد السوفياتيّ على أنها ستقبل توسيع الناتو والشركات مع أميركا وأوروبا، لكن موسكو رفضت النظام الغربي ووضعت نفسها كأحد أعمدة النظام الآسيوي، وكان لها تعاون دبلوماسي إيجابي ضخم مع الشركاء الآسيويين، فالروابط الروسية المتنامية مع آسيا لا تتعلّق بالتقارب الثقافي بقدر ما تتعلّق بالتكامل الاقتصادي والضرورة الاستراتيجية.
ووفقاً لجغرافية روسيا فهي لا تزال تتمتّع بعلاقات أوروبية مهمة وأكبر مستثمريها هم فرنسا وألمانيا، كما الآسيوية أيضاً، لكن الحرب في أوكرانيا أدت إلى تغيير جذري في المشهد الجيوسياسي بين أوروبا وآسيا. ووضعت الدول الأوروبية أمام تحديات كبيرة على صعيد الطاقة والثروات، كما أن معظم الشركات الأوروبية والآسيوية باتت منزعجة من العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا والتي تقوّض من مصالحها التجارية معها.
وذكر المؤلّف أنه بالرغم من الكلام القاسي ضد روسيا ترّأس المستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر شركتي الطاقة الروسيتين العملاقتين "روسنفت" و"غازبروم".
قامت روسيا بتوجيه اقتصادها على نطاق واسع نحو آسيا لتأسيس علاقات اقتصادية وتجارية جديدة وخاصة الصين، ففي مجال الطاقة التي تعدّ المصدر الرئيسي للتبادل بينهما وافقت روسيا على بناء خطوط أنابيب مباشرة إلى الصين، وقدّم بنك التصدير والاستيراد الصيني وبنك التنمية الصيني نصف رأس المال لاستخراج الغاز من شبه جزيرة يامال الروسية وهو أكبر مشروع ضخم للغاز في العالم.
كما تعمل كلّ منهما على تنسيق جهودهما في مبادرة الحزام والطريق (BRI) والاتحاد الأوراسي الروسي (EEU). ففي عام 2015 وصلت التجارة الروسية الصينية إلى 88 مليار دولار وحلّت الصين محل ألمانيا كأكبر شريك تجاري لروسيا.
وتكثّفت التبادلات التجارية والشراكات اللامحدودة بين بكين وموسكو حتى ارتقت العلاقة بين البلدين إلى "الشراكة الاستراتيجية الشاملة". وعملت روسيا على إحياء العلاقات مع الهند ثاني أكبر مساهم في (AIIB) بعد الصين، كما كانت حريصة على تعزيز علاقاتها مع اليابان وفيتنام وآسيان أيضاً. وتتجلى استراتيجية روسيا في آسيا أيضاً بدعمها لسوريا وإيران وتوقيع اتفاقيات تعاون، وكان ذلك واضحاً في نادي فالداي الدولي.
ووصف المؤلف روسيا أنها سلة خبز آسيا، فللمرة الأولى في عام 2017 تفوّقت صادرات الحبوب الروسية على صادرات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ونمت الصادرات إلى جنوب وشرق آسيا بنسبة 60% في عام واحد.
سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين
يقول المؤلف مجادلاً إن الخبراء الغربيين مقتنعون بتفوّق وجهات نظرهم وأفكارهم حتى لو لم تكن مواكبة للعصر. فعندما كانت الولايات المتحدة تُنفق على وجودها العسكري العالمي وكان آخرون قادرين على خفض ميزانياتهم، كان يُطلق عليها مظلة أمنية، أما عندما تريد الصين تدوير فوائضها واحتياطاتها التجارية في بنية تحتية منخفضة التكلفة لعشرات البلدان فلماذا لا نسمّيها منصة تنمية؟
وعندما تطلب الولايات المتحدة أن تتم تصفية جميع المعاملات بالدولار من قبل البنوك الأميركية حتى تتمكّن وزارة الخزانة من فرض عقوبات على التدفّقات المالية، فإنها تعتبر داعمة للنظام المالي، ولكن عندما توفّرAli Baba منصة لملايين الشركات الصغيرة والمتوسطة للتداول بسلاسة مع بعضها البعض في جميع أنحاء العالم، فلماذا يطلق عليها اختراق في التجارة العالمية؟
لذا من الأفضل النظر إلى المساهمات الملموسة والمنافع العامة التي تقدّمها آسيا للنظام الإقليمي والعالمي والحوكمة.
وقال المؤلف "إن الصين" مندمجة بعمق في النظام الآسيوي وتاريخياً الصين ليست قوة استعمارية على عكس الولايات المتحدة التي ضمنت مكانتها من خلال التحالفات والاحتلال والعقوبات القسرية على نحو متزايد من الشرق الأوسط إلى الصين.
وإذا ما اتبعت الصين نهجاً عدوانياً، فإن الدول المجاورة التي تعارضها ستتكاتف معاً بشكل أوثق، مشيراً إلى الاعتراضات في ماليزيا وميانمار على مشاريع البنية التحتية التي تقودها الصين في جوارهما كمثال.
لماذا تحبّ أوروبا آسيا؟
يرى المؤلف أن صعود آسيا يعني أنه يتوجّب على بقية العالم احتضان آسيا، لأن آسيا أكثر تأثيراً في العالم من الغرب، فمعظم شعوب العالم هم من الآسيويين في النظام الآسيوي مع القواعد الآسيوية والتجارة الآسيوية.
بالنسبة لأوروبا لا تزال الولايات المتحدة تمثّل المظلة الأمنية وشريكها الاقتصادي والحليف السياسي في تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية، لكن الحروب أدّت دوراً مهماً في تشكيل الاصطفافات داخل أوروبا وعلاقتها مع الولايات المتحدة.
ومن الواضح اليوم أن الأميركيين اتخذوا نهجاً مختلفاً تماماً، لقد انسحبوا من الاتفاقيات الرئيسية مثل الشراكة عبر المحيط الهادي وسبقه انسحاب أميركي مماثل من اتفاقية باريس للمناخ. ويأتي الكشف عن تجسس الولايات المتحدة على أقرب حلفائها الأوروبيين ليشير ذلك إلى الكثير من التساؤلات غير المريحة التي تهزّ ثقة الأوروبيين بواشنطن بلا أدنى شك لتظهر آسيا أكثر استقراراً من الولايات المتحدة.
في الواقع يثبت محور أوروبا باتجاه الشرق أنه أكثر نجاحاً من الولايات المتحدة، ويمثّل الاجتماع الآسيوي الأوروبي (ASEM) أكبر مجموعة اقتصادية في العالم والتي تمثّل أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي وأكثر من 60% من التجارة العالمية.
وليس هناك شك من أن صعود آسيا هو الفرصة الاقتصادية لأوروبا لتكون أكثر ميلاً نحو آسيا، كما أنّ كلّاً من أوروبا وآسيا تخشى الحمائية الزاحفة لسياسات أميركا أولاً، فقد نمت رغبتهما المتبادلة في استبدال الولايات المتحدة بعلاقات أوراسيا الجديدة.
ولعلّ أهم خطوة استراتيجية في إعادة توجيه الحكومات الأوروبية المتسارعة نحو آسيا هو في انضمامها إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية (AIIB) ووضع ثقلها الدبلوماسي والتجاري وراء مؤسسات ترعاها الصين وتعارضها أميركا، ويرى المؤلف أنها الاستراتيجية الصحيحة على المدى الطويل لأن الاتحاد الأوروبي-وليس الولايات المتحدة-هو أكبر شريك تجاري للصين.
تشمل الآفاق الأوروبية الآن كلّ آسيا، من جسر التكنولوجيا المالية بين لندن وسنغافورة إلى اتفاقيات التجارة الحرة مع كوريا واليابان وفيتنام وأكبر المستثمرين في جنوب شرق آسيا، وتجاوز الاتحاد الأوروبي اليابان كثاني أكبر شريك تجاري للآسيان بعد الصين.
كما دخلت العلاقات الأوروبية مع الصين مرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي، فتحتل أوروبا والصين طرفي الكتلة الأرضية الأوراسية العظيمة التي تعتبر مركز الثقل الدائم للجغرافيا السياسية، ودعمت الصين بناء خط سكك حديدية بين بودابست وبلغراد أكبر خط استثمار داخل الاتحاد الأوروبي، وأيضاً محطات توليد ومصانع الصلب في صربيا ومصافي النفط في رومانيا، حتى أن الصين أنشأت مجموعة دبلوماسية جديدة منتدى 1+16 للتعاون وتنسيق مختلف الاستثمارات بين الصين ودول أوروبا الشرقية.
فإنّ الاندماج السريع بين أوروبا وآسيا الذي يتكشّف اليوم ينذر بحدوث اندماج قاري، فشبكات السكك الحديدية عالية السرعة والمراكز التجارية وكابلات الإنترنت تعمل جميعها على دعم محوري تجاري أوروبي آسيوي.
أوروبا مسرحاً لآسيا الديمغرافية
شدّد المؤلف على أنه من المهم ضمان انفتاح حركة انتقال الأفراد والتعلّم المتبادل بين الحضارات من أجل ازدهارها ونجاحها، لافتاً إلى أن غالبية حركة الهجرة في مختلف مدن العالم تتركّز في الأسواق الناشئة والنامية.
جعلت الهجرات الهندية الآرية حضارات السند في اتصال مستمر مع شعوب شمال وغرب أوراسيا حتى يومنا هذا، كما أن ألمانيا كانت مغناطيساً للمهاجرين تستوعب المهاجرين من كل مكان.
وأشار المؤلف إلى أن التحدي الديموغرافي الآسيوي لأوروبا يظل ثقافياً أكثر من كونه عددياً، من متحف اللوفر في باريس أهم المتاحف الفنية في العالم الذي يمتلك أكبر مجموعة من روائع الفن الإسلامي المتألقة، والمؤسسة الآسيوية والأوروبية (ASEF) التي تعزّز التعاون والتفاهم بين شعوب آسيا وشعوب أوروبا، ومنتدى هومبولت (Humboldt) مركز الثقافات والعلوم العالمية، ويضم متحف الفن الآسيوي، كلها كنوز ثقافية تذكّر الآسيويين بالعظمة التاريخية.
وأخيراً يقول المؤلف إنّ التاريخ العالمي أمام أعيننا، يفضّل الغربيون اليوم صياغة النظام العالمي على القواعد العالمية بينما يفضّل الآسيويون العبارة الصينية "مجتمع المصير المشترك" وإن كلاً من القواعد والمصير يجب أن يتمّا معاً.