العرب من منظور إسرائيلي
إذا كان الفلسطيني محكوماً بالإخفاء عن نظر الإسرائيليين، فإن العربي المتاح للإبصار هو "الإرهابي" وحده، وليس أي نوع من الإرهابيين، بل هو "الإرهابي المُهان".
يمكننا عدّ فيلم "ثقب في القمر" (1964) للمخرج أوري زوهار، وسيناريو عاموس كينان، أول فيلم تهكمي يعرض مسألة العرب من وجهة النظر الإسرائيلية.
يعرض الفيلم المسألة من خلال سرد قصة بناء استديو في قلب الصحراء لتصوير مشاهد من فيلم لمخرجَين صديقَين (أحدهما من مواليد "إسرائيل"، والآخر أشكينازي أتى مهاجراً إليها).
تدور الأحداث في الاستديو من خلال تصوير مجموعة من المزارعين الأشكيناز وهم ينشدون الأغاني الطلائعية بشكل رتيب. وفجأة، يهجم عرب يمتطون الخيول على المزارعين خلال حرثهم الأرض.[1] أدى دور العرب ممثلون يهود دهنوا وجوههم بطلاء كالح السواد.
"لا وجود لعربي حقيقي في الحياة الإسرائيلية المتخيَّلة"، أراد زوهار، المخرج والممثل والحاخام، أن يقول ذلك بطريقته الهزلية. يتابع الفيلم أحداثه، بحيث يحتج "ممثلو دور العرب" أمام مخرجَي الفيلم ويطالبانهما بأداء دور شخصيات صالحة ولو لمرة واحدة. يرفض أحد المخرجَين طلبهم: "هل أنتم مجانين؟ أنتم؟ أشخاص صالحون؟ أنتم عرب".
يستخدم زوهار النيغاتيف (شريط التسجيل الخام) في عرضه ردّ ممثلي دور العرب. العربي شرير، وأسود، وغير حقيقي، ولا وجود له إلا من خلال ممثل يهودي. ولأن المسألة "مجرد تمثيل" غير واقعي، يوافق المخرج الثاني على منح "العرب" أداء دور اليهود، فيتبادلون أدوارهم مع المزارعين الطلائعيين "لمرة واحدة وفي مشهد واحد فقط"، وسرعان ما بدأوا إنشاد أغاني الطلائعيين الأشكيناز.
مسألة تغييب العربي عن الوعي الإسرائيلي ليست مستجدة في الأدبيات الإسرائيلية. في كتابَي "نظام ليس واحداً"[2] لأرئيلا أزولاي وعدي أوفير، و"أرض جوفاء"[3] لإيال وايزمان، يعرض الكتّاب الثلاثة آليات إخفاء العربي عن منظومة الإبصار الإسرائيلية. للاحتلال منظومة مستقلة ذات منطق تطوّري خاص بها تقوم على مجموعة من آليات العنف والقمع والنظام الخطابي المعقد من أجل إعادة إنتاج "العقل الإسرائيلي".
وإذا كان الفلسطيني في هذه الحالة محكوماً بالإخفاء عن نظر الإسرائيليين، فإن العربي المتاح للإبصار هو "الإرهابي" وحده؛ وليس أي نوع من الإرهابيين، بل هو "الإرهابي المُهان".
يمثل كتاب دوري غولد "مملكة الكراهية" نموذجاً مثالياً عن "العربي – الإرهابي المُهان". للتذكير، شغل دوري غولد منصب المدير العام لوزارة الخارجية الاسرائيلية بين عامي 2015 و2017، ويعمل الآن رئيساً لــ "مركز القدس للشؤون العامة".
في كتابه المذكور يقدم غولد رؤيته تاريخَ السعودية، وفي ثناياه يمعن الرجل في إهانتها. يصر الرجل على تقديم التاريخ الدموي للسعوديين ولجيش الإخوان (اليد الضاربة للوهابية في القرنين الثامن والتاسع عشر)، وعلى تقزيم السعودية وسلبها "شرف القتال من أجل فلسطين ولو مرة واحدة"، حتى عندما اندفعت كل الأنظمة العربية إللى قتال "إسرائيل" عام 1948.
ويقول غولد عن تلك المرحلة (حرب عام 1948 بين العرب و"إسرائيل"): "لم تحدد السعودية مصالحها تحديداً دقيقاً، بحيث كانت مساهمتها العسكرية في جهد الحرب العربية متواضعة. إذ لم يُعثر على أثر لجيوش الإخوان، التي أرعبت حدود العراق والأردن قبل 30 عاماً من ذلك ]...[ وكان قائد السعوديين شرطياً حجازياً في السابق، وما إن تلقى مهمته لقيادة القوات السعودية حتى هرول "مذعوراً" إلى قائد المهمة العسكرية البريطانية في العربية السعودية"[4].
تهكّم غولد قد يبدو مقبولاً إذا ما قيس بتهكمه على السعودية خلال لقائه المسؤولين السعوديين أنفسهم. عام 2015، وفي إثر تسلمه منصب المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية من (بنيامين) نتنياهو، سارع غولد إلى فتح قنوات تواصل خلفية مع السعوديين.
لقاءاته المتكررة في "المنتديات الأكاديمية" والسياسية كانت لافتة. وفي ندوة جمعته وأنور عشقي، مدير الاستخبارات السعودية الأسبق، نظمها مجلس العلاقات الخارجية الأميركية في واشنطن، عاد غولد إلى إهانة السعودية مرة أخرى.
وقال الرجل لعشقي ما معناه أنه: "سيكون التكامل الشرق أوسطي بيننا مفيداً إذا ما استفدنا من وفرة أموالنا وندرة عقولكم". ضحك الرجلان ومعهما الحضور، ولم ينبس عشقي ببنت شفة.
هكذا، يتطلع الإسرائيلي إلى التكامل الشرق أوسطي وإلى السلام "العربي – الإسرائيلي". عقول مقفرة وشعوب عصية على أن تُرى، ولـ "إسرائيل" وحدها الحق في منح الحياة والوجود للعربي "ولو لمرة واحدة".
بالعودة مرة أخرى إلى أوري زوهار وفيلمه "ثقب في القمر"، سيكون على العرب العمل في حقول الإسرائيليين إذا أرادوا الوجود معهم "لمرة واحدة وفي مشهد واحد فقط"، وسيكون عليهم إنشاد أغاني الطلائعيين من الأشكيناز إذا أرادوا النطق "ولو لمرة واحدة". كذلك، سيكون على العرب "الخوف من الإسرائيليين كخوفهم من ربهم، إذا أرادوا طلب الوجود ولو لمرة واحدة وأخيرة"، هذا ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، نفتالي بينيت، لمجلة "إيكونومست" قبيل عام [5].
[1] عنار فيرمينغر، شخصية الآخر العربي في السينما الإسرائيلية، كتاب بين مسيرة الحمالات وطبق الفضة، بين السينما والأخلاقيات المهنية، منشورات رزلينج، 2017.
[2] أرئيلا أزولاي، عدي أوفير، نظام ليس واحداً: الاحتلال والديمقراطية بين البحر والنهر 1967 - ، ترجمة نبيل صالح، الأهلية للنشر والتوزيع، 2012.
[3] إيال وايزمان، أرض جوفاء: الهندسة المعمارية للاحتلال الإسرائيلي، مدارات للأبحاث والنشر، 2007.
[4] دوري غولد، مملكة الكراهية، منشورات الجمل، ص 100.
[5] Naftali Bennett argues that Israel’s future depends on striking fear into its enemies’ hearts, https://www.economist.com/by-invitation/2023/10/17/naftali-bennett-argues-that-israels-future-depends-on-striking-fear-into-its-enemies-hearts