"الحرب العالمية زد": اليهودي الطيّب، والفلسطيني المتوحّش!
فيلم "الحرب العالمية زد" صُنع بكامله من أجل تبرير وجود جدار الفصل العنصري، الذي رفعته "إسرائيل"، والذي يدّعي الفيلم أنه لعزل "الزومبي" وحصارهم. والزومبي هنا هم العرب والمسلمون.
مَنْ ينقذ البشرية من الهلاك والكوارث والتوحّش؟ سؤال يجيب عنه فيلم "الحرب العالمية زد" (حرب الزومبي العالمية)، للمخرج مارك فورستر، صاحب فيلم "عدّاء الطائرة الورقية". أما المنقذ فهو براد بيت (جيري لين)، في إثر انتشار وباء غريب كالنار في الهشيم في جميع أنحاء العالم، وإذا بكُل من يمسّه هذا الوباء يتحوّل إلى زومبي. فيلم مصنوع بمهارة بصرية لافتة، إلا أن ما يدعو إلى الغرابة أن تكون "إسرائيل" هي الوحيدة التي نجت من الوباء!
يعيدنا هذا الأمر إلى شخصية "اليهودي الطيّب" في مواجهة "المسلم الشرّير"، في أسطوانة لا تكفّ عن الدوران في استوديوهات هوليوود العملاقة.
تدور أحداث الفيلم (2013) حول جيري لين، وهو جندي سابق كان يعمل في الأمم المتحدة. لدى جيري عائلة مكونة من زوجة وابنتين. تبدأ أحداث الفيلم حينما كان جيري وعائلته عالقين في ازدحام مروري في المدينة. في ذلك الوقت بدأ الجنون يجتاح شوارع المدينة. فهناك طائرات تحوم في سماء المدينة وتفجيرات عظيمة وشاحنات تسحق السيارات في طريقها. لقد سادت الفوضى جميع أنحاء المدينة، فالناس يركضون في كل مكان، ويقتلون بعضهم البعض وينهبون ما تطاله أياديهم.
خلال ذلك الوقت يستقبل جيري اتصالاً هاتفياً من ممثل الأمم المتحدة الذي كان يعمل معه في السابق، ليخبره بالوضع الراهن، ويعلمه بأنه سيبعث إليه طائرة عسكرية تقله هو وعائلته إلى المركز الآمن للأمم المتحدة. وما عليه سوى أن يستقر على سطح إحدى البنايات ويرسل إشارة إلى الطائرة من أجل تحديد موقعه.
انطلق جيري إلى مركز التسوق ليحصل منه على بعض الأدوية لعلاج الربو من أجل ابنته، وكي يحصل كذلك على بعض الإمدادات الغذائية. وفي ظل الفوضى في المكان، استطاع الحصول على ما يريد وذهب إلى واحدة من البنايات لتستقبله أسرة من الأسر. لذا يطلب جيري من هذه الاسرة أن ترحل معه، إلا أنها ترفض.
يصعد جيري بحرص مع عائلته إلى السطح ويصعد إلى الطائرة بعد صراع طويل مع الزومبي. وما إن تصل الطائرة إلى المركز، حتى يجد جيري عدداً من العاملين في الداخل، ويخبره رئيسه بأن كل شخص يوجد في هذا المركز له عمل يقوم به. وبعد ذلك يعلمه بأنه اتصل به هاتفياً من أجل أن يرافق طبيباً إلى كوريا الجنوبية لمعرفة منشأ المرض. إلا أن جيري يرفض هذه المهمة، الأمر الذي يُضطر الرئيس إلى أن يخبره بأنه إذا لم يذهب في هذه المهمة لن يكون هناك مكان آمن له ولأسرته على متن هذه السفينة، فيضطر جيري آسفاً إلى الذهاب إلى هذه المهمة.
ينطلق جيري إلى قاعدة عسكرية في كوريا، لكن لدى هبوط الطائرة وهجوم الموتى الأحياء عليها يقتل الطبيب نفسه خوفاً ورعباً، فيُضطر جيري إلى أن يعثر بنفسه على منشأ هذا المرض. يكتشف هناك أن طبيب القاعدة العسكرية أصابه الفيروس كذلك، وأصاب بعضاً من الجنود. لكن قبل رحيله يتعرف إلى أحد رجال الاستخبارات الذي يخبره بأنه إذا أراد أن يعرف عن هذا المرض فعليه بالذهاب إلى "إسرائيل". فهي "الدولة" الوحيدة التي لم يصبها الفيروس، بحيث أقامت جداراً عازلاً ضخماً حول مدينة القدس منع مرور الكائنات المتحولة إلى الداخل.
يذهب جيري إلى هناك لتستقبله شخصية مرموقة من الاستخبارات الإسرائيلية، لكنه لا يعلم بمنشأ هذا المرض بالتحديد، وإذا أراد أن يعلم الحقيقة فعليه الذهاب إلى ويلز. فهناك مركز عظيم للأبحاث يعمل على هذا الأمر. لكن، قبل أن ينتهي المسؤول من حديثه، نجد أن الزومبي استطاعوا أن يعبروا السور، وسادت الفوضى في أرجاء القدس، وهو ما اضطر جيري إلى الهروب مع جندية "إسرائيلية" في طائرة ركاب.
في الطائرة يكتشف الركاب إصابة أحدهم، الأمر الذي جعل الفوضى تنتشر في الطائرة. لذا،ـ يضطر جيري إلى أن يلقي على الكائنات المتحولة قنبلة يدوية تؤدي إلى تدمير الطائرة وسقوطها في ويلز. ولم ينج من الطائرة سوى جيري والجندية، ليذهبا بعد ذلك إلى مركز الأبحاث. يتعرف هناك إلى مديره ويخبره بأنه لاحظ أن الزومبي لا يقتربون من شخص لديه مرض عضال، وأن عليهم الحصول على فيروس مميت مثل سارس أو الإنفلونزا الإسبانية أو غيرهما من الأمراض القاتلة، لكن الأطباء هناك يتعجبون ممن يريد أن يحقن نفسه بهذه الأمراض. ويخبرونه بأن لديهم هذه الأمراض، إلا أنها موجودة داخل مختبر تحول جميع العاملين فيه إلى زومبي، لتبدأ رحلة أخرى في محاولة العثور على هذه الأمراض.
ينتهي الأمر بحقن جيري نفسه بأحد هذه الأمراض، ليكتشف الجميع أن هذه الكائنات لا تقترب إليه بالفعل، في ظل وجود هذا المرض. وقبل أن ينتقل إلى عائلته، يتم حقنه بمضاد لهذا المرض. وفي النهاية، يصل إلى العائلة لتبدأ الأمم المتحدة صناعة لقاح يعمل كتمويه لهذه الكائنات. ثم تلقي بها إلى الدول التي لا تستطيع صناعتها.
هكذا تظهر "إسرائيل" في الفيلم بصفتها "الدولة" التي انتبهت مبكراً لخطر الفيروس واستفادت من جدرانها العازلة "الكبيرة" لإنقاذ "شعبها" من خطر الزومبي الموجودين خارج الأسوار. يكتشف موظف الأمم المتحدة ذلك عندما كان في كوريا، ويصر على زيارة "إسرائيل" لمعرفة كيف انتبه اليهود للفيروس مبكراً. وعند وصوله إلى هناك، تتضح له أهمية الجدار العازل في إنقاذ "الشعب" الإسرائيلي، كما يكتشف "إنسانية" "الدولة اليهودية"، التي وضعت بوابات صغيرة لاستقبال الناس الذين لم يتعرضوا للفيروس والموجودين في الخارج، وذلك من دون أن تكترث لانتماءاتهم الفكرية والدينية، لأن المهم هو إنقاذ الإنسان البريء، بأي طريقة.
يتساءل الناقد الفني السعودي، رجا ساير المطيري، في هذا السياق المراوغ للشريط: "هنا لا تستطيع أن تعزل نفسك عن فكرة "الجدار العازل"، الذي بدأت "إسرائيل" تنفيذه منذ أعوام في فلسطين للحد مما تسميه "الإرهاب"، والتي وجدت أصداءً سلبية حول العالم وفضحت الدولة الصهيونية وجعلتها تبدو، على حقيقتها، دولةً قمعية تقوم باضطهاد الفلسطينيين بصورة ممنهجة. حتى أصبح للجدار العازل معنى سلبي يفوق قدرة "إسرائيل" على التزييف وقلب الحقائق".
ويضيف موضحاً: "لكن الفيلم يقدم تطبيعاً لهذه الفكرة، وتسويغاً لها، وتبريراً أخلاقياً وسياسياً، وتسويقاً لا يحلم به حتى أشد اليهود تعصباً. فالجدار الموجود في الفيلم، والذي سيتعاطف معه المشاهد بالضرورة، إنما هو "جدار إنساني" لم يُبنَ إلا لإنقاذ اليهود من وحوش الزومبي (العرب ربما!) المتربصين خارج الأسوار، كما أن الدولة العبرية - على رغم الخطر الذي يتهددها من الخارج - حريصة على القيام بدورها الإنساني في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الناس المتباينين عنها".
نعتقد أن الفيلم بكامله صُنع من أجل تبرير وجود جدار الفصل العنصري، الذي رفعته "إسرائيل"، والذي يدّعي الفيلم أنه من أجل عزل "الزومبي" وحصارهم، والزومبي هنا هم العرب والمسلمون.
فيلم يمزج المغامرة والأفكار المعادية، بجرعات من السّم، ضمن مواصفات فيلم هوليوودي رفيع المستوى على الصعيد البصري، تعاون في كتابة السيناريو المقتبس عن رواية الكاتب اليهودي العنصري ماكس بروكس: ماثيو ميشيل كارنهان، ودرو جودارد، ودايمون لاندليف، وج. ميشيل ستدارسكي، وبمشاركة حشد من الممثلين الإسرائيليين.
ونشير هنا إلى أن النسبة الأكبر من الشخصيات التي تحوّلت إلى زومبي كانت ترتدي الكوفية الفلسطينية في محاولة لترسيخ تلك الكوفية وتلك الشخصيات كرمز للشر والعدوان. والسؤال الآن: ماذا فعلنا نحن لمواجهة أفلام كهذه عملت على تشويه صورة العرب والإسلام؟
في ضفةٍ أخرى تلفت الباحثة في النقد الثقافي حنين شفيق الغبرا، في قراءة معمّقة لهذا الطراز من الأفلام، إلى العواقب وأساليب الاتصال التي يسعى الفيلم جاهداً من خلالها لجعل تلك الدعوات مقنعة. وبالتالي، فإن احتفال الفيلم بالتعددية الثقافية أو عولمة الأمم المتحدة أو حل النزاع السلمي، يشجع الجمهور على اتخاذ موقف معيّن، وقبول احتواء "إسرائيل" لـ "الفيروسات" الفلسطينية أو الإسلامية.
وتقول الغبرا إن "تحليلاتنا النقدية لإظهار الفلسطينيين أو المسلمين في مظهر الوحوش في الفيلم توسّع نطاق عمل العلماء الذين كتبوا عن سياسة "التوحيش" وأنواع السياسة الحيوية، وعلاقة نهاية العالم على يد الزومبي بالنقد الخطابي المعاصر للخلافات القومية والاجتماعية. ونجادل هنا في أنه حين يعرض المخرج رحلة جيري لين إلى الأرض المقدسة، فإن هذا يحرك سلسلة من الديناميكيات السينمائية التي تخلق بالتالي ما أطلق عليه جاك دريدا وآخرون سمات "المناعة الذاتية" لدولة تحاول احتواء التهديدات البيولوجية أو الطبية. وسرعان ما يتحول الجدار الخيالي، الذي يمنع تهديدات الزومبي في الفيلم، إلى حائط دفاع عن الأمن الإسرائيلي".
وتشير الغبرا إلى أن فيلم "الحرب العالمية زد"، يتكئ على "مجموعة من الأساليب الخطابية لجعل المشاهدين يعيدون التفكير في الطرائق التي ينظرون بها إلى جدار "الفصل" الإسرائيلي، الذي يفصل حالياً عدداً من العوائل الفلسطينية. وعن طريق عرض لقطات لوحوش الزومبي وهي تتسلق الجدار، وتحديد "إسرائيل" موضعاً لوجود "العلاج" المحتمل للزومبي، يشير منتجو الفيلم، صراحة أو تضميناً، إلى أن المعارضين الفلسطينيين، أو السكان الأصليين "الآخرين"، يشكّلون تهديدات سياسية وحيوية يمكن عزلها أو احتواؤها عن طريق أولئك الذين يعرفون كيفية محاربة الزومبي".
هكذا أصبحت سيناريوهات ما بعد نهاية العالم، التي ركزت ذات يوم على تهديدات الحرب النووية، أكثر تعقيداً خلال التسعينيات مع انتشار الخوف من فيروسات الأيدز والأيبولا والأمراض "النامية"، وارتباطها بالتهديدات الإدراكية الأخرى.
أصبح الربط بين التهديدات الجيوسياسية والبيولوجية "موضوعاً رائجاً ويحقق انتشاراً مضموناً للعلم والبحوث الطبية وأفلام الأكشن والخيال العلمي". وظهرت عاصفة كاملة لتشويه "الآخرين" من العرب والمسلمين في مجالي الدبلوماسية والسينما، عندما تقاربت المخاوف بشأن "الإرهاب" في الشرق الأوسط مع مخاوف الأمراض المستوطنة و"النامية".