أدهم خنجر.. الثائر المغيَّب عن كتب التاريخ اللبناني
سلسلة "خارج عن التاريخ" الوثائقية تُعيد وضع قصة حياة الثائر أدهم خنجر في سياقها الصحيح، من خلال الإضاءة على مقاومته للاستعمار الفرنسي، وصولاً إلى إعدامه في بيروت.
تناولت الحلقة الأولى من سلسلة "خارج عن التاريخ"، التي عرضها قناة "المنار"، قصة حياة الثائر أدهم خنجر وكفاحه، وهو ابن بلدة المروانية في منطقة جبل عامل جنوبي لبنان، الذي أعدمته سلطات الانتداب الفرنسي في الـ30 من أيار/مايو من العام 1923، لتوضح حقيقة الرجل الذي اتّهمته الصحف الفرنسية، وتلك الناطقة باسمها، بُعيد إعدامه، بأنّه "قاطع طريق"، وكانت تصفه قبل ذلك بأسوأ الصفات التي تتبنّى وجهة نظر المستعمر، بينما هو في حقيقة الأمر شاب انتفض لحرية بلاده وكرامة أبنائها في وجه محتل جديد.
الوثائقي الذي أعدّه وأخرجه الزميل علي طفيلي، واستفاد فيه من آراء عددٍ من الأكاديميين والمؤرخين والباحثين، يبدأ في صنع الخلفية التاريخية لموضوعه منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، والخديعة التي مارستها دول الحلفاء على الشريف حسين بإغرائه بأن يصير ملكاً على العرب في حال أعلن الثورة الشاملة على الاحتلال العثماني. بهذه الطريقة عوّضت سلطات الانتداب القوات العثمانية المنسحبة، وفق معاهدة "سايكس بيكو" التي اقتسمت من خلالها فرنسا وبريطانيا بلاد الشام.
كانت عائلة أدهم خنجر عائلة إقطاعية غنية في فترة الاحتلال العثماني، مُعيَّنة من قِبل العثمانيين لإدارة مناطق زراعية عدة في الجنوب اللبناني، فكان الاصطدام طبيعياً بينه وبين الفرنسيين، وقد بدأ بشكل عَرَضي وبالصدفة، عندما رأى جندياً فرنسياً يعتدي على مواطن لبناني ويضربه، وتطور لاحقاً إلى معارك عديدة خاضها برفقة مجموعة من الشبان المتحمّسين الذين انضمّوا إليه، أوقع فيها عشرات القتلى والجرحى في صفوف الجيش الفرنسي، بالتعاون مع صديقه صادق الحمزة والمجموعة التابعة له، وصولاً إلى محاولة اغتيال الجنرال غورو في القنيطرة التي كان يزورها، التي أدّت إلى إصابة عدد من مرافقيه ونجاته بصعوبة، والتي بالإضافة إلى كونها تستهدف شخصية عسكرية كبيرة احتلّت دمشق، كشفت عن تزايد رقعة نشاط خنجر، الذي بدأ بالخروج من منطقة جبل عامل، ما أثار مخاوف الفرنسيين من تحوّله إلى ثائر عربي، وجعله من أوائل المطلوبين الخطرين لديهم.
كانت النتيجة الطبيعية لملاحقة الفرنسيين لأدهم خنجر أن يخرج نحو مناطق عربية مجاورة لمنطقته، فانتقل من الجولان إلى شرق الأردن، حيث منح البريطانيون عبد الله بن الشريف حسين مملكةً (هي الأردن اليوم)، لينتقل بعد ذلك إلى دمشق وينسّق مع ثوارها، ثم قصد قرية "القريا" في الجنوب السوري، مسقط رأس قائد الثورة السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش، الذي لم يكن موجوداً فيها في ذلك الحين، لتوقع به وشاية في أيدي الفرنسيين خلال فترة انتظاره الأطرش في منزله.
وخوفاً من تعرّضهم لكمين في الطريق البري من قبل مجموعات المقاومين المنتشرين بكثرة، وكي لا يفقدوا صيدهم الثمين، نقل الفرنسيون أدهم خنجر إلى دمشق بالطائرة، قبل أن يحوّلوه إلى سجن القلعة في بيروت، ويُعدم بعد ذلك في منطقة الروشة وهو لم يتجاوز الـ28 من عمره.
يُحسب لهذا الشريط الوثائقي الممتد لنحو 53 دقيقةً محاولته إعادة الاعتبار لأحد الثوار اللبنانيين المغيَّبين عن الذِّكر، خاصة لدى أبناء الجيل الحالي، حيث تخلو معظم مناهج التاريخ، غير الموحدة في لبنان، من ذِكره، كما أنّ اسمه لم يُمنح لشارع أو مدرسة، في الوقت الذي تحمل فيه شوارع كبرى في قلب بيروت أسماء جنرالات فرنسيين احتلّوا لبنان وقتلوا أبناءه!