هل ينجح التحالف الروسي الإيراني في الرهان على التوجه شرقاً؟

تكمن أهمية إيران، بالنسبة إلى روسيا، في موقعها الاستراتيجي في الخليج. فهي تقع عند حدود الجمهوريات السوفياتية السابقة في منطقة القوقاز، ومطلة على بحر قزوين، الأمر الذي يجعلها حليفةً استراتيجية لروسيا.

  • هل ينجح التحالف الروسي الإيراني في الرهان على التوجه شرقاً؟
    هل ينجح التحالف الروسي الإيراني في الرهان على التوجه شرقاً؟

خضعت العلاقة بين روسيا وإيران لمتغيرات في مراحل تاريخية متعدّدة، إلّا أن المتغير الأهم في تاريخ العلاقة كان تولي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قيادة الدولة الروسية عام 2000، بحيث اتسمت العلاقة بالتقارب الموضوعي بعد احتلال الولايات المتحدة أفغانستان عام 2001، واجتياح العراق عام 2003، الأمر الذي أقلق البلدَين على مصالحهما في كل من الشرق الأوسط وآسيا الوسطى والقوقاز، على رغم الخلاف بينهما في منطقة بحر قزوين.

التزمت روسيا، في تلك الفترة، قواعد سياسية قريبة من الغرب تجاه إيران، حتى إنها، في عام 2010، ألغت عقد تعاون لبناء محطة نووية في أثناء تولي مدفيديف الرئاسة بسبب ضغوط أميركية وإسرائيلية، الأمر الذي تسبب بأزمة بين البلدين، اقترحت روسيا في أثنائها تخصيب إيران اليورانيوم في موسكو إلّا أن إيران رفضت الاقتراح، وهو ما أدى إلى دعم روسيا عقوبات مجلس الأمن على إيران في الأعوام 2006، 2007، 2008 و2011، الأمر الذي أثّر في علاقات البلدين، وصولاً إلى تباطؤ موسكو في استكمال مراحل مفاعل بوشهر أكثر من 7 أعوام، فضلاً عن رفض تزويد إيران بالوقود النووي.

ساهمت أحداث الربيع العربي عام 2010 في التقارب بين البلدين بعد تحول في رؤية كل منهما لنتائج ما يحدث في الإقليم وانعكاساته على مصالحهما. وقف البلدان، أحدهما إلى جانب الآخر، بحيث هيمنت العوامل الجيوسياسية على سياسة إيران وروسيا في الشرق الأوسط، فكانت الطريق إلى التعاون في الملف السوري.

تكمن أهمية إيران، بالنسبة إلى روسيا، في موقعها الاستراتيجي في الخليج، فهي تقع عند حدود الجمهوريات السوفياتية السابقة في منطقة القوقاز، ومطلة على بحر قزوين، الأمر الذي يجعل منها حليفة استراتيجية لروسيا، التي يعمد الناتو إلى تطويقها انطلاقاً من الجمهوريات الروسية السابقة، وبينها ثلاث انضمت بالفعل إلى الناتو، وحاولت موسكو منع الجمهوريات الست من الانضمام إلى الناتو، وشكّل الأمر أولوية بالنسبة إليها.

ترسانة موسكو الضخمة من الأسلحة النووية والصاروخية جعلتها قوة مؤثرة في صناعة القرار الدولي ورسم خرائط المنطقة على رغم ضعف اقتصادها المتّكئ على النفط والغاز.

الحرب الأوكرانية والتعاون الإيراني الروسي عسكرياً وتقنياً

التعاون الروسي الإيراني في المجال العسكري تطور بصورة لافتة قبل الأزمة الأوكرانية، لكن الجسر الجوي لتقل الأسلحة عمّق العلاقة بين البلدين، بعد أن كان التعاون الاقتصادي وصل عام 2021 إلى 4 مليارات دولار، استفادت منه روسيا أكثر من إيران.

تمر روسيا في مرحلة انتقالية، بحيث لا توجد خريطة طريق لتحركها نحو الشرق، لكنها في المرحلة الحالية تخوض مع إيران تحديات تخطّي العقوبات. فالدولتان، تحتاج إحداهما إلى الأخرى، على الصعيدين العسكري والامني. كان رد فعل الدول الغربية تجاه إيران بعد مساهمة الطائرات المسيّرة الإيرانية في الحرب الاوكرانية، عنيفاً، على رغم نفي طهران بيعها الطائرات المسيّرة لموسكو في إبان الحرب. وبدأت الولايات المتحدة تعبّر عن قلق من نوع خاص تجاه حجم هذا التعاون وأبعاده، فـ"المسيّرات الإيرانية تؤدي دوراً كبيراً في الحرب"، الأمر الذي أثار قلق "تل أبيب" وأوروبا.

روسيا، التي تحاول تخطي العقوبات الغربية والالتفاف عليها، لجأت إلى التحالف مع إيران والتنسيق معها، وكانت موسكو زوّدت طهران بأنظمة صواريخ "أس 300" المضادة للطائرات لحماية محطة الطاقة النووية في بوشهر في إطار التعاون العسكري الدي تخشى الولايات المتحدة تمدده وتأثيره، ولاسيما في مجال الأسلحة النووية والباليستية، لكن موسكو تلتزم الاتفاقيات الدولية في هدا الشأن.

التعاون العسكري مع إيران مهم لموسكو نظراً إلى الإمكانات العلمية والتقنية المتنامية لدى إيران في مجالات متعددة. أمّا "إسرائيل"، التي دانت الحرب الروسية وأفعالها في أوكرانيا، فهي تخشى تأثير العلاقة بين البلدين فيها، على رغم محاولة موسكو الموازنة في سياستها، إلّا أن الأخيرة تعمل من أجل مصالحها المرتبطة بمصالح إيران على الأغلب.

الاتفاق النووي والتعاون في مجال النفط والغاز 

الحدث الأهم ظهر مع توقيع غازبروم مذكّرة تفاهم مع شركة النفط الوطنية الإيرانية لاستثمار 40 مليار دولار في قطاع النفط والغاز الإيرانيين. يشكّك الخبراء الغربيون في استفادة روسيا من توظيف غازبروم المليارات في قطاع الغاز الإيراني بسبب العقوبات والحاجة إلى التكنولوجيا غير المتوافرة لدى كلا الطرفين الروسي والإيراني، ويشككون في قدرة طهران على بناء محطة غاز طبيعي مسال بمساعدة روسيا كون التكنولوجيا موجودة في أوروبا واليابان.

وكان مدير مؤسسة النفط الوطنية الإيرانية، محسن خجسته، بيّن أن "الاتفاقية الكبيرة الموقعة بين شركة النفط الوطنية الإيرانية وشركة غازبروم" تشمل:

-  الاستثمار في تطوير حقول النفط والغاز الإيرانية.

-  استثمار روسيا في استكمال مشروع إيران "أل أن جي" الغازي.

-   مقايضة الغاز.

-   مقايضة المشتقات النفطية.

-   بناء خطوط الضغط العالي للتصدير.

-   نقل التكنولوجيا المتعلقة بقطاع النفط والغاز.

لم تغادر روسيا السوق الإيرانية حتى بعد فشل الاتفاق النووي، وهي تنشط حالياً في الحقول الإيرانية على رغم الحظر الغربي المفروض على البلاد، وهي تستفيد من خدمات شركات المقاولة الإيرانية.

الرهان الغربي على إضعاف روسيا وإيران ومآل الاتفاق النووي

يراهن الغرب على تغيرات في الداخل الروسي وصعوبات اقتصادية يمكن أن تمر فيها موسكو. يجادل بوتين في حديثه للداخل في أن الغرب سعى لاستخدام أوكرانيا نقطةَ انطلاق لغزو روسيا وتدميرها، وبذلك صوَّر الهجوم على أوكرانيا على أنه ضربة استباقية ضد العدوان الغربي.

ويرى كثير من السياسيين والمحللين والمسؤولين الروس أن الغرب يمر في مرحلة ضعف وتراجع، وليس في أفضل أحواله، فحلف الناتو ليس على قلب رجل واحد، كما أن الاتحاد الأوروبي نفسه منقسم بشأن القضية الأوكرانية.

أمّا استناد الغرب إلى إمكان تأثير الاحتجاجات الداخلية في إيران من أجل إضعاف السياسة الخارجية، والتصويت مند أيام على إخراجها من هيئة حقوق المرأة في الأمم المتحدة، والذي جاء باقتراح من الولايات المتحدة والدول الغربية، فأمر ردت عليه طهران باعتباره تدخلاً في شؤونها الداخلية، ولاقته الحكومة الإيرانية لتعلن، على لسان محمد دهقان، مساعد الرئاسة الإيرانية للشؤون القانونية، بعد نشر مقالات عن ضرورة إجراء استفتاء بشأن الدستور، بالقول "إن إجراء الاستفتاء بشأن الدستور ممكن عند الضرورة، وذلك عندما تنعم البلاد بالأمن والاستقرار، لكن ليس على وقع أعمال الشغب المستمرة كونه لن يصب في مصلحة البلاد".

التشكيك في مبادرة موسكو إلى إحياء الاتفاق النووي يوحي بأنها لن تستفيد في حال عودة إيران إلى الاتفاق النووي، مع العلم بأن الاتفاقات المعقودة بين الطرفين الإيراني والروسي تفيد بالعكس.

إنّ البحث في الاتفاق لا يزال على الطاولة، والمفاوضات وتبادل الرسائل مستمرة مع الولايات المتحدة، بهدف التوصل إلى اتفاق قوي ومستدام، بحسب تأكيدات وزير الخارجية الإيراني على رغم التوترات مع الدول الأوروبية.

فهل تراهن حكومة رئيسي على التوجه شرقاً بعد أن كان شعار إيران الثورة: لا شرقية ولا غربية؟

يأتي توجه حكومة إبراهيم رئيسي إلى مضاعفة مستوى العلاقات بالصين وروسيا ضمن خطة استراتيجية يتحرك فريقه بصورة حثيثة لتنفيذها بغية إبطال تأثير العقوبات الأميركية في الاقتصاد الإيراني، أو تحييد تأثيرها على الأقل.

الرهان على التوجه شرقاً أتى بعد فشل تيار الاعتدال وحكومة روحاني في العلاقة بالغرب، بعد فشله في حماية الاتفاق النووي وتجاوز تبعات انسحاب حكومة ترامب منه عام 2018.

تريد إيران إنجاز اتفاق في محادثاتها النووية، لكنها تتحرك بحذر شديد، وتضع في اعتبارها إمكانات فشل التوصل إلى اتفاق من شأنه إزالة العقوبات. لذلك، فهي تبحث عن بدائل وخيارات خارج السياق الأميركي والسياق الغربي، فمنظومة المصالح الواقعية وحدها تحدد البوصلة.

حلف الناتو يحاول التمدد باتجاه الشرق قرب حدود روسيا، عن طريق ضم أوكرانيا، وروسيا الاتحادية ترفض ذلك وتطالب بضمانات أمنية، فتعترف بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، وتطلق عملية عسكرية في إقليم دونباس، بسبب قصف القوات الأوكرانية المتكرر على الإقليم.