هل يمنح تحالف "سنتينال" البحرينَ دوراً إقليمياً؟
إنَّ مسار الاحتكاك بين الكيان الصهيوني وإيران هو مسار حرب، وإن لم تقم حالياً بشكلها الكبير والنهائي.
حين كثر الجدل حول إيفاد الكيان الصهيوني ضابطاً كبيراً في بحريته إلى البحرين، وبصورة دائمة، أصدرت وزارة الخارجية البحرينية في 12 شباط/فبراير الجاري بياناً توضيحياً قالت فيه: "تؤكّد وزارة الخارجية في مملكة البحرين أنَّ ما تم تداوله في بعض وسائل الإعلام الأجنبية عن إلحاق ضابط إسرائيلي يأتي في إطار ترتيبات متعلّقة بتحالف دولي يضمّ أكثر من 34 دولة، ويقوم بتأمين حرية الملاحة في المياه الإقليمية للمنطقة، وحماية التجارة الدولية، ومواجهة أعمال القرصنة والإرهاب في المنطقة".
تشير الوزارة إلى تحالف "سنتينال" الذي أُعلن في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2019، والذي يضمّ 34 دولة، منها أميركا والسعودية والإمارات والبحرين وبريطانيا وأستراليا وألبانيا، وتتمثل مهمته الرئيسية، كما أُعلن، بحماية الممرات المائية في مياه الخليج، ومضيق هرمز، مروراً ببحر عمان، ووصولاً إلى باب المندب في البحر الأحمر.
قبل البدء بقراءة مهام هذا التحالف، ثمة تعليق لا بد منه على بيان وزارة الخارجية، وهو أنَّ لغته وتوقيته جاءا في سياق التبرير، كأنَّ الأمر لا يعني السلطة إلا من جهة التنسيق، وأنَّ مهام الضابط الصهيوني تختصّ بالحلف المذكور فقط.
ظروف نشأة الحلف ودلالاته
أُعلن عن هذا الحلف الأميركي في منتصف العام 2019، أي بعد أشهر من بدء حرب الناقلات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان الصهيوني، والتي انطلقت في كانون الثاني/يناير من العام نفسه.
جاء الحلف بعد أن تبيّن بوضوح أن اليد الطولى في مضيق هرمز وبحر عمان وأجزاء من البحر الأحمر تعود لإيران، وأنَّ التغطية العملانية في مسح التحركات ورصدها لدى طهران ليست أقلّ من مثيلاتها المتوفرة عند الولايات المتحدة الأميركية. وحين أرادت واشنطن ولندن بجلالة قدر بحريتهما التحرش بحرس الثورة لم يُتَح لهما المجال، فكيف بالكيان المؤقت؟
هذه الظروف المتراكمة صنعت حلف "سنتينال"، وهو حلف موجّه، في شكله ومضمونه وأعضائه وتوقيته وطريقة نشوئه، ضد إيران، لكن اللافت أن اسم "إسرائيل" لم يرِد ضمن الأسماء المعلنة للحلف. لقد قيل إنه يضم 34 دولة، لكن لم يُذكر من تلك الأسماء إلا عدد قليل، كأنَّ أميركا كانت تنتظر أن تنضج الأمور أكثر وتتهيأ بصورة أفضل للإعلان عن حقيقة الأمر.
ولعلَّ هناك ربطاً في هذا السياق بورشة "السلام" التي عقدت في البحرين في 25 حزيران/يونيو 2019، والتي كانت معنية بعرض الجانب الاقتصادي من "صفقة القرن". حينها، قال مستشار دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنير في كلمته: "التوافق على مسار اقتصادي هو شرط مسبق ضروريّ لحلِّ المسائل السياسية التي لم يتمّ إيجاد حل لها من قبل"، وأضاف: "التوصل إلى حل سياسي هو أمر لا يمكن تجاوزه"، بحسب تعبيره.
البحرين ورئيس وزراء العدوّ الصّهيونيّ
التبرير الَّذي ساقته وزارة الخارجية في إيفاد ضابط إسرائيلي إلى البحرين تبيَّن أن لا معنى له، فالحلف المقام من أجل أمن الكيان الصهيوني تحت ذريعة "أمن الملاحة البحرية الدولية"، والضابط الصهيوني الذي سيأتي إلى البحرين بصورة دائمة لهذا الهدف، لا يختلف في أيِّ شيء عن الحديث الذي ضجَّت به وسائل الإعلام الإسرائيلية وتناولته وسائل التواصل الاجتماعي، بالقول إن لهذا الضابط حيثية في السياسة الأمنية - على أقل تقدير - لمملكة البحرين.
هذا الأمر تأكَّد في مقابلة رئيس وزراء الكيان مع صحيفة "الأيام" البحرينية في 15 شباط/فبراير الجاري، وهي أول صحيفة خليجية تجري لقاء مع رئيس وزراء في كيان العدو، إذ قال نفتالي بينيت حول إيران والتعامل معها: "إسرائيل والبحرين تتعاملان مع تحديات أمنية كبيرة تنبع من المصدر نفسه، هو الجمهورية الإسلامية في إيران. إيران تزعزع الاستقرار في المنطقة بأسرها، وتدعم التنظيمات الإرهابية التي تعمل في منطقتكم ومنطقتنا من أجل تحقيق هدف واحد، هو تدمير الدول المعتدلة التي تهتم برفاهية شعوبها وتحقيق الاستقرار والسلام، ونصب تنظيمات إرهابية متعطشة إلى الدماء في مكانها". وأضاف: "لن نسمح بذلك. نحن نقاتل إيران وأتباعها في المنطقة ليلاً ونهاراً، وسنساعد أصدقاءنا في ما يخص تعزيز السلام والأمن الاستقرار، كلما طُلِب منا ذلك".
إذاً، يحاول المسؤولون في البحرين التواري وراء المواربة، التي ترجمتها وزارة الخارجية واختصرتها في بيانها الذي أشرنا إليه. هذه المواربة تناقض ما سرّبته القناة الإسرائيلية (قناة 13) والموقع الفرنسي المتخصّص في الشؤون الأمنية "Intelligence Online". والأهم أنها لا تتسق مع طبيعة الاتفاقيات المبرمة مع الكيان، ولا تتناسب مع تصريحات نفتالي بينيت الَّذي أشار صراحة إلى إمكانية اعتماد البحرين على "إسرائيل" عسكرياً بالقول: "على مدار السنوات الأخيرة، قمنا بتعزيز تعاوننا العسكري مع دول في المنطقة، سواء كانت عربية أو غير عربية. نفهم جميعاً أننا نواجه التحديات ذاتها، فلماذا لا نعمل سوياً على صدّها؟ إسرائيل دولة قوية يمكن الاعتماد عليها"، وفق تعبيره.
مسار الكيان الصهيوني مع إيران
إنَّ مسار الاحتكاك بين الكيان الصهيوني وإيران هو مسار حرب، وإن لم تقم حالياً بشكلها الكبير والنهائي. هذا المسار يتخذ أشكالاً عديدة، من قبيل الاغتيالات أو الحروب السيبرانية أو حرب الناقلات، فضلاً عن الحروب النفسية والإعلامية والسياسية.
هذا المسار أُدخلت فيه البحرين مقابل إغراءات أمنية واقتصادية. ومهما كانت تفسيرات وجود ضابط إسرائيلي من البحرية الصهيونية في المنامة بصورة دائمة، فإن العنوان المشترك بين كل التفسيرات يتّجه صوب إيران، لكونها وجهة الصراع من قبل الكيان المؤقت الذي لا يمكن أن يعتاش أو تطول فترة بقائه من دون التفكير في الإضرار بعدوه اللدود المتمثل بالجمهورية الإسلامية.
هل هذا سبب دعم الديكتاتورية في البحرين؟
من المعروف أنَّ الدول الغربية، وعلى رأسها أميركا، تدعم الديكتاتورية في البحرين، وتعلم عن تفاصيل القمع الوحشي والانتهاكات الجسيمة التي تجري داخل السجون. هذه التغطية السياسية لهذا النظام تُرجم ثمنها في هذه الخطوات المتسارعة في تحويل البلاد إلى منصة صراع، لأنَّ الأميركي والبريطاني يعرفان تماماً أن الشعب سيقف حجر عثرة أمام هذا النوع من التلاعب في تموضع البلد على مستوى الإقليم، ما يعرض المنامة لأخطار غير محسوبة.
الدّور الإقليميّ للبحرين بين الإعلام والحقيقة
لقد استُخدمت البحرين كمنصّة للأسطول الخامس من دون أن يضيف الأخير إلى دورها السياسي إقليمياً أي بُعد آخر، وستكون منصة للقوات الإسرائيلية أو لحلف "سنتينال" من دون أن يكون لها ثقل سياسي أيضاً. نعم، قد تُعطى صورة شكلية في الإعلام، كسردية "البحرين تضطلع بدور مهم"، من دون أن يقدم ذلك أيّ أثر نافع أو تأثيراً سياسياً للمنامة في الإقليم.
وكما أشار الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في كلمته يوم الأربعاء 16 شباط/فبراير بقوله إنَّ زوال الكيان الصهيوني تؤكّده الوقائع والمؤشرات، كما يؤكّده كلام قادة الكيان الغاصب المبني على المعلومات الداخلية والمؤشرات الاجتماعية للمستوطنين، فإن التعلّق بكيان كهذا يؤدي إلى مصير يتناسب مع سنخ بقائه، فالفاني لا يمد غيره بالبقاء، والمعتمد على الكيان الصهيوني إنما يبني سياساته على الرمال المتحركة.