هل يعد لقاء النقب "قمّةً"؟ وما موقعه من العمليات الفدائية الأخيرة؟
جاء لقاء النقب ليشكل محاولة أميركية صورية لتهدئة روع الكيان المؤقت من التحولات الإقليمية الجارية؛ تحولات يدرك الكيان أنها ليست في مصلحته.
لم يكن للقاء السداسي الذي عُقِد على أنقاض بيوت الفلسطينيين في النقب المحتل من اسمه نصيب، فالسقوط إلى الدرك الأسفل لا يسمى قمةً، اللهم إلا إذا كان القصد أنها كانت قمةً في الوقاحة. حتى سياسياً، لا ينطبق على لقاء وزراء خارجية وصف قمة.
لكن لعلَّ المبالغة في الأوصاف كان مردّها إلى التغطية على هزالة نتائج هذا اللقاء المثير للاشمئزاز، الذي يُجمِع على إدانته الفلسطينيون وكل القوى الحية في عالمنا العربي والإسلامي، فماذا إذاً كانت نتائج هذا اللقاء؟
قال المجتمعون إنهم ناقشوا بشكل رئيسي "خطر إيران وأذرعها في المنطقة"، في إشارةٍ إلى مخاوفهم من مرحلة ما بعد عودة أميركا إلى الاتفاق النووي. ومن المعلوم أن الكيان المؤقت كان قد سَلَّم بعدم قدرته على تغيير توجُّه إدارة بايدن في العودة إلى الالتزام ببنود الاتفاق النووي، وبأن جلَّ ما يطمح إليه في هذه المرحلة المتقدمة من مشاورات فيينا بات إقناع أميركا بعدم الرضوخ للمطلب الإيراني في رفع حرس الثورة الإسلامية من قائمة العقوبات الأميركية.
لكن ما ظهر من تصريحات وزير الخارجية الأميركية في لقاء النقب كان يشير إلى فَشَل الكيان في هذا المسعى. وقال وزير الخارجية الأميركية إنَّ إيران دولةٌ إقليميةٌ، سواء باتفاقٍ نووي أو من دونه، ويختصر هذا قناعة إدارة بايدن بعجز أميركا – على الأقل على المدى المنظور - عن تغيير وجه الثورة الإسلامية في إيران، وسعيها عوضاً عن ذلك إلى محاولة التعامل مع هذه الحقيقة بوسائل أكثر واقعية.
أما المنحى الآخر الَّذي حاول المجتمعون تظهيره، فهو حديثهم عن ترتيباتٍ أمنيةٍ مشتركةٍ بين الكيان المؤقت والمعسكر الصهيو-عربي، وعن أحلافٍ عسكريةٍ في ما بينهم، والمستهدَف دوماً هو الجمهورية الإسلامية في إيران وسائر قوى المقاومة في الإقليم. هذا المنحى حاولت مصر التمايز عنه عبر ما قاله وزير خارجيتها، حين أشار إلى أنها لا تسعى للدخول في أيَّة تحالفاتٍ إقليميةٍ، وأنّ حضورها لقاء النقب يأتي في سياق تدعيم العلاقات الدبلوماسية.
ورغم خطورة الإعلان عن منحى كهذا، لكونه يمثل محاولةً سافرةً لجعل الكيان المؤقت شريكاً علنياً في النظام الرسمي العربي، عوضاً عن كونه عدواً عضوياً للأمة العربية والإسلامية، وتهديداً وجودياً لمستقبل الوطن العربي والإسلامي، وخطراً على أمنه القومي، ورغم كون هذا المنحى يمثل انقلاباً على اتفاقيات الدفاع المشترك العربية، علماً أنَّ هذه الاتفاقيات ما كانت يوماً إلا حبراً على ورقٍ، رغم هذه المخاطر، فإنَّ الكيان المؤقت في وضعه الراهن ليس قادراً على تأمين أي حمايةٍ فاعلة لتلك الأنظمة العربية المتصهينة، وتلك الأنظمة من ناحيتها لا تملك ما تقدمه للكيان من أجل إحداث تغييرٍ حقيقيٍ في موازين القوى الراهنة بين الكيان المؤقت وقوى المقاومة، وهي التي أخفقت في تحييد أراضيها عن تبعات عدوانها على اليمن، رغم كل الدعم الأميركي العسكري لها.
لذلك، جاء لقاء النقب ليشكل محاولة أميركية صورية لتهدئة روع الكيان المؤقت من التحولات الإقليمية الجارية؛ تحولات يدرك الكيان أنها ليست في مصلحته، سواء عادت أميركا إلى الاتفاق النووي أم لم تَعُدْ، فلا التقاط الصور التذكارية في لقاء النقب المخزي يمنح الاحتلال مشروعيةً إضافيةً، ولا عناق الخائبين يعد خطوةً متقدمةً في مشروع "الإبراهيمية". هذان الأمران يلزمهما أولاً قلب موازين القوى رأساً على عقبٍ في الميدان لمصلحة الكيان المؤقت والمحور الصهيو-عربي.
ولعل في تزامُن 3 عملياتٍ نوعيةٍ في قلب الكيان المؤقت مع لقاء النقب المخزي، إشارة إلى ساحة الفعل الحقيقية التي تُرسَم فيها معادلات المرحلة القادمة، فالجمع الخائب في النقب لن يكبح تصاعد الاحتقان في الداخل الفلسطيني، الذي يهدد بتحوله إلى انتفاضة ثالثة في أي لحظة.