هل يشهد عام 2023 صفقة تبادل للأسرى مع حكومة نتنياهو؟
ثمة مؤشرات تعكس جدية نتنياهو بشأن استكمال المفاوضات في ملف تبادل الأسرى بعد طلبه ملف المفاوضات مع حركة حماس من رئيس الحكومة السابق يائير لبيد رسمياً.
أثار الفيديو الأخير للجندي الإسرائيلي أفرهام منغستو المأسور لدى حركة حماس في قطاع غزة منذ سنوات، والذي طالب فيه حكومة نتنياهو ورئيس الأركان الإسرائيلي الجديد هرتسي هليفي بالعمل على إطلاق سراحه وإغلاق ملف التبادل وإبرام صفقة تبادل تضمن الإفراج عنه وعن الجنود الإسرائيليين الآخرين ردود فعل إسرائيلية كبيرة وواسعة، وتسبب بتكهنات أعادت إلى المشهد طرح سؤال مهم: هل يشهد عام 2023 تنفيذ صفقة تبادل للأسرى بين حماس و"إسرائيل"؟
بَثُ هذا الشريط جاء في توقيت مهم جداً، في وقت تتصاعد التظاهرات الرافضة لحكم اليمين المتطرف وسيطرته على مقاليد الحكم في "إسرائيل"، وتزامناً مع الاعتراف الصريح لرئيس الأركان السابق أفيف كوخافي بإخفاقه في إغلاق ملف تبادل الأسرى خلال ولايته التي انتهت قبل أيام، والتي أقرَّ فيها بتوقف المفاوضات عند نقطة ما، قبل أشهر قليلة في القاهرة.
التوقيت الذي عرضت فيه كتائب القسام، الجناح العسكري في حركة حماس، فيديو منغستو، يعدّ استقبالاً يليق برئيس الأركان الإسرائيلي الجديد هليفي، ويحمّله مسؤولية فشل رئاسة الأركان السابقة، لكنه في الجهة المقابلة يعطي نتنياهو مبرراً لاستكمال مسار المفاوضات الذي بدأ في عهد الحكومة الإسرائيلية السابقة بزعامة بينيت - لابيد وتوقف لظروف متعددة، ويمنع أيّ ضغوط من اليمين الصهيوني المتطرف داخل حكومته، ويجعل تحريك قضية الجنود الأسرى مجدداً قضية حاضرة وتشغل الرأي العام الإسرائيلي، وصولاً إلى إبرام اتفاق حول قضية الأسرى، وهذا ما سيعتبره نتنياهو إنجازاً سريعاً لحكومته.
ثمة مؤشرات تعكس جدية بنيامين نتنياهو بشأن استكمال المفاوضات في ملف التبادل بعد طلبه مؤخراً ملف مفاوضات تبادل الأسرى مع حركة حماس بشكل رسمي من رئيس الحكومة السابقة يائير لبيد، وعزمه على تعيين منسق جديد للأسرى والمفقودين الإسرائيليين بعد استقالة الرئيس القديم لفشله في إحراز تقدم في هذا الملف، وهو ما يعني أنَّ مفاوضات تبادل الأسرى ستحتل أولوية لدى نتنياهو خلال الفترة المقبلة تمكّنه من استثمار مناسب له أمام حالة الضعف التي يمر بها، إذ يرى أنّ قراراً بشأن إعادة جنوده سيشكل له مخرجاً قوياً ينهي تماسك معارضيه ضده داخل الائتلاف الإسرائيلي.
تأثير اليمين الإسرائيلي المتطرف في مسار استئناف صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس لن يكون كبيراً، كما يتوقع البعض، إذ إنَّ معظم صفقات التبادل تمَّ مع اليمين الإسرائيلي، ولن يكون للمتطرفين (بن غفير وسموتريتش) صلاحيات معارضة قوية، وما حصلوا عليه من صلاحيات وامتيازات جراء اتفاقيات الائتلاف أهم، من وجهة نظرهم، من صفقة تبادل يمكن أن يبرمها نتنياهو، وهو يحتاج إليها في هذا التوقيت كي يبيعها لرأي العام الإسرائيلي ليسجل نقاطاً سريعة لمصلحته.
ما سيعطي نتنياهو دافعية أكبر للمضي في هذا المسار هو تصريح كوخافي الأخير وإقراره بوجود مفاوضات قائمة بشأن الجنود الأسرى مع حركة حماس لكنها توقفت، وهذا ما يفسر وجود قرار بالإجماع داخل مؤسسة "جيش" الاحتلال الإسرائيلي بإنهاء هذا الملف وإعادة الأسرى من قطاع غزة.
لذلك، سيدعم هرتسي استكمال المفاوضات انطلاقاً من قاعدة أساسية مفادها أنّ كلّ الحكومات الإسرائيلية تدعم "الجيش" عندما يتوصّل إلى صفقة بصرف النظر عن طبيعة الحكومة القائمة. أما جعجعة بن غفير وسموتريتش، فلن توقف الصفقة في حال تم استكمالها، لأن عودة الجنود مهمة لعائلات "الجيش"، و"إسرائيل هي جيش له دولة".
استمرار تحكّم كتائب القسام في ملف جنود الاحتلال الأسرى لديها منذ عام 2014 يعدّ نقطة تفوق كبيرة لها أمام المنظومة الإسرائيلية، وإنجازاً تاريخياً يتمثل بتفوق صراع العقول، ويعكس قدرة المقاومة على المناورة سياسياً في هذا الملف، كما يعكس فشلاً أمنياً واستخباراتياً كبيراً ونكسةً لـ"إسرائيل" و"جيشها" واستخباراتها التي تتباهى بقدراتها أمام العالم في الوصول إلى أيّ معلومة عن مصيرهم أو حياتهم، وهذا ما جعل "إسرائيل" ترضخ وتجلس إلى طاولة المفاوضات غير المباشرة من خلال الوسيط المصري قبل عدة أشهر.
السياق العام لملفّ تبادل الأسرى بين حماس و"إسرائيل"، انطلاقاً من التهديد الذي أطلقه يحيى السنوار في الآونة الأخيرة بإغلاق ملف الجنود الإسرائيليين لدى "كتائب القسّام" إلى الأبد، مروراً بما صرح به المتحدث باسم كتائب "القسّام" أبو عبيدة في الآونة الأخيرة حول سريان قرار زيادة غلة الجنود الأسرى في ظل تعنت الاحتلال الإسرائيلي في ملف تبادل الأسرى، وصولاً إلى فيديو الجندي الإسرائيلي منغستو، يعكس رغبة حقيقية لدى حركة حماس في الذهاب إلى صفقة لتبادل الأسرى.
وترجح في الاتجاه نفسه تداعيات بث شريط الفيديو للجندي منغستو أن يذهب نتنياهو إلى إبرام صفقة تبادل مع حركة "حماس"، لتحقيق هدفين أساسيين.
الهدف الأول: يتمثَّل بتحييد قطاع غزة عن التحديات الأمنية التي تواجهها "إسرائيل" في الضفة الغربية والقدس والمناطق المحتلة عام 1948، وعدم الرغبة في الدخول بمواجهة عسكرية مفتوحة مع المقاومة الفلسطينية مجدداً.
الهدف الثاني: يتمثّل باعتقاد موجود لدى بنيامين نتنياهو حول قوته وسلطته، وأنه الأكثر جدارةً وقدرةً على اتخاذ قرار حاسم في إنهاء هذا الملف، وخصوصاً أن هؤلاء الجنود أُسِروا في عهد حكومته السابقة.
هل تتعثر المفاوضات حول تبادل الأسرى؟
الخطوط العريضة لتطوّرات ملف تبادل الأسرى تشير كلّها إلى أن عام 2023 من المرجح أن يشهد صفقة تبادل أسرى جديدة بين حركة حماس و"إسرائيل"، إلا إذا تعثر هذا الملف أو وصل إلى طريق مسدود مجدداً، فهذا يعني أنَّ الأوضاع ستكون قابلة للانفجار في غزة في أيّ لحظة نحو مواجهة عسكرية مفتوحة تكسر قواعد الاشتباك، إذ إنَّ من الصعب على القطاع أن يستمر بحال الهدوء في حال ارتكبت "إسرائيل" جرائم كبيرة تمسّ المسجد الأقصى، أو ترتبط بالتهجير في النقب والجليل، أو الضم في الضفة الغربية، أو أي مجازر بحق الفلسطينيين في ظل حكومة إسرائيلية متطرفة فاشية.
سيناريو المواجهة، في حال تم، سيعيد الكرّة مرة أخرى، وسيلزم نتنياهو بشكل أكبر ببذل جهود لإعداد سيناريو صفقة تلي هذه المواجهة، فنتائج أي مفاوضات مرتقبة بعد بثّ فيديو منغستو في ظل إعلان الوسيط المصري استعداده لرعايتها مجدداً، وتطورات الميدان في الضفة الغربية والقدس وباقي الأراضي الفلسطيني المحتلة، ستكون هي المحدد الرئيس للسيناريوهات المتوقعة.