هل من تغييرات جذرية مع الرئيس الإيراني بيزشكيان
أثبتت الدولة والنظام في إيران أنهما يعملان في إطار مؤسسي وما يسعى إليه النظام هو دولة قوية ذات نفوذ يتجاوز حدودها وقادرة على التكيّف من أجل مصالحها.
كان الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي متوافقاً مع وزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان في السياسة الخارجية والداخلية، فهما كانا ينتميان إلى مدرسة فكرية واحدة بحكم التجربة السياسية المعيشة وليس النظرية فقط، وأظهرا تماثلاً في التعامل مع الأزمات وحلّ المشكلات، لكنّ القدر كان بانتظارهما. وفي كتابه الأخير "صبح الشام" كان أمير عبد اللهيان قد أوضح موقف إيران من الحرب في سوريا بشكل وافٍ، وعلاقة إيران بسوريا ومصر وتركيا وبلدان "الربيع العربي" بشكل مسهب يشرح فيه سياسة إيران.
بعد رحيل رئيسي وأمير عبد اللهيان أكّدت إيران أنها قادرة دوماً على استعادة توازنها والمضي، وأعلن نائب الرئيس بتوجيه من المرشد عن إجراء انتخابات خلال أقلّ من 50 يوماً المسموح بها بموجب الدستور. وأثبتت الدولة والنظام أنهما يعملان في إطار مؤسسي وما يسعى إليه النظام هو دولة قوية ذات نفوذ يتجاوز حدودها وقادرة على التكيّف من أجل مصالحها.
وفي يوم 5 تموز/يوليو انتخبت إيران مرشّحاً إصلاحياً للرئاسة في الجولة الثانية، فاز مسعود ببزشكيان المرشح الإصلاحي طبيب القلب ووزير الصحة في عهد الرئيس خاتمي بـ 55% من أصوات الناخبين، وحصل على ما يزيد على 17 مليون صوت، فيما حصل منافسه، سعيد جليلي، على أكثر من 13 مليون صوت، وفق نتائج نشرتها وزارة الداخلية، ولم يكن تعاضد التيار الإصلاحي هو العامل الوحيد الذي دفع مسعود بيزشكيان إلى الفوز على المحافظ الأصولي سعيد جليلي.
بل تمكّن من الفوز أيضاً بأصوات المحافظين المعتدلين، في وقت لم يتمكّن جليلي من توحيد المحافظين حوله على الرغم من دعم محمد باقر قاليباف له في الجولة الثانية، إلا أنّ مساعدي قالبباف عملوا لصالح بيزشكيان. كان خطأ المحافظين أنهم لم يتفاهموا على دعم شخصية واحدة بل تشتّت أصواتهم، وكان بإمكانهم لو فعلوا الفوز في الجولة الأولى من الانتخابات.
كان مجلس صيانة الدستور أكثر ميلاً لمرشّح إصلاحي آخر هو إسحق جهانغیري، لكن يبدو أن السيد خامنئي قرأ في بيزشكيان خياراً أفضل فيما يتعلّق بالمرحلة المقبلة في إيران، من حيث حالة الاحتقان التي يشهدها المجتمع الإيراني خاصة على الصعيد الاقتصادي الاجتماعي.
لا يمكن اختزال وحصر كلّ ما يجري في إيران في التناقض بين الإصلاحيّين والمحافظين أو إسناد التطوّرات الحاصلة بالكامل إلى هندسة النظام للانتخابات، لأنّ هذا يعني تجاهل الديناميكيات والتناقضات الداخلية للمجتمع الإيراني، وهي حيوية خاضعة لمتغيّرات عديدة ولا يمكن حصر السياسة بتيارين، فهناك في داخل هذه التيارات حراكات واسعة تعبّر عن نفسها ويمكن ألّا تشارك في الانتخابات اعتراضاً.
لكن ما هي النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات؟
· يمكننا القول إن النظام تمكّن من دفع الإيرانيّين لدعم التنافس بين المرشّحين زادت نسبة الإقبال على التصويت إلى 50%، وهي أعلى نسبة منذ الانتخابات الرئاسية لعام 2017. وحازت قضية حظر المواقع في إيران على جزء كبير من مناقشات المرشحين، وانتقل النقاش السياسي إلى الفضاءات الافتراضية التي كانت محوراً في المناظرات السياسية.
· لا يمكن اعتبار جميع الذين لم يصوّتوا في عداد الإصلاحيّين، فمنهم من هو غير مهتم بالانتخابات بتاتاً، أما الجزء المهتمّ بالتغيير السياسي فهو غير متجانس، ومنهم من لا يثقّ بالسياسيين، لكنهم لا يشكّكون في شرعية النظام. أما الشرائح المحافظة في المجتمع فهي كانت تصوّت لفترة طويلة، بدافع من التزامها الديني، لكنّ أصواتها تشظّت.
· من الملاحظ انحسار البيئة الحاضنة للتيار الإصلاحي وبروز عدم تماسك لدى تيار المحافظين قادة واتجاهات. بدا المجتمع الإيراني وكأنه يسعى لتخطّي هذه التيارات إلى أخرى جديدة والذهاب إلى مرحلة جديدة في عمر الجمهورية.
المحافظات ذات الأغلبية العرقية الأذرية ساهمت بشدة بفوز بزشكيان، وبدا ذلك جليّاً في نتائج محافظات أذربيجان الشرقية وأذربيجان الغربية وأردبيل وزنجان بحسب نتائج وزارة الداخلية، وهي لم تصوّت لجليلي وفي مسقط رأس خاتمي لم يتمّ التصويت لبيزشكيان بل لجليلي.
· قد يسهّل فوز بيزشكيان وتعيين وزير خارجية جديد الحوارات الجارية مع الولايات المتحدة.
· يواجه بيزشكيان مهمة صعبة تتمثّل في إثبات أنه ليس نسخة جديدة من روحاني.
· أثبتت الحياة السياسية الإيرانية أنها تتسم بالمرونة والقدرة على استيعاب الصدمات وتوليدها.
ما هو شكل الحكومة والسياسات المتّبعة
هنَّأ آية الله السيد علي خامنئي الرئيس الإيراني المنتخب ودعاه إلى مواصلة نهج الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، ثمّة أسئلة حول السياسة التي سيتبّعها بيزشيكيان وهل ستحصل التركيبة الوزارية التي سوف يقدّمها لمجلس الشورى على الثقة؟
كان نهج رئيسي يقوم على تحييد العقوبات حتى مع استمرار الأزمة مع الولايات المتحدة الأميركية، مقاربة بيزشكيان للسياسة الخارجية تمّ إعدادها وصاغ طروحاتها المتعلّقة بالتفاوض والعقوبات والملف النووي والعلاقات مع الخارج، الوزير السابق محمد جواد ظريف وفريقه الذي تتناقض طروحاته في شقّ منها مع سياسة رئيسي، يرى الرئيس المنتخب ضرورة تحسين العلاقة مع واشنطن لحلّ مشكلات إيران، وهو بذلك يعود إلى مربّع سياسة روحاني الذي راهن على العلاقة مع الغرب شرطاً لحلّ مشكلات إيران، تشمل أولويات السياسة الخارجية لبيزيشكيان تنشيط الاتفاق النووي، وضمان إزالة العقوبات، لكنّ المعضلة الأهم هي إمكانية عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
ألغى ترامب الاتفاق النووي ولجأ إلى استراتيجية الضغوط القصوى. ولهذا السبب يصعب على بيزشكيان الدخول بسرعة في حوار مع الغرب من دون رؤية النتائج في الولايات المتحدة. وهو يسعى إلى التغلّب على العقبة المعنية بالإجراءات المالية.
الفريق الذي قاد حملة بيزشيكيان لديه تحفّظات أيضاً على طبيعة العلاقة مع الصين وروسيا، ويدعو إلى إعادة تعريف العلاقة، تحذير بيزيشكيان من فقدان التوازن في العلاقات مع الصين وروسيا قد يزعج موسكو وبكين، لكن لا شيء قد يتغيّر كثيراً على أرض الواقع.
لكنه يسعى إلى العمل مع منظمة التعاون الاقتصادي ومنظّمة شنغهاي للتعاون وبريكس، وإقامة علاقات مع أوروبا على أساس متبادل من الاحترام والمساواة، مع الصين وتطوير علاقات استراتيجية ومتوازنة مع روسيا. وهذا في جوهره موازٍ للاتجاهات السائدة خلال فترة رئيسي.
وكان كمال خرازي، مستشار المرشد للسياسة الخارجية قد أعرب عن استعداده لتقديم كلّ خبرات المجلس الاستراتيجية للعلاقات الخارجية للحكومة بما يتماشى مع الأهداف التي حدّدها بيزشكيان، لتطوير العلاقات على أساس الاحترام المتبادل والمساواة لحلّ المشكلات الناجمة عن العقوبات الغربية. ومن الممكن أيضاً اعتبار ذلك مساهمة من هيئة التوجيه للرئيس.
الرئيس الإيراني هو رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي، وهو فعّال في مجالات الأمن والطاقة النووية ومحور المقاومة وقضايا السياسة الخارجية الأخرى، لكنه ليس صاحب القرار المطلق.
نحن نتحدّث عن المؤسسة حيث يتمّ تشكيل المحور من خلال عملية معقّدة تتشكّل بين المؤسسات، وخاصة المجلس الوطني الأعلى للأمن، ومجلس الشورى (البرلمان)، ومجلس الخبراء، والحرس الثوري، والتي يكون لمكتب الإرشاد الكلمة الأخيرة فيها. لذلك من غير الواقعي أن نتوقّع تغييرات جذرية في الداخل والخارج مع الرئيس الجديد.